د. محمد عبد القادر الشواف
ليس غريباً أن ينتقد المستشرق الفرنسي "ستيفان لاكروا" سوء تعامل الحكومة الفرنسية مع المسلمين، فالسيطرة الصهيونية باتت واضحة على قرارات الدول الغربية، ومن حسن حظ )ستيفان( هذا أو من سوء حظه أنه كان نصرانياً، وإلا لاتهم بالإرهاب والتطرف.
يبدو للمراقب أن الفرصة باتت مواتية أكثر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لاستغلال الهاجس الأمني، وذريعة محاربة الإرهاب لمحاولة ضرب الإسلام والمسلمين في كل مكان؛ وهذا ما أفقد دعاوى مكافحة الإرهاب الكثير من مصداقيتها، ورجح فكرة الحرب الصليبية الصهيونية التي تلبس مكافحة الإرهاب قناعاً لها!!
وإذا أردنا مناقشة الهجمة الظالمة على المنظمات الخيرية الإسلامية، مناقشة هادئة وموضوعية، فإننا ابتداء لا نستطيع أن نلقي باللائمة على كل الدول العربية والإسلامية في هذا الحصار الرهيب، والقمع غير الأخلاقي الذي يمارس على منظمات شهدت لها حتى الأمم المتحدة والمحافل الدولية بالحيادية والنزاهة، وأداء عملها الخيري والإغاثي على أحسن وجه؛ من خلال سجلاتها وكشوف الحسابات المالية، والمشروعات التي تمول من خلالها؛ إذ كانت في أكثرها تقوم على رعاية الأرملة والمسكين، وبناء المساجد والمدارس، وحفر الآبار، والإنفاق على الأيتام، وضحايا الحروب والكوارث.
والسؤال المحيّر هنا: إذا كانت أمريكا صادقة فيما تسميه الحرب على الإرهاب وتجفيف المنابع؛ فلماذا يزداد الإرهاب قوة وشراسة؟ بل يحصل مجدداً على تقنية تكلف ملايين الدولارات!! ولماذا لم يتمكن المجتمع الدولي من إقناع أمريكا للتصديق على تعريف الإرهاب؟
أليس هذا دليلاً على خطأ المعالجة، وأن تجفيف المنابع الذي تدعيه إنما جفف حلوق الأيتام والشيوخ والأطفال الذين لا يجدون حيلة، ولا يهتدون سبيلاً، وليس لهم بعد الله سوى تلك المؤسسات الخيرية التي تقدم لهم الغذاء والدواء والكساء، وتساعد الطلاب الفقراء على استكمال تعليمهم.
إذن نستطيع أن نقول بالدليل والبرهان الذي يشهده العالم أجمع: إن أمريكا استطاعت أن توقف مؤسسات خيرية حقيقية تقوم بعملها على أكمل وجه، ولم تستطع أن تنجح في منع تمويل ما تسميه الإرهاب، وهذا أكبر دليل أن سوء المعالجة أدى إلى ظلم مؤسسات خيرية استطاعت أن تثبت براءتها وتكشف عن كل ما لديها من كشوف النفقات والمعونات.. فهل من العدل أن تكون مصلحة أمريكا وأمنها القومي المزعوم فوق مصلحة العالم أجمع، وهل يمكن للدول الأخرى أن تسكت عن مئات القوانين الجائرة التي أوقعت الضرر بآلاف الأسر المنكوبة، وتسببت في منع وصول الطعام والدواء لآلاف المدنيين العزّل، وآلاف الأسر الفقيرة في فلسطين والعراق وأفريقيا وشرق آسيا، وغيرها من الدول حول العالم.. وهل ستحافظ أمريكا على الاستمرار في موقفها الجائر من خلال مغازلة مصالح بعض الدول في العالم من جهة، وتحذيرها الكاذب من الخطر الإسلامي القادم من جهة أخرى.
يجب أن يعي العقلاء، وصناع القرار، أن مساندة الإرهاب الظالم في قمع وسائل الإعلام التي تكشف حقيقة الممارسات القمعية غير المبررة، وتبين بالوثائق براءة المؤسسات المعروفة بنزاهتها وعدم تمويلها لغير المشروعات الخيرية الحقيقية، ومقابل ذلك نجد السكوت المريب عن أنشطة المنظمات التنصيريّـة والمؤسسات الصهيونية التي تدعي أنها خيرية!!
فيجب أن يعي أولئك أن السكوت عن هذا الظلم لا يقل خطورة عن مساندة الإرهابيين والمتطرفين الذين تدعي الدول (المتقدمة) محاربتهم، وقد آن الأوان للثورة على الإرهاب الحقيقي في العالم!
منقوول