** شتاء مفقود**
متى يأتي؟
خسيسٌ هذا الشتاء حينما يُطيل السُبات في جوفِ الفصول...
ولا يستيقظ لـ يُقْبِل.. !
.
.
فكّرتُ به كثيراً، وأنا أُحصي الأيام المُتبقيّة لـ العيد القادم...
اعتدنا أن نتدثّر به في الفِطر دائماً...
وها هُوَ الأضحى آتٍ، ولازلنا نقتلع أشعّة الشمس...
لـ نتكئ بعدها على الظلالِ الوارِفة...
/
\
/
الشتاء
أُحبّه !
بـ ملامحه المُتجمدّة...
أنفاسه الباردة...
عبراته الفقيرة...
.
.
بـ حضورِ الشتاء...
تعلّمتُ أنْ
أضمّني / أعانقني / أتنفسّني / أتراكمني فوق ذاتي بعضاً بعضا....
غريبٌ أمرك يا صاح...
تُلقنّي آداب الدفء...
وترسم على اللوحِ قطعة الشمس...
ورغم ذلك...
تعتريني الرعشة في وجهك...
وتسري البرودة في العروق...
فـ يجمدُ دَمِي...
وتتصلّبُ الشرايين...
فـ أجهل لحظتها، كيف أُذكِي نفسي مُجدّداً !
/
\
/
في سنةٍ ماضية...
كنتُ أستمتع بـ الذهاب إلى الجامعة في الفترة المسائية...
فـ بسببِ شهر رمضان...
تمَّ تأجيل بعض المحاضرات إلى ما بعد الإفطار...
وشاءت الصدفة، أن أغادر المنزل / ثلاث مرّات إسبوعياً...
من أجل مُقرّرٍ وحيد...
.
.
لا إرادياً، كنتُ أطلب من السائق...
أن يركن السيارة في أبعد موقف من الكُليّة...
حتى لـ أحظى بـ نصيبي من الهدوء / سَيْراً عبر الظلام...
.
.
كنتُ أتجنب الممرّات المُضيئة...
وأتجاهل مصادر النور، وأتحسّس الغياهب بـ يديّ / باحثةً عن كفِّ الشتاء...
.
.
ويُصافحني...
راحتُه باردة...
يبتسم لي بـ نفثةٍ هفيفة في ملامحي...
أُبادله بـ ضحكةٍ مكتومة...
.
.
يحتضن وجهي...
وما هي إلا لحظاتٍ فقط...
حتى أكتسي بـ سحنةٍ كريستاليّـة...!
/
\
/
الغريب / وربّما يكون طريفاً...
ذاك الضفدع الذي لا أعلم أيُّ سببٍ يدعوه لـ الخروج في المساء !
ودائماً وعلى مدى شهرٍ كامل...
أقطع مسافة من مبنى، وأعبر طريقاً أشبه بـ الجسر...
وفي نهايته...
أسمع تلك النقنقة / ويقفز أمامي / ويصحبه صراخي !!
.
.
في كُلِّ يومٍ أنساه !
ويتكرّر المشهد...
جيئة وذهاباً...
والملعون لا يقترب / إلا حينما أكون وحيدة !
مازحتني الفتيات وقالت إحداهن:
- هو الأمير يا أمل، يبتغي القُبلة لـ يستحيل إلى شابٍّ وسيم ويتزوجك !
أصابني الحِنق ناطقةً:
- لـ يذهب إلى الجحيم ! أكره الضفادع / لزجة ومقزّزة !
/
\
/
وأبتعد عنهم...
أبحث عنكَ أيّها الشتاء...
أجلس على كُرسيٍّ وتُقَارِبُنِي البرود...
فـ أرفع رأسي إلى الأعلى...وأهمس لك:
- ولا ينقص السماء، إلا قلبيْن وسحابـة...
/
\
/
ولأنّك تُحبّني أيضاً...
تبسطُ كفّك لي...
وعبر أصابع الغيوم...
ينسلُّ المطر...
/
\
/
ويأخذني الخيال إليك...
إلى أرضٍ تلتحف البياض...
وامرأةٍ تُحكم من زرِّ معطفها...
تلفُّ الوشاح الصوفي حول عنقها...
ترتدي القفّازات وتخرج....
.
يقتفي الشتاء، خطواتها العابِرة...
ينقر كتفها...فـ تلتفتْ...
.
.
ما مِنْ أحد...
.
.
تُتابِع المشي...
يأتي اسمها عالقاً بـ شفاهـ الريح...
فـ تلتفتْ...
.
.
ولا أحد
.
.
نطقتْ:
- عابثٌ هذا الشتاء !
/
\
/
تدفعُ الباب، إلى المقهى...
تجلس إلى طاولة...
وتطلب قهوةً داكنة...
.
.
تخلع القفازات...
وتفرك يديها بـ بعض...
.
.
تُخرِج من الجيب دفتراً صغيراً / ذو لونٍ أحمر...
وقلماً...
تُمرّر به على القائمة الموجودة:
- الذهاب إلى المخبز
- إحضار الملابس من المغسلة
- مراجعة محل الأدوات الكهربائية من أجل جهاز التدفئة
- شراء أقراص الصداع
- الاستفسار عن أفضل أنواع الشتلات
- وإياكِ أن تَنْسِيْكِ !
ابتسمتْ وهي تُدير كوب القهوة وترفعه بـ بضع رشفات...
.
.
نظرتْ إلى خارج المقهى / عبر الزجاج...
ولمحتْ ثلّة من الأطفال، يتراكضون فَرَحاً...
ومجموعة أخرى...
تستمتع بـ صنعِ رَجُلْ الثلج...
ألصقوا الأزرّة على صدره...
غرسوا غصنين في كتفيه...
واعتمر قبعّة سوداء...
.
.
همست:
- كـ كواكب سيّارة على الأرض / هؤلاء الصغار...
.
.
أخرجتْ من محفظتها بضع قطع معدنية...
وضعتها على الطاولة...
رفعتْ ياقة المعطف وخرجت...
اصطدمتْ بـ أحدهم وكادت أن تقع...
اعتذر بـ شدّة:
- عفواً آنستي، لَمْ أقصد
نفضتُ نُدف الثلج من على كتفها:
- لا بأس لا بأس
حدّق بها ونطق قائلاً:
- ألستِ تلك الآنسة التي تعمل في عيّادة الأسنان....!؟
قاطعته:
- أوه، أَلْم تأتي بـ شقيقك الصغير، الباكي الحزين...
ألقى بـ رأسه لـ الخلف ضاحكاً:
- وبعد أن أعطيتِه مُجسّم الطائرة، باتَ يسألني عن موعده القادم...
شاركته القهقهة وأردف قائلاً:
- كنتُ على وشكِ الدخول إلى المقهى ومن بعدها الذهاب إلى المكتبة...
شابتْ لمعة في عينيها:
- المكتبة ؟
- نعم ! ما رأيكِ بـ صُحبةٍ قصيرة؟ ومن ثمَّ السينما إن شئتِ أو إلى مطعمٍ لـ تناول العشاء؟
أشارتْ بـ يديها كَـ شخصٍ يقبضُ المُتعة:
- المكتبة طبعاً، وأُفضّل المطعم لاحقاً
أومأ بـ يده:
- من بعدك !
وسارا معاً عبر طريق الشتاء...
...................وبـ الفعل نَسَتْ نفسها....
/
\
/
وعودةً إلى أرضنا القاحلة...
وشتائنا المُتحفّظ الذي يتأبط الزُكام / اصطكاك الأسنان / رعشة الشفاهـ !
.
.
أيّها البارد...
كفاكَ هجوعاً...
تمطّى عـبري وانهض إليّ...
فـ لقد اشتقتُ إليكَ شوقاً جمّا.
منقول من الكاتبة :روح