|
أبكي و مـا من سـامعٍ لبـكائي |
أو منـصـتٍ لشكـايتي و عنائي |
أو مشفقٍ و الجسـم بــات كأنه |
مُتَـجَـمـَّـعُ الأرزاء و الأدْواءِ |
ماذا وجـدتُ عـدا بديلاً محـرقًا |
عن مهجتي عن غربتي الـسوداءِ؟ |
منـفىً بأرضٍ أسْتَطـيبُ بعـشقها |
منـفىً بلا قمـرٍ و لا أضـواءِ! |
اعتـدت أن أبقى وحيـدًا باكيًا |
أو شاكـيًا أو عاشِـقًـا للـداءِ |
دائي عظــيمٌ و الـدواء مُحَـرَّمٌ |
و بلاء سـقمي قد برى أعضائي |
يَرْفَضُّ في جسـدي و ينْخُرُ ما بقى |
من هيـكلي المُتهـالك الأجـزاءِ |
و خناجر الشـوق اللعين تمـددت |
في أضلعي..واسـتعذبت إِدْمـائي |
ألمٌ على ألـم الفِــراق و عَـبْرَةٌ |
تضني الفـؤاد و تسْتَلِذُّ عـنـائي |
نارٌ على النـيران توقـد من دمي |
و تهيج في روحي و في أحشـائي |
عـودي لقد أضوى الفـُؤادَ تَغَرُّبي |
عن أعيـنٍ أنـوارهـنَّ غـذائي |
عـودي فأنت صـديقتي و حبيبتي |
و سراج قـافيتي و روح إبـائي |
لو أبصروا الأشواق تنهش في الجوى |
لَـدَرَوْا بأن المُسْتَـحيل شفـائي |
ما الـداءُ إلا أنت يا ألـق الدنـا |
و الآه أنـت و أنـت خير دواءِ |
في سحـرك القَـمَـريِّ إنّي ذائبٌ |
و مُتَيَّـمٌ بعبـــيرك الوَضّـاءِ |
و مُسَـهَّدٌ أنّى ذكرتـك مُتْعـَبٌ |
مُتـَوَجِّـعٌ مُتَـلـَهِّفٌ للـقـاءِ |
روحي تَرَنَّـحُ في هـواك و لم تزلْ |
في القلب تهصر مـهجتي أدوائي |
لو طَبَّبـوا قلـبي بـذكرِ حبـيبتي |
ما ازدادتِ الأوجـاعُ غير نَمـاءِ |
ما للصبـابـة مـن دواءٍ نافـعٍ |
إلا المنيَّـة و هي خـيرُ رجــاءِ |
لو كـان داءً واحـدًا لقـهـرته |
لكـن حُبَّـكِ معـقـلُ الأدواءِ |
في غربتـين..يُحَـدُّ عمـرٌ ضائعٌ |
و تـذوب أفئِــدةٌ بغير لقـاءِ |
في غربتين تضيـع أحـلامٌ و تكـ |
بُرُ قصَّـةُ الأوهـام في أحشـائي |
ما في الكنـانة للـفـؤاد حبـيبةٌ |
تُطْفي لهيب عـواطفي الهـوجاءِ |
ما في الكنـانة غير نار صـبابـةٍ |
و سماء أوجـاعٍ و أرض جفـاءِ |
غَنَّتْ علـى وَتَري المـآسي كلها |
حتى تقـطـَّعَ من أنـين غنـائي |
و تراقـصت في مقلتيَّ مواجـعي |
غرقـانـة في صـبوة الشعـراءِ |
لملمت كل مواجعي و هربت من |
شوقي و آثرت العـذاب لـوائي |
فوجدت في أرض الكنانة موعدي |
مع كـل نـارٍ مَزَّقت أشـلائي |
و شـواطِئٍ جَرَّت إليَّ مـواجعي |
و جـلامـدٍ أشْفَـقْنَ من إعيائي |
يا للغريب إذا رمَتْـٌه يَـدُ النّوى |
تسقيه من كأس الردى السـوداءِ |
تنفيه من قلـب الحـبيب لموطنٍ |
مـا فيه غير تغـرُّبٍ و شـقاءِ |
لم أسألِ الكـونَ المُحالَ و إنَّما |
سـاءلت دمعي أن يرد بكـائي |
و يُطَبِّبَ القلب المعَذَّبَ بعدمـا |
أفنـيت بحثًا عنك كـل دمـائي |
أما الكنانـة فهْي جـنة عاشقٍ |
تسمو على الأوصـافِ و الأسماءِ |
لكنهـا نهر العـذاب لمـهـجتي |
سجنٌ..يُذَكِّـرني الحبـيبَ النّائي |
إني أتيتـكِ و الفــؤاد متـيَّمٌ |
بِيَدٍ تكـون من العيـاء شفـائي |
ومددت جسر الود كي أطأ الثرى |
متبسِّـمًا.. من بعد طـول بكائي |
و حملت رسمك بعد رسـم حبيبتي |
و جعـلت للقـلب الكريم ولائي |
أَوَ أستجـير بموطني من غـربتي |
فتكون نـار المبعَـدين جـزائي؟! |
يا مصـر إني قد أتيـتك راعفـًا |
ضمّي فـؤادي.. لملمي أشـلائي |
إني قضيت مدى الزمـان مُعَذَّبًا |
بـين الأسى و مـرارة الغـرباءِ |
بحثًا عن القلب الذي منه ارتوت |
روحي،و سالت من دمـاه دمائي |
بين الحـنـين لموطـنٍ لم يـأْوِني |
و حبيبةٍِ أعْطـت بكـلِّ وفـاءِ |
ذاك العـذاب بصبوتي و تَغَـرُّبي |
فالحـب يبقى مِـلَّةَ الضعـفـاءِ |