أحدث المشاركات
صفحة 8 من 13 الأولىالأولى 12345678910111213 الأخيرةالأخيرة
النتائج 71 إلى 80 من 124

الموضوع: قصص من الحياة

  1. #71
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    الاستاذ والمربي الفاضل استاذنا عطية العمري

    من هذه القصص الواقعية المشرب نستخلص عبر تعيننا على الاصطبار


    بورك قلمك النافع

    والشكر موصول لاختنا الكريمة داليا رشوان
    الإنسان : موقف

  2. #72
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Jul 2004
    الدولة : غزة فلسطين
    العمر : 72
    المشاركات : 2,005
    المواضيع : 323
    الردود : 2005
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    أخي الحبيب خليل
    أيها الخليل في وحشة هذا العالم
    بوركت وبورك عطاؤك
    ودمت بألف ألف خير
    اللهم يا من تعلم السِّرَّ منّا لا تكشف السترَ عنّا وكن معنا حيث كنّا ورضِّنا وارضَ عنّا وعافنا واعفُ عنّا واغفر لنا وارحمنا

  3. #73
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Jul 2004
    الدولة : غزة فلسطين
    العمر : 72
    المشاركات : 2,005
    المواضيع : 323
    الردود : 2005
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    قصص من الحياة ( 27 )
    قصة وعِبَر

    الدّهرُ يومَانِ ذا أمنٍ وذا خطر والعَيْش يومَان ذَا صفوّ وَ ذا كدر
    أمَا ترَى البحْر يعدُو فوقَه جيف وتسْتقر بِأقصَى قاعه الدرَر
    وفِى السماء نجُومٌ لا عِداد لهَا وليْس يكسِف إلا الشمْس والقَمر
    مَا أقسَاها مِن حيَاة حيْن تبعُد عنِ الله...غَفلة ...وحسْرة...ندمٌ ...وقسْوة
    لكن ما أجملُ اللّذة بعدَ الهداية وما أجمل الطاعَة بعْد مرارةِ المَعصِية
    كَلمَات تنهّد بِهَا المهنْدس الشاب أمامَ برجٍ شارفَ على إنهاءِ بناءه وَقف شامِخَ الرأسِ عزيزًا
    يَنظر إلى مبْناه .. عائداً بذاكرتهِ خمسة عشرَ عاماً .. حينَ كانَ صغيراً في مديْنته....
    وسرح بفكره قائلاً
    كنّا نرفُل في نعيمٍ وتَرفٍ وثَراء والدي صاحبُ مصنع الغَزلِ والنَسيْج وأمي صَاحبةِِ الحسب والنسب العريق وأنا وأخواي ننْعم بالمال وَلا رقِيب...جَميعنا ندخن وَنتسَابق في غيرِ ذَلك مِن المحرّمات فهَذا آخى الأكبر يُصاحب الفتيات ،وآخى الأوسط يشرب المسكرات ،وأنا اكتفيت بالتدخين فهم يقولون ما زلت صغيرا ....ولى من الأخوات اثنتين تتابعان بنهم خطوط الموضة والأزياء ولهما كل أسبوع ما شاءا من الملابس والتسريحات.
    كانَ يومنا لا يختلفُ عن غيره مِنَ الأيام .. لهو ، و ضياع .. ليلُ الناسِ نهارنا و نهارهم ليلنا
    نستيقظُ ما بينَ مُدخنِ و سكير و مشاهدٌ لِأفلامِ العُهر والتمثيل...وأختاي تتبادلان حديث اللاهيات الغافلات
    و بينما حالنا كذاك .. نغطُ في نومٍ عميق قُبيلَ أذانِ الفجر و لا نستيقظُ إلا بعد ظهرِ اليوم التالي
    أما عن الصلاة فلا نُصلي أيَاً مِن فروضنا .. إلا و أحيَاناً صلاة الجُمعة ..
    أغيبُ عن مدرستي لتأخري و بالطبع يفوت إخوتي محاضراتهم .. قَد يلحَق أحَدهم بمُحاضَرته الأخِيْرة وَ قد لَا يَنهَض و يكمل نَومه حتى العصر
    كانَت أيامنا كلّها مُتشابهة تنتهي بالأفلامِ وَالمَسارح لتبدأ بالسينما و المَلاهي و الخُروج بسيارتنا واصطحاب الفتيات
    كانَ دوْري أن أُراقب فسني ما زال لا يُتيحُ لي ذاك المُستوى مِنَ الحُرية !!
    كلّ يومٍ تزدَاد أمانِينا وسعَادتنا الزَائفة بفِعل مَا يحلُو لنا ومَا نشاء...فَلا رقيْب عَلى المَال والأخلاق والأفعال...ولا رادع لنَا بعدما بعدت قلوبنا عن الله
    كنّا نعتقِد أنّ هذهِ هِي الحياة و السعادة هَذا هو الهناء
    ..
    نأكل و نشرب مَا لذّ وطاب..
    وَنُسيّر أنفسنا كَما نشتهي و لنا مِن متاع الدنيا مَا لنا.!.
    في ظِل ذلك كان مِنَ المُحالِ و هيهات أن نَجِد السعَادة وَ نحن قدْ بعدنا عن الله بُعد المشرِقيْن والمِغربين
    أتعتقِدونَ أن في المعَصيةِ مُتعَة ولّذة ؟!
    لا ورَبي كانت الشْقَاءُ بعينه ... ذنوبٌ و حسرات ، تضييعٌ للأعمارِ و الأوقات
    كُنَا أحياءً بالأجسَادِ و الأرواح ضائعة ، ميتة
    فأمثالُنا مثلَ حَيٍّ بينَ الأموات
    قال ابنُ القيم -رحمه الله-إضَاعةُ الوقتِ أشدّ مِن الموت
    لأنّ إضاعة الوَقت تقطعُك عن الله والدّار الآخرة ،وَالمَوتُ يقطعُك عَن الدّنيَا وأهلها.
    استَمرَ الحالُ بِنا هكذا بل و زاد عن حده بعد ما انتهى عامنا الدراسي... قررَ والدي أن يبتعد عن جو العمل...
    ذهبنا جميعاً في نُزهةٍ على شاطئ البحر...
    مكثنا أسبوعا و خُيِّلَ لنا أن لم نكن نحيا قبل ذاك!!!
    زِدنا مِنَ اللهو و المَعصية و ما كان لأيٍّ مِن شهواتنا حدود...
    أنا و أخواي غارقين في شتى المحرّمات و أمي و أُختَاي في زيّ المتبرجات الفاتنات
    ..
    يُظهِرن من أجسادهن أكثر مِمَا يُخفين ..!
    و أبي كانَ في المنزل يُشَاهِد المُسلسلات و الفضائيات و مَا شاء مِنَ المُحرمّات
    بين أُغنيةٍ و دُخان و معاص بِلا حرمان....
    أنهينا أسبوعنا و كان مِنَ المقرر أن نعود إلى منزلنا
    أذكُرُ أننا ألححنا على والدي للمكوثِ أسبوعا آخر فما رأينا مِن أبوابِ الحيَاةِ التي تفتحّت لنا جعلنا نَستصعب تركه.!..!
    وافق والدي على أن يذهب لمبَاشرةِ عمله و يُعاودُ الحضور لِأخذنا عند نهايةِ الأسبوع فَرِحنا و طار الجميع سعادةً و طرباً للمكوثِ فيما كُنا من متَع الحيّاة واللّهو والمَلذات
    ..
    مَرّت أيامٌ ثلاث
    و في كُلِّ يومٍ تزداد مُتع الحيَاة و نُكثِرُ مِن المعصية و اللهو و نزيد ما نُريد لإشباع رغباتنا
    في اليومِ الرابع أتصل والدي أن أرسلت لكم سائقاً لتعودوا الآن فجهزوا أمتعتكم و أغراضكم
    وجدْنا بنَبرة صوتِه شدّة و صَرامة فِي الوقتِ ذاتِه يختلط الحُزنُ فيها.....
    لم ننبس ببنت شفة و لم نجرؤ عَلى سُؤاله ما سَبب هذَا التغيير المُفاجِئ وَاستبد بنَا القَلق
    بدأنا بتجهيزِ أمتعتنا و جَلسْنا ننتَظر السَائق
    ..
    وصَلت السيّارة و ركبنا يُصاحِبنا الخوف و القلق بصورةٍ لمْ نعْهَدها مِن قَبل
    فِي أثناء الطرِيق لاحَظنا أن السَائق يبْدو حزيناً هو الآخر فبَادره أخِي السُؤال:
    - مَاذا حدث يا عماه؟
    - أجَابَ مُحاولاً التهرب :
    - حدث أين ؟ تقصِدُ أحوالي؟ هِي بخَير و الحَمد لله
    - لا ليس عن أحوالك أسأل بل عَن السببِ الّذي جَعل والدِي يطْلبنا قَبل انتهاء المدّة
    سكت برهة من الزمن و لمحتُ في عينيه مدامع
    ..
    و على وجههِ بدت علاماتُ حُزنٍ و ألم
    غَمزتُ أخي أن أنظر إليه ما به ؟ و لِمَ لا يُجيب
    فكرر أخي السؤال
    - ماذا حدث يا عماه؟
    - أخبرني والدكم ألاّ أتحدث
    لمـاذاا ؟! -
    نطقنا جميعاً في نَفَسٍ واحد..
    - لأنه يخاف عليكم...
    - مِن ماذا ؟
    - مِنَ الحُزن !
    سكت السائق و لم نفهم ما يرمي إليه...
    بادرت والدتي السؤال...
    - ماذا حدث ؟ أخبرنا قبل أن نصل
    ولشعورهِ بالخجل من والدتي ومكانتها عند والدي و قدرها الاجتماعي أجابها
    - لقد احترق المصنع و خسر والدكم كل ماله و بعدما كلمكم انهار و نُقِلَ إلى المستشفى
    وقع الكلام علينا وقع السِهَامِ في الأجساد...
    صرختُ في داخلي !!! " أبتاه "
    و خيّم الحزن و الألم على الجميع و لم نفق مِن هوَلِ الصدمة إلا و نحن أمام المنزل فأشارت والدتي للسائق أن اذهب بنا إلى المستشفى...
    فأكمل طريقه إلى المشفى و أحسستُ بالتيه في داخلي أفكار عديدة تترواد في ذهني
    ماذا سنفعل الآن ؟
    ضاع المال
    !
    مرض الوالد !
    لم أصحو مِمَا حلّ بي إلا وصوت السائق يُنبهنا إلى وصولنا إلى المستشفى:
    - تفضلوا هو في غرفة15
    بالطابق الثالث
    هرعنا إلى الطابق و الغرفة التي يمكث فيها و دون أن نستأذن دخلنا كان كُلّ همنا أن نرى والدي و فوجئنا بعدم وجود أحدٍ في الغرفة...
    خرجنا بلهفة المفجوع واتجهنا بالسؤال لِأول ممرضة نُصادفها:
    أين المريض الذي كان في الغرفة 15؟
    أطرقت برأسها...
    نُقِلَ إلى العناية المُركّزة...
    بكت أُمي و الجميع لعدم علمنا بأية تفاصيلٍ عن حاله و ما الذي أدى إلى نقله إلى العناية المركّزة...
    انتظرنا و مرت سويعات الانتظار كالسنين و ما أن سمحوا لنا بزيارته حتى هرعنا لرؤيته..
    كان للتو قد فاق مِن إغمائه
    و ابتسم كعادته
    ابتسامته تلك أجبرتنا على حبسِ دموعنا وآلامنا
    ابتدرنا السلام ، قبلنا رأسه و لسان حالنا يدعو بالشفاء له و العافية...
    ناظرنا بنظرة رِضىً وانسِجام قلّب نظره فينا واحداً تِلو آخر و أخذ يُحدثنا عن الصبر و البلاء و اللجوء إلى رب الأرضِ و السماء....وأتبع حديثه قائلا:
    - اعلموا أبنائي أن ما جمعت من مال كله لسعادتكم
    لتحيونَ حياة طيبة هنيّة وها قد ضاع المال
    رحمك الله يا جدي
    ..
    قال لي يوماً
    "من فقد الله فماذا وجد ؟ و من وجدَ الله فماذا فقد؟!! "
    لم أفهم يومها ما قال
    ..
    الآن فقط لامست كلماته شِغافَ قلبي و أبصرتُها بعقلي
    أترون؟!
    قَد عشنا الأولى معاً و نسينا حق ربنا عز وجل
    فما كان إلا أن كُنا بِلا حياة
    و الآن أُريدكم أن تَعيشوا الثانية...
    أن تعودوا إلى الله سبحانه و أنا أتُوب إلى ربي مِمَا قصرتُ في حقه سبحانه
    ..
    و في حقكم
    و إن مت فسألوا المولى ليّ الرحمة والمغفرة.
    - حفظك الله أبتاه لا تقل ذلك
    ابتسم وقال :
    - الموت كأس و كُل النَاس شاربه
    في خضم كُل ما كان يجري كنت أُلملمُ عَجبي...
    عجبت من والدي لم يُحدثنا يوماً كما فعل اليوم
    و لا أظنه حدثنا في أي أمرٍ شرعي في حياتنا
    قطع كلامه عَجبي
    - ليبحث كل منكم عن عملٍ و أستعينوا بالله فهو الموفق و المعين سبحانه شَحب لونه و سكتْ
    هرع أخي الأكبر لِإحضار الطبيب
    .. جاء و سألنا
    - هل تحدث؟!
    نعم.
    -
    - لم يكن ينبغي له التحدث...اتركوه الآن
    خرجنا إلى غرفة الانتظار وقد اغرورقت أعيننا بالدموعِ وأطاحت بنفوسنا الآلام وملأ أذهاننا حديثُ والدي
    وبينما نحن كذلك خرج الطبيب مسرعاً...
    - سينتقل إلى العناية المركّزة
    - هل أصابه مكروه؟!
    - قد يكون أُصيب بجلطة و سنفعل اللازم بإذن الله.
    ذهب و جلسنا و أخذتُ أُناظِرُ والدتي...
    بدت بوجهٍ شاحبٍ و عيناها بحرٌ مِنَ الدموع
    تضاربت الأفكار في رأسي و تهافتت الظنون
    ماذا سيحدث لوالدي؟!
    و كنت أدري أنّ الجميع يفكر كما أفعل في تلك اللحظ
    عجبتُ كيف أنَا ندعو الله الآن و لم نكُن نذكره في حياتنا من قبل !!!
    الآن و فقط أتذكر آيات فسرّها لنا المدرس يومًا...
    و بالطبع لا أذكر منها إلى جزء يسير فكيفَ لعاصٍ مثلي أن ينل علماً يُنير حياته و قد أظلمتها الذنوب و الآثام
    قال لنا المدرس يوماً
    " إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا "
    أطرقتُ أُفكرُ فيما قاله المدرس يومها
    و لم أفق إلا على كلام والدتي...
    يجب أن نبدأ حياتنا من جديد
    -
    سأعمل و أُختاكم في الأشغال اليدوية التي كنا نتسلى بها أحياناً و إن كبر إنتاجنا سنفتح مركزاً للخياطة و الأشغال و سيبدأ كل منكم في البحث عن عملٍ لنتدبر ما يلزم لعلاج والدكم و لعيشنا
    ..
    نظرتُ إليها متعجباً إذ قد مسحت دموعها و حادثتنا بجدٍ و حزمْ
    قلت في نفسي
    ..
    هل تذكرت هِي الأخرى آية شرحها المدرس!!؟
    أم أنها تُظهِرُ الحزم و تكتم الألم .!.!
    كانت تنظر إلينا عسى أن يُجبها أحد
    و لم تجد إلا البكاء إجابة!!!
    أعادت كلامها و زادت:
    - والدكم الآن حالته حرجة و عليه يجب أن نساعده و ندعو له و أبسط ما يمكن أن نفعله هو ما أخبرتكم به
    والدتي -رحمها الله- قالت لي يوماً بعد أن آلمتني احدى صديقاتي:
    لا تيأس إذا تعثرت أقدامك و سقطت في حفرة واسعة
    ..
    سوف تخرج منها و أنت أكثر تماسكاً و قوة
    و الله مع الصابرين
    سكتت ونظرت إلينا لتسمع ردودنا...
    قال أخي الأكبر:
    - لوالد زميلي شركة سأطلب العمل فيها.
    أعقبه أخي الأوسط:
    -وأنا سأطلب من زميل لي أن أعمل معه
    لم يبقَ سواي نظرت إليهم متسائلاً
    ماذا عني ؟! لا زلت في المرحلة الإعدادية
    بادرت أُمي بالإجابة:
    - أنت ستتكفل بشراء ما يلزم و ستذهب هنا و هناك
    فرددت :
    - سمعاً و طاعةً يا أُماه.
    بعد كلامهم تُهت في غيابة أفكاري في أيامنا التي كانت و حالنا الآن
    كيف كُنا و أين حَلّ بِنَا الدهر
    -
    -كيف لم نكن نذكر الله و لا نعرفه إلا عن طريق ما يرد في حديث إستاذ اللغة
    العربية إذا كنا ننتبه لما يقوله مِنَ الأصل!
    كيف لم نكن حتى نقول
    " إن شاء الله " أو " بإذنِ الله "
    كيف لم نعي قول الله-عز وجل-
    " و لا تقولن لشيءٍ إني فاعلٌ ذلك غداً إلا أن يشاء الله "
    رُحمَاكَ ربى تتودد إلينا ونتبغض إليك ولكن الثقة بك حملتنا على الجرأة عليك فجد بفضلك وإحسانك علينا
    - للتو فقط تذكرت زميلاً لي تُوفيَ والده فذهبت أُعزيه
    وجدته قائماً يخطب في الناس...
    كم داهمني العَجَبُ يومها !
    كيف لهذا الصغير أن يتحدث وسط الكبار؟!
    لكم عجبت!
    و عجبت أكثر لتجلده و حسن حديثه
    ..
    نعم كان يبكي
    لكنه لم يتزعزع و وقفَ شَامِخاً وسط انبهَارِنا
    أبهرني و أبهر الجميع
    ..
    بعد إنهاءه حديثه عزّيته و سألته
    -من أينَ تعلمت هذا ؟ من المسجد-
    يا الله...
    لا أذكر يوماً أني حضرت درساً في مسجد ، بالكادِ كُنتُ أُصلي الجمعة و أذهب وقت الصلاة فقط دون الخطبة!
    ليتَك بجانبي الآن يا صاحبي !
    ليتك بجانبي لتحدثني بكلامك الجميل !
    هُوَ قال تعلمه من المسجد إذاً سأذهب إلى المسجد منذ اليوم...
    نَظرتُ إلى ساعتي....الوقت يمر ببطء جداً ... و الطبيبُ لم يخرج حتى الآن
    يا الله
    كم يزدادُ قلقي و ألمي
    ها هُوَ
    - كيف حال والدي ؟
    - أُصيب بجلطة
    وعلى إثر ذلك حدث شلل في نصفه الأيسر سيلزمه العلاج لسنوات ليعود كما كان
    لم أرَ حُزناً بين عائلتي كما الآن...
    و في ظل ذاك يأتي صوت والدتي بان اعملوا و أثبِتُوا ذواتكم
    للمرة الأولى أرى والدتي بتلك الحال لم أفهم كيف تغيرت !
    هي رقيقة المشاعر جداً و دوماً ما تكتب الخواطر و الأشعار
    ..
    فمن أينَ بكلِ هذا التجلّد يَا أُمي!
    للهِ دَركِ
    كم من التساؤلاتِ هبطت على ذهني و لم أجد لها إجابة
    لشدةِ تعبنا ما أن هطل الليل حتى نام الجميع
    إلا والدتي .... استيقظتُ من نومي في الثلثِ الأخير من الليل و إذ بي أراها ساجدة
    ..
    و يصل إلى مسمعي أنيناً ناعماً ، بكاءً و كلاماً
    حاولت أن أُركز لِأعلم ما تقول فإذا هي تدعو الله أن يرزقها الثبات و تُردد :
    اللهم و جلالك ما أردتُ بمعصيتي مخالفتك و لكن عصيتك إذ عصيتك بجهلي ، و ما أنا بنكالك جاهلة و لا لعقوبتك معترضة و لا بنظرك مستخفة و لكن سوّلت لي نفسي وأعانني عليها شقوتي وغرني سترك المرخى عليّ فلقد عصيتك و خالفتك بجهلي فبحبل من أتصل إن قطعت حبلك عني !؟
    يا مـــن أجبت دعـــاء نـــوح فانتصـــر وحملته في فلكك المشحونِ
    يا مــن أحـــال النــار حول خليلـه روحا وريحانا بقولك كوني
    يا مــن أمرت الحــوت يلفــظ يونــسَ وسترته بشجرة اليقطينِ
    يا رب إنـــــا مثلـــــــه في كربـــــة فارحم عبادا كلهم ذو النون
    يا الله
    تغلغلت كلماتها في نفسي كثيراً رغم أني لم أفهم جيداً لكن مع بكاءها و أنينها خرجت الكلمات بانسيابية جميلة تشد انتباه كل سامعٍ لها!
    جلست سارحاً بكلماتها و إذ بها سلّمت من صلاتها فوجدتني بجانبها ..
    ضمتني إليها و بكت
    ..
    " كم هو دافئ حضنكِ أُماه ! "
    لم أستطع التحدث لكني أحسستُ أنها بحاجة لمن يصبرها فتذكرت بعضاً من كلماتِ زميلي ..
    ربتُ على كتفها
    - أُماه لا تحزني ألم تقولي لنا إن الله مع الصابرين ؟
    اصبري و سيشفى والدي و الله قادر على ذلك
    لم أتذكر من كلام صاحبي أي شيءٍ آخَر !

    أحزنني بُكاءها و نحيبها ..
    بادرتها القول .. :
    أمي سأذهب إلى المسجد فهناك يقولون كلاماً جميلاً فانتظريني أتعلم منه و آتي أُحدثكِ
    و هُنَا أذن المؤذن الفجر .. فأخبرتها أني سأذهب للصلاة .. ابتسمت رغم دموعها وما أجملها من ابتسامة وسط بحرٍ من الدموع و الآلام ..
    أخبرتها
    " سأعودُ لكِ بالكلام الجميل..
    فلا تبكِ يا حبيبتي "
    تركتها و أسرعت أتوضأ و خرجت للصلاةِ في المسجد ..
    صليت و انتهت الصلاة و أخذتُ أنتظرُ علّي أجد كلاماً ككلامِ زميلي هنا ..
    وجدت الجميع بعد إنهاءهم لصلاتهم قد قاموا لزاويةٍ معينةٍ في المسجد ..
    بينما أنا جالسٌ وحدي و إذا بأحدهم يُلاحِظُ الدموع في عيني و شحوب وجهي ..
    - أنت جديد في المنطقةِ هُنَا !؟
    - لا ..
    أنا أسكن في منطقة أُخرى لكن والدي في المستشفى و أنا معه ..
    ربت على كتفي ..
    - شفاه الله ...
    هل تأتي لتجلس معنا ؟
    - أين !؟
    - هُناك...حيث توجه الجميع
    - هل ستعطونني كلاماً جميلاً !؟
    - نَعم ..
    فرحت و ابتسم هو ..
    نهضت معه و جلست بينهم رّحب بي الجميع رغم أنهم لا يعرفونني و طلب منهم العم
    أن يدعو لوالدي ..
    فدعوا جميعاً ..
    أحببتهم دونَ أن أعرفهم و انتظرت ماذا سيفعلون ؟
    فوجدت مع كلٍ منهم مصحفاً و أعطاني
    العم مصحفاً كذلك
    ..
    و قال :
    سنقرأ هنا ..
    و أشار إلى الصفحة ..
    بدأ شيخ كبير بالقراءة ثم واحداً تلو آخر ..
    " يا الله ما أجمل أصواتهم و قراءاتهم .. "
    تذكرت هذا المصحف يوجد منه في بيتنا لكني لم أسمع أحداً
    يقرؤه من أهلي و لم أسمع مثل هذهِ الأصوات في حياتي
    جاء دَورُ القراءة عليّ و قال لي العم :
    اقرأ ..
    فقلت في نفسي

    " ماذا أقرأ ليس صوتي مثل صوتهم " نظرتُ إليه متعجباً
    فقال :
    إقرأ و لو نصف صفحة فقط ..
    فقرأت ..
    شجعني قائلاً
    - ممتاز ..
    لكن بحاجة إلى تصحيح بعض الأحكام
    - ما معنى أحكام ؟
    - أحكام التجويد ألم تدرسها ؟
    - لا ..
    - حسناً سنتعلم منها الآن ..
    لم أنسَ ابتسامته التي أنارت لي حياتي و لا أنكر أني لم أفهم ماذا يعني بقوله أحكام ..
    شعرتُ أني جاهلٌ حقاً !
    تحدث الشيخ الكبير بعد ذلك الذي بدأ القراءة أولاً و أعطانا حكم النون و الميم المشددتين
    ..
    كانَ درساً جميلاً ..
    ما إن انتهى حتى أغلق الجميع مصاحفهم و وضعوها أماكنها ..
    و إذ برجلٍ يحضرُ كتاباً كبيراً كنت قد رأيت مثله في منزلنا ..
    فتحه الرجل و تحدث عن حديثٍ في صحيح البخاري و من يتصبر يصبره الله و ما أعطى احد عطاءً خيراً و أوسع من الصبر ..
    لشِدَةِ ما لامسَ الكلام شِغافَ قلبي و تَحدث عن حالي شعرتُ كأن الكلام مُوّجهٌ إليّ لا إليهم .. !
    استمتعتُ لحسن حديثه و تبعه العم الذي كان جانبي بحديث عام وأظنه قد تحدث ليواسيني تكلم عن المرض وما هي آدابه وذكر دعاء لم أحفظه لمن يشكو شيئا وما إن انتهى من حديثه حتى ذهبت إليه
    .. شكرته و حادثته قائلاً :
    -عماه كلامك جميل جدا هل تكتبه لي لأني لم أحفظه جيدا وقد وعدت أمي أن أعود لها بكلامٍ جميل
    فابتسم ابتسامة جميلة
    - حسنا يا ولدي وأعطاني ورقة مكتوب فيها :
    }عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابه سراء فشكر الله فله أجر، وإن أصابته ضراء فصبر فله أجر، فكل قضاء الله للمسلم خير }، وفي رواية لأحمد { فالمؤمن يؤجر في كل أمره{
    }يا ابن آدم، البلاء يجمع بيني وبينك، والعافية تجمع بينك وبين نفسك{
    }إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط {
    وربما كان مكروه النفس إلى *** محبوبها سبب ما مثله سبب
    وإذا عرتك بلية فاصبر لها *** صبر الكريم فإنه بك أعلمُ
    وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما *** تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحمُ
    لا تحاول أن تعيد حساب الأمس
    ..
    وما خسرت فيه ..
    ..
    ولكن مع كل ربيع جديد سوف تنبت أوراق أخر..
    فانظر إلى تلك الأوراق التي تغطي وجه السماء
    ودعك مما سقط على الأرض فقد صارت جزءاً منها
    إذا كان الأمس ضاع
    .. فبين يديك اليوم
    وإذا كان اليوم سوف يجمع أوراقه ويرحل
    .. فلديك الغد.. لا تحزن على الأمس فهو لن يعود
    -------
    لا تقف كثيراً على الأطلال
    خاصة إذا كانت الخفافيش قد سكنتها والأشباح عرفت طريقها
    ..
    وابحث عن صوت عصفور
    يتسلل وراء الأفق مع ضوء صباح جديد وختمها بدعاء المرض وكتب لا تنسوا
    وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ
    شكرته ثانيةً
    .. و استأذنته الذهاب لِأعود لأُمي .. فأذِنَ لي و قال :
    - سأنتظرُ أخباراً عن صحةِ والدك عند صلاة الظهر ..
    - حسناً عماه ..
    سلمت عليه و قمت مسرعاً لأبشر أُمي أني وجدتُ كلاماً يؤنِسُ النفس ككلامِ زميلي ..
    دخلت الغرفة فإذا بأُمي تمسك المصحف .. رأتني فابتسمت
    بادلتها الابتسام وأعطيتها الورقة ..
    - ما هذا ؟
    - الكلام الذي وعدتكِ به ..
    قرأت مَا كُتب ..

    بكت و ضمتني إلى صدرها بكيتُ معها
    ، فلم أعد أتحمل مدامعها بكينا حتى أستيقظ الجميع على بكائنا و ظنوا أن أبي حدث له شيء
    .. فطمأنتهم
    والدتي أن لم يحدث شيء و أعطتهم الورقة فقرأها الجميع و بكوا
    ..
    و والله كأنها لمست شغاف قلوبهم ..
    بل قد لمستها فهذا نتيجة الإخلاص و قد كان العم مخلصاً في دعوته
    ..
    حاولت أُمي أن تحبس دموعها لتستطيع الكلام لكنها أجمل دمعة
    أجمل دمعه لحظه فراقك المعصية
    أجمل دمعة لحظه التوبة بعد المعصية
    بكت و تركت الجميع يبكي ثم أخرجت كتاباً عن التوبة و آخر عن الصبر على البلاء كانت قد وجدتهما في المستشفى
    ..
    قرأت علينا بعضاً منه بعدما أمرت أخوتي أن يُصلوا الصبح ..
    ما أن انتهوا حتى حثتنا جميعاً مرة أخرى على العمل و إثبات الذات و أنهت كلامها بعد أن بينت أنها لحظة خشوع و صلت فيها كل المعاني الغائبة إلى قلبها و قالت :
    -
    كانت أُمي- رحمها الله- تعلمنا مثل هذا الكلام و لكن لم نكن نستمع إليها ..
    كان كل همنا ..
    الموضة و الأزياء
    ..
    لكن لِإخلاصها فقد وصلت كلماتها الآن و لمست شغاف القلب المنكسر .
    هُنا فقط عرفت سبب تجلّد أمي و صبرها الذي كنت أعجب منه ..
    كانت جدتي !
    جدتي التي كانت ملتزمة تقيّة ابتليت بزوجٍ مترف غني فكان الأولاد تبعاً لوالدهم أكثر من أمهم ..
    في لحظاتٍ كثيرة كنا أنا و أخوتي ننظر لبعضنا البعض و بداخلنا تنمو مشاعر متفرقة ..
    فرحٌ بالتوبة بداية الطريق ..
    وإذا كانت البداية إشراقة بتوبة فيا بشراها من بداية ويا حسناها من إشراقة والتوبة ندم على ما فات وعزم على إصلاح ما هو آت وكف عن قبيح قول وفعل وانتهاء عن الذنوب والآثام*
    حان وقت الظهيرة و عُدت للمسجد ذاته و استقبلني العم بابتسامته الجميلة و ربت على كتفي و سأل عن حال والدي و سألني
    - من معك ؟
    - هذا أخي الأكبر و ذاك الأوسط ..
    سلّم عليهما و دعا لهما ..
    - هل حالُ والدكم صعب !؟ أراني ألحظ مدامعكم غزيرة ..
    أبكانا ما قال فصبرنا ببعض كلماته الدعوية المفيدة و عرض علينا زيارة والدنا صحبناه بعد الصلاة إليه فسلم عليه و دعا له بالشفاء و الصحة و العافية
    ..
    ثم خرجنا من عند والدي ..
    و خطب العم فينا خطبة قصيرة و جميلة و عرض علينا المساعدة بالمال
    ..
    شكرناه على حسن حديثه و مساعدته و لم نأخذ شيئاً ..

    التقينا بالطبيب المشرف على علاج والدي
    ..
    و أخبرنا أن حالته تسمح له بالعودة إلى المنزل و على كرسيٍّ متحرك نظراً لما أصابه من شللٍ يمنعه المشي و أن لا بد من جلسات كهربائية أسبوعية مع أدوية علّ الله أن يشفيه و يعيده كما كان
    ..
    عدنا إلى منزلنا ناكسي الرأس لحالِ والدنا و أسفاً على ما اقترفنا في حياتنا من ذنوبٍ و آثام لم يبقَ على الدراسة إلا شهراً واحداً و لم يكن العمل علينا سهلاً إذ تعودنا على الترف و الغنى ..
    لكِننا تحملنا كل ما واجهنا من مصاعب لِأجل علاجِ والدي و توفيراً لمصاريف المنزل و مصاريفنا ..
    كانت المصاعب التي واجهتنا كثيرة و قاسية ..
    أخي الأكبر عمل مندوباً و أخذ فترة للتدريب ..
    كان يحس بالمذلة حين يعرض مبيعاته على المشتري فهو لم يطلب من أحدٍ شيئاً من قبل و حتى و إن كان هذا عملا لكنه لم يعتد ذلك
    حدث والدتي حوَل ذا الأمر فأخبرته أن لا بأس طالما ليس محرماً و أنه ليس مظهراً من مظاهر الإستجداء و أنه عمل الكثير من الشباب و لا مذلة به و لا ينبغي أن يكون حساساً هكذا ..
    في تلك الأثناء سمعه والدي
    فناداه وقال له :
    إن واجهتك مشكلة فأرجع إليّ
    ..
    فرح أخي و أشار بالإيجاب و لم يحدثه بشيءٍ لئلا يثقل عليه إلا أنه فرح من مبادرته تلك أنصت أخي لحديث والدتي و حاول أن يتحمل مصاعب عمله ..
    لكنه كان يتعرض دوماً للمشاكل بسبب حساسيته تلك
    ..
    و بفضلِ الله كان صاحب عمله حسن الخلق ، عطوفاً و يعلم بحالنا ..
    كان يرأف بحاله و يقدم له النصح دوماً ..
    والدتي كانت تخبره بين حينٍ و آخر أن يرجع إلى والدي طلباً للنصح و كي لا يشعر أيضاً أنّ أبناءه نفروا منه بسبب مرضه و لِأن خبرته في الحياة أكثر ..
    كنت أرى والدي دوماً ينصحه حين يلجأ إليه و يربت على كتفه بقوة و يشد من أزره و يقومه ..
    قال له أبى احفظ هذه القاعدة واعمل بها:
    من عظم وقار الله في قلبه أن يعصيه وقرّه الله في قلوب الخلق أن يذلوه
    فكانت بمثابة التشجيع لأخي من جهة والحث على ترك المعاصي من جهة أخرى
    ..
    أمَا أخي الأوسط
    ..
    فكانت مشاكله أكبر من ذلك .. !
    شربه للمسكرات أثر على عقله بعض الشيء ..
    و لم يكن من السهل أن يعود كما كان طبيعياً عاقلاً ككل البشر ..
    بعد الفترة التي حاول فيها الإقلاع عن الشرب و نجاحه في ذلك ..
    باتَ عصبياً و يغضب و يُعلي صوته لأتفه الأسباب ..
    بالرغم من مرض والدي إلى أنه وقف إلى جانبه و سانده فكان ينصحه دوماً و يسدده ..
    و بدأ بالعمل على الحديث مع صديقه الذي أخبر والدتي أنه سيعمل معه ..
    و يوم ذهب إليه ..
    واجهه صاحبه بالاستهزاء و السخرية لضياع مالنا و ضحك ضحكة الشامت الحسود !
    عاد أخي لمنزلنا حزيناً لما حدث معه ..
    سألته والدتي
    - ألم تجد صديقك !؟
    - لا بل وجدته و لن اعمل معه !
    سكتت أمي لتتذكر إن كان قد حدث موقف كهذا في بيتهم فتتذكر كلام جدتي ..
    صمتت كثيراً و قطع صمتها
    و سكوتنا سلام والدي
    ..
    رد الجميع و عادوا لصمتهم ثانية
    .. كسر ذاك السكون حديث والدي
    - ما الذي يحزنكم !
    ؟ ألم تقولوا أن كل شيء بقدر الله و ها أنا صابر على مرضي فلِمَ لا تصبرون !؟
    قال والدي ما قال ظناً أن حزننا على ما أصابه من مرض
    ..
    قاطع ظنه صوتُ أخي :
    - يستهزئُ الناس بي و يعيروني ..
    ناداه والدي و ضمه إليه ..
    - بِمَ يُعيروك !؟ بفقدانِ مالك !؟ ومَن مِنَ الناس يأمن على ماله ؟ قد أودعه الله لدينا و لمّا أراده أخذه ثم لِمَ الحُزن !؟ ألم ننفقه على كل محرّم !؟ بئس ما أضعناه في معصيةِ الله .. اجتهد في عملك و تحرى الحلال تعش بسلام
    - كلما بحثتُ عن عملٍ ما وجدتُ يا أبتي !
    - اعلم من تحرى الخير يعطه و من يحث عن الطريق وجده و من أقبل على الله أعانه و سدده ..
    كل هذا اختبار لك و امتحان ليرى الله مدى صبرك و تحملك فلا تتعجل أن عيّرك احد .. قل لهم إن الله يحبني و قد جذبني إليه مما ابتلاني به ..
    كان والدي يتحدث و في نفسي دهشة مِمَا يقول
    ..
    تساؤلات تَنخرُ بي و ما من إجاباتٍ لها ..
    لِمَ لم يحدثنا هكذا من قبل !؟
    لماذا كتم عنا كل ذا الكلام !؟
    .. لا أدري التمست له عذرا ربما كان يظن أن المال هو السعادة !
    آنَسَ كلامُ والدي أخي و حزنه
    ..
    و بدأ بالبحثِ عن عملٍ من جديد و ما كان يجد واحداً إلا أن تركه لشدة عصبيته
    ..
    كان يتشاجر مع زملائه لأتفه الأسباب
    ..
    كتبوا يشكونه إلى مدير عملهم فطرده ..
    ما لبث أن عاد حزيناً إلى المنزل و أخبر والدي ما حدث فقال له :
    - الحياة واحدة و العمر واحد ..
    فلماذا تدع بعض المشاكل و العراقيل و سوء الفهم و الفشل يغلبك !؟ إعتبر ما يواجهك بمثابة الدافع ..
    و بمثابة المحن التي تخرج منها أقوى مِمَا كنت
    ..
    الحياة تجارب و الإنسان بدون تجربة ..
    إنسانٌ فارغ له القليل من الدوافع
    ..
    الحياة واحدة و أنت تعلم ذلك جيداً ..
    فلماذا لا تجعلها ذكرى جميله لم تتسلى بها و لا تجعلها طعنة كبيرة
    تتألم منها

    احمد الله و انظر إلى أسباب طردك و تجنبها و عاود البحث من جديد ..
    علمت أُمي بأمر أخي وعمله
    ..
    واسته و انتظرت إلى أن نام
    ..
    فوضعت ورقة بجانبِ رأسه ..
    كاد الفضول يقتلني لمعرفة ماذا كُتب على الورقة ؟
    و لأننا تعلمنا أن لا نأخذ
    شيئاً دون إذنِ صاحبه انتظرت حتى استيقظ أخي
    ..
    وجد الورقة
    ..
    فتحها
    وذهبت إليه مسرعاً متحَجِجَاً بسؤاله أستَرقُ النظر :
    - أتُريدُ أن أشتري لك شيئاً من الخارج !؟؟لم يُجبني .. !
    يبدو أنه لم يشعر بدخولي إلى غرفته ..
    انتهزت ذلك لِأقرأ فإذا بها :
    تخيل أن هذه الدنيا ...
    طريق فامش فيه واجعل التفاؤل ماءك كي لا تشعر بالعطش والأمل عصاتك كي لا تتعب من طول المسير والابتسامة ظلك كي لا تتأذى من حرارة الشمس ...
    ابتسم فأنت أولى بها كي تسير في دنيا الغربة وأنت شامخ ورافع رأسك وإلا فسلام على قلبك
    علمت أن الدنيا دار فناء فلماذا تجعلها تتجبر عليك وهي أحقر ما رأيت إن كنت تعلم أنك سترحل منها }النعيم لا يدرك بالنعيم ومن آثر الراحة فاتته الراحة...بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة...فلا فرحة لمن لا هم له...ولا لذة لمن لا صبر له...ولا راحة لمن لا تعب له.........صبر ساعة خير من عذاب الأبد ،وإذا تعب العبد قليلا استراح طويلا{
    يا الله !
    جميلٌ كلامكِ يا أمي
    ..
    خواطرك و كتاباتكِ ما أروعها ، لم أعرف حتى الآن ما سر هذا الصبر !
    تبهت لِأخي و دموعه على وجهه
    - لا تحزن ..
    نظر إليّ و ما كان يتوقع وقوف أحد بالغرفة إذ لم يشعر بي حتى !
    ففعلت كما فعلت معي أُمي يوم أن بكيت في المستشفى
    .. مسحت دمعه و قلت له:
    - لا تحزن فالله قادر على كل شيء ..
    - شكراً لك !
    أدعُ لي أيها الصغير فأنت لم تقترف ما اقترفنا من ذنوبٍ و آثام ..
    - كلنا أخطأنا و نحمد الله على أن وفقنا للرجوع إليه ..
    هيّا قم فقد اقترب موعد صلاة العصر لنصلي سوياً و ندعو و بعدها نخرج نبحث عن عمل و سآتي معك ..
    بحثنا طيلة اليوم و لم نجد شيئاً
    واسيته أن اصبر و ما صبرك إلا بالله بالذكر و الدعاء ينكشف البلاء ظل أسبوعا يبحث عن عمل حتى وجده لكنه كان براتبٍ قليل ..
    و قال أفضلُ من لا شيء !
    أوصاه والدي بضبط النفس قدر المستطاع و أن يتلاشى مواطن و أن يتجنب أسباب طرده من العمل الأول ..
    شكره أخي و طلب دعاءه ..
    حُلّت مشكلة أخي بعض الشيء ..
    و لم يبقَ سواي ..
    لم أكن متضايقاً أبدا من عملي فقد أحببت مساعدة أمي و أختاي في شراء ما يلزمهما من أدوات الخياطة والتطريز و كنت أضحك على أختي حين تقوم بشَغلِ مفرشٍ ما فيظهر بصورة غير منسقة تماماً
    ..
    و تعيد أُمي العمل عليه مرة ثانية ..
    و كذا أختي الأخرى حين قامت بقص قماش مطلوب تفصيله فستاناً دون أن تستأذن أمي و كانت النتيجة أنه لم يعد قماشاً و لا فستاناً !
    كانت أمي تواجه المصاعب في تعليم أختاي إلّا أنها كانت صبورة و نشيطة ..
    للهِ درك ما أعظمكِ أماه!
    في كل يومٍ كان العجبُ في نفسي يزداد .. لم تكن أمي هكذا من قبل !
    تذكرت حديثها عن جدتي التي كانت تدعو لها دوماً ..
    و اكتشفت يوماً أن والدي وراء صبرها فقد أوصاها بأن لا تبكي أمامنا
    .. و أوصاها بالثباتِ كذلك !
    كثيراً ما أتذكر أن والدي علمنا الأخلاق الحميدة ..
    لكن عمله أشغله عنا و ماله أضاعنا ..
    و أُمي ...
    لم نكن نجرؤ على أن نرفع صوتنا عليها ..
    احتراما لما في قلوبنا و كانت تدللنا و تظن أن أفعالنا متعة لنا فتتركنا نفعل ما نشاء
    سبحان الذي أبدلَ أحوالنا
    تركنا الصحبة السيئة
    ..
    أبدلنا الله بخيرٍ منها ..
    من الجيران و أصحاب العمل و الأقارب !
    أخي الأكبر كان صاحب عمله رجلاً كيّساً فطناً ..
    و جاراتنا كن يساعدن أُمي و يجلبن لها الزبائن و بعض
    الأقارب مِمَن مَنّ الله عليهم بالالتزام يحضرون لنا المحاضرات الدينية والندوات و يأخذون بيدنا إلى طريق الحق
    ..
    امتنعنا عن التدخين ..
    كُنا بحاجةٍ للمال لشراء لوازمنا و ليس لإضاعته في المحرّمات و يكفي ما فعلنا في
    الماضي
    !
    سعدنا في حياتنا رغم قلة مالنا ..
    و ما بنا من الآلام
    ..
    نستيقظُ فجراً نصلي و إخواني في المسجد و أمي و أُختاي في المنزل ..
    بعد صلاتنا كنا نجلس لمأدبةِ القرآن في المسجد و نتعلم حكماً بالتجويد ..
    ثم نعود لنعلم أُمي و أُختاي و نطبق ما ندرسه و من ثم نتناول فطورنا الذي بات لا يتعدى الصنفين ..
    إلّا أنَ له مذاقا خاصا فهو من الحلال الطيب
    نتفرق بعدها كُلٌّ منا إلى عمله
    ..
    و تنهي أُمي أعمال المنزل ..
    صلواتنا الخمس نُصليها و أخواي في المسجد و ما أجمل تلك اللحظات حين نقف بين يدي الله حقاً ليس حياً من هو بعيدٌ عن الله !
    كنا نجتمع عصراً أسرتي بأكملها ..
    نتسامر و نتحادث و نستمع لكلامِ والدي و أعجب مِمَا له من العلم و لم يكن يخبرنا بشيء !
    يأتي على ذهني العذر أن دوماً كان مشغولاً بعمله و ها قد حدث ما حدث ليكون بمثابة وقفة لنا لنعود إلى الحق !
    يمضي يومنا بسعادة ترفرف حولنا و مساءً يفضي كل منا للآخر عن ما لاقاه من مصاعب في عمله ..
    يُعلِّق والدي بكلمة طيبة تُزيّنها والدتي بنصيحة قيمة فيشدا من أزرنا و يرفعا من همتنا و عزمنا
    دراستنا على الأبواب ..
    لم يتوفر لنا المال الكافي لدفع المصاريف..
    كثف الجميع جهدهم في العمل ليل ، نهار ..
    أخي الأكبر كان يدرس
    في كلية الطب بالرغم مِن صعوبة ما يدرس إلّا أنه
    كان يمضي وقته في عمله حتى جاء موعد الامتحانات ففرّغ نفسه للمُذاكرة مرت سنوات تلو أُخر و أصبح أخي في المرحلة الأخيرة في جامعته و كان لا بد له من حضور جميع المحاضرات ..
    و بالرغم من أنّ المال
    كان لا يزال عائقاً و كان لا بد أن يستمر في عمله إلا أنه كان يداوم على أخذ المحاضرات من زملائه حتى قاربت امتحانات الفصل الأول له على البدء
    ..
    فقدم و عمل بالإجازة بين الفصلين من ثم تفرغ لدراسته فقط في فصله الثاني بناءً على رغبة والدتي ..
    إذ أخبرته سنكفيك المؤونة فجد و اجتهد ..
    كبر مركز الخياطة الذي فتحته أمي و أختاي و نما المال بفضل الله ..
    و كُنا على موعدٍ مع إعلان نتائج امتحانات أخي فأحضرها و في طريقه إلى المنزل كنت أنتظر عودته في الشارع ..
    جاء وفي ملامحه تباشير الفرح و السرور ..
    و صادف أن رأى أحد أصدقاءه أيَام الجهالة
    فسخروا منه بسبب المال ..
    أحسست بالحزن لأجله

    ..
    ما لنا وما أن رأيته شامخاً في وجههم يقول لهم نحمد الله عز وجل أن ضاع لنصبح رجالاً أما أنتم فقد بقيتم لا شيء ..
    فرحت بجوابه و ركضت نحوه أحضنه و أقبله و أبارك له النجاح فأخبرني :
    حصلت على المركز الثاني !
    زاد فرحي و لاحظتُ أن والدي يُناظِرنا من الشرفة ..
    بدا لي أنه رأى و سمع كل ما حدث ..
    دخلنا عليه نبشره حمد الله وجمعنا ثم قال
    - اعلموا أبنائي أن البحر الهادئ لا يصنع أبدا بحَّارا ناجحا ففي الأمواج والأعاصير تظهر معادن الرجال
    " إن من لم يتألم ..لا يمكن له أن يتذوق طعم السعادة ..وأن من لم يتألم ..لا يتعلم "
    قالها
    .. ثم كانت المفاجئة أن قام من كرسيه المتحرك .. دُهشنا و ذُهلنا .. !
    رباه لك الحمد !
    شُفي والدي و سجدنا جميعاً شكراً لربنا على ما مر بنا من المحن !
    شفى والدي بفضل الله فعاود العمل وأكملنا جميعا ما بدأناه
    تخرج آخى وعمل طبيبا
    أخي الأوسط ..أصبح صيدلانياً
    و أنا بتُ مُهندساً !
    عاد لنا المال بتوفيق من الله ثم الجد والاجتهاد و هذه المرة صار المال عبدا لنا ولم يكن سيدا
    ...
    أمضيناه في طاعة الله ومساعدة الفقراء...
    وبقى سر صبر أمي غامضا وما أراهُ إلا أن كان ولا زال الإيمان فما أعظمه...
    إنه الدعاء فهو سلاح المؤمن
    ....
    إنها دعوة والدتها فما احمل وأصدق دعاء الوالدين
    ....
    رعاكِ الله يا أمي الحبيبة ...
    وحفظك لله أبتاه فقد علمتنا وربيتنا
    ..
    - أبـي .. أبي ..
    نبّهني صوت صغاري بسعادتهم و هم في سيارتي الفارهة
    يا الله ما أقصر الدُنيا !

  4. #74
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Jul 2004
    الدولة : غزة فلسطين
    العمر : 72
    المشاركات : 2,005
    المواضيع : 323
    الردود : 2005
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    قصص من الحياة ( 28 )

    كيف اهتدت أمي نجمة الإغراء إلى الإسلام


    إبنة ممثلة مشهورة تحكي قصة هداية أمها (ألم يئن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله)
    هذه القصة هدية إلى كل ممثلة ومطربة وراقصة !!
    تقول صاحبـــــة القصـــــة :

    تفتحت عيناي على خالة رائعة كانت بالنسبة لي بمثابة الأم الحنون ، وزوج خالة فاضل وأولاد وبنات خالة كانوا يكنون لي الحب الصادق .

    وحينما كبرت شيئا فشيئا أحببت أسرتي أكثر وأكثر .

    كانت خالتي وزوجها يداومان على صلاة الفجر وعلى إيقاظ أبنائهما ليؤدوا الصلاة جماعة .

    ولقد حرصت على الوقوف معهم وتقليدهم منذ أن كان عمري خمس سنوات .

    كان زوج خالتي حافظا للقرآن الكريم ، وكان صوته شجيا عذبا . وكان رجلا متدفقا بالحنان والعطاء وخاصة بالنسبة لي . وكان يعتبرني آخر أبناءه ، وكان يداعبني دائما ويقول : آخر العنقود سكر معقود!

    وفى الأعياد كانت تزورنا سيدة جميلة أنيقة وهى تحمل الكثير من الهدايا لي . وكانت تحتضني وتقبلني فأقول لها : شكرا ياطنط ! فتضحك قائلة : لا تقولي طنط . قولي دودو!

    وعندما بلغت السابعة علمت أن (دودو) هي أمي وأن عملها يستغرق كل وقتها ولذلك اضطرت أن تتركني عند خالتي .

    وفى يوم عيد ميلادي الثاني عشر حزمت أمي حقائبي واصطحبتني إلى بيتها .

    ***
    كان بيت أمي أنيقا فسيحا في منطقة المهندسين . وكان لديها جيش من الخدم والحرس والمعاونين .

    وكان جميع من يحيطون بها يتسابقون لتلبية أوامرها وكأنها ملكة متوجة !

    ورغم كل مظاهر الثراء المحيطة بي إلا أنني شعرت بالغربة ، وأحسست وكأني جزيرة منعزلة في قلب المحيط !

    ورغم أن أمي كانت تلاطفني وتداعبني في فترات وجودها القليلة بالمنزل ، إلا أنني كنت أشعر وأنا بين أحضانها أنني بين أحضان امرأة غريبة عنى . حتى رائحتها لم تكن تلك الرائحة التي كنت أعشقها وأنا بين أحضان خالتي .

    كانت رائحتها مزيج من رائحة العطور والسجائر ورائحة أخرى غريبة علمت فيما بعد أنها رائحة الخمر!

    وبعد فترة قصيرة من إقامتي معها سألتها عن نوعية ذلك العمل الذي تمارسه ويشغلها عنى معظم الوقت ، فنظرت لي في تعجب كأني مخلوق قادم من المريخ وقالت :

    ألا تعلمين أنى أعمل ممثلة ؟ ألم تخبرك خالتك ؟

    فأجبتها بالنفي .

    فقالت بالطبع لم تخبرك فهي لا ترضى عن عملي . إنها تعتبره حراما . كم هي ساذجة!

    إن الفن الذي أمارسه يخدم رسالة نبيلة . إنه يهذب الوجدان ويسمو بالشعور .

    ثم جذبتني من يدي للصالون وقالت : سوف أجعلك تشاهدين كل أفلامي .

    ووضعت شريطا في الفيديو . وجلست لأشاهد ولأول مرة في حياتي فيلما لها .

    كان الفيلم يتضمن مشاهد كثيرة لها بالمايوهات الساخنة وبأقمصة النوم الشفافة ، ومشاهد عديدة تحتضن فيها رجلا وتقبله قبلات مثيرة .

    لم أكن قد شاهدت شيئا كهذا من قبل ، حيث كان زوج خالتي يمارس رقابة شديدة على ما نشاهده في التلفاز . وكان يأمرنا أحيانا بغلقه حينما تأتى بعض المشاهد ، ويغلقه تماما حينما تأتى بعض الأفلام والتي علمت فيما بعد أنها كانت من بطولة أمي .

    لم أعرف ماذا أفعل وأنا أشاهد أمي في تلك الأوضاع . كل ما استطعت القيام به هو الانحناء برأسي والنظر إلى الأرض .

    أما هي فقد ضحكت على من أعماقها حتى طفرت الدموع من عينيها !

    ***

    وكبرت وأصبحت في الثامنة عشرة من العمر ، وحرجي من مشاهد أمي يزداد ، ومشاهدها تزداد سخونة وعريا ، ونظرات زملائي لي في مدرستي المشتركة تقتلني في اليوم ألف مرة.

    كانوا ينظرون لي كفتاة رخيصة سهلة المنال ، رغم أنني لست كذلك ولم أكن أبدا كذلك .

    على العكس . كنت حريصة منذ صغرى على آداء فروض ديني وعلى اجتناب مانهى الله عنه.

    وكنت أشعر بالحزن العميق وأنا أرى أمي وهى تشرب الخمر في نهار رمضان . وأشعر بالأسى وأنا أراها لا تكاد تعرف عدد ركعات كل صلاة .

    لقد كان كل ما تعرفه عن الإسلام الشهادتين فقط!

    ***
    لعل هناك من يريد أن يسألني الآن : لماذا لم تعترضي عليها حينما كنت في ذلك العمر ؟

    من قال أنني لم أعترض ؟!

    لقد صارحتها مرارا وتكرارا بأن أسلوبها في الحياة لا يرضيني ، وتوسلت إليها أن تعتزل التمثيل وأن تبحث عن عمل آخر . فكانت تسخر منى أحيانا . وأحيانا تتظاهر بالموافقة على طلبي .

    وأحيانا تثور على وتتهمني بالجحود وتقول : ماذا تريدين بالضبط ؟!

    إنني أعاملك كأميرة . لقد اشتريت لك المرسيدس رغم أنك مازلت في الثانوية . كل فساتينك من أوروبا . كل عام أصطحبك إلى عواصم العالم .

    باختصار كل أحلامك أوامر !

    وحينما أرد قائلة : حلمي الأكبر أن أراك محتشمة كما أرى كل الأمهات .

    تصيح قائلة : المشاهد التي لا تروق لك هي التي تكفل لك هذه الحياة الرغدة التي تنعمين بها والتي تحسدك عليها كل البنات . لكنك عمياء لا تستطيعين الرؤية!

    وأمام رغبتها الجامحة للأضواء والشهرة والمال أضطر إلى أن أبتلع اعتراضي في مرارة .

    ***
    وحينما اقترب عيد ميلادي العشرون سألتني عن الهدية التي أريدها . فقلت : رحلة إلى المكان الذي لم نزره من قبل .

    فاندهشت وقالت : وهل هناك مكان في العالم لم نزره؟!

    قلت : نعم ياماما . نحن لم نزر مكة .

    فتجمدت للحظات وقالت : مكة!

    فنظرت إليها في توسل وقلت : أرجوك ياماما لبى لي هذا الطلب .

    فابتسمت وقالت : وهل أستطيع أن أرفض لك طلبا يا حبيبتي !

    وكانت رحلتنا إلى الأراضي المقدسة!

    ***
    إنني لا أستطيع أن أصف شعوري حينما وطأت قدماى الأرض الطاهرة . كان إحساسي وكأني أمشى على السحاب!

    كانت الفرحة تغمرني وشعورا بالهيبة يكتنفنى . وحينما رأيت الكعبة لأول مرة انهمرت الدموع من عيني ووجدت لساني يردد : ( اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ) آلاف المرات .

    وجاءني هاتف يؤكد لي أن الله تعالى قد استجاب لدعائي وأنه سيصلح من أحوال أمي .

    وتعجبت كيف جاءني ذلك الهاتف على الرغم من أن أمي كان يسيطر عليها الشعور بالملل طيلة الفترة التي قضيناها بمكة .

    وأدينا العمرة وعدنا إلى القاهرة وارتديت الحجاب .

    واندهشت هي من تلك الخطوة ولم تعلق عليها في البداية ، وانشغلت في تصوير بعض الأفلام والمسلسلات .

    وحينما انتهت منها وتفرغت لي قليلا بدأ الصدام بيننا .

    ***

    كانت ترمقني بنظرات ساخرة وتقول : ما هذه العمامة التي ترتدينها ؟ ما هذا التخلف ؟

    هل صار لديك ستون عاما حتى ترتدي هذا الحجاب؟!

    ماذا سيقول عنى الناس وأنا أسير بجانبك؟

    طبعا سيقولون أنني أصبحت أم الحاجة!

    أنا التي أمثل دور الحبيبة حتى الآن أصبح أم الحاجة ؟!

    ما الذي سأفعله بفساتينك التي أحضرتها لك من أوروبا ؟

    هل أسكب عليها بنزين وأحرقها ؟!

    ذات مرة واتتني الشجاعة وقلت لها : أنا على استعداد أن أعيش مع خالتي حتى لا أسبب لك حرجا .

    وكأني نطقت كفرا ، ثارت وهاجت وصرخت قائلة : زوج خالتك رجل فقير لن يستطيع الإنفاق عليك . وأقسم لك لو غادرتى بيتي فلن أنفق عليك مليما واحدا ، أنا لم أربك حتى تتركيني .

    فقلت : حسنا . دعينى أعيش حياتي بالأسلوب الذي يرضيني .

    فنظرت إلى في حدة ثم قالت في سخط : أنت حرة!

    ومر عام على تلك المناقشات الساخنة والعلاقة بيننا في فتور حتى حدث تغير مفاجىء عليها بعد عودتها من تصوير أحد أفلامها في امستردام .

    ***
    لقد أصبح الحزن يكسو ملامحها والقلق يفترسها . أمرتني ألا أقود السيارة بنفسي خوفا على حياتي واستأجرت لي سائق خاص .

    صارت لا تنام الليل إلا وأنا بين أحضانها ! . وحينما كنت أسألها عن سر هذا الحزن والقلق كانت تصطنع ابتسامة وتقول : ليس هناك حزن أو قلق .

    وحاولت أن أعرف سر هذا التغير من مديرة أعمالها ، والتي كانت تلازمها كظلها . وبعد ضغط وإلحاح منى قالت : حدث موقف غير ظريف في امستردام . لقد قابلت والدتك ابن عمها المهندس أحمد هناك بالصدفة . كان يعقد إحدى الصفقات لشركته .

    وعندما اقتحمت عليه المكان لتصافحه قال لها في جفاء : إنه سيء الحظ أمام هذه المصادفة ، وأنها صديقة للشيطان . وأنها بأفلامها تثير غرائز الشباب ، وأنها تدمن الخمر ولا تستر عوراتها.

    ثم قال : أنا أعلم أن روحك في ابنتك الوحيدة . احذري أن ينصب غضب السماء على ابنتك لتكتوي أنت بنارها!

    حينما أنهت مديرة الأعمال حديثها معي كنت أشعر وكأن أحدا ضربني بمطرقة فوق رأسي .

    كان قريبنا محقا في نهيه لها عما تفعله من منكر . لكنه كان قاسيا وغير عادل حين هددها بأن يحل انتقام الله في ، لأن الله تعالى لا يأخذ أحد بجريرة آخر . ألم يقل في كتابه الكريم : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى )؟

    وانهرت من البكاء ورثيت لحالها ولحالي .

    ***

    بعد عدة شهور حدث ما لم يدر بخلدي في يوم من الأيام !

    ظهر لديها ورم في الصدر ، وهاجمتنا الهواجس وتشككنا في كونه مرض خبيث ، وسافرت معها إلى لندن لإجراء العملية وحالتنا النفسية في الحضيض .

    وقبل لحظات من دخولها غرفة العمليات أمسكت بيدي وقالت : أنا أعلم مدى عمق صلتك بالله،

    وأعلم أنني لا أستحق ابنة طاهرة مثلك ، وأنني أسأت إليك كثيرا بأفعالي .

    لكن أرجوك ادع الله لي بالرحمة لو خرجت من الغرفة وقد غادرتنى الحياة .

    وهنا وجدت نفسي أبكى بعنف وأرتمي برأسي فوق صدرها وأقول : ستعيشين ياماما .

    ستعيشين لأني أحتاجك ولأن الله لن يحرم ابنة من أمها!

    فابتسمت وقالت : لو عشت فسوف أعلن لك عن مفاجأة!

    ونجحت العملية ، وسألتها عن تلك المفاجأة . فنظرت إلىّ نظرة طويلة في حنان ثم قالت :

    المفاجأة هي إقلاعي عن الخمر والسجائر كمرحلة أولى تتبعها مراحل أخرى!

    قفزت من السعادة واحتضنتها وطبعت قبلاتي حيثما طالت شفتاي فوق وجهها وعنقها وذراعها!

    كم كنت أتمنى أن تبدأ أمي هذه الخطوة !

    وبدأت أمي تؤدى فريضة الصلاة وتسألني عن مقدار الزكاة وعما خفي عليها من أمور دينها، وأنا أجيبها في سعادة .

    لكن دوام الحال من المحال ! فلم يمض شهر على تحسن أحوالها حتى عادت إلى سيرتها القديمة مرة أخرى ، ووجدتها ذات يوم عائدة إلى البيت في الرابعة صباحا وهى تترنح من الخمر ومديرة أعمالها تسندها وتمنعها من الوقوع على الأرض .

    فصرخت فيها والمرارة تعتصرني : خمر مرة أخرى!

    وأشارت لي مديرة الأعمال بأن أساعدها لإيصالها إلى غرفتها فاتجهت إلى غرفتي وصحت بأعلى صوتي : إذا كانت هي لا تساعد نفسها فلن يستطيع أحد مساعدتها .

    وصفقت باب الغرفة بعنف . وبعد قليل دخلت غرفتي مديرة الأعمال وقالت : أنا أعرف أن حالتك النفسية الآن سيئة . لكن صدقيني هذه أول مرة تعود فيها إلى الخمر منذ الوعد الذي قطعته على نفسها .

    لقد كنا في حفل عيد ميلاد زوجة نجم من كبار نجوم الصف الأول ، وظل ذلك النجم يسخر من إقلاعها عن الخمر ، ويقسم بالطلاق أن يحتسى معها ولو كأس واحدة .

    في البداية رفضت . لكن كبار المدعوين صفقوا لها بحرارة حتى تشجعت وشربت كأس الويسكى والكأس جر كؤوسا أخرى وراءه .

    صدقيني أمك تتمنى أن تتغير ، ولذلك أرجوك أن تقفي بجانبها .

    حاولت أن أتشبث بكلمات مديرة الأعمال . وأن أقنع نفسي بأنها تجاهد نزواتها حتى كانت سلسلة أفلامها الأخيرة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير!

    ***

    سلسلة أفلامها الأخيرة كانت تتضمن قدرا كبيرا ومبالغا فيه من الإثارة .

    ولقد دفعتني الضجة التي أحدثها آخر أفلامها ، والحملة الصحفية التي شنتها الصحف المحترمة ضده إلى الذهاب إلى إحدى دور العرض لمشاهدته .

    ويا ليتني ما شاهدته . كان الفيلم أقذر ما رأيت في حياتي .

    كانت أمي تمثل فيه دور راقصة تتورط في جريمة قتل وتدخل السجن . وهنا يتحول الفيلم إلى وصف تفصيلي لما يحدث داخل سجن النساء من انحرافات وشذوذ جنسي .

    وكانت مشاهد الانحرافات و الشذوذ صريحة جدا وبشكل مقزز أثار عندي الغثيان والاكتئاب .

    وخرجت من السينما وأنا لا أدرى ماذا أفعل ؟ هل أطلق صرخاتي المكتومة في الشارع ؟!

    هل أهاجر إلى أبعد دولة في الكرة الأرضية؟!

    وعدت إلى المنزل بعد أن همت بسيارتي في كل شوارع القاهرة . وهناك وجدتها تتناول كأسا من الخمر.

    وحينما رأتني بادرتني بالقول : أين كنت يا حبيبتي؟ لقد قلقت عليك .

    فنظرت إليها وأنا أكاد أن أخنقها بعيني وصحت قائلة : كنت أشاهد آخر فضائحك!

    هبت واقفة وقالت : كيف تحدثيني بهذه اللهجة وأنا أمك ؟

    فقلت والشرر يتطاير من عيني : ليتك لم تكوني أمي ولم أكن أبنتك . ألم يكفك استهتارك وسكرك فتقومي الآن بتمثيل فيلم رخيص يخاطب غرائز المنحرفين والشواذ ؟!

    لقد وضعتٍ أنفى في التراب . أنت أسوأ أم رأيتها في حياتي .

    رفعت أمي يدها ثم هوت بها على وجهي في صفعة قاسية .

    تجمدت من الذهول للحظات . وبعد أن زال الذهول شعرت أنني سأموت كمدا لو مكثت في البيت لحظة واحدة . فغادرته وتوجهت إلى مسجد قريب منه .

    وفى المسجد تناولت مصحفا وجلست أقرأ وأقرأ والدموع تتساقط من عيني بغزارة ، حتى بللت دموعي صفحات المصحف .

    كان الشعور باليأس قد استولى علىّ . ولم أفق إلا على صوت آذان المغرب . ونهضت لأقف بين الصفوف وأصلى .

    ووجدت الإمام يتلو في الصلاة هذه الآيات : ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ....... إلى أن وصل إلى قوله تعالى : ( اعلموا أن الله يحي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون )

    وسرت في جسدي قشعريرة غريبة وأحسست وكأن الله عز وجل يخاطبني بهذه الآيات ليزيل ما بي من هم ويأس .

    نعم إنه يخاطبني ويقول : اعلمي أنه كما أحي الأرض الميتة بالغيث ، فكذلك أنا قادر على إحياء القلوب القاسية كقلب أمك ، وتطهيره بنور الإيمان .

    وبدأت السكينة تدب في قلبي . وعدت إلى البيت واستلقيت على الفراش ونمت كما لم أنم من قبل!

    ***

    وفى الصباح وجدتها تجلس في غرفة المعيشة . كان وجهها حزينا ونظراتها شاردة .

    توجهت إليها وانحنيت على يدها أقبلها .

    نظرت لي والدموع تملأ مقلتيها ، وقالت لي بصوت مخنوق : تقبلين يدي بعد أن ضربتك بالأمس؟

    فقلت : أنت أمي ومن حقك أن تؤدبيني .

    فقالت : لا والله . لست أنت من يستحق التأديب . ولست أنا من يستحق ابنة طاهرة مثلك .

    ثم قامت وغادرت المنزل .

    وأدركت أن أمي ومنذ هذه اللحظة قد تغيرت . وأن قلبها بدأ يلين ، وأن نور الإيمان بدأ يتسرب إليها، فبدأت أكثف كل جهدي في دعوتها . وأخذت أحكى لها كثيرا عما يدور في دروس العلم التي أواظب عليها في المسجد ، وأدير جهاز التسجيل الموجود في غرفتي ليرتل آيات من الذكر الحكيم على مسامعها .

    وبدأت ألح عليها لتصطحبني إلى مجالس العلم لحضور الدروس الدينية ولو على سبيل مرافقتي فقط .

    حتى كانت اللحظة التي ارتدت فيها الحجاب ، حين دعوتها لحضور مجلس علم بمنزل إحدى الفنانات المعتزلات . ولم تمانع أمي ودخلت غرفتها لارتداء ملابسها ، ولم أتمالك نفسي من الفرحة عندما رأيتها وقد وضعت على رأسها طرحة بيضاء .

    لقد كانت الطرحة كأنها تاج من السماء توجت به نفسها .

    وطلبت منى في فجر ذلك اليوم أن أصلى بها . وبعد أن قرأت فاتحة الكتاب فكرت هنيهة فيما سأتلوه من آيات . ووجدت الله تعالى يهديني إلى أن أقرأ هذه الآيات : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على مافعلوا وهم يعلمون . أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين )

    وبمجرد أن تلوت هاتين الآيتين حتى وجدتها تجهش في البكاء وتنتحب . ويهتز جسدها كله من شدة الانفعال .

    وخشيت عليها فأتممت الصلاة واحتضنتها لأهدأ من روعها . وكالطفل المتعلق بأحضان أمه تشبثت بي .

    فقلت لها : سأحضر لك كوبا من عصير الليمون .

    فتشبثت بي أكثر وقالت : لا . أريد أن أتحدث معك وألقى بالهم الذي يرزخ فوق صدري .

    فقلت : حسنا يا أمى تحدثي .

    ***

    بعد تنهيدة حارقة تحدثت أمي فقالت : عندما بدأت رحلتي مع الفن كنت أبعد ما أكون عن الله .

    لم يكن يشدني إلى الحياة سوى المال والشهرة وقصص الحب .

    ومع الأيام زادت نجوميتي . لكن إحساسا غريبا بدأ ينتابني .

    كنت أشعر وأنا في قمة المجد بأني أيضا في قمة الوحل .

    كثيرا ما أحسست برغبة عارمة في أن أحمل سوطا وأجلد نفسي . وكم وقفت أمام المرآة وأنا في أبهي زينة ثم تمنيت أن أبصق على وجهي .

    كانت أمي تستطرد في حديثها والدموع تتهادى فوق وجنتيها . فقلت لها : إن كل دمعة تغسل ذنبا وتطهرها من خطيئة . ثم دعوتها أن تكمل حديثها فاستطردت قائلة : عندما أصابني المرض وذهبت إلى لندن لإجراء العملية ، تخيلت نفسي ألفظ آخر أنفاسي وأعود إلى القاهرة داخل صندوق جثة بلا حياة .

    وسألت نفسي : ماذا سأقول للملائكة في القبر وهم يسألوني عن حياتي العابثة التي لا تحكمها المقاييس المنطقية أو المعايير العقلية ؟

    لكن كان عشقي لنفسي وللأضواء المبهرة أكبر من وخزات الضمير . فبمجرد أن منّ الله علىّ بالشفاء حتى عدت إلى الوحل مرة أخرى .

    وذات مرة استوقفني أحد الأشخاص وقال لي : أي عورة سترتها يا نجمة يا ساطعة ؟! احذري أن ينصب غضب السماء على ابنتك لتكتوي أنت بنارها !

    وكأنه رماني بجمرات من جهنم . طار النوم من عيني بعد كلماته المسمومة ، وظل شبح الانتقام الإلهي يطاردني .

    كنت أنظر إليك وأسأل نفسي : ماذا لو أصابك لا قدر الله مكروه وأنت نور عيني ؟ بالطبع كنت سأنتحر .

    هكذا صنع ذلك الشخص عقدة لم تنفك عنى أبدا . كنت كلما أذهب إلى البلاتوه تقفز صورتك أمامي وأسمع كلمات ذلك الرجل كأنه ينطق بها في التو فأبكى وتقتلني الهواجس .

    لقد كنت أتعذب عذابا أليما يفوق احتمال البشر .

    حتى جاءت اللحظة التي صارحتينى فيها بسكري واستهتاري .

    لقد كانت لحظة رهيبة نزعت فيها القناع الذي أخدع به نفسي من على وجهي ووضعتينى أمام حقيقتي المرة .

    لحظتها لم أستطع أن أتحمل رؤية نفسي على حقيقتها فضربتك .

    وبعد أن ضربتك صرخت في نفسي : ألهذه الدرجة وصل بي الغرق في الوحل؟!

    ألهذه الدرجة توحشت حتى أتطاول بيدي وأؤذى قلبي وروحي وأغلى الناس عندي ؟!

    ماذا تبقى لي من سوء لم أفعله؟!

    وقلت : ياإلهى بدلا من أن أشكرك على أنك قد وهبتني ابنة صالحة لم تشب طهارتها شائبة رغم كل ما يحيط بها ، أبيع حياتي بهذا الثمن الرخيص ؟!

    ملعونة الأضواء . ملعونة الشاشة . ملعونة الأموال . أنا أبحث عن الطريق إلى الله .

    كانت كل كلمة من كلمات أمي تنبض بالصدق والإيمان ، فقلت لها بعد أن أنهت حديثها : أنا أعلم أنك راغبة حقا في الرجوع إلى الله . لكن أصارحك القول : أنا أخشى أن تخذليني مرة أخرى.

    فقامت وتشبثت بيدي كالغريق الذي يتعلق بحبل نجاة وقالت : لا تخافي . أنا مصممة هذه المرة على مواصلة الطريق إلى الله حتى آخر لحظة في حياتي . كل ما أرجوه منك أن تستمر مؤازرتك لي .

    ولقد صدقت وعدها . ولم تخذلني بعد ذلك أبدا . وأصبح شغلها الشاغل العبادة والاستغفار والعطف على الفقراء والدعاء ليلا ونهارا بأن يقبض الله روحها في شهر رمضان .

    وبعد عدة سنوات من اعتزالها التمثيل وفى يوم من أيام شهر رمضان المبارك انتقلت روحها الطاهرة إلى بارئها وكانت صائمة قائمة متبتلة .

    اللهم ارني الحق حقاً وارزقني إتباعه .. وارني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه .

  5. #75
    الصورة الرمزية سحر الليالي أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الحبيبة كــويت
    العمر : 38
    المشاركات : 10,147
    المواضيع : 309
    الردود : 10147
    المعدل اليومي : 1.50

    افتراضي



    الفاضل "عطية"

    عدتــ الي كرسيّ / ومكاني...!!!
    فــ هات المزيد...!!

    بارك ربي بك

    لك تقديري وقوافل ورد

  6. #76
  7. #77
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Jul 2004
    الدولة : غزة فلسطين
    العمر : 72
    المشاركات : 2,005
    المواضيع : 323
    الردود : 2005
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    قصص من الحياة ( 29 )

    بالأمس ألقى علينا أحد العلماء درسًا بليغًا بعد صلاة المغرب ، وكان من ضمن هذا الدرس قصة واقعية فيها العبرة والعظة . .
    رجلٌ كبير السن ، يملك العديد من العقارات والعمارات والأراضي والأموال ، مرض هذا الرجل مرضًا شديدًا وأحس بدنوِّ أجله ، فجمع أولاده وأوصاهم خيرًا في دينهم ودنياهم ، ثم ما لبث أن نطق بالشهادتين وفارق الحياة .
    وكالعادة قاموا بتغسيله وتكفينه والذهاب به إلى المقبرة ليواروه التراب ، وعندما أُدخِل في قبره ، لاحظ المشيعون أن أحد أبنائه يبكي بكاءً مُرّاً ، ويتوسل إليهم أن يسمحوا له بالنزول في القبر ليرى وجه أبيه للمرة الأخيرة في حياته . وبعد إلحاح شديد سمحوا له بالنزول ، وانتظروا خروجه لفترة ولكنه لم يخرج . طال انتظارهم ، فاقترح أحد أخوته أن ينزل ليرى ماذا حدث . نزل الابن الثاني القبر ويا لهول ما رأى . رأى أخاه ممدداً بجانب والده وقد فارق الحياة .
    كانت هذه هي المفاجأة الأولى ، أما المفاجأة الثانية والأكبر أنه وجد بيد أخيه ختَّامة وعقدًا مكتوب فيه أن الوالد قد باع العمارة الفلانية لذلك الابن ، كان ذلك الابن قد كتبه ونزل القبر حتى يُبَصِّم والده على ذلك العقد ، فكان ملك الموت أسرع منه ، فقبض روحه قبل أن ينفذ جريمته .
    انظروا إلى ما يمكن ملاحظته من هذا المشهد الغريب والعمل الفظيع :
    1- إن هذا الابن بدلاً من أن يتعظ من الموت فيعمل للآخرة ، أراد أن يستغل موت أبيه في التكالب على الدنيا والانغماس فيها دون وجه حق .
    2- إن هذا الابن قد عقَّ أباه في أول يوم له من أيام الآخرة بدلاً من أن يدعو له بالرحمة والمغفرة .
    3- لو تأخر ملك الموت عن قبض روح ذلك الابن نصف ساعةٍ فقط لكانت هذه العمارة من ملك زوجة الابن وأولاده ، ولكن الله لا يرضى بالظلم أبدًا .
    4- لا أحد يعلم متى سينتهي أجله ، فاحرص أن تموت واللهُ راضٍ عنك .
    5- نحن نعلم أن الأعمال بخواتيمها ، فاحرص على أن تكون خاتمتك خاتمة خير .
    اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم لقائك يا رب العالمين
    آمين

    أترك لكم المجال لإبداء خواطركم وآرائكم حول هذه القصة العجيبة
    ودمتم بألف خير

  8. #78
    الصورة الرمزية سحر الليالي أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الحبيبة كــويت
    العمر : 38
    المشاركات : 10,147
    المواضيع : 309
    الردود : 10147
    المعدل اليومي : 1.50

    افتراضي


    لا حول لوا قوة الا بــ الله...!!

    اللهم احسن خاتمنا وارحمنا وارزقنا الج ــنة...يارب الع ــالمين

    بارك ربي بك أخي عطية

  9. #79
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,887
    المواضيع : 99
    الردود : 1887
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    الاستاذ المربي عطية العمري
    بوركت و بورك قلمك النابض

    متابع لكم

    تحياتي
    تظل جماعات من الأفئدة ترقب صباح الانعتاق,لترسم بسمة الحياة على وجوه استهلكها لون الشحوب و شكلها رسم القطوب ,يعانقها الشوق و يواسيها الأمل.

  10. #80
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Jul 2004
    الدولة : غزة فلسطين
    العمر : 72
    المشاركات : 2,005
    المواضيع : 323
    الردود : 2005
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    الأخت الفاضلة سحر الليالي حفظها الله
    الأخ الفاضل عبدالصمد حسن زيبار حفظه الله
    أشكر لكما اهتمامكما
    واستجاب الله لدعائكما
    ودمنما بألف خير

صفحة 8 من 13 الأولىالأولى 12345678910111213 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. يا مَنْ تمَكَّنَ مِنْ فُؤادِي حُبُّها
    بواسطة أحمد موسي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 58
    آخر مشاركة: 31-05-2010, 02:51 PM
  2. "مَن كذَبَ عليَّ مُتعمِّداً، فليَتَبوّأْ مقعدَهُ منَ النّـار "
    بواسطة أسماء حرمة الله في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 25-03-2008, 01:17 AM
  3. مَن قتل مَن ؟
    بواسطة سعيد أبو نعسة في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 01-12-2006, 09:20 PM
  4. اقتراح بوضع ركن ثابت بعنوان ( قصص من الحياة )
    بواسطة عطية العمري في المنتدى النَادِى التَّرْبَوِي الاجْتِمَاعِي
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 01-12-2005, 08:23 AM