أميركا والحركات الإسلامية ومصيدة المشاركة في الأنظمة الحالية



تنظم حكومات البلاد الإسلامية انتخابات مزيفة كالتي نراها في مصر الآن، أملا في أن تخدع الشعوب فتطيل أمد حكمها، وقد فطنت الشعوب لذلك فتحاول الحكومات وبمباركة أميركا إغراء الحركات الإسلامية بالمشاركة في الأنظمة لعل ذلك يجعل لها شرعية عند الأمة .

أصبحت الأمة الإسلامية اليوم تسعى لتغيير حكامها الذين ظلموها وتآمروا مع أعدائها ضدها. وكلما سنحت لها الفرصة في أن تعبر عن رأيها عبر انتخابات فهي تؤيد الإسلام والحركات الإسلامية، كما يحدث في انتخابات مصر الآن، وكما حدث من قبل في بلاد إسلامية كثيرة. وقد أدركت أميركا خطر سقوط حلفائها من الحكام، ولذلك قامت بمبادرات كمبادرة الشرق الأوسط الكبير، وقد صرح سكوت كاربنتر نائب مساعد وزير الخارجية الامريكية في 9/3/2005 أن واشنطن (لا تقوم بنشاطات في الشرق الأوسط لغرض الترويج لانهيار الأنظمة القائمة، ولكنها بالمقابل لم تعد تقبل استمرار تحجّر الوضع القائم). فأميركا لا تريد أن تسمح للشعوب باختيار حكامهم، ولا أن تسقط الأنظمة فيأتي بدلا منها مارد إسلامي، ولكنها تريد تزيين هذه الأنظمة لتصبح مقبولة عند شعوبها.

وفي الماضي استغلت أميركا الحركات الإسلامية عندما رأت أن ذلك يخدم مصالحها كدعمها للحركات الجهادية في افغانستان ضد الاتحاد السوفيتي، ودعمها لحركات اسلامية ساندت الاحتلال الامريكي في أفغانستان والعراق. ويبدو أن أمريكا قررت استغلال الحركات الإسلامية والسماح لها بالمشاركة في الأنظمة الموجودة بشكل محدود، بهدف إنقاذ الأنظمة. وقد صرح عدد من السياسيين بذلك فقد قالت اليزابيث تشيني، ابنة نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، وكبيرة نواب مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية في 14/4/2005 (إنها لا تستبعد فتح حوار مع أي فصيل سياسي إسلامي طالما أن نشاطهم لا يتعارض مع المبادئ الأمريكية الأساسية)، وصرح عدد من الساسة كوزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت في منتصف العام المنصرم، ورئيس المخابرات المركزية السابق جيمس وولسي في 17/11/2005 عن قبول مشاركة الحركات الإسلامية في حكم مصر. وجرت حوارات علنية بين أطراف أمريكية وأوروبية وحماس وحزب الله في لبنان. وتعتبر أميركا حزب العدالة في تركيا نموذجا ممتازا لحركة إسلامية (وحليفة ل"إسرائيل") ويردد بوش باستمرار أن جميع دول الشرق الأوسط يجب أن تحتذي بها، مع العلم أن حزب العدالة يصر على أنه حزب علماني وليس حزبا إسلاميا.

ويخشي أن تقع الحركات الاسلامية في فخ أميركا عندما تكسب بعض المقاعد في البرلمان. فالبرلمان مجرد منبر لكشف سياسات الحكومة وليس طريقة لتغيير حالة الامة السيئة. فالانتخابات والبرلمانات لعبة وضعت قواعدها أميركا والحكام، فهم الخصم وهم الحكم. فمهما كسبت الحركات الإسلامية من مقاعد فستحافظ الحكومة على الأغلبية داخل البرلمان وتطبق جميع قراراتها، مع العلم أنه في كل الأحوال ستبقى السلطة الحقيقية في يد رئيس الجمهورية او الملك. وقد يتصور البعض أن هذه خطوة أولى فنكسب 100 مقعد هذه المرة ثم مائتين بعد خمس سنوات ثم ثلاثمائة بعد عشر سنوات فيصبح لدينا أغلبية ونستطيع أن نفرض قراراتنا على البرلمان. وعلى افتراض أن هذا سيحدث إذا لم تزوّر الحكومة الانتخابات، وعلى افتراض أن البرلمان سيكون له صلاحيات حقيقية وليس مجرد العوبة بيد الحاكم، فإن أميركا والحكومات تعلم نية الحركات الاسلامية وبالتالي ستبطش بها كما بطشت الحكومة الجزائرية بجبهة الإنقاذ عندما فازت بمعظم المقاعد في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية. واضافة لذلك فإن الحكومة في خلال الفترة التي ستشارك فيها الحركة في البرلمان، ستحجّم دورها وستمنعها من مناقشة قضايا أساسية كعلاقة مصر بأمريكا و"إسرائيل" او الفساد الاقتصادي المتفشي في الحكومة وتجعلها مشغولة بمسائل جزئية بعيدة كل البعد عن التغيير الحقيقي. ففي الكويت كان البرلمان يناقش منع حفلة غنائية بينما القوات الأميركية تهاجم العراق من أراضيها. وسيعتقد الناس أن وجود هذه الحركات الإسلامية في البرلمان سيؤدي للتغيير بينما الحكومة لن تسمح بذلك، فكما حدث في الأردن سيرى الناس أنه لم يتغير شيء من مشاركة الحركة في البرلمان، وقد يصيبهم خيبة أمل ويأس في حصول تغيير حقيقي. وأخطر من ذلك فإن وجود الحركات الإسلامية في البرلمان سيصرف نظر الناس عن ضرورة التغيير الجذري وضرورة قلع النظام من جذوره، وفي تلك الفترة سيستمر النظام ويحاول إيجاد وجه جديد مقبول عند الامة.

إن الطريقة الصحيحة لتغيير هذا الواقع السيء هي أن تعمل الامة الإسلامية على خلع هذه الانظمة، وإننا نتمنى أن لا تقع الحركات الإسلامية في مصيدة أميركا فتشارك في نظام فاسد بل نتمنى أن تسعى للتغيير الجذري الذي يرفع الظلم عن هذه الأمة.