هذه قصيدة أرسلها إلي أحد أصدقائي ، خالية من اسم الشاعر ، وخالية من أي عنوان ، ويرجو الشاعر ممن يقرأ هذه القصيدة أن يضع لها عنوانا من اختياره لمآرب في نفسه ـ اللـه أعلم بها وهو ـ ... ولأن النص ـ في اعتقادي جميل المعنى والهدف فقد جعلت صديقي يستأذن من الشاعر في نشرها .. فلنبادر باختيار عنوان لها .. إذا أذنتم ، والقصيدة هي :
ذات مَرّة أثناءَ رِحلةٍ في البَرِيّة
وَجَدتُ كُرَةً زجاجيةً سِحرية
قادرةً على الاتصالات الروحية
عَبْرَ المساحاتِ البَرِّيّةِ والبحرية
لتَنْقُلَ أخبارَ البشرية
في أيّ مكانٍ على الكُرةِ الأرضِية
لَمَسْتُها، فإذا بوجهٍ لهُ بَعْضُ الشَفَافِيّة
قُلتُ لها أخبريني عن العراق
وعنْ أهلي والرفاق
فقدْ طالَ الفُراق
قالتْ: ما سأقولُهُ قدْ لا يُطاق
قلتُ: قولي ما عندَكِ
قالتْ: صِراعٌ على الكراسي ودَمٌ مُراق
وخرابٌ في كُلِّ زُقاق
ودُخانٌ يملأُ الآفاق
وشعبٌ أصابَهُ انشقاق
قلت لها: كذَبْتِ،
فليسَ هذا ما وُعِدْنا بهِ ولا ما جَرى مِنْ اتفاق
ضَحِكَتْ وقهقهَتْ ثمَّ قالَتْ: أفِقْ يا مُعاق
أعلمتُها بقسوةِ أخبارِها
فأجابتْ: أفضلُ مِنَ النِّفاق
عُدْتُ وسألْتُ عنِ الميناء
عنِ البصرةِ الفيحاء
ردَّت: يَمرَحُ فيها الغُرَباء
عابثينَ بِكُلِّ فَناء
قلتُ: فَماذا عَن النجفِ وكربلاء؟
قالتْ: سوقٌ لِتَصريفِ البضاعةِ السوداء
فقلتُ حائرا: والمَوصلِ الحدباء؟
قالتْ: ألم ونحيبٌ وبُكاء
قلتُ: عسى خيراً في الفلوجةِ أو سامراء
قالتْ: مَسرَحٌ لِقتْلِ الأبرياء
قلتُ: فأينَ أهلنا النُجباء؟
قالتْ: استقوى عليهِم العُمَلاء
أصابني الدوار، بهذهِ الأخبار
سرَحْتُ في الأفكار، بحثاً عن استقرار
سألتُ عنْ كركوك
فجاءَني الجواب: كَشُعلةٍ منْ نار
قلوبٌ مستعرةٌ وعيونٌ يتطايرُ منْها الشرار
كلُّ من سارَ عليها ادّعى أنّ غيرَهُ
غريبٌ عن الدار
قلتُ: لماذا لا تُحَلُّ خلافاتُنا بحِكْمةٍ ووَقار؟
من هوَ صاحبُ القرار؟
قالتْ: إنهُ هوَ الواحدُ القهار
قلتُ: لمْ تَفْهمي سؤالي
قالتْ: بلى، لكنَّ جوابَهُ عَصِيٌّ حتى على الأسْحار
حسِبتُها تَهزأُ بِنا لِما جلَبَتْهُ لنا الأقدار
فأجبتُها بحَزْمٍ: لنْ يكونَ لكِ انتصار
نحنُ منْ تَحدّى الأخطار
نحنُ أناسٌ صامِدونَ كالأحجار
صابرونَ كصَبْرِ الأشجار
نحنُ شعبٌ بنى حضارةً تشْهدُ عليها كَثرةُ الآثار
نحنُ منْ بَنى بغدادَ وأحاطَها بالأسوار
نحنُ منْ رَفَعَ الملويّةَ مِئذنةً للأنصار
نحنُ منْ وثَّقَ بالكتابةِ غزارةً منَ الأفكار
نحنُ منْ بِحِبْرِ الكُتُبِ لوَّنَ الأنْهار
نحنُ منْ برَعَ في الرياضياتِ، نحنُ منْ فسَّرَ
كيفِيّةَ الإبصار
نحنُ منْ دَحَرَ عدُوّهُ في حطّين، نحنُ من انتصر في
ذي قار
فقاطَعَتْني وقالتْ: بلْ هُمْ أجدادُكم كانوا من الأخيار
سألتُ: ماذا تغيَّرَ بعدَ ذاكَ الانهيار؟
قالتْ: نَخَرَتْ قلوبَكُم الأنانيّةُ، واستَعْبَدَكُم
الدينار
أخجلَني كلامُها كأنَّها تُوَجِّهُ لنا الإنذار
ثمَّ عُدْتُ بصوتٍ خافتٍ ووجهٍ يميلُ إلى الاحمرار:
هلْ منْ سبيلٍ لمحوِ هذا العار
لإعادةِ الأمجاد لهذهِ الأمصار؟
هلْ منْ نهايةٍ لهذا الليلِ، هلْ منْ مجيءٍ
للنهار؟
فالشمسُ غائبةٌ منذُ كُنا صغار
وما عُدنا قادرينَ على الانتظار
أخبرينا عنْ سِرِّ أجدادِنا إنْ كُنتِ تعلمينَ الأسرار
قالتْ: سِرُّهُمْ يعرِفُهُ الصغارُ والكبار
تضحيةٌ وثقةٌ
واتكالٌ على النفسِ