الأصلع ذو الأنف الكبيرة.
قصة قصيرة .بقلمي
كان هناك شحاذ مسكين، أصلع الرأس، ذو أنف كبير، يجلس على قارعة طريق يؤدي إلى السوق في تلك الضاحية الشعبية البعيدة عن المدينة.
×××××
كان يمكث من أول الصباح إلى أول الليل ، ينتظر في صبر وصمت ؛أن يدس الناس بين أصابعه ،بعضا من المال القليل ؛ إحسانا منهم وشفقة عليه. وفي آخر النهار، يلملم خيشة يجلس عليها ، وساقه المتورمة التي كان يمدها أمام أعين المارة.وينزوي في ركن من زقاق قريب ، ليحصي غلته.ثم ينطلق في عرجة مشيته ، ليتوارى بين الأزقة والحواري الملتوية المظلمة.
×××××
غير أنه في ذلك اليوم، وبعد انتهاء نوبة التسول اليومي، وإذ انزوى ليحصي غلته، فإذا هو أمام ثلاثة من الأشقياء ، خرجوا لتوهم من فترة سجن طويل؛ يمدون إليه سكاكينهم، آمرين إياه بتسليمهم غلته.استجاب بهدوء،بعد محاولة فاشلة للاعتراض، أسكتها أحدهم بوخزة في جنبه بسن مطواة قرن غزال.
وقفوا يحصون النقود بين معدنية وورقية، ويشهقون اندهاشا من كم المال الذي جمعه؛ ومع كل إحصائية ، يناوله أحدهم صفعة على قفاه، أو لطمة على وجهه.ويتعجبون كيف لابن الكلب هذا، أن يجمع ذلك المال كل يوم، دوم أن ينتبهوا له.
استولى كبير الأشقياء على المبالغ المالية لنفسه.
ثم أمسك بتلابيب الرجل البائس قائلا له:
- دا أنت كنز. أنت تيجي هنا كل يوم. في حمايتي. تتسول كما يحلو لك. وتأتيني بالغلة. وألا قطعت رقبتك.
- طيب وأنا مش حتديني حاجة من فلوسي؟
- فلوسك يا ابن الكلب يا حرامي. أنت هنا في المكان من امتى؟
- من سنتين بس.
- سنتين يا ابن ال**خة. دانت مليونير بقى.
- أنا مريض واشتري لنفسي العلاج. لا أحد يعولني أو يصرف علي.
- بكرة ألاقيك هنا. لو ما جيتش حدبحك.
××××
تتبع الشقي ذلك الشحاذ، دون أن يدري،في الأزقة والحواري الملتوية المظلمة، لمعرفة مسكنه.كانت الطريق طويلة. كما أن الشحاذ ، كان يراوغ ويتخفى ولا يسير في طريق مستقيم واضح؛ كان كمن يرى أن هناك من يمشي خلفه ويراقبه.كان الشحاذ بارعا في التخفي والمراوغة، حتى أن الشقي قد فقد خط السير خلفه، وتاه عنه الرجل في متاهة الأزقة والحواري الملتوية المظلمة.
×××××
اختفى الشحاذ من تلك المنطقة، ولم يعد يرى فوق الأرصفة.ونسي الأشقياء حكايته. وانشغلوا بغيره من المتسولين والمتسولات؛ يفرضون عليهم إتاوة يومية ،تصل لنصف ، أو ثلثي ما يحصلون عليه من أهل الخير والإحسان.بحجة حمايتهم من أن يتعرض لهم أحد
×××××
في الميدان الكبير بوسط العاصمة؛ حيث المحال الكبيرة، والبنايات الفخمة ؛ ودور السينما والمسرح ، والأضواء المبهرة ؛ حيث الأرصفة التي تغص بالمارة نساء، ورجالا، وشبابا، وفتيات، وأطفالا.الشوارع نظيفة، واجهات المحال جذابة، أصحابها يرتدون البذات الفخمة ، ويدخنون السجائر الفاخرة.الزبائن هنا من علية القوم، وسراة الناس من أصحاب المال والمناصب الكبيرة.
شكى أصحأب المحال من تواجد متسولين أغراب على الأرصفة النظيفة.
بدوا وكأنهم قمامة تفترش الأرض. اجتمع أصحاب المحال الفخمة، وقرروا الاستعانة ببعض الأشقياء لترويع المتسولين وإبعادهم عن الأرصفة، ومداخل البنايات.واتفقوا على منحهم رواتب شهرية مجزية. وقام وكيل عن أصحاب المحال بجمع الشباب من الضواحي والمدن المجاورة ،وتوزيعهم على الأرصفة؛ منبها إياهم بعدم التواصل مع أصحاب المحال أو التحدث إليهم؛ فمهتهم فوق الأرصفة فقط وأمام المحلات.وتكفل هو بإيصال مرتباتهم إليهم.
إذن ؛وجد بعض من الشباب العاطل عملا شريفا ، لا يتعدى كونه، أن تنهر المتسول أو المتطفل بقولك : لو سمحت لا تجلس هنا ؛وهكذا وقف كل عاطل أمام باب كل محل، وقد ارتدى كل منهم ملابس حسنة الهندام؛ وهو يتكلم بطريقة مهذبة وبذوق واضح:
لو سمحت بلاش تقعد أو تقف هنا. مع نظرة ذات مغزى ، ترتعد منها فرائص المتسول من داخله ، فيروح بعيدا عن واجهة المحل الفخم في هدوء.
×××××
وقف واحد من أولئك الأشقياء الذين صاروا مهذبين يؤدي عمله، في منع المتطفلين من الجلوس على الرصيف المواجه للمحل؛ إذ حاول منع متسولة أن تجلس إلى ظل السيارة الفخمة لصاحب المحل ،ولكن لسوء حظه ،كانت إمرأة صفيقة ،سليطة اللسان. انهالت على الشقي المهذب بالشتائم والسباب الفاحش. فأسقط في يد الشقي محاولا إسكاتها أو ترضيتها، دون جدوى . واشتعل الشجار، ووصلت الأصوات إلى داخل المحل الفخم؛ فخرج صاحبه ذو البذة الفاخرة، ليستوضح الأمر ، ووقف أمام الشقي المهذب متسائلا؛ فكادت دهشة الأخير أن تسقطه أرضا؛ إذ كان صاحب المحل الفخم، ذلك الأنيق،ذو السيارة المبهرة، هو ذاته المتسول الأعرج، الرجل الأصلع ذا الأنف الكبيرة؛ الذي زاغ منه ذات ليلة، وسط البيوت القديمة في تلك الأزقة والحارات الملتوية المظلمة.