بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله وكفى ، والصلاة والسلام على رسوله ِ الذي اصطفى .
أما بعد :
كلما تابعت ندوة ً فكرية ً ، أو فقهية ، أو حواراً يتناول أيّ قضية ٍ إسلامية ، لا أرى إلا الخلافات هي التي تطفو على السطح ، ويحتدم ُ النقاش حولها .
ويتناسى الجميعُ بأنّ ما يجمعُ بيننا – نحن المسلمين – أكثرُ ممّا يفرقنا !! .
ولكنْ لأمر ٍ ما ، يتركز النقاش حول نقاط الاختلاف !.
وكأنّ الله سبحانه وتعالى خلقنا فقط لنختلف !!.
علما ً بأن نسبة النقاط الخلافية فيما بيننا لا تتعدى الـ 10% وأما الباقي فنحن متفقون عليه كلّ الاتفاق .
تحدّث الدكتور محمود السايح حفظه الله بعبارة موجزة ، أظنها كافية ً لنتعرف شراسة َ الهجمة التي تستهدف المسلمين جميعَهم ، وهي حتما ً لن تفرّق بين مسلم ٍ سني ، ومسلم ٍشيعي فقال :
(( إ نّ الوقتَ يمضي سريعاً ، والأعداءُ ماضون في تمزيقهم لنا ، فلا تعينوهم . ولنعدْ إلى الله بقلب سليم )).
الأخوة الأعزاء في المنتدى ، إنّ مداخلتي ليست فقهية ، لأنني أعرف قدرَ نفسي ، ورحمَ الله امرءاً عرف حدّه ، فوقف عنده ، ولكنّ الإنسانَ العاقل الذي يعيش في هذا العصر، لا يمكنه أن يتجاهل َ الأحداث السياسية التي تمور من حوله ، وتضع العالمَ على فوهة بركان ، وينزوي بعد ذلك في ركن ٍ معزول ، يتصفح الكتب القديمة ، يبحث فيها عن دليل ٍ يكفّر هذا ، ودليل ٍ يبرئ ذاك ! ، بينما العالَـمُ منشغلٌ بالعلم ، والاختراعات ، ونحن نتسابق لاستهلاك منتجاتهم ، ونستخدمها لنشر بعض ثيابنا الوسخ أمام الجميع .
وبذلك ننجح ُ بامتياز في تنفير الناس من ديننا ، الذي نقدمه لهم على أنه دينُ الاختلافات ، والمهاترات ...
أين نحن من قوله تعالى :(( ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة )) ؟!.
لو فرضنا أن شبابا ً في مكان ٍ ما من العالم ، أرادوا أن يتعرفوا على الإسلام ، وقرؤوا ما يكتبه البعضُ من أبناء الإسلام ، بل ما يكتبه بعضُ العلماء أحيانا ً ، لهربوا بعيدا ً ، نائين بأنفسهم عن الخوض في متاهة ٍهم بغنى ً عنها . فأيَّ إسلام ٍ سيختارون ؟!!
إذا لم نستطع إقناع بعضنا البعض ، ونحن نستقي من منبع ٍ واحد ، فكيف سنقنع غيرنا ؟!!.
إنّ قوة َ إيران قوة ٌ لكلّ العرب والمسلمين ، ويحاول البعض – ربما بحسن نية – إخراجَ هذه القوة من دائرة الإسلام ، وتحييدها ، ووصمها بتهم ٍ - الله ُ وحده يعلم ُ أهدافها – .
أقول بحسن نية ، ولكنّ النوايا الحسنة- فقط - لا تصنعُ أعمالا ً جيدة .
يا جماعة : نحن نعبد ُربا ً واحدا ً، ونتوجه إلى كعبة ٍ واحدة ، ونتبع رسولا ً واحداً( صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) ، وعدونا واحد ، والخطر يهددنا معا ً .
الكلّ سمع أو قرأ ما قاله أعداؤنا منذ فترة ليست ببعيدة : لم يبقَ أمامَنا عدوّ إلا الإسلام .
وبعد ذلك ، نأتي نحن ، ونحملُ على أكتافنا إرثا ً ثقيلا ً من التهم الجاهزة ، نلقيها جزافا ً هنا ، وهناك .
من الذي أعطانا هذا الحقّ ؟ .
من الذي نصبنا قضاة ً على خلق الله ؟!!
أقول لكم بصراحة بأنني مسلم ٌ سني ، وكم أتمنى أن أ كتفي بالمسلم فقط .
فأنا أردد مع فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله ُ وأمدّ في عمره ، ونفعنا َبه، حينما ذهب إلى طهران للمشاركة في ندوة ٍ ، بدعوة من المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية ، وقد أكدَ فضيلته على عدد من المبادئ الأساسية للتقريب بين أبناء القبلة الواحدة ، فقال: ((إنني أعتبر نفسي في بلدي ، فحيثما ارتفعت المآذن ، أعتبرُ ذلك وطناً لي ..)) .
لماذا لا نتبعُ المقولة الرائعة التي أطلقها صاحبُ المنار ، المرحوم محمد رشيد رضا ، حين قال :
( نجتمعُ حولَ ما اتفقنا عليه ، ويعذر ُ بعضنا بعضا ً فيما اختلفنا فيه ).
لقد تجولت ُ كثيراً في أحياء يغلب عليها الطابع الشيعي في بيروت ، ولم أشعر بغربة ، كنت ُ أجدُ المساجد والحسينيات وأشعر ُبالألفة ، وقد صليتُ في مسجد ٍ للشيعة في دمشق ، خلف إمام ٍ شيعي ، وتحاورتُ مع بعض الأخوة الشيعة ، وجدت فيهم كلّ الخير ، ولا أنكر بأنني سمعتُ - من البعض – كلمات ٍ لا أقبلها ، توارثوها عن آبائهم ، وبعض ِ علمائهم ، أقول ببساطة : هناك الكثير من المفاهيم المتوارثة عندنا ، وعندهم ، مغلوطة أو مفهومة بشكل خاطئ ، ربما دسّت ْ في الكتب ، وربما كانت اجتهاداً خاطئاً ، لبعض العلماء عند الطرفين .
هذه المفاهيم المغلوطة ، يجب أن ُتصحح ، فكما قال الإمام مالك رحمه الله :(( كلُّ أحد ٍ ُيؤخذُ من قوله وُيردّ إلا صاحب هذا القبر، صلى اللَّه عليه وسلم )) .وهذا الواجب منوط ٌ بالعلماء المخلصين المتنورين من كلا الطرفين ، ليعود َ لهذا الدين ألـقَـهُ الحضاري ، والإنساني ، والربّـاني ، كي نعود َ كما كنا سادة العالم ، لا تتداعى الأممُ علينا كما تتداعى الأكلة ُ إلى قصعتها ، فعزتنا مرتبطة بالإسلام الذي أعزنا الله ُ به ، ولن ينهضَ الإسلام ُ إلا على أكتاف أبنائه ، لنعيد َ نور حضارتنا المطلول . والله من وراء القصد
أشدّ على يد الدكتور السايح ، وأقول له : إني أرى فيك ، وفي أمثالك من المثقفين مزنة َ خيرٍ تعد ُ بالكثير
والسلام .
كتبه أبو مأمون
31/12/2005