الرسالــة الأولــى:
إليــكِ..يمامتي البيضـاء..
أكتب إليكِ، كما وعدتُكِ ..أكتب إليك وكل جراحي نائمة، ووردتَا البنفسج والجوري جالستان إلى جانبي، تبلغانكِ تحاياهما، وتعدّان لكِ، زجاجةَ عطرٍ من نوع خاص، ستصلكِ مع خيوط الفجـر الأولـى.
لاتقلقي، لقد أقفلتُ الباب كما طلبتِ مني، ورتّبتُ حجرتي، وأعدتُ الزهورَ إلى مزهريتها المكسورة على مكتبي، حتى قناديلُ البيتِ أطفأتُها إلاّ قنديلا أخرس، ظلّ يرقبني وأنا أوزّع تفاصيل أحلامي على كل نجمةٍ ساهرة، وأوزع معها أوجاع العالم أيضا..!!
أنفّذُ ماطلبتِ مني حرفيا.. فتحتُ خزانةَ ملابسي أيضا، وأخذتُ، كما أوصَيْتِني، المعطفَ الذي صنعَتْه لي أمي، لأنني أعرف أن الخريف سينتقم مني ومنكِ، وقدّمتُ لذكرياتي الراقدة كوبا آخر من الحليب الدافئ، كي لاتسمع بوَقْعِ أناملي على الورق، واليراعُ يحاصرُ خـوفَ الحروف المشتعلة فيه..
ماذا عليّ أن أفعل أيضا قبل أن أغادر إليكِ ؟ حسنا، جمعتُ أوراقي ودواتي، وخبّأتُ دفتر مذكراتي بأدراج القلب، وهاأنذي الآن مستعدة، للرحيل معكِ، قبل أن تحسدنا الشمسُ وتحبسنا هنا، بمنتصف الحزن..
يمامتي البيضاء:
كل شيء ساكـنٌ هـنا، حتى الألوان التي سقطتْ خفية من قوس قزح، حين كان يتعهّدني بزيارةٍ قصيرة، حتّى الأحلام التي اختبأتْ بغرناطة، تفتش بين جدرانها وأعمدتها وأزقّتها عن الأفراح التي كانت..هاأنذي أستظلّ بطوقك من لظى الجراح التي تتبعنـا، فطيري بي إلى أرضكِ، ولاتنظري خلفكِ، لأن الزمان المرّ قد يتبعنا أيضا!!..امضي بنا إلى مضارب قبيلتِكِ..كما اتفقنا، وسآخذ معي شكلَ الصباح كي لاأنساه، وسآخذ قليلا من الرمال المبتلّة بالأحباب، ولن أنسى الملــح..
يمامتي الرقيقة، أنتِ السّكَنُ الأبيض، أنتِ نعمةٌ من نعم الرحمـن، كتبكِ لي رفيقةَ دربٍ، وضمادَ نزفٍ، وقلباً أخضرَ يشاطرني الأحـزان، لنحاربَها معاً..لاتبرحي مكانكِ، سأذهبُ الآن لأملأَ قلمي بالورد، وأنفض عن أوراقي ماعلِقَ بها من حكايا تشبهنـا..وسأزرع بحديقة الذاكرةِ بوحَ الخزامى، وحين تقتربُ الشمسُ بحقائبها من مينـاء الغروب، سأعود إليـكِ، لأكتبَ لكِ خطاباً آخــرَ ..فانتظريني...