ترى هل أكون قد وفيت؟؟؟!!!
________________________________________
أحبتي :
….هذه مشاركتي في فن الرسائل أضعها بين أيديكم، وهي رسالة إلى أبي الحبيب الذي علمني معنى الرجولة والإرادة وحب العربية، كونه أحد المختصين فيها؛ فهو معلم قديم للغة العربية وشاعر أيضا.. إليه هذه الرسالة مع حبي الكبير ..
وعنوان رسالتي:" ترى هل أكون قد وفيت؟؟!!"
بسم الله الرحمن الرحيم
أبي الحبيب:
السلام عليكم ورحمة الله وبعد،
.....فإنني أتوجه إليك وأنا أمضغ الأعذار حينا, وأفرش على صفحتي هذه اليتم في بعدك عني في أحيان أخرى، فقد توسدت يا أبي جسر المنافي بعيدا عن حضنك الدافئ، وفوق صدر الغربة أنحت اسمي الذي اقترن باسمك الحبيب، وبنزف مشاعر أمي التي أنجبتني ليوم كهذا، ومازلت أتوق لإشعال شمعة الرجوع، فقد كرهت الغربة القاتلة..
.....منذ الأزل والقدر اختارك أبا حنونا لي، وتنفسّت أعماقك منذ نطقت شفتاي اسمك الكبير.. أي وجد!... أي شوق!.. أي لهفة! في تلك الكلمة التي تسير في الدم عبر الأوردة؟
.....أبي: يا صوتا لم ينحنِ، يا صدى الذكريات الطويلة، يا معلقة ترحل عبر السنين الطويلة بأحرف من نور، يا موّالا دمشقيا شجيا، يبعث الحياة في الأوصال، يا قامة لا تعرف الذل، يا عبق النعناع في بستاننا الصغير، يا حبا لا يسعه الحب، ويا قلبا عطوفا لا تبرحه الهداية.
.....كنت طفلا وكانت يدك الحانية تشد على يدي، تحملني على جناح اللحظات بين التمني وأغنيات الوطن! و صدى صوتك ما يزال يداعب مسمعي:" الوطن الوطن يا ولدي " رضعتها منك منذ كنت صغيرا لا أكاد أميز حروفها، زرعتها في قلبي ووجداني مع هوى الكبرياء.. وكنت تقضم المآسي كي لا أرى أصداءها، فكبرت في دمي كالسنديانة الشامخة، وكبر معك الوطن.
....آه يا أبي !! نسيت أنني أوجه لك رسالة؛ فلتعذرني الحروف التي تحوم حول حماك ولا ترقى إليك.. من أين أبدأ رسالتي والحروف كالرمال؟ يقع عليها الغيث ولا يكاد يترك أثرا، والحرف يجرفني إلى أعماق روحك . كل مراكبي إليك تعطلت، والمحبة في دمي، ودمي يسير في شريان أحلامك التي أردتها لي !! الأفق أضيق من ميدان أحلامك. فهل تحققت أحلامك بعد أن رأيتني كبيرا؟ ..
....أحلامك العظيمة أغنية تضيء حروفها روحي، وتحضن عمري القصير، وتنشر فصولها في ذاكرتي؛ بها سعيت أن أسابق أيامي لأصنع البسمة التي أراها على شفتيك كلما ذكرت أمامك بخير.
....أواه يا عمرا طويلا تشبث بالباقيات من المآثر والحكم التي أرضعتنيها! فرحت أرجم حاضرا أسعى إلى صياغته كما أردته ولكن هيهات!!، وأصبحت ألوك أحزاني لأصنع فرحة تسحب الأوجاع من ضمير أيامك. فهل أكون قد وفيت؟؟!!
.....فوق رسالتي هذه تنحني أغصان حروفي كي تقبل ثرى قدميك.. وأراك دائما ترفعني وتحجب عني ذلك الحلم.. وتقول: أريدك يا بني أن تكون مرفوع الرأس دائما.. وإذا أبيت إلا ذلك فقبّل رأسي !!
....أتذكر يا أبي، حين كنت تلقنني وردك اليومي من آيات الله البينات، عندها لم أكن أفقه حتى ما تقول، وكنت أنت تعلم أنني لا أفهم !! اليوم فقط عرفت أنك تريد أن تصعد بي سلم العظمة.. اليوم فقط عرفت سر حرصك على لغة القرآن.. فقد علمتني أن اللغة أكبر حجما من الأرض، ذلك لأنك فرشت لي حروفها، وأردتني أن أسير على بساط من الأحلام التي تحملها.
وحين أتذكر تلقينك لي عيون القصائد أتذكر دائما قول الشاعر:
الشعر جذوة نور يستضاء بها::::: كالبرق يهتك ستر الليل إن ومضا
الشعر والسحر صنوا مبدع يده ::::: بيضــاء ما مدها ذلا ولا قبضا
والشاعر الحق من كانت قصائده ::::: هي الحديث الذي إن قيل ما دحضا
الشاعر الحق من لو مسّ أمته ::::: ضر قضى ليله سهران ما غمضا
....هكذا عشت اللغة مع القرآن والشعر.و سعيت منذ حببّتها لي أن أكون أسيرها الأمين، أفتش دائما في حقائبها عن سر عظمتها، ألامس الحرف بنعومة، لأبحث بين طياته عن هويتي الضائعة !!
....أسكن قلبها الدافئ، وأشعر برعشتها التي تؤلمني مع صدور كل جديد يحاول الانفلات من قبضتها الحانية، وعقوقها،أزيل الغبار عن هامتها الكسيرة، وأراها دائما: فجرا، ميلادا..وثورة.
أداعب ذوائبها الطويلة..، وأذكر كل حرف منها طاف في ملاعب الصبا، وأحقد على من يتوسدون أطرافها ولا يبحرون فيها.. غافلون.. جاحدون.. ميتون، أولئك الذين يمضون أوقاتهم في التفرج على ذبولها.. وهم لا يعلمون أن انكسارها – لاقدر الله – يعني انكسار هامات الأمة..
....علمتني أنه باللغة العظيمة تجاوز الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم – حدود الوجود بإعجاز حرف ما زال إلى يوم الناس هذا وسيبقى ما بقي القرآن:{ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.
....ولتهنأ يا أبي فقلمي لا يفتأ يذكر مآثرها العظيمة، وستجدني دائما أقف في وجه العالم المحشو في أعقاب الترهات، يغض الطرف عن تاريخها المجيد.بحقك يا أبي قل لي: لماذا كل هذا العهر؟!!
لماذا يا أبي صوّرت ::::: لي الدنيا حديقة ورد
ورحت تصوّر الإنسان::::: يعتمر الندى والوجد
لماذا قلت لي أنّا ::::: سنحيا في ربيع الغد
متى يا والدي غدنا ::::: متى قل لي يلوح الوعد..؟
....ألا ترى يا أبي أن العالم يغتال الأحلام الوردية.. وتعلن أحزانها الأوتار، والموت دائما يحيق بالجميع ولا يعتذر، وصرخة الأطفال تجوب الكون ولا تعانق أسماع السكارى !! أحيانا أشعر أنني أعيش الطفولة بكل براءتها، وأحتاج إلى حضن دافئ يضمني.. ولكنني أستفيق من أحلامي على صرخات الضمير لأشرع في مصافحة الأقلام والأوراق.. فهل أكون قد وفيت؟؟!!
... ما عدت يا والدي أشعر بالوقت، ومع سعيي للرسالة التي أردت أن تحققها بي فإنني مرجوم بالالتزام اليومي، ولكنني أحاول جاهدا أن أشكل ملامح شخصيتي،وخيوط ذكراك تخيط اسمك في لساني ، وتقرع في القلب كل الطبول التي تعلن ميلاد فجر جديد في كل يوم في ذاتي .
أبي يا أجمل الأسماء، يا خفقة الوجد بين حنايا الضمير: سأبقى أحلق في سماء روحك التي تحوم حولي ، وفي حقول أحلامك، وسأبقى دائما ذلك الظمآن إلى رعايتك الأولى ، سأبقى أقرأ ما بين قلبي ودربي الذي صغته بحنانك وإصرارك .. فهل أكون قد وفيت؟؟!!
سلاما لروحك
الكويت
8/1/2004
ابنكم المخلص دائما
سلطان