أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: عز الدين القسام سيرة ومسيرة

  1. #1
    الصورة الرمزية عدنان أحمد البحيصي شهيد العدوان على غزة 2008/12/27
    تاريخ التسجيل : Feb 2003
    الدولة : بلد الرباط (فلسطين)
    العمر : 41
    المشاركات : 6,717
    المواضيع : 686
    الردود : 6717
    المعدل اليومي : 0.87

    افتراضي عز الدين القسام سيرة ومسيرة

    ولد الشيخ عز الدين القسام في بلدة جبلة بالقرب من اللاذقية سنة 1871 وكان منذ صغره يميل إلى العزلة والتفكير، وفي شبابه رحل إلى مصر ودرس في الأزهر وكان من عداد تلاميذ الشيخ محمد عبده. ولما عاد إلى بلاده عمل مدرسا في جامع السلطان إبراهيم وفي سنة 1920 عندما اشتعلت الثورة ضد الفرنسيين شارك القسام في الثورة، فحاولت السلطة العسكرية الفرنسية شراءه وإكرامه بتوليته القضاء، فرفض ذلك وكان جزاؤه أن حكم عليه الديوان السوري العرفي بالإعدام.

    ولجأ القسام إلى مدينة حيفا في 5 شباط 1922 ولجأ معه من رفاق الجهاد الشيخ محمد الحنفي والشيخ علي الحاج عبيد وحتى سنة 1935 لم يكن سكان حيفا يعرفون عن عز الدين القسام سوى أنه واعظ ديني ومرشد ورئيس جمعية الشبان المسلمين في مدينة حيفا وكان بنظرهم شيخا محمود السيرة في تقواه وصدقه ووطنيته كما كانت منطقة الشمال تعرفه إماما وخطيبا بارعا ومأذونا شرعيا وما جاء يوم العشرين من تشرين الثاني "نوفمبر" سنة 1935 حتى أضحى القسام علما من أعلام الجهاد يتردد اسمه في بلاد فلسطين كلها.

    استشهد القسام مع بعض رفاقه وهو يؤدي واجبه في مقاومة السلطة الانتدابية باصطدام مسلح، وهكذا أخلص القسام للثورة التي بدأها وما كان ليرضيه أنه البادئ بالثورة وإنما هي الثورة التي خطط لها وكانت العناوين البارزة في الصحف (معركة هائلة بين عصبة الثائرين والبوليس) و (حادث مريع هز فلسطين من أقصاها إلى أقصاها).

    وعلم الشعب لأول مرة أن الشيخ القسام كان قد اعتصم مع إخوانه في أحراش قرية يعبد وكانوا مسلحين ولا يهابون خطر المجابهة مع البوليس ولا عواقبها، إلا أن البوليس كان قد أعد قوة هائلة تفوق عدد الثوار بمئات المرات وكان كقطيع كبير من الجيش مصمما على القضاء على هذه العصابة الإرهابية حسب رأيه فلذلك أحاطت القوات بالمنطقة منذ الفجر ووضع البوليس العربي في الخطوط الهجومية الثلاث الأولى من ثم يليه البوليس الإنكليزي من خلفه، وقبل بدء المعركة نادى أحد أفراد البوليس العربي الثائرين طالبا منهم الاستسلام فرد عليه القسام صائحا "إننا لن نستسلم، إننا في موقف الجهاد في سبيل الله ثم التفت إلى رفاقه وقال موتوا شهداء في سبيل الله خير لنا من الاستسلام للكفرة الفجرة" دامت المعركة القصيرة ساعتين كان خلالها الرصاص يصم الآذان والطائرات المحلقة على ارتفاع قليل تكشف للبوليس موقع الثوار وقوتهم وفي نهاية الساعتين أسفرت المجابهة عن استشهاد القسام ورفاقه الذين معه وهم يوسف عبد الله الزيباري وسعيد عطيه المصري ومحمد أبو قاسم خلف وألقى البوليس القبض على الباقين من الجرحى والمصابين.

    وقد اكشف البوليس عند نهاية المعركة مع الشيخ ذي اللحية البيضاء والمجندل على التراب بملابسه الدينية مصحفا وأربعة عشر جنيها ومسدسا كبيرا وكان الشيخ نمر السعدي مازال حيا جريحا حيث استطاع صحفي عربي أن ينقل عن لسانه أول الحقائق الخفية عن عصبة القسام وكانت هذه الحقيقة دليلا على أن المجابهة المسلحة هذه كانت بقرار بدء الثورة منهم جميعا.

    وعلى إثر معركة يعبد التي استشهد بها القسام وبعدها بعشرين يوما انتهز الوطنيون مناسبة ذكرى احتلال القدس وأقاموا اجتماعا كبيرا في يافا في 9 كانون الأول (ديسمبر) 1935 اتخذوا فيه قرارات بالثناء على القسام ورفاقه المجاهدين وحث الشعب على المضي على طريقهم الذي رسموه للأمة العربية والإسلامية في فلسطين معلنين أن القسام آمن بشيئين هما العروبة والإسلام وأنه لا سبيل للعرب والمسلمين سوى هذين السبيلين ولا حل لمشكل المسلمين إلا بإعلان الجهاد في سبيل الله ولا حل للقضية لفلسطينية إلا بالجهاد الإسلامي وكانت نظرة القسام إلى الجاه والمركز نظرة بغضاء مطلقا.

    منذ أن قدم القسام إلى حيفا بدأ يعمل في الإعداد النفسي للثورة وقد ساعده عدد من المؤمنين بالإسلام ومن هؤلاء الشيخ كامل القصاب وهاني أبو مصلح والأول سوري والثاني لبناني إلا أن القسام تلقن درسا س الحكم العسكري الفرنسي في سوريا أن المستعمرين ملة كفر واحدة ولابد من الجهاد في سبيل الله للتغلب عليهم: وكانت أعماله الخارجية من وعظ وتدريس ستارا لعملية اختيار الصالحين من التلاميذ والمستمعين وكذلك سعى القسام لعقد الصلات مع القرى المجاورة عن طريق مهنته كمأذون شرعي للعقود وهكذا السنوات تمر والأنصار يتكاثرون حتى أذن الله لـه في الثورة والاستشهاد في سبيل الله.

    ويرجع المؤرخ أمين سعيد عدم انضمام المثقفين للقسام لأن القسام كان يصرف كل جهده للعمال والكادحين من الفلاحين وغيرهم لأنهم أكثر الفئات انقيادا للتضحية في سبيل الله، وقد عبر عن هذه الحقيقة شاب اسمه حسين الباير الذي استسلم للبوليس إثر المعركة وقال في إفادته الرسمية.

    أنا حسين الباير من قرية بلقيس كنت أسرق وارتكب المحرمات فجاءني الشيخ عز الدين القسام وأخذ يهديني يوما بعد يوم ويعلمني الصلاة وينهاني عن مخالفة الشرع وعن فعل كل منكر أمر الله باجتنابه وبعد مدة أخذني الشيخ عز الدين القسام إلى أحد جبال بلقيس وهناك أعطاني بندقية فسألته لم هذه فأجاب لكي تتمرن عليها وتجاهد مع إخوانك المجاهدين في سبيل الله.

    ومن هؤلاء أبو دره ( بياع الكاز على الطنبر) وأبو خليل الذي يبيع الفحم والفلاييني الذي يلحم التنك والحديد والذي أصبحت مهنته صنع القنابل البدائية لمهاجة العدو.

    ويقول أحد السياسيين الفلسطينين إن ثورة القسام كانت ثورة علينا جميعا شبابا وكهولا إذ كل واحد منا مثقل بعدد كبير من العيال يخاف عليهم من التشريد بعده ولا نشعر أمام ثورته إلا بتبكيت الضمير واحمرار الوجوه سائلين الله أن ينور قلوبنا بالإيمان.

    تألفت الخلايا السرية لعز الدين القسام على شكل حلقات سرية مثل حلقات الأرقم بن أبي الأرقم. خمسة أشخاص مسؤول عنهم (نقيب) وكل خمس وحدات منظمة لها نظامها الخاص والمشرف عليها بمختلف المهمات هو القسام نفسه.

    لاقت ثورة القشام حين قيامها تأييدا واحتراماً من الشعب بلغ الحد الأقصى وذلك على الرغم من أنها لم تكن ثورة شاملة بالمعنى السياسي والتاريخي للكلمة ولكن يمكن القول بأنها كانت نمونجا مثاليا لما يجب أن تكون عليه الثورة كما كانت، انطلاقتها انطلاقة عقائدية وشجاعة في مرحلة كاد اليأس فيها يعم البلاد والواقع أن القسام لم تكتشف حقيقة الأبعاد النضالية والسياسية لحركته إلا بعد استشهاده بسنوات، وخاصة لأن رفاقه من بعده استمروا في النضال محافظين على السرية التامة لوحداتهم النضالية.

    لم يطلق القسام على خلايا الجهاد التي أنشأها اسما معينا، كان هناك فقط شعار عام ينضوي تحت لوائه المجاهدون وتنطوي تحته كل مفاهيم الثورة هذا جهاد نصر أو استشهاد كما روى عنه إبراهيم الشيخ خليل في كتابه ورسالة من مجاهد قديم: ذكريات عن القسام ثم أصبح يقال للمجاهدين من إخوانه بعد استشهاده "القساميون" وشاعت هذه الكلمة في سائر بلاد فلسطين شيوعا كبيرا لأن اسمه اقترن بهالة من الخلود والتقديس فقد كثر المتبركون باسمه، خاصة لأنه كان واعظا دينيا إضافة للإمامة وخطبة المسجد وأصبح تلاميذه يرددون باعتزاز بأنهم قساميون أما رفاقه المجاهدون فكانوا يستعملون كلمة قسامي فيما بينهم وحتى بعد مرور عشر سنوات على استشهاده أو أن هذا من جماعة القسام.

    جاءت هذه التسمية على البلاغات الحكومية والأخبار الرسمية حيث دعتهم بالعصابة الإرهابية لكثرة جهادهم واستشهاد الكثير منهم ولكثرة الإصابات في الجيش والشرطة لقوة هذه العصابة وإخلاصها في الجهاد.

    إن المشكلة في عدم تسمية القسام للخلايا السرية التي أنشأها باسم الحزب أو اسم اللجنة أو غيرهما من التسميات الشائعة يضاف إلى هذا السرية التامة عن التنظيم وكان ذلك مدعاة لنفي الصبغة التنظيمية السياسية عن عصبة القسام لدى بعض الناس ومن بين هؤلاء عزة دروزة الذي كان ينفي وجود تنظيم أو حزب للقسام وبالتالي رفض اعتبار عصبة القسام إحدى التنظيمات الفلسطينية السياسية، ومن جهة أخرى مغايرة لتزايد عدد الكتاب من عرب وأجانب في السنوات العشر التي تلت ثورته والذين يكتبون عن عصبة القسام حقائق وتفاصيل لا توجد عادة إلا في أكثر الأحزاب دقة تطورا.

    مع أن عزة دروزه ليس مؤرخا فقط بالنسبة لقضية القسام بل كان رفيق جهاد في أثناء الثورة الكبرى فقد كان عزة في دمشق كحلقة وصل بين المفتي المقيم في لبنان وقادة الفصائل التي تتبع قيادة القسام وغيره من قواد فصائل الثورة.

    فالتشكيلات السياسية بأهدافها ونظمها المختلفة وأعمالها العلنية والسرية كانت تفتقر إلى الكوادر المنظمة والعمل المتواصل وعصبة القسام كانت من أفضلها تنظيما ودراية ونشاطا حيث تنطبق عليها مقاييس المؤسسات الحزبية الحديثة رحم الله القسام فقد فتح بإخلاصه ودينه طريقا عظيما يخلد فيه كل جيل قادم طريقا كطريق القسام ومنهجا كمنهجه.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    الصورة الرمزية عدنان أحمد البحيصي شهيد العدوان على غزة 2008/12/27
    تاريخ التسجيل : Feb 2003
    الدولة : بلد الرباط (فلسطين)
    العمر : 41
    المشاركات : 6,717
    المواضيع : 686
    الردود : 6717
    المعدل اليومي : 0.87

    افتراضي القسام رائد مجاهدي الأمة في العصر الحديث

    الشيخ المجاهد الشهيد عز الدين القسام: "هذا جهاد نصر أو استشهاد"



    ليسوا سواء من علم ولم يعمل بما علم ، ومن علم وعمل بما علم ، وجاهد في سبيل الله منذ وعى معنى كلمة الجهاد ، ومكانه الجهاد والاستشهاد في الإسلام وعند الله الذي أمر الرسول القائد بالجهاد وجعله ذروة سنام الإسلام كما ورد على لسان النبي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم ، و إلا فالعلماء والمشايخ والمثقفون كثر ، وقليل منهم الشكور الذي يشكر ربه على ما أعطاه من علم بالعمل به ، وليس بمجرد كلمات يلوكها لسانه الذرب في المجالس والمحافل والمؤتمرات ، وعلى المنابر الإعلامية والإعلانية.

    ومن هنا تأتي أهمية الكتابة عن الشيخ المجاهد الشهيد عز الدين القسام، رائد المجاهدين في بلاد الشام في العصر الحديث ، وربما كان رائدهم في سائر بلاد المسلمين.

    قاعدة انطلاق للنهوض بالأمة:

    لقد امتلأت نفسه بحقائق الإسلام وقضايا المسلمين ، فجعلت منه شخصية فذة تتمثل الإسلام عقيدة وأخلاقاً وسلوكاً كفاحياً ، فكان – من بعد – حرباً على الجهل والفقر والظلم والتبعية والتخلف والخرافات والبدع ، وداعية إلى الالتزام بالإسلام المصفى ملاذاً وحيداً ، وقاعدة انطلاق للنهوض بالأمة ، وتحدي أعدائها ، والتصدي لألوان الغزو الفكري والحضاري والعسكري الصليبي – الصهيوني اليهودي.

    العودة إلى الوطن :

    بهذه الشخصية الثائرة على كل أشكال التخلف عاد الشاب الشيخ عز الدين إلى بلدته (جبلة) التي تغفو على الشاطئ الشامي ، دون أن تقوى تلك الأمواج على إيقاظها من سباتها ، مثلها مثل كل المدن والبلدات والقرى في العالم الإسلامي الذي استنام ثم هجع في أحضان التخلف وانعدام الوعي ، ولكن شخصية القسام كانت الأقوى ، فأيقظت البلدة من سباتها العميق ، أيقظتها كلمات نسيتها وذكرها بها الشيخ الشاب بخطبه الواعية المستنيرة ، وبدروسه في مسجدها الكبير الذي يؤم المصلين فيه ، ويعظهم ، ويخطبهم ، ويدعوهم إلى إرسال أولادهم إلى المدرسة التي يعلم فيها نهاراً ، وإلى مجيء الأميين منهم ، وأكثرهم أميون ، مجيئهم إلى المدرسة ليلاً ، ليعلمهم ، لوجه الله تعالى ، القراءة والكتابة والقرآن العظيم.

    لم يكتف الشيخ الشاب بهذه الدعوات في المسجد الذي غدا إماماً فيه ، بل انطلق يغشى المضافات والمجالس ، يسهر معهم ، ويتحدث إليهم ، يعلمهم أمور دينهم ، ويفتح عقولهم وقلوبهم وعيونهم وآذانهم على الواقع المزري الذي يرتعون فيه.. كان يهاجم الجهل والفساد والظلم والواقع عليهم ، ويندد بالظالمين من أصحاب الأملاك والمزارع الكبيرة الذين يسومونهم سوء العذاب ، يشغلونهم ونساءهم وأطفالهم في مزارعهم ، ثم يلقون إليهم فتات الطعام ، وبالي اللباس.

    نفذت كلمات الشيخ الشاب إلى عقولهم وقلوبهم ، فبادروا إلى إرسال أولادهم إلى مدرسته ، وصاروا هم تلاميذ المدرسة الليلية ، وصاروا يغشون دروسه وخطبه المسجدية ، فأحسوا أن لهم كياناً وشخصية وكرامة ، وشعروا بالظلم الواقع بهم ، وتململوا ، وأفصح بعضهم عن معاناته ، فثارت ثائرة كبار الملاك ، وعرفوا أن القسام الشيخ هو الذي حرك النيام بأفكاره التي لامست قلوبهم ، وأثرت بهم ، وجمعتهم حوله ، فثار الإقطاعيون على الشيخ ، وحاولوا الدس عليه لدى الاتحاديين العلمانيين مثلهم ، وهددوا الشيخ الشاب ، ولكن هيهات هيهات أن ينثني أو يتراجع من عرف الإسلام ، وتشبع بروحه التي قررت التكريم والكرامة لنبي آدم.

    الانطلاق :

    انطلق الشيخ يستقطب الفلاحين والعمال والفقراء ، بما أوتى من الصدق والإخلاص والوعي ، ومن براعة الحديث ، وتواضع النفس ، ودماثة الأخلاق ، وكياسة التعامل ، واستقامة السلوك ، وتوثب الروح ، واستنارة البصيرة ، ومن تسام عما يقتتل حوله الناس ، ويتزاحم الطامعون والطامحون في الاستيلاء على الحطام ، ومن زهد بما في أيدي الناس ، ومن تقشف في حياته البيتية ، وفي طعامه ولباسه ، ومن تضحية بالمال والوقت والجهد والراحة ، ومن جرأة في قول الحق ، ونصر المظلوم ، ومن استعلاء على المستكبرين وأصحاب النفوذ .. كان الفقراء – وأكثرهم من أتباع الدعوات – يرون فيه القدوة والعالم المحبوب ، والصديق الصدوق ، كانوا يرونه واحداً منهم ، فهو يزورهم في بيوتهم المتواضعة، وفي مزارعهم وقراهم وأماكن عملهم ، يشاركهم في أعمالهم ، ويؤاكلهم على موائدهم البسيطة ويحضر أعراسهم وأفراحهم ، ويظهر الحزن عليه في مآتمهم وأتراحهم ومصائبهم ، ويساعد من يستطيع مساعدته منهم ، يبذل جهد المقل ، فأحبوه ، واستمعوا له وأطاعوه ، وصار مثلاً أعلى لهم ، فقد كان بحق ، قدوة عملية لهم ، لا يكتفي بالكلام المعسول ، بل يقرن كلامه بالعمل ، وربما سبق عمله قوله ، وبهذا تميز من سائر من عرفوا من المشايخ والوجهاء والزعماء.

    جهاده :

    كان الشيخ عز الدين ابن زمانه ، يعرف ما يحيط به وبإخوانه المسلمين في كل مكان ، وأن المسلمين أمة واحدة ، وجسد الواحد ، إذا اشتكى شعب منهم ، وجب أن يتداعى سائر المسلمين لنصرة ذلك الشعب ، بعيداً كان أو قريباً ، ولهذا كان جهاده يمتد إلى المكان الذي يطوله بجهده ويده ولسانه.

    1- ضد الإنكليز في مصر : فقد سمع الكثير عن جرائمهم ومظالمهم ، كما شاهد الكثير بأم عينه ، وعرف الكثير من أحاديث مشايخه وزملائه طلبة العلم ، فامتلأت نفسه كرهاً لهم ، وحقداً عليهم ، وانطلق لسانه يذمهم ، ويدعو إلى محاربتهم وإخراجهم من مصر.

    2- وعندما هاجم الإيطاليون طرابلس الغرب ، عام 1911 ثار القسام ، وخطب ضدهم ، واستنفر أبناء الساحل السوري لقتالهم ، فتجمع معه بضع مئات من المقاتلين ، وجمع الأموال لشراء السلاح ، وتسليح المقاتلين ، والإنفاق عليهم وعلى أسرهم ، وكلهم من الفقراء ، كان القسام يقود المظاهرات في اللاذقية وجبلة وسائر المدن والبلدان الساحلية ، ويدعو الناس إلى التطوع من أجل الدفاع عن طرابلس واختار من المتطوعين مائتين وخمسين متطوعاً ، وسافر بهم إلى ميناء الإسكندرونة ، وأقاموا في الإسكندرونة أربعين يوماً ينتظرون السفينة التي ستقلهم إلى ليبيا ، كما وعد الخليفة العثماني وبابه العالي ، ولكن الاتحاديين (القوميين العلمانيين الطورانيين الذين كانوا الحكام الفعليين للدولة العثمانيين ) نكصوا وتخاذلوا أمام إيطاليا، وحالوا بين الشيخ المجاهد وجنوده المتطوعين ، وبين السفر من أجل القتال والدفاع عن ليبيا ، فعاد الشيخ القائد بمن معه إلى (جبلة) وبني مدرسة بالمال الذي كان جمعه ، وتابع مهمته التعليمية والتربوية فيها : يعلم الصغار في النهار ، والكبار في الليل.

    3- وعندما احتل الفرنسيون الساحل السوري عام 1918 نادى القسام بالثورة عليهم ، وباع بيته الذي لا يملك سواه ، واشترى بثمنه أربعاً وعشرين بندقية، وخرج بأسرته إلى قرية (الحفة) في جبل صهيون ، والتحق بمن معه من تلاميذه المجاهدين إلى الثورة التي قادها المجاهد عمر البيطار في جبال اللاذقية ، وانطلق إلى القرى يدعو الناس إلى الالتحاق بالثورة لمقاتلة الفرنسيين وطردهم من البلاد التي احتلوها ، وكان المسجد منطلقه في كل قرية وبلدة ومدينة ، وبهذا أعاد القسام إلى المسجد دوره ووظيفته الجهادية ، كما كانت أيام الرسول القائد ، وخلفائه الراشدين فمن بعدهم من القادة الفاتحين.

    كان القسام حركة دائبة لا تهدأ ، يتصل بقادة الثورات في المناطق السورية ، ويغير على الدوريات والحاميات الفرنسية ، وينسق بين المجاهدين في حلب وجبل الزاوية ودمشق ، يساعده في ذلك الشيخ المجاهد كامل القصاب الذي كان يمده بالسلاح والمال ، ويجعل من نفسه نقطة الوصل مع الثوار الآخرين.

    وعندما علم القسام أن الفرنسيين سوف يجتاحون سورية ، ويحتلون دمشق ، سارع مع صاحبه الأثير (القصاب) إلى دمشق ، وشارك في معركة ميسلون ، وكانت معركة غير متكافئة ، وعرف تخاذل الطامحين إلى الحكم ، الطامعين فيه بأي سبيل ، فأسرها في نفسه لقابل الأيام.

    عاد القسام إلى جبال اللاذقية ليتابع كفاحه الدامي ضد الغزاة الفرنسيين ، ولكنه وجد المجاهدين في أسوأ حالاتهم ، فقد نفد ما عندهم من زاد وعتاد أو كاد ، وانقطعت الإمدادات التي كانت ضئيلة وغير مناسبة للمهمات الكبيرة التي تصدوا لها ، وغادر بعضهم إلى تركيا ، واستسلم آخرون لليأس ، فعادوا إلى أعمالهم محبطين ، ومع ذلك ، صمم القسام على متابعة الجهاد والقتال مع من بقي معه من المجاهدين.

    إغراءات :

    حاول الفرنسيون إغراءه ، ولكن هيهات لمن باع نفسه لله ، أن يستجيب لمغريات الدنيا ، فقد نوى الشهادة في سبيل الله ، فماذا يستفيد من ذهب الدنيا وما فيها من متع ومتاع ؟

    وعندما لم يستجب للإغراء ، ولا تمكنوا منه في ساحات القتال، رغم الأعمال الوحشية التي ارتكبوها بحق الفلاحين الفقراء الذين كانوا يتعاونون مع القسام ، ويؤون رجاله ، اجتمع (الديوان العرفي) في (دولة العلويين التي كانت قائمة أيام الانتداب الفرنسي) وحكم على القسام وبعض رجاله المقربين منه بالإعدام ، ووضعوا مكافأة كبيرة لمن يدل عليه ، قدرها عشرة آلاف ليرة.

    عندها نصحه صديقه القصاب بالرحيل إلى فلسطين ، لمتابعة الجهاد هناك ، حيث الأرض المقدسة أسيرة محتلة من قبل الإنكليز وقائدهم الجنرال اللنبي الذي قال بعد أن احتلها : (الآن انتهت الحروب الصليبية) وتذاكرا وعد بلفور المشؤوم بإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين التي قرر الإنكليز وتعهدوا أن تكون وطناً قومياً لأعدى أعداء المسلمين والإنسانية : اليهود ، وسوف يمكنونهم في فلسطين ، والجهاد هو الجهاد في أي أرض مسلمة يجتاحها الغزاة ، في مصر ، وفي طرابلس الغرب ، وفي بلاد الشام ، وقبلها فلسطين والقدس والمسجد الأقصى فالإنكليز أساس البلاء ويجب محاربتهم وطردهم من فلسطين قبل أن يستفحل خطر اليهود ويتمكنوا من الأرض المقدسة التي باركها الله وبارك ما حولها.

    4- الكفاح الدامي في فلسطين : غادر القسام عرينه في جبال اللاذقية ، وتوجه إلى بيروت ، ومنها إلى فلسطين ، يصحبه ابنا أخيه ، ورفيقا درب جهاده ، الحاج عبيد ، والحنفي ، وسكنوا قرية (الياجور) قرب حيفا في بيوت من تنك ، كان هذا أواخر عام 1920 ، ثم انتقلوا إلى حيفا ، وصار إمام مسجد الاستقلال وخطيبه المفوه الذي استقطب المصلين الذين كانوا يفدون إليه من الأحياء ، والقرى المجاورة ، ليستمعوا إلى هذا الشيخ الوافد من سورية الشمالية ، ويدور على لسانه كلام جديد لا عهد له به وبأمثاله ، كلام لا يعرفه كل من استمعوا إليه من الخطباء ، كلام يتجاوز الآذان ليستقر في العقل والقلب.

    أدرك القسام أن الحرب الصليبية الجديدة ستكون أضرى من سابقاتها ، وأن اليهود سيكونون طلائعها ووقودها ، وهذا يعني أن يعد للأمر عدته ، فليس هؤلاء كأي استعمار لأي بلد مسلم ، ولا يلبث أن يزول ، إن استعمار اليهود استيطاني خبيث ، سوف يتشبث في الأرض ، ويحرق ما عليها ، من أجل أن يبقى فيها.

    المهمة شاقة : فالمعركة بين علم وجهل وبين غزاة جاؤوا مسلحين بأحدث أنواع السلاح ، وأغنياء ، ولهم أهداف بعيدة ، وماكرون خبثاء ، والمسلمون جهلة متخلفون فقراء ، وليس معهم سلاح يقاومون به الغزاة ، وزعماؤهم متناحرون على المناصب ، منكبون على الشهوات والمتع الرخيصة ، يكيد بعضهم لبعض ، ويتزاحمون على أبواب المستعمرين يقدمون لهم فروض الطاعة والولاء ، وينفقون أموالهم على الغواني من اليهوديات الساقطات.

    إذن لا بد من وضع خطة محكمة ينفذها في كفاحه المرير ، ويتعهد تلاميذه ورجاله بتنفيذها من بعد موته ، لأن المعركة طويلة طويلة.

    كان من أولويات خطته ، أن يدرس الساحة التي سيتحرك عليها دراسة بشرية وجغرافية ، وهذا يعني أن يكون مع الناس ، وأن يقيم صلاة عميقة معهم من خلال المسجد والمدرسة ، فعمل إماماً وخطيباً لجامع الاستقلال ، وأقام مدرسة كتلك التي أقامها في بلدته (جبلة) لتعليم الصغار والكبار ، يعلمهم فيها ويعظهم ويربيهم وينقلهم إلى ساحة الوعي بدروسه بعد الصلوات ، ثم عمل مأذوناً شرعياً ، ورئيساً لجمعية الشبان المسلمين التي أنشأها في حيفا ، وفتح فروعاً لها في عدد من القرى المحيطة بها ، وبهذا كان الغطاء كافياً ليتصل بسائر الناس ، وكلهم من العمال الذين يعملون في الميناء ، أو الفلاحين الفقراء الذي يعملون في أراضيهم أو أراضي المزارعين الكبار.

    كان القسام يزورهم في بيوتهم المتواضعة ، ويسهر معهم ويقص عليهم القصص الهادفة من حياة النبيين والصالحين والمجاهدين الفاتحين ، ويزرع في قلوبهم الإيمان الصحيح ، ويثير فيهم النخوة والكرامة وإباء الضيم ورفض الظلم والبغي ، فأحبه الفلاحون والعمال وسائر الفقراء ، أما الزعماء والوجهاء والأغنياء ، فقد كانت علاقاته بهم جيدة ، ولكنه كان حذراً منهم ومن صلاتهم بالإنكليز واليهود ، فلم يطلعهم على ما يدور في خلده ، لأن مطامحهم غير ما يدندن القسام حوله ويدعو إليه ، وبهذا بعد عن شرورهم وإيذائهم إلى حد ما ، وأمن مكرهم.

    مدرسة القسام :

    إنها مدرسة الرسول القائد ، صلى الله عليه وسلم ، مدرسة جمعت بين التربية والجهاد ، فهر يربي أبناءها على حب الموت في سبيل الله ، والجهاد من أجل نصرة دينه ، وتحرير مقدساته ، وكل الأرض الشامية مباركة مقدسة ، بل كل بلاد المسلمين تفرض علي المسلمين أن يذودوا عنها عدوان المعتدين ، وأن يبذلوا في سبيل تحريرها من أيدي الغاصبين كل غالٍ نفيس ؛ لذلك رأينا القسام يبيع بيته في (جبلة) ويشتري به سلاحاً يوزعه على المجاهدين لقتال الاستعمار الفرنسي ، وتحرير سورية الشمالية منه ، وطرد جيشها المحتل لأرضها.

    وفي حيفا وفر ما استطاع من مال ، واشترى به السلاح ، ودرب المجاهدين عليه ، ثم سلحهم به .. طاف كثيراً من القرى ، وتعرف إلى الناس ، واصطفى منهم صفوة اعتمد عليهم ، ورباهم على الدين والفضيلة ، وعلى الزهد والعفة ، وعلى حب الإسلام ونبي الإسلام ، وعلى الجهاد سبيلاً للتحرير ، وعلى حب الموت في سبيل الله ، وترك المظاهرات والمؤتمرات والمفاوضات للزعامات اللاهثة وراء الحلول السلمية والاستسلامية ، وترك لهم الشعر والشعراء ، والخطب (العصماء) والعواطف البلهاء ، وأكب على التخطيط والعمل والتنفيذ بسرية وكتمان وعمل دؤوب لتكوين نواة حركة جهادية ، وسهر عليها ، ولم يضع شيئاً من الوقت ، ولم يبخل بمال أو جهد أو راحة عليها ، فقد كان يعلم أنه في سباق مع الأعداء ومع الزمن ، مع وعي تام لكل ما يتطلبه السباق من أسس علمية سليمة ، ومن مبادئ إسلامية تحدد له الغاية والأهداف والوسائل النظيفة المتاحة على أرض المعركة.

    لقد بذل القسام من الجهد والوقت والمال كل ما كان عنده ، ولم يستبق منه لنفسه ولأسرته شيئاً .. كان يخرج مع تلاميذه ليلاً يخرجهم إلى الخلاء إلى المقالع الحجرية التي جند أكثر العاملين فيها ، ومعه المدرب والمدربان ، ليعلموا المجاهدين فك السلاح ، بارودة كان أم مسدساً ، وعلى تركيبه ، وعلى تنظيفه وصيانته ، وعلى استخدامه والتصويب به بدأ من نقطة الصفر معهم ليكون البناء سليماً قائماً على أسس سليمة ، حتى يدوم ويستمر إلى ما شاء الله ، إلى النصر والتحرير.

    وكان تلاميذه يزدادون تعلقاً به ، وحباً له ولما يدعو إليه ، فقد رأوا فيه القدوة العلمية ، والمسلم الحق الذي يطابقون بينه وبين ما علمهم وما عرفوا من سمات القادة الربانيين.

    كان القدوة في التضحية والبذل والعطاء ، كان لله وفي الله ، فكانوا كذلك معه ، ولهذا تحملوا حزمه وشدته في التدريب على السلاح في سائر الأحوال ، وعلى الاخشيشان والمشاق.. يأمرهم أن يخلعوا أحذيتهم ويمشوا حفاة فوق الأشواك والصخور ، وأن يتسلقوا الأشجار والجبال ، فتكون المسارعة إلى طاعة الأوامر بحب وطيب ونفس.. يأمرهم بالنوم في العراء في الليلة الباردة والمطيرة ، ويمنعهم من تناول الطعام والشراب ، فينامون بلا وطاء ولا غطاء ، ولا طعام ولا شراب ، استعداداً لما سوف يستقبلهم ويستقبلونه من أيام عوابس ، وليال عجاف .. وكان من أقسى ما يؤمرون به ، أن يناموا في بيوتهم على الحصير ، وزوجاتهم ينظرن إليهم يفعلون هذا مرة مرتين في الأسبوع ، ويطلبن تفسيراً لهذا التصرف الغريب ، وكأنه هجران في المضاجع ، فيسكت الواحد منهم ، ولا يستطيع إفشاء السر الذي ائتمنه عليه الشيخ القائد الآمر.

    كان المبدأ الذي يعتمده شعاراً وسلوكاً ، ويأمر خاصته به : علنية الدعوة ، وسرية التنظيم ، وعلى هذا نشط في زيارة القرى ، والاحتكاك بأهلها ، يلقي دروسه ومحاضراته في مسجدها ومضافاتها وفروع جمعية الشبان المسلمين التي يرأسها، وكانت كلماته تشق طريقها إلى القلوب فتأسرها ، تعلمهم الإسلام وما ينبغي أن يتحلى به المسلم من عزة وكرامة وإباء ، وكيف يدافعون عن أنفسهم وأرضهم وعرضهم ودينهم ضد الغزاة من اليهود والإنكليز المستعمرين المحتلين ، وكان في الوقت نفسه ، يعرف كيف يختار أعوانه ومساعديه ممن يتوسم فيهم الإيمان وما يستتبعه من صدق وإخلاص وتضحية وجهاد في سبيل الله ينظمهم ويفكر معهم في الطريقة المثلى للتحرك في مناطقهم بسرية وكتمان حتى استطاع أن يبث القيادات ويوزعهم في كثير من القرى والبلدات والمدن الفلسطينية ، بل وصل تنظيمه هذا إلى مدينة اللاذقية في سورية ، لتكون قاعدة التسليح فيها.

    وهكذا استمر خمسة عشر عاماً يخطب ويحاضر ويحض على الجهاد ، ويحث على التضحية والبذل والجود بالمال والروح ، وكان يشتري الساحل سراً ، ويدرب عليه من وقع اختياره عليه من الأتباع ، ثم يأمر أعوانه بتدريب من يرونه أهلاً لحفظ السر والكتمان ، على السلاح وعلى القتال ، ويأمر من يلقاه من أصحاب الحمية والدين باقتناء السلاح ، تمهيداً للقيام بثورة حدد أهدافها الثلاثة مسبقاً وهي :

    1- تحرير فلسطين من الاستعمار الإنجليزي الذي يعد العدو الأول للفلسطينيين ولسائر المسلمين ، لأنه وعد اليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين عبر وعد بلفور المشؤوم عام 1917م وسمح بهجرة عشرات الآلاف منهم إليها ، ودرب شبابهم ، وسلحهم ، وتغاضى عن السلاح الذي كانوا يستوردونه من أوروبا وروسيا.

    2- الحيلولة دون تحقيق آمال اليهود في إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين وإنشاء دولة يهودية على أرضها ، مهما كلفهم من جهد ودماء وأموال ومتاعب.

    3- إقامة دولة عربية إسلامية في فلسطين ، تكون نواة لدولة الواحدة التي تجمع العرب والمسلمين وكان شعاره في حركته : (هذا جهاد .. نصر أو استشهاد) يدور على ألسنة المجاهدين في فلسطين.

    كان الشيخ عز الدين يعمل في سرية وتكتم ، ولا يطلع على خطته إلا خاصة أعوانه ومساعديه الذين كانوا يخططون معه للعمليات التي ينفذونها ضد ثكنات الإنجليز ، ومستوطنات اليهود القادمين من الخارج ليلاً ، ثم يعودون إلى أعمالهم نهاراً ، ويستأنفون أعمالهم العادية ، فلا ينتبه لهم أحد.

    جهاد فاستشهاد :

    كانت عيون الإنجليز واليهود مفتوحة على الشعب ، ثم تركزت على الشيخ عز الدين ، وقد استدعته سلطة الاحتلال الإنجليزي وحققت معه أكثر من مرة ، وكان في كل مرة مثال العالم المجاهد الشامخ بعلمه وعمامته ، يقارعهم الحجة بالحجة ، ولا يخشى سجونهم وما فيه من بلاء.

    ولما عرف الشيخ أن وضعه قد انكشف ، وعرف أعداؤه بعض ما قام به ، وما يخطط للقيام به ، خرج بأعوانه إلى جبل جنين ، لتثوير الفلاحين وتدريبهم على حمل السلاح ، ومناجزة الإنجليز واليهود ، وقبل أن يتحرك الشيخ وأعوانه لتنفيذ ما انتووا القيام به ، كشفت سلطات الاحتلال مكانه ، فحشدت أكثر من مائة وخمسين شرطياً بريطانياً وعربياً ، وحاصرته في حرش (يعبد) صباح 20/11/1935 من ثلاث جهات ، وكان بإمكان الشيخ وإخوانه أن يهربوا ، ولكنه أبى الفرار من المعركة التي فرضت عليه ، وقرر خوضها مع علمه بأنها معركة غير متكافئة ، من حيث العدد والعدد والتدريب والمكان ، فقد كان الشيخ وإخوانه في الوادي ، وكان المهاجمون المحاصرون في الجبل.

    كان القائد الإنجليزي وضع الشرطة العرب في ثلاثة صفوف أمامية ، فكانوا يتقدمون الحملة ، وكان قد أوهمهم أنهم يهاجمون عصابة من اللصوص وقطاع الطرق ، فأمر الشيخ أخوانه بألا يقتلوا أحداً من الشرطة العرب الذين كانوا يتقدمون نحو المجاهدين ، وهم لا يعرفون أنهم يقاتلون الرجل الذي يحبون إلى أن أحيط بالشيخ وإخوانه فطلب قائد الحملة من الشيخ أن يستسلم وإخوانه ، لينجوا من الموت المؤكد ، فأجابه الشيخ الذي يرى الموت ماثلاً أمامه : (هذا جهاد في سبيل الله ، ومن كان هذا جهاده ، لا يستسلم لغير الله( ) يبدو أن الأمر كان لا يتحمل المناورة والتكتيك السياسي في ذلك الموقف) ، ثم التفت إلى إخوانه وهتف بهم : "موتوا شهداء".

    فمات الشيخ وأربعة من إخوانه شهداء ، وجرح اثنان ، وأسر أربعة ، بعد ست ساعات من القتال الضاري ، أظهر فيه الشيخ وإخوانه بطولة نادرة ، وكانوا أمثلة حية تحتذى في التضحية والإخلاص لله والأمة والوطن ، وكان لاستشهاد الشيخ وإخوانه دوي هائل في فلسطين خاصة وبلاد الشام عامة.

    ودفن الشيخ عز الدين في قرية (الشيخ) قرب حيفا ، ورثاه كبار الأدباء والشعراء والعلماء والسياسيين .. ولم يخف بعد القادة الإنجليز إعجابهم بالشيخ وبطولته وجهاده.

    أما بعد :

    فقد تابع تلاميذه تنفيذ خطته من بعد استشهاده ، وفجروا الثورة الفلسطينية الكبرى بعد عام من استشهاده ، واستمرت برغم المؤامرات عليها ، حتى عام 1939 ثم استأنف تلاميذ تلاميذه انتفاضتهم الأولى عام 1987 والثانية عام 1998 وما تزال مستمرة ، شعارها ذلك الذي رفعه رائد المجاهدين الاستشهاديين في العصر الحديث : هذا جهاد نصر أو استشهاد ، وسيكون نصراً مؤزراً إن شاء الله القوي العظيم ، مهما تكاثفت الغيوم واسودت المؤامرات في الداخل والخارج ، وبرغم أنوف المتآمرين مع بني صهيون من الفلسطينيين والعرب والبريطانيين والأمريكان ، والله غالب على أمره ، وناصر جنده الذين رباهم الشيخ المجاهد الشهيد عز الدين القسام.

    تشكل نقطة ضوء ملتهبة في سجل المقاومة الفلسطينية الحافل والذي افتتحه الشهيد المجاهد عز الدين القسام بقوله :" إنه لجهاد نصر أو استشهاد".

  3. #3
  4. #4
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2005
    المشاركات : 527
    المواضيع : 25
    الردود : 527
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أخي الكريم عدنان الإسلام
    بارك الله فيك وجزاك الله خيرا على هذه السيرة الرائعة لقائد كبير كان همه الأكبر نصرة الدين وتحرير الوطن عاش مجاهدا في سبيل الله حق الجهاد ومات شهيدا و لم يكن يخشى المحن وأعانه الله وسدد خطاه على طريق الخير والجهاد حتى نال الشهادة فمات قرير العين .
    وعلى نهجه سار الكثير مسيرة جهاد واستشهاد وعز والعزة لله ورسوله والدين ثم المؤمنون وللأوطان .
    سلمك الله وزادك من نعمه وبارك الله فيك ورضي عنا وعنك آمين .
    ونلتقي على طاعة الله ورضاه
    أختكم في الله خوله
    إبنة الوطن الجريح .

  5. #5

المواضيع المتشابهه

  1. صنعاء ومسيرة ضوء !
    بواسطة طارق السكري في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 05-09-2014, 10:48 AM
  2. فدينه الحق قد عزّ العبيد به /// حسين علي الهتداوي
    بواسطة حسين الهنداوي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 26-11-2006, 07:50 PM
  3. تميمةُ طُـهْرٍ ..لأيقـونةِ عزّ : بقلم / ذات الطيب .
    بواسطة وفاء شوكت خضر في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 27-10-2006, 12:02 PM
  4. قصيدة: (في القلب عزّ الدين) - رثاء للشهداء
    بواسطة أيمن العتوم في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 13-04-2005, 01:18 PM
  5. "عزّ الدواء"
    بواسطة عبد الخالق الزهراني في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 23-05-2004, 12:37 AM