بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله حمد الموقنين , والشكر لله شكر العرفين , والفضل لله أبد الآبدين .
والصلاة والسلام على صفْوَةِ صَفْوِ المرسلين , والآل والصحبِ والتابعين .
آمين .
أخوايا في الله .
بعد أن قرأتُ ما أوردتموه فيما علاه , أتقدم إليكم بتصوُّري عن النهج العقلي الإسلامي , مسترشداً بكتاب الله المبين , عسى أن يهدينا , لنهجٍ ترتضيه عقولُنا , فنكون من الفائزين .
اتَّفقنا فيما سلف عن ماهية العقل وملاكاته , فهو تلك المنة الإلاهية التي ندرك بها مالا تدركه الحواس , وأبنت أثر المحتوى العقلي من العلوم على الشخصية , وأبدء الآن في عرض النهج الإسلامي للعقل .
النهج العقلي الإسلامي .
1- حرية العقل قبل الدخول للإسلام .
بسم الله الرحمن الرحيم
لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256).
البقرة .
التفاسير .
ابن كثير
يَقُول تَعَالَى " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّين " أَيْ لَا تُكْرِهُوا أَحَدًا عَلَى الدُّخُول فِي دِين الْإِسْلَام فَإِنَّهُ بَيِّنٌ وَاضِحٌ جَلِيٌّ دَلَائِله وَبَرَاهِينه لَا يَحْتَاج إِلَى أَنْ يُكْرَه أَحَد عَلَى الدُّخُول فِيهِ بَلْ مَنْ هَدَاهُ اللَّه لِلْإِسْلَامِ وَشَرَحَ صَدْره وَنَوَّرَ بَصِيرَته دَخَلَ فِيهِ عَلَى بَيِّنَة وَمَنْ أَعْمَى اللَّه قَلْبه وَخَتَمَ عَلَى سَمْعه وَبَصَره فَإِنَّهُ لَا يُفِيدهُ الدُّخُول فِي الدِّين مُكْرَهًا .
الجلالين
"لَا إكْرَاه فِي الدِّين" عَلَى الدُّخُول فِيهِ "قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ" أَيْ ظَهَرَ بِالْآيَاتِ الْبَيِّنَات أَنَّ الْإِيمَان رُشْد وَالْكُفْر غَيّ نَزَلَتْ فِيمَنْ كَانَ لَهُ مِنْ الْأَنْصَار أَوْلَاد أَرَادَ أَنْ يُكْرِههُمْ عَلَى الْإِسْلَام "فَمَنْ يَكْفُر بِالطَّاغُوتِ" الشَّيْطَان أَوْ الْأَصْنَام وَهُوَ يُطْلَق عَلَى الْمُفْرَد وَالْجَمْع "وَيُؤْمِن بِاَللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ" تَمَسَّكَ "بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى" بِالْعَقْدِ الْمُحْكَم "لَا انْفِصَام" انْقِطَاع "لَهَا وَاَللَّه سَمِيع" لِمَا يُقَال "عَلِيم" بِمَا يَفْعَل
صدق الله العظيم .
من هذه الآيات البيِّنات , يتضح أنَّ الله أعطى لغير المسلم حرية الإعتقاد , وقد بيَّن سبب إعطاء الحرية للعقل الإنساني , ( قد تبين الرشدُ من الغي ) , أي أن الله يخبرنا , أنَّه قد أبان للعقول التي هي خلقته , رشدها من غيَّها , بما أنزله من أياتٍ بيِّناتٍ , تؤكد للعقل , مصداقيته (ص) , فيما أنبأ عن ربَّه ( القرآن الكريم) , الَّذي حوى من الأدلة المنطقية للعقل كي يتخذ الإسلامَ دينا , ليُقْنِ المولى عزَّ وجل , أنَّ العقل السليم سيصل بفطرة الله للاعتقاد بالدبن الإسلامي الحنيف , عن طريق الاستدلال المنطقي الَّذي حبانا به .
أمثلة .
الرعد .
قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) .
يونس .
قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (31) .
الأنعام .
قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) ..
وغيرها من الآيات التي إذا تدبَّرها العقل بصدق , لم يجدُ سبيلاً إلا الإعتقاد الراسخ بالله , وبدينه الإسلام .
لذلك ترك الله الحرية للعقل في اختيار أي السبيلين ( الرشد أم الغي ) .
2- حرية العقل بعد الدخول للإسلام .
في قوله جلَّ وعلا
( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )
, القيد الوحيد على العقل الإسلامي , وهو أن لا يتراجع عن معتقده , الَّذي استخدم فيه ملكاته الإستنباطية للوصول إلى المعتقد الإسلام , ( لاَ انفِصَامَ لَهَا ) , أي لا تراجع عنها .
والإستدلال المنطقي هو الوسيلة التي يدرك بها العقل , ما لا تدركه الحواس .
وترك الله للعقل المسلم حرية التفكير فيما عدى المعتقد بالله , وملائكته , وكتبه , ورسله , واليوم الآخر , وأنَّ القضاء خيره وشرَّه من الله , وجميعها بالنسبة لنا غيبية , (عدى رسل الله لمن عاصروهم ) , وترك لنا حرية التفكر في ما عدى ذلك .
أمثلة .
آل عمران .
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) .
يونس .
إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) .
الرعد .
وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) .
النساء
أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (82)
محمد.
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24).
وغيرها من الآيات التي تحدد للعقل مجالات التفكر , وهي التفكر في في جميع مناحي الحياة التي حولنا وما أنزله من الكتاب .
وللحديث بقية