موضوع جدير بالقراءة جعله الله في سجل حسنات كاتبه وناقلته لكم وقارئيهسوء الظن
أختكم
بنت البحر
الشيخ فرج البوسيفي
الظن مرض خطير من أمراض العصر، نتائجه خطيرة، ومفاسده عظيمة، وهو دليل على سوء طوية صاحبه، ومن أصيب بهذا الداء فواجب عليه أن يتعالج منه، والجاهل إذا اتهم أو أنقص من قدر الناس أساء ظنه بهم.
جاء في السنة أن رجلاً أساء الظن برسول الله صلى الله عليه وسلم لما وزّع الغنائم، واتهم النبي بعدم العدل والإخلاص، فقال: اعدل يا محمد، فما عدلت، هذه قسمة ما أريد بها وجه الله. فدفعه سوء ظنه وفعله القبيح وسطحية تفكيره وفهمه وقلة فقهه لمقاصد الشريعة ومصالح الدين، دفعه ذلك على أن استعجل في الحكم، وحكم بجهل على أكمل إنسان وأعدل بني عدنان، والمرء إذا لم يعلم فعليه أن يسأل ويستفسر، ولا يجري وراء الظنون.
وإنه لمن أكبر الأسى والأسف أن نرى بعض الذين مطيتهم سوء الظن بالخاصة قبل العامة، وإن رأوا من يداري أو رأوا شيئًا لا يمشي مع هواهم أذاعوا به، والبعض يقيس ويزن الأمور بفهمه، فيكفي عنده في جرح أخيه أن يخالفه فيما قرأ أو سمع، أو أنه لا يرضى عقله وهواه، ولو نظر المسيء الظن أن من أساء فيه الظن خالفه في أمر تختلف فيه الأفهام والأنظار لما أدخل على نفسه هذا البلاء.
ومن أسباب سوء الظن تزكية المرء نفسه واحتقاره غيره، فيرى نفسه على الصواب، وجميع الأمة على الباطل.
إن أصحاب العقول الكبيرة والتدين الصحيح يؤلفون القلوب، ويجمعون أبناء الأمة على الألفة والمحبة والأخوة وترك سوء الظن بالآخرين.
إن اجتماع كلمة المسلمين وترك الفرقة جعلت النبي صلى الله عليه وسلم يترك بعض المستحبات كي لا تضيع في فعلها واجبات، من ذلك أنه لم يعطِ الفقراء وأعطى الأغنياء تأليفًا لقلوبهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نظر أن ذلك أنفع للدين، ومنها أنه صلى الله عليه وسلم ترك تغيير بناء البيت إبقاء لتأليف القلوب. وكان ابن مسعود رضي الله عنه ينكر على عثمان إتمام الصلاة في السفر، ثم صلى خلفه متممًا وقال: (الخلاف شر).
من مظاهر سوء الظن أن من يتكلم عن الرقاق والأدب وعن كرامات الصالحين يُرمى بتهمة الخرافة والتصوف، ونسي هؤلاء أن الرقاق وحكايات الصالحين ترقق القلوب، ولقد ألف عبد الله بن المبارك كتاب الزهد وكذلك الإمام أحمد، وكان السلف يحرصون على ما يرقق قلوبهم ويقولون: "حديث يرق له قلبي أحب إلى من مائة قضية من قضايا شريح".
من مظاهر سوء الظن تجريح الناس أحياء وأمواتًا، ورميهم بشتى أنواع الضلال، قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم)) رواه مسلم. قال الخطابي: "لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم ويقول: فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك، فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم، أي: أسوأ حالاً منهم بما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم، وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه ورؤيته أنه خير منهم".
إن الظن السيئ يدفع صاحبه لتتبع العورات والبحث عن الزلات والتنقيب عن السقطات، وهو بذلك يعرض نفسه لغضب الله وعقابه، وقد وعد النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء المرضى بالفضيحة بقوله: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته)).
وسوء الظن يزرع الشقاق بين المسلمين، ويقطع حبال الأخوة، ويمزق وشائج الألفة والمحبة، ويزرع البغضاء والشقاء، والله يحذرنا من ذلك بقوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) [الحجرات:12]، وقال صلى الله عليه وسلم : ((إذا ظننت فلا تحقق)).
إنما المؤمنون إخوة، فلا تتبعوا العورات، ولا تصيدوا السقطات، ولا تبحثوا عن الزلات، وكن كالنحلة تسقط على الورد والزهور، ولا تكن كالذباب حيث يسقط على القاذورات والخبائث، لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرًا وأنت تجد لها في الخير محملاً.
تأمّل كيف أمرك الإسلام بستر أهل المعصية في الدنيا لتستر في القيامة، هذا مع من تحقق وقوعه في المعصية، فالأجدر والأولى بك فيمن لم تثبت عليه المعصية أن ترحمه من لسانك، وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وعار على من يرى القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه.