ستبقى في قلوبنا خالدا يا جابر القلوب
لا يمكن لأي قلم مهما اجتهد وامتلك جوامع الكلم ان يعبر عن حجم الفاجعة التي اصابتنا بفقدك يا أيها العزيز ولكن كما علمتنا دائما وفي احلك الظروف ان نرضى بقضاء الله وقدره ونتجاوز المحن، وعزاؤنا اننا وان فقدناك جسدا فإن روحك المطمئنة تسكن في قلب كل واحد منا بآمالك وطموحك وتوجيهاتك ومبادئك وقيمك ونصائحك وحبك للكويت ارضا وشعبا ليكون كل ذلك نبراسا ومنارة تنير لنا درب المستقبل ودرب العمل الصالح الذي مهدته لنا دائما، وعسى ان تثبت الايام اننا وان فقدناك يا جابر الخير جسدا الا انك باق معنا روحا وحكمة نستحضرك في كل الظروف ونلقن ابناءنا واجيالنا جيلا بعد جيل تاريخك الناصع ليعلموا كم كانت الكويت عظيمة في ادائها داخليا وخارجيا عندما كنت اميرها، وكم كانت الكويت عظيمة بتقاليدها ومبادئها وتواصلها ووحدتها عندما كنت اميرها.
لم تكن يا جابر اميرا تقليديا في يوم من الايام وانما اميرا مبدعا ورائعا فلم تتخذ من القصور حصونا، ولم تقم الحواجز بينك وبين شعبك فكان قلبك مفتوحا للجميع قبل ان تفتح ابوابك، فقد كنت ابا واخا وصديقا كنت ابا توجه وترشد وتعلم وتواصل، وكنت اخا تشد ازر ابناء وطنك وترفع عنهم العثرات، كنت صديقا تنصح وتوجه وتواسي، لم يكن يشعر المواطن وهو بين يديك الا بشعور الاب الحاني تجفف دموع المحتاج وتنصر المظلوم وترفع غوائل الدهر عمن اصابته، علمتنا ان الكبرياء هو التواضع لله والوطن، هذه هي انسانيتك يا جابر التي غرستها فينا وتعلمناها منك.
عرفنا الشيخ جابر الاحمد رحمه الله وسمعنا عنه قبل ان نلاقيه، عرفناه بمآثره وعزمه وشدته ولينه عندما تكون الشدة لازمة واللين مطلوبا، عرفناه رجلا مشجعا للعلم وداعما للعلماء، عرفناه رجل مواقف صلبا في الشدائد لا تلين له عزيمة اثناء ما تعرضت له الكويت من صعاب ومشاكل كان آخرها العدوان العراقي الآثم على الكويت، عرفناه رجلا مؤمنا بالله سبحانه وتعالى وبرسوله ويعمل دائما وفقا لمقولة ان الانسان زائل ويجب ان يرسم في حياته طريقه الى الجنة فكنت رجلا عابدا مصليا صائما زاهدا بزخارف الدنيا مزكيا متصدقا لا يتوانى ابدا عن تلبية المحتاج ودعم الارامل واسر الشهداء والاسرى فكنت خير عون لهم في كل مناسبة ووقت، لقد كنت مؤمنا بصدق الحوار والاستماع الى كل الآراء حتى تلك الآراء التي لا تتفق مع توجهاته وهذا يجسد ارقى آيات الحوار.
لقد عرفناه في فترة الغزو الآثم كيف كان صلبا قويا لا يلين له جانب، مؤمنا بتحرير الكويت منذ خروجنا واياه الى المملكة العربية السعودية كان يشد الازر ويدعونا الى التمسك بحتمية العودة للوطن، كان قريبا منّا في كل وقت يوجه ويدير ويعطينا الدعم الروحي والمعنوي بأن الله تعالى سينصرنا على القوم الظالمين، ولم نشعر ابدا في لحظة يأس أو تراجع فيما كنا نقوم به لأن قدوتنا معنا ويعمل معنا ويوجهنا ويرشدنا الى ما نقوم به حتى منّ الله على الكويت بنعمة التحرير.
لقد كانت لك مواقف انسانية لا تنسى ابدا فعندما كنا في محنة الغزو لم تكن تتوانى بالسؤال عن ابنائك خاصة الذين هم في داخل الكويت اثناء الغزو وكنت تتألم لألمهم وتسعى جاهدا لرفع معاناتهم كما سعيت لدعم وتوجيه ابنائك في الخارج وتبشيرهم بالنصر القريب ولا ادل على ذلك تلك الكلمات الطيبة والمشجعة التي كنت ترسلها لأبنائك سواء في الداخل أو الخارج اثناء الغزو.
لقد كنت متشربا بحب وطنك وشعبك مواظبا على العمل ليل نهار من اجل رفعته ومن اجل اسعاد ابناء هذا الوطن وذلك من خلال مشاركتك لهم في افراحهم واتراحهم وسؤالك الدؤوب عنهم وتصديك لمشاكلهم وكانت اياديك البيضاء تمتد الى كافة ارجاء المعمورة وبدون منّه ساعيا للخير وملبيا للمحتاج.
اننا نعاهدك يا امير القلوب يا والدنا العطوف ان تبقى روحك وتوجيهاتك وتعليماتك وحبك للكويت ولأبنائها كامنة في حنايا قلوبنا تستحضرها ذاكرتنا وضمائرنا وان نسير على ذات الدرب الذي رسمته لنا ايمانا بالله وبرسوله وبالوطن ارضا وشعبا وحبا ووفاء.
وحتى وان ترجل ذلك الفارس العظيم عن صهوة جواده، فمذاق طيب اعماله الجليلة التي سطرها لوطنه تبقى كروح الانعاش تفتح رئاتنا لهواء عذب يحرك الآثار المتجسدة في خوابي الذاكرة من خلال ما قام به من جهود مضنية وحرص متناه على خدمة وطنه وامته، صحيح ان شبح الموت يحصد الحياة، لكنه يعجز عن محو الاعمال القيمة من ديوان التاريخ فلنفتح الصفحات المضيئة ونقرأ في احاجي الكلمات ما جسده الراحل الكبير من اعمال يشيد بها القاصي والداني، ولعل هذا الحشد الهائل من المعزين القادمين من كل حدب وصوب لدليل ساطع على مآثرك.
سلام عليك يا جابر الخير.. ونودعك امانة في يد من لا تضيع الامانة عنده.
ستبقى في قلوبنا يا أبانا الحبيب خالدا
الكويت
أ.د.بدر جاسم اليعقوب
الاربعاء 18/1/2006