|
متابعة لشرح النهج العقلي الإسلامي .
مما تقدم رأيت أن أوضح أنماط العقول التي ذكرها الله في قرآننا الكريم , وأستهل بأولى النُهى .
[blink] أولى النُهى [/blink]
بسم الله اللرحمن الرحيم
1- طه
1-الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى (53)
كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى (54) . إبن كثير .
هَذَا مِنْ تَمَام كَلَام مُوسَى فِيمَا وَصَفَ بِهِ رَبّه عَزَّ وَجَلَّ حِين سَأَلَهُ فِرْعَوْن عَنْهُ فَقَالَ الَّذِي أَعْطَى كُلّ شَيْء خَلَقَهُ ثُمَّ هَدَى ثُمَّ اِعْتَرَضَ الْكَلَام بَيْن ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض مَهْدًا وَفِي قِرَاءَة بَعْضهمْ مَهْدًا أَيْ قَرَارًا تَسْتَقِرُّونَ عَلَيْهَا وَتَقُومُونَ وَتَنَامُونَ عَلَيْهَا وَتُسَافِرُونَ عَلَى ظَهْرهَا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا أَيْ جَعَلَ لَكُمْ طُرُقًا تَمْشُونَ فِي مَنَاكِبهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ " " وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَات شَتَّى " أَيْ مِنْ أَنْوَاع النَّبَاتَات مِنْ زُرُوع وَثِمَار وَمِنْ حَامِض وَحُلْو وَمُرّ وَسَائِر الْأَنْوَاع .
(54) .
" كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامكُمْ " أَيْ شَيْء لِطَعَامِكُمْ وَفَاكِهَتكُمْ وَشَيْء لِأَنْعَامِكُمْ لِأَقْوَاتِهَا خَضِرًا وَيَبِسًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات أَيْ لَدَلَالَات وَحُجَج وَبَرَاهِين " لِأُولِي النُّهَى " أَيْ لِذَوِي الْعُقُول السَّلِيمَة الْمُسْتَقِيمَة عَلَى أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَلَا رَبّ سِوَاهُ .
تبدء القضية الفكرية ب .
قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) .
وهي قضية عقائدية بين رسولٍ لله , وبين ملكٍ من ملوك الأرض , وهو وشيعته يعتقدون في أنَّه إله , أو ابن إله , وهو يسأل موسى عليه السلام عن ربهِ (من هو ) .
ويتضح من هذا التساؤل , أنَّ أوَّل الشواغل الفكرية لأولي النُهى هي قضية الألوهية (من هو الله ؟ ) .
وتأتي إجابة موسى عليه السلام .
قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) .
وفي إجابة موسى عليه السلام توضح أن الله هو خالق كل الأشياء , على عمومها , وأنَّهُ سيَّرها (هداها ) , وفق مشيئته .
وهاتان الصفتان ( الخلق والهداية ) , هما أولى الصفات التي تحتَّمُها الألوهية .
ثم يسطرد موسى عليه السلام , لتوضيح الصفات الحتمية للذات الإلاهية فيقول .
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا
وهو توضيحٌ لما بالآية السابقة , أي أنَّ الله خلق الشيء ( الأرض ) , وهداها ( جعلها ) لكم مهداً , أي بدايةً لكم , وهي إجابة عن تساؤل فرعون .
قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51). ويكون التساؤل الثاني لأولي النُهى ( كيف بدأ الخلق ؟) .
وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى .
أي ومهَّدها لكم تمهيداً دقيقاً , بأن جعل لكم فيها سبلاً , ولولا هذا التمهيد البسيط لاختلفت صورة الحياة التي تحْيونها , وأنزل من السماء ماءاً , ليخرج لكم النبات الَّذي به وبالماء حياتكم , وحياة أنعامكم .
وهنا يكون إقرار أولى النُهى , من تلك المقدمات , رسوخ الإعتقاد , فإن رسخ اعتقاد إمْرًءٍ من تلك المقدَّمات , كان من أولى النُهى .
وهنا يكون الإستدلال العقلي , هو السمة الأولى لأولي النُهى .
2-طه
أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى (128) .
ابن كثير
يَقُول تَعَالَى أَفَلَمْ يَهْدِ لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِمَا جِئْتهمْ بِهِ يَا مُحَمَّد كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ الْأُمَم الْمُكَذِّبِينَ بِالرُّسُلِ قَبْلهمْ فَبَادُوا فَلَيْسَ لَهُمْ بَاقِيَة وَلَا عَيْن وَلَا أَثَر كَمَا يُشَاهِدُونَ ذَلِكَ مِنْ دِيَارهمْ الْخَالِيَة الَّتِي خَلَفُوهُمْ فِيهَا يَمْشُونَ فِيهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِأُولِي النُّهَى أَيْ الْعُقُول الصَّحِيحَة وَالْأَلْبَاب الْمُسْتَقِيمَة .
وهنا يوضح المولى جلَّ وعلا , أنَّ أولى النُهى يأخُذون , بالمنهج التجريبي , المعتمد على الحواس , فرؤيتهم لنتيجة ما حدث لمن كذَّبَ لله ورسله , واستخلاص الحقيقة , هو عين المنهج التجريبي .
وعلى ذلك نخلص إلى أنَّ أولي النُهى يأخذون بالمنهجين , الإستدلالي , والتجريبي .
[blink] أولي الألباب .[/blink]
1- البقرة .
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ (190) .
2- يوسف .
لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) .
3- الزمر .
لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) .
4- غافر .
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53)
هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (54) .
من الآيات السابقة , يتضح أنَّ منهج أولي الألباب , منهجٌ إستدلالي , وأعتقدُ أنَّكُما لسْتُما في حاجة للشرح .
[blink]أولى العقول . [/blink]البقرة
1- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) .
الرعد .
2- وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) .
النحل .
3- وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) .
4- وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) .
العنكبوت .
5- وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35) .
الروم .
6- وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) .
الروم .
7-ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) .
الجاثية .
8- وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) .
ومن سياق الآيات يتضح أنَّ الَّذي يعقلون يغلب عليهم المنهج التجريبي , ولهم قسط من المنهج الإستدلالي , لا يرقى لأولي الألباب , أو النُهي .
ولا أراني في حاجة للتوضيح لكما .
وأحب أن أُشير ها هنا أنَّ الَّذين يتفكرون , هم جميع تلك الأنماط , وإنَّ الَّذين لا يعقلون , لا منهج فكري لهم , بل سادت نفوسهم عليهم , فهم لا يعقلون .
وللحديث بقية . |
|