المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د.إسلام المازني
ولأثري المقام أهدي نقلا يحلل النفس والجريمة من وجهة منظومة الفكر :
ظاهرة ثنائية التكيف و الواقع :
ذلك أنهم - النفسيين الغربيين - يعتبرون أن أهم شواهد الصحة النفسية عند الإنسان هو قدرته على التكيف مع الواقع الذي يعيشه دون النظر إلى هذا الواقع من حيث الخطأ والصواب.. فالمهم أن يتكيف.
( نقلاً من كتاب التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية ـ للأستاذ محمد قطب )
الفاضل د. اسلام
في البدء ارحب بك كثيرا، واسعدت بمرورك الكريم.
أخي الفاضل؛ في جميع النظريات النفسية يعد التكيف حالة مؤقتة ترتبط بموقف معين، وليس بالضرورة ان يكون الانسان متوافقا نفسيا (اي راضيا ) في جميع حالات التكيف، فهناك بعض حالات التكيف يكون الانسان مضطرا اليها اضطرارا، لكنه غير راضٍ نفسيا وغير سعيد. وفي هذه الحالة يسمى بالتكيف السلبي، وهذا يؤدي بالانسان الى الاضطرابات النفسية وربما لبعض الامراض السايكوسوماتية (النفسجسمية) مثل القرحة او بعض امراض القلب او التهاب المجاري او الصداع او غيرها الكثير. في حين ان التكيف الذي يرافقه توافق نفسي سيكون سببا من اسباب الصحة النفسية للفرد.
ومن الظواهر النفسية التي كانت مجالا في الدراسه الجاهليه للهروب من الدين
ظاهرة الضمير .
فعندما تجد الجاهلية نفسها أمام ظاهرة بشرية تثبت الدين فإنها تطرح تفسيراً لا يزيد الأمر إلا غموضاً.
مثل مسألة الضمير.. ما هو الضمير وما تفسير وجوده؟!!
الإسلام وحده الذي يملك التفسير الصحيح.
فالضمير هو النفس اللوامة..
.. لأن الله سبحانه خلق الإنسان مهيأ تكوينيا للحساب يوم القيامة ومن أجل تهيئته للقيامة والحساب فإن الله سبحانه أنشأ فيه ما اسميناه : الضمير.. وهو في حقيقته نفس الإنسان في حال محاسبتها على الأعمال خوفاً قبل الحساب عليها في الآخرة، ولذلك قال الله سبحانه : لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَة (1) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَة (2) (القيامة).
إن اسم النفس اللوامة يربط ويثبت العلاقة بالآخرة، ولذلك استبدله أصحاب الدراسات الأخرى " بالأنا الأعلى " ليكون ظاهرة نفسية مبتورة العلاقة بالحساب عند الله سبحانه.
فكيف تقبل الناس عبارة (الأنا الأعلى) دون أن يتساءل أحد : ما الذي أوجد الفرق بين الأنا والأنا الأعلى ومن الذي أحدث هذا العلو الأنوي ؟
فلقد ذهب فرويد مؤسس هذا العلم , وذهب الاهتمام الذي كان قائما حوله حتى الستينيات من هذا القرن في الغرب ، ولكن العلم الذي أسسه ـ ان سمى هذا علما ـ مازال يعيش في العيادات النفسية المنتشرة في الغرب ، والتي أصبح من الأمور المعتادة فيه
في الواقع، ان تفسير الضمير في مدارس علم النفس لا يتعارض مع الدين الاسلامي ولا مع اي مبدأ، فتفسير الضمير عند مدرسة التحليل النفسي مثلا، أنه "الانا الاعلى" وهو ذلك الجزء الافتراضي من النفس، او جزء مما يسمى (بالمنظومة النفسية). والانا الاعلى التي تتكون كبديل عن احكام الوالدين او ما ينوب عنهما، وعن المجتمع المثالي؛ هي مفهوم يقابل مفهوم "النفس اللوامة" اي انها تحاسب الانسان عند غياب والديه اللذين يحاسبانه عند قيامه بفعل خطأ من وجهة نظره على انها وجهة نظرهما، والانا الاعلى صعبة المراس شديدة القسوة لاترحم، وهي عندما تكون قد تكونت بشكل مثالي جدا فهي ستؤذي صاحبها حتى انها تسبب له حالات عصابية تسبب له معاقبة النفس على ذنب قد لا يكون اقترفه فعلا، او كما هو شائع تدعى هذه الحالة بتانيب الضمير المبالغ فيه. ويتكون هذا الجزء من المنظومة النفسية في عمر يتراوح من اربع ونصف سنة الى ست سنوات. وهي تتكون في غضون النمو النفسي الاجتماعي.
وهي جزء تكميلي لجزئين آخرين؛ احدهما يولد مع الفرد ويسمى id او (it) وشائعة باللغة العربية باسم (هي) او (هو)، وهذا الجزء يولد مع الفرد ويعمل على وفق مبدأ اللذة اي عدم القدرة على تاجيل الحاجات ، فكل مايريده الطفل يجب ان يكون الان وحالا ويقابلها مفهوم النفس (الامارة بالسوء). وفي غضون النمو، ينشأ الجزء الاخر من النفس ويسمى ego او (الانا) .. وهذه تعمل على وفق مبدأ الواقع. وطبعا يكون تشكيلها وفقا للمجتمع المحيط او نوع التربية من قبل الوالدين او من ينوب عنهما، وهذا الجزء الوحيد الذي يتصرف الانسان من خلاله شعوريا اي انه يعي ما يريد ويقصد ما يفعل. وبعد الانا ، تتكون الانا الاعلى كحل للطفل لتجنب عقوبة الوالدين او تهديدهما له او الخوف منهما او لضمان استمرار حبهما وعدم فقدانه؛ بان يدمج احكامهما باحكامه فتصبح احكامهما احكامه وما يريدانه يريده هو ،وبكلام آخر يتقمص الولد شخصية ابيه (لا شعوريا) وتتقمص البنت شخصية والدتها ، وهذا هو الضمير باختصار شديد من وجهة نظر مدرسة التحليل النفسي. وطبعا سيكون نوعه بحسب ما يتلقى الطفل من الوالدين، فبالنسبة للطفل المسلم مثلا سيكون ضميره بحسب التعليمات والممنوعات والمرغوبات من قبل والديه، ولذا نرى هناك من يكبر ونقول عنه انه بلا ضمير، في الواقع هو عنده ضمير لكنه مرتاح، فهو هكذا عرف من والديه وهذا ما يريحهم، وحسبه هذا ليرتاح ضميره، وهكذا ... هناك البعض من الافراد من يكبر وينضج وتبقى معه (الهي) الى مراحل متقدمة من العمر، اي يبقى لا يعرف تاجيل حاجاته الى ان يحين الوقت المناسب للاشباع، فتراه لا يختلف عن الحيوانات الا بالشيء القليل، على عكس البعض الاخر الذي تتهذب عنده هذه الحالة من خلال النمو الصحيح نفسيا واجتماعيا، اي بالتربية الصحيحة وبالتعامل النفسي المناسب ، مثل تعليم العادات التي يمارسها الطفل باساليب صحيحة والتعامل الصحيح مع الطفل من خلال مثلا التدريب على التواليت او من خلال السماح له باللعب باوقات معينة والكثير من ذلك ...
وتعد (الانا) من اكثر الاجزاء المسؤولة على تحديد شخصية الانسان، فهذا الجزء عادة يحارب ضد القوتين العظميين المتناقضتين وهما (الهي) الامارة بالسوء ،والانا الاعلى (النفس اللوامة) حتى ان الصراع الشديد بين هذه القوى الثلاث تؤدي بالفرد الى الاضطراب النفسي، ولن يكون الامان النفسي والاستقرار إلا بالتوازن بين هذه القوى. اي ان تكون الانا في حالة ترضي جميع الاطراف وهذه عندما تكون ذكية تعرف كيف تتعامل مع جميع الاطراف فترضيهم جميعا. فبالنسبة للهي مثلا، التي تريد الاشباع تحاول اشباعها ما امكن بالوسائل التي لا تُغضب الانا الاعلى اي (بما يرضي الضمير) لكي لا يثور ويقسوا ، اي بفهمنا نحن المسلمون (بالحلال) سواء بالاكل او بالشرب او بغيره... وايضا ترضي الانا الاعلى بان لا تفعل اي شيء خطأ يثيرها ويستفزها... في هذه الحالة فقط ستكون الانا مطمئنة هادئة آمنة. وستقابل مفهوم (النفس المطمئنة) ...
هذا طبعا باختصار وبدون تفاصيل التي لن يلمها كتاب واحد ...وطبعا كل مجتمع يتعامل مع الحالة من موقعه هو ... وبمثل ما يريد هو ويتناسب معه.
اما بالنسبة للمدرسة السلوكية ، فتعرّف الضمير على انه جزء من الشخصية يتكون بالتعلم .. اي انه يتكون عند الانسان بحسب ما يتعلمه من البيئة . وبكلام اخر لا يمكن ان يكون الضمير شيء موروث .
(ايضا باختصار شديد).
وطبعا هذا كله افتراض وتصور ، فلا يمكن رؤية وقياس اجزاء النفس، لكن مثلما نعرف ان اكثر مبادئ التحليل النفسي معتمدة على فكر فلسفي، وهذا شأن العرب القدامى بالحديث عن النفس حيث لم يكن هناك قياس واختبار للمفاهيم والظواهر النفسية . على عكس المدرسة السلوكية التي تعتمد التجريب فعلا في اعمالها لغرض التعميم ، وافادت في ذلك الكثير خاصة في مجال التربية، ومثال على ذلك عند تجاربها على الحيوانات وجدت ان التعزيز سببا مهما لدفع الحيوان لان ينجز او يؤدي سلوكيات ليست بالحسبان، وعمموا ذلك في التربية لغرض اتباع مبدأ التعزيز بدلا من العقاب مثلا لزيادة اداء الطالب في المدرسة على سبيل المثال ، وهناك فوائد اخرى لا يمكن حصرها هنا ناتجة من اعمال تلك المدرسة.
ولعل من الجدير بالذكر ، ان احدث مدرسة نفسية، والان الجميع يعمل بمبادئها وفي كافة الفروع والمجالات هي المدرسة المعرفية، او الادراكية؛ وهي التي تعتمد على القدرات العقلية للانسان -مثل الادراك والوعي والفهم والتخيل والاستبصار والتذكر والانتباه وغير ذلك من القدرات- في تفسير سلوك الفرد. فتدرس ستراتيجيات الفرد في التعامل مع الحياة، وقدراته في حل المشكلات، واسباب التذكر والعوامل التي تساعد عليه، والعوامل التي تساعد على الادراك الصحيح باعتبار ان ادراك الشيء بشكل صحيح يؤدي دورا مهما في تفسير المواقف المختلفة، والتفسير يختلف بين الافراد تبعا للفروق الفردية بينهم في الادراك وفي القدرات الاخرى .. وهكذا ....
المهم، لكل مجتمع ان يوظف نظريات علم النفس لخدمته، وفي كل المجالات ولا أحد يفرض عليه شيئا خارج ما يريد .
تحياتي اخي الكريم مع الشكر الجزيل على المرور والتعليق.