دائما في ساعات الليل أعود لنفسي و كأن الليل فقط هو ما أملكه من الحياة
أما النهار فلا شأن لي به
هو ملك عائلتي و بيتي ووظيفتي
كنت أخشى النوم فيضيع مني ما تبقى من سويعات العمر التي أهوى
فكان السهر رفيقي الدائم
اعتدت الوحدة و كنت آنس بالكثير إلا الأحياء من المخلوقات فقد كانت غريبة عني
و أصبحت عنها غريبة
أما في المصيف فلا نوم مطلقا إلا عن غلبة كما يقال
فلا وقت لإضاعته
للثواني قيمة الذهب هنا
نام الجميع و خرجت إلى الشرفة مع كوب كبير من القهوة الساخنة أوراق و قلم الفحم و حلم بأمسية جميلة
هابني الظلام الدامس
جلست على مقعد تلمسته
رحت أرتشف قهوتي في انتظار القمر
أن أرى وجهه
من بين الغيوم
يبتسم لي
ينير سهرتي
وطال الانتظار
في هذه المنطقة الجبلية تشعر بالبرد حتى في ليالي الصيف
و ترى الغيوم تخترق البيوت وتداعب الأشخاص دون خوف أو تردد و تتلمسها بيديك فيتجمع رذاذها السحري على ملابسك
أحكمت ردائي الصوفي حول كتفي
و بين نسمات باردة معطر شذاها
و ظلمة ليل تأسرني حلكتها
يدي تضغط بقوة على أوراقي تحاول أن تبحث عن الأمن معها
رأيت أول أصدقاء ليلتي
بومة بيضاء فوق غصن شجرة تقف فوقي
بلونها الفاتح البهي و أناقة صنعتها بدت ملكة فوق عرشها العظيم و من لعرشها أن يضاهي سحره و حسنه وإتقانه
لست أدري من أين جاءتني كل تلك المخاوف و الخيالات حين رأيتها تنظر نحوي
يبدو أن القصص التي تشاع حول رفيقتي قد فعلت فعلها
قرأت بعض الأذكار و حاولت تجاهلها
رحت أبحث عن ما يفتنني فأرسمه
أشجار ملتفة تحيط بالشرفة الواسعة....
القمر غير مكترث بلوحتي
و الأفكار تأخذني بين الحين و الحين نحو ملكة الليل التي تقف فوق شرفتي و أنا ما تعودت الاستسلام
لا بد من ثمرة لهذه السهرة
شيء ما يتحرك بين الأغصان
هل طارت ذات الهيبة
برز أمامي
متوحش لم أتوقع أن أراه إلا في الشاشة الصغيرة
سقطت أوراقي و قلمي و خانني صوتي
عجزت عن الحركة
ملكتي و بدون تردد هاجمت و تعاركت و حملته بعيدا
يا لجبني
برز القمر أخيرا
تألقت و تلونت الدنيا فرحا
ألف لوحة و لوحة تأخذها مجانا من طلعته
أكملت سهرتي و رسمت لوحتي
و ما زال قلبي يرتعد كلما تذكرت أمراء الليل