أحدث المشاركات
صفحة 4 من 6 الأولىالأولى 123456 الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 40 من 56

الموضوع: الحداثة في ميزان الإسلام

  1. #31
    الصورة الرمزية زاهية شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2004
    المشاركات : 10,345
    المواضيع : 575
    الردود : 10345
    المعدل اليومي : 1.42

    افتراضي

    (خــاتمـــــــــــــه)



    يعتبر الخوض فى مذهب الحداثه موضوعاً شائكاً، لأن الحداثه كمذهب فكرى وعقيده هى قضية مهمة من القضايا المطروحه على الساحة، والتى لم تتضح ملامحها وأهدافها إلا للمخلصين الذين وقفوا في وجهها وكشفوا قناعها، فبدت سوءتها، وبرز عوارها، مع أن أربابها يحاولون ستر وجهها الكالح بدعوى أنها مجرد حركة أدبية وشعرية وثقافية ونقدية، لكنها تبطن الكفر والشك والنفاق والاستهزاء بالدين وشرائعه ونبيه وعباد الله الصالحين، تحارب الفضيلة وتمجد الرذيلة، تقلب الحقائق، وتزعزع المسلمات، وتخالف الدين والعادات لا لشيء إلا للخلاف، سخف في القول، وغرابة في الصياغة، لا تكاد تقف على نص من نصوصها فتقرأه من غروب شفقة إلى بروز فجره الكاذب إلا ترى ظلمات بعضها فوق بعض إذا بحثت عن الحق أو الفضيلة فيه لم تكد تراه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    قصائد سمجة، وروايات زائفة، ونصوص مهترئة تقرأ كثيراً منها فترى غثاثة اللفظ، ووقاحة المعنى، وضحالة الثقافة، وركاكة الأسلوب، لو كان بعض تلك النصوص جسداً لكان مشوهاً قبيحاً تشمئز منه النفوس، وتنصرف عنه العيون، ويسوء الناظرين.

    كثير من تلك النصوص لا تستحق الورق الذي تكتب عليه، وقد تنال شهرة كبيرة لا إبداعها ولكن لمخالفتها، وقد قيل: خالف تذكر، وقد اشتهر بذلك أشخاص مكانهم الحق مزابل التاريخ، نكراتٌ إلا في المنكر،موغلون في الإبهام إلا في سبيل الشيطان، ومما يزيد الأمر سوءًا أن هؤلاء الممسوخين لهم نفوذ صارخ في أجهزة التوجيه والإعلام في كثير من بلاد المسلمين، ولا شغل لهم إلا نقل النفايات البشرية،أو المماحكة فيما فرغ الشرع المعصوم من تقريره وإثباته... وإذا بنا نرى كل طائفي يحمل - أحقاده التاريخية على الإسلام - يخفي دمامة معتقداته تحت فلسفة الحداثة والعلمنة، ويخرج سمومه القاتلة من أكمام الثوب الأدبي الفضفاض...
    حسبي اللهُ ونعم الوكيل

  2. #32
    الصورة الرمزية زاهية شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2004
    المشاركات : 10,345
    المواضيع : 575
    الردود : 10345
    المعدل اليومي : 1.42

    افتراضي

    (بعـــــــــــــد الخاتمــــــــــــــــــه)


    لقد كان موضوع الحداثه فى ميزان الاسلام من اهم المنعطفات فى حياتى حيث انه ساهم -هو وما صحبته من أحداث-فى اعادة ترتيب قائمة أولوياتى...
    واسمحوا لى أخوتى ان احدثكم عن الدافع وراء كتابة تلك الدراسه ...
    قبل عامين من الان كنت انظر للحداثه نظرة اخرى تماما مثلما ينظر الكثيرون منكم اليها ...كانت الحداثه فى مفهومى -فى تلك الايام -شيئاً محبباً ربما أتطلع للانتساب اليه ..وما كان ذلك الا بسبب عدم ادراكى الكامل لذلك الاتجاه الجديد وعدم المامى بكل دوافعه واتجاهاته....
    ثم حدث وان انضم للادباتيه مجموعة من الكتاب الجدد والحق يقال انهم كانوا يتمتعون بمجموعة من المواهب سواء فى شعر الفصحى او العامية او القصه....وبعد فترة من نشر أعمالهم بدأت احس بأتجاههم الفكرى الذى وجدت فطرتى وعقلى يرفضانه...وزاد رفضى لذلك الفكر بعد اقترابى من الزملاء واحتكاكى بهم عن قرب ...والتماسى لآرائهم فى العديد من الامور الادبيه والدينيه والسياسيه والعامه...
    ودفعنى ذلك للتعمق فى القراءه عن ذلك الفكر المسمى (بالحداثه) وكانت صدمتى الكبيرة....وبدأت حينها فى الاعداد لهذه الدراسه وكتابتها واستغرق منى ذلك الامر عدة شهور وجدت بعدها ان الامور فى الاقسام الادبيه بالمنتدى قد انتظمت -بفضل الله-ووجدت تلقائيا معظم هؤلاء الاخوة قد انسحبوا عندما وجدوا ان المناخ بالمنتدى غير مناسب لنشر فكرهم ...فقررت التريث فى نشر الموضوع....
    ومرت الايام ...وتغيرت الاوضاع...ووجدت الظروف تدعونى من جديد للتفكير فى نشر تلك الدراسه بعد ان استشرى فى الموقع العديد من الكتابات التى تدعو لذلك الفكر الشاذ والمنحرف ...وبكل اسف وجدت الكثير من الكتاب ممن كنت أحمل لهم تقديراً خاصاً لدى يشجع ذلك الاتجاه ويباركه ...بل ويشارك فيه ...وشيئاً فشيئاً سقطت الاقنعه ...وبدأ أتباع المذهب المشبوه فى الظهور تباعاً...ويعلم الله اننى لم اكن اهدف من وراء نشرى لتلك الدراسه الا توضيح الحداثة كمذهب وفكر وعقيده متكامله لمن كان ينظر اليها على انها دعوة للتجديد ولم يكن هدفى اطلاقا الدخول فى نقاش او جدال او صراع مع الحداثيين ...فأنا جربت الحوار معهم كثيرا واعلم ان الواحد منهم يدافع عن الحداثة باستماته يُحسد عليها...فهو بالطبع يدافع عن عقيدته وفكره وانتمائه الذى يدين به .....وكان شغلى الشاغل ان اوضح للشباب الذى لم يطلع على الوجه الحقيقى للحداثه مدى الشر الذى تحمله تلك الفكره حتى لا ينزلق وراء دعوتها البراقه...




    واسمحوا لى يا اخوتى ان اتقدم لكم جميعاً باعتذارى عن التقصير فى التفاعل مع مشاركاتكم فى الفترة الماضيه وذلك نظرا لانشغالى فى الاعداد وتبسيط هذه الدراسه...
    واسمحوا لى ايضاً ان اكون مقتصراً فى الفترة المقبله فى مداخلاتى معكم على الموضوعات التى أحس انها تلمس فى نفسى وعقلى ما يدفعنى على التفاعل معها ....وصدقونى لرب كلمة تكتب كرد فى موضوع (بصدق وامانه) خير وأبقى من آلاف الصفحات التى تمتلىء بالتمجيد والتهليل والنفاق....




    بسم الله الرحمن الرحيم
    لا إله إلا الله الحليم العظيم ،
    لا إله إلا الله رب العرش العظيم ،
    لا إله إلا الله رب السموات السبع ، و رب الأرض رب العرش الكريم

    اللهم لك الحمد ، وإليك المشتكى ، وأنت المستعان وبك المستغاث . وعليك التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بك
    اللهم إنى أسألك لَذّةَ النَظرِ إلى وجهك ، والشّوْق إلى لقائك في غير ضراء مُضِرّة ، ولا فتنة مُضلة
    اللهم لك الحمد أنت رب السموات و الأرض و من فيهن ،
    و لك الحمد أنت قيوم السموات و الأرض و من فيهن ،
    و لك الحمد أنت نور السموات و الأرض و من فيهن ،
    أنت الحق و قولك الحق ، و وعدك حق ، و الجنة حق و النار حق ، و النبيون حق ، و محمد حق ،
    اللهم لك أسلمت ، و بك آمنت ، و عليك توكلت ، و إليك أنبت ، و بك خاصمت ، و إليك حاكمت ،
    فاغفر لي ما قدمت و ما أخرت ، و ما أسررت و ما أعلنت .
    أنت إلهي لا إله إلا أنت...
    "اللهم إني أعوذ بك من غضبة ليست إليك ... اللهم لا تنطقني إلا بالحق .. اللهم إني أعوذ بك من أن أكون متبعا لهوى وأعوذ بك من أن أكون ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا "
    سبحانك اللهم وبحمدك .. أشهد أن لا إله إلا أنت .. أستغفرك وأتوب إليك....
    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..



    (تمت دراسة الحداثة فى ميزان الاسلام بحمد الله تعالى)

  3. #33
    الصورة الرمزية زاهية شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2004
    المشاركات : 10,345
    المواضيع : 575
    الردود : 10345
    المعدل اليومي : 1.42

    افتراضي


    جزاك الله الخير

    أخي الفاضل الحسام

    وجعل ماكتبته في صحيفة أعمالك

    وأيقظ بك قلوب أعمتها الحداثة

    فانهارت بها القِمم

    وهي تحسب أنها أحسنت صنعا

    والشكرموصلٌ لموقع كتكوت الذي نقلت منه الموضوع

    أختك

    بنت البحر

  4. #34
    الصورة الرمزية زاهية شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2004
    المشاركات : 10,345
    المواضيع : 575
    الردود : 10345
    المعدل اليومي : 1.42

    افتراضي

    على هامش البحث
    وقد مر الشعر خلال عمره الطويل ببعض محاولات التجديد والتغيير، وهي محاولات يسيرة لم تمس جوهره وسرّ قوته وتأثيره وجرسه وهو الوزن والقافية. وشهد عصرنا هذا محاولات أكثر للتغيير باسم التطوير والتحديث والتجديد فظهر ما يسمى بشعر التفعيله ثم ما يسمى بالشعر الحر المنفلت من القافية ولكن مع محافظته على جرس ووزن يجعلنا نصنفه على انه شعر ، ثم بالغ القوم في التغيير فانفلتوا من الوزن والقافية في إطار ما يسمى بقصيدة النثر التي عُـرف أصحابها بأهل الحداثة.

    وكنت حتى وقت ليس بالبعيد ـ بسبب عدم الاطلاع ـ أظن أن قصيدة النثر المتسمة بالغموض الملقب بالحداثة المحاط بـهذه الهالة الإعلامية، أظن ذلك كله أنماط من التغيير في الشكل، ولا علاقة له بمضمون الشعر، ولا بمعانيه ولا بـمحتواه الفكري، ولكنى أكتشفت أن الشكل لم يكن في ذاته هو هدف هذا التغيير وإنما جعل الشكل الجديد الملفوف بالغموض ستاراً لقوالب فكرية شحنت في كثير من نماذجها بالمعاني الهزيلة، والأفكار الهابطة والسهام المسمومة الموجهة للقضاء على الفضيلة والخلق والدين...


    ودعنى اتفرغ فى هذه المداخله لشق واحد من كتابات الحداثيين وهو الغموض فى كتاباتهم وابين لك ان اتخاذهم الغموض اسلوبا فى كتاباتهم هو بالشىء الخطير والذى يغفل عنه الكثير من القراء وأعتقد ان كلامى سيكون اكثر وضوحا اذا ضربت لك بعض الامثله:
    تقول الشاعره الحداثيه (هدى الدغل) تحت عنوان (اشتعالات فرح مثـقل) :
    ( لأني نفيت من الحلم بالأمس
    سامرت قيظا
    وجعا منح الوقت وقتاً
    واحترى أن يمر به الوسم
    لأني عاصرت حالة دفني
    تجذرت بالرمل
    مارست توق الخروج عن الخارطة
    ولأن الخريف طوى قامتي )

    ويقول احد الشعراء الحداثيون فى قصيده له بعنوان:
    (مريم وذاكرة البحر والآخرون):

    ( أرتق وجه السماء المغطاة بالعشب
    أدون ما يشدو البحر به
    هو الليل يأتي لنا حاملاً شمسـه
    هو الموت يبدأ من أحرف الجر حتى السواد
    وينسل طيف الأرانب بين المفاصل والأمكنة
    يضيء الغدير المعبأ بالخيل والليل والكائنات الكئيبة
    وللنهر بيض يفقس بعد المساء الأخير
    وللخوف وجه الذي يشتهيه الشجر )

    وتقول الشاعره خديجة العمري في قصيدة حداثية:

    ( أنهض من لوثة الوجع العائلي
    وأدخلنا كلما احتفل الجرح بالدم
    والقاتلين أهزالي بذاكرة اللحظات التي قسمتنا
    تساقط في همتي سادتي الحاضرين
    وما اختلفوا من يعلق نص الوراثة مرحى )

    ولا تظنن ياصديقى العزيز أني أبالغ، فهم والله يقدمون ما سبق على اعتبار أنه شعر وأدب، ويقدمون له الدراسات النقدية والأدبية، ولولا خوف الإطالة لأوردت أمثلة أكثر، ويكفيك أن تتجه إلى أي عمل أدبي حداثي وتـنظر فيه، لترى أنه من نفس النوعية لا فرق بينها إلا التـفاوت في الغموض .

    يقول الناقد الحداثى (عبد الله نور) : " الشعر الذى يُفهم ليس بشعر " !!
    ومادام من شروط الشعر عندهم ألا يـفهم، فما الغاية منه إذاً ؟ هل هو طلاسم سحر، أم أحاجي ألغاز، أم رموز شعوذة ؟؟!


    وتـقول رجاء العالم الكاتبة الحداثية : "لا يهمني إن لم يفهمني أحد" .

    لمن إذاً تـكتب ما دام لا يهـمها أن يفهمها الناس، ولماذا لا تحتـفظ بكتابتها لنفسها بعيداً عن النشر، وما هي يا ترى طريقتهم، وهل نستطيع أن نعرف بعض أهدافهم ؟؟!

    إذا فمن أهداف الغموض وغاياته كسر الإطار العام للغة العربية، وتحويلها مع مرور الزمن والأيام، ومن خلال استبدال مفرداتها وتراكيبها ومعانيها، إلى لغة جديدة لا صلة لـها باللغة العربية الفصحى المعروفة والمأثورة عن العرب - تماما كما حصل للغة اللاتينية - التي تحولت مع مرور الزمن بـهذه الطريقة إلى لغات كثيرة .
    ولك أن تتصور - لو حصل هذا لا قدر الله ـ موقف الأجيال القادمة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكتب التراث بصفة عامة، وأي كارثة يسعى الحداثيون إلى جر الأمة إليها.

    ويقول أحد النقاد من الحداثيين: "بوسعنا أن نقول إن للشعر خاصة وللإبداع عامة نحوه الخاص، ولنجرؤ قليلا فنقول إنه ضد النحو, تتحرك فيه اللغة وفق منطق شعري خاص، لم يعد لمقولات المطابقة في الإفراد والتـثـنية والجمع والتذكير والتأنيث وحركات الإعراب ما يـقـتـضي وجودها من خارج النص، وإنما تـظـل كل تـلك الأسس النحوية احتمالات من شأن الرؤيا أن تحرك النص بعيداً عنها, إن كان لذلك التحريك ما يقتضيه".

    وهكذا يريد أدعياء الإبداع ورواد الحداثة أن يكون أول هجومهم عل اللغة العربية ونحوها وصرفها وبلاغتها، تحت ستار الحرية في الإبداع ، لعلمهم أن هذه اللغة هي وعاء الشرع خاصة والتراث عامة، وهي وسيلة فهم هذا الدين ومعرفته، لأن الهجوم على الدين مباشرة أمر غير مقبول في بداية المعركة، وإن كانت مرحلة منازلته قد بدأت لدينا
    يفسدون الذوق، ويحطمون الأخلاق، ويحاربون اللغة، لغاية أبعد من اللغة، ويدمرون الأدب، وكل ذلك باسم الإبداع والحداثة .

  5. #35
    الصورة الرمزية زاهية شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2004
    المشاركات : 10,345
    المواضيع : 575
    الردود : 10345
    المعدل اليومي : 1.42

    افتراضي

    وأنا اعود للجواب بأن ما يسمى قصيدة النثر لا علاقة له بالقصائد من قريب او من بعيد
    فأهم ما يميز الشعر عن غيره من أصناف الكلام هو الوزن والقافية. وقد دأب القدماء على التجديد فيه فمنهم مثلاً من التزم المقدمة الطللية وجاء بعده من لم يلتزم وهذا التجديد مقبول لأنه لا يعتدي على الفن الشعري بقدر ما يغير في أسلوب تقديمه واستعماله وأغراضه.

    مثال آخر على التجديد هو استخدام أوزان جديدة. وهذا أيضا مقبول لأنه لا يلغي صفة الوزن بقدر ما يحاول أن يبتكر فيها، وهنالك الكثير من المحاولات في هذا المضمار ومنها ما هو موجود في العصر الحديث. أيضا هنالك من حاول التجديد في القافية على شكل استبدال القافية الواحدة بتشكيلة من القوافي لتسمى القصيدة بالموشح، وهو تطور كان لا بد منه في العصر الأندلسي حيث أبدع العرب في الغناء والموسيقى وكانت هنالك حاجة ماسة له.
    يقال أن الحاجة أم الاختراع، وعندما أصبح الشاعر العربي يقيس قصيدته بالدفقات الوجدانية والصور الشعرية، ظهر الشعر الحر فكتبه كبار الشعراء وهو يرتكز على الأوزان الأصلية لكنه لا يلتزم عدد التفعيلات في السطر الشعري الواحد، وأراه هو الآخر مقبولا ومنطقيا لأنه يأتي في عصر أصبحت اللغة فيه عامية، والالتزام بالبيت الشعري ذي المصراعين يقترب من الصعوبة لحاجته إلى لغة جزلة مكثفة.

    على مدى كل هذه العصور والتطورات، تم دائما الحفاظ على ما يميز الشعر عن غيره من وزن وقافية، وكانت التطورات دائما إيجابية، بالرغم من كل الخلافات حولها. واليوم جاء زمن الحداثة، وصار التراث العربي والإسلامي في مهب الريح، فقط في المئة سنة السابقة ترك العرب لغتهم (مثلما تركوا دينهم) وصاروا يقولون لك إن قصيدة النثر كتب عليها شعراء غربيون ولابد ان نقتفى اثرهم وننقل عنهم مثلما ننقل عنهم اسباب الحضارة الاخرى.
    ..
    أريد أن أوضح نقطه هامه وهى اننى لا أعتبر أن الشعر وزنٌ وقافية فقط.. بل هو شعور وتدفق للعواطف والخيال (أوالصور الشعرية عند الشاعر المعاصر). لكن الالتزام بالوزن يؤدي إلي إراحة الأذن والتذوق عند القراءة لأن الشعر يُقرأ بطريقة مميزة لا أعرف كيف أصفها هنا خاصة وأنني أكتب الآن نثراً!! هل من الممكن أن نضع في كتاب القراءة للأطفال قصيدة نثر بغرض إنشادها؟ الجواب لا، وإذا أجبنا على السؤال "لماذا؟" عرفنا الفرق بين الشعر والنثر.

    وحتى لا يكون الكلام هنا قاسياً. دعونا نعتبر أن قسماً جيدا من "شعراء" النثر يكتبون بلغة سليمة وأفكار راقية وخيال مجنح، فماذا نسمي نتاجهم؟ أنا أقترح أن نسميه خاطرةً أو نسيقةً (حسب اقتراح بعض النقاد )، لأن الخاطرة هي قطعة نثرية قصيرة فيها الخيال والعواطف والأسلوب العذب...
    فإذا كان النثر سليماً وفيه من الانسياب والعاطفة والخيال، سميناه خاطرةً. المهم ألا ننسبه إلى الشعر حتى لا نؤدي إلى تشويه الشعر . والكاتب في هذه الحالة ليس بشاعرٍ لأنه لا تتوفر فيه القدرة على قول الشعر الذي يحمل خصوصية ويتطلب قدراتٍ غريبة على غير أهله.
    ..
    هنالك أيضا من يقول إن "قصيدة" النثر تمتلك الموسيقى الداخلية، فهل يوجد في التاريخ نص فيه موسيقى داخلية أكثر من القرآن الكريم؟ ما رأيك؟ ماذا نسميه؟! أعني ان هذه الموسيقى موجودة في الكثير من النصوص والإبداعات النثرية الراقية، ولكن لا أحد اقترح أن نسميها شعراً. وبقيت سامية وراقية دون عبث.

    القضية خطيرة جداً .. لأنها تؤدي بالأدب العربي إلى الأنحدار وتتويج الرديء على الرفيع ملكاً رغماً عنه.
    وبعد فإنني أخاف على اللغة العربية من النسمة ومن ذرات الغبار، من أبنائها وأعدائها، من الذين يحاولون تكحيلها فيعمونها ومن الذي يبيتون النية لغرز سهامهم في عيونها. لذلك يعتقد البعض أنني "متطرف" في رأيي. ولكنني أطمئنك وأطمئن الجميع أنني أحاول فقط وضع النقاط فوق الحروف، أحاول أن أحث على عدم الأخذ بالادعاء وتمييز الغث من السمين حتى في الشعر نفسه أو في النثر سواءٌ سمي قصيدة نثر أو خاطرة أو غير ذلك...
    ...

  6. #36
    قاص
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 598
    المواضيع : 65
    الردود : 598
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    الكاتبة الرائعة / زاهية
    نشكرك على نشر هذه الدراسة الطيبة للباحث الجميل د 0 حسام ، وبذل جهدا كبيرا وقضى وقتا بين الكتب والمراجع ليقدم لنا هذه الدراسة ، واسمحي لي أن أعرض لك وجهة نظري في هذه المسألة كقارئ وسيكون مدخلي من الشعر ولماذا فقد الشعر في زماننا هذا جمهوره - ورؤيتي التي سأثبتها هنا رؤية قارئ
    لماذا فقد الشعر جمهوره ( 1 )؟

    --------------------------------------------------------------------------------

    لماذا فقد الشعر جمهوره ؟
    ( 1 )
    ما يشغلني كقارئ للشعر ( فن العربية الأول ) ومُحبا له ، وأظنه يشغل ويؤرق بال الكثيرين من مُحبي الشعر
    مثلي ، هو .. لماذا فقد الشعر جمهوره ؟ ولماذا انصرفت الناس عنه وأصبح يدور توزيعه مابين رقمي الآحاد
    والعشرات في أحسن الأحوال ؟ ولماذا لم يعد يجد الشاعر في زمننا من الجماهير آذانا صاغية وقلوبا مُحبة ؟
    .. هل لأن الكلمة الشاعرة لم تعد تحتفظ بوهج اتصالها وتواصلها بروح الأمة وضمير الشعب ؟ .. ولم تعد كلمة الشاعر تحفز الهمم وتنهض بالعزائم وتحرض وتغير ؟
    سأحاول في عدة مقالات - وفي حدود الحيز المعقول – أن أقترب من الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة التي قد تتوارد على ذهن القارئ / المتلقي دون الالتزام الدقيق بأصول وقواعد البحث العلمي وصرامته ، وستأتي ورقتي مزيجا من الرؤى والخواطر تتخللها بعض القضايا والمناوشات .

    • بادئ ذي بدء ، كان الشاعر في قبيلته أيام الجاهلية مثل الفارس إن لم يفقه ، وكانت القبيلة التي يولد فيها شاعرا ، تولم ، وتقيم الأفراح والليالي الملاح ، ولا ينطفئ لها موقد ، وتتلقى التهاني ، فالشاعر الذي نبغ فيها سيذود عنها ، عن كرامتها وشرفها ونسبها ، وسيدحض القبيلة الأخرى المنافسة ، وسيكون للقبيلة بين القبائل الأخرى شأوا كبيرا ومكانة ومهابة ، فالشاعر كان حاملا للواء القبيلة ومعبرا
    عنها ، وكان الشعر سجل العرب ، يسجل فيه الشعراء الحياة العربية وما فيها من قيم وأخلاق وعادات
    وتقاليد ، ونطالع فيه أخبار الحروب وأنباء المعارك ، وحفظ الأنساب ، إنه سجل تاريخي ، ومن ثم كان
    للشعر رسالة أخلاقية ، ووظيفة اجتماعية ، فالشعر ارتبط في نشأته بتحقيق غاية ما ، وقد حرص أرسطو على أن يجعل تلك الغاية في شعر الدراما تطهيرا ، ومن بعده جعلها " هوراس " متعة وفائدة .
    فإن عدنا للعرب الأول . نجد الغاية أداء رسالة وتحقيق نبوءة ، كما نراها توجيها أخلاقيا ثم استجلابا لمنفعة ، والمقصود بالمنفعة هنا أن يؤثر في سلوك الناس ، ولا عجب إذن أن كان الشعراء – فيما مضى – في قبائلهم مثل الرسل والأنبياء ، وكانت تُعلق أشعارهم على أستار الكعبة ، أقدس وأطهر بقعة على ظهر البسيطة ، وكان الشعر يُنشد في الساحات ، ويُلقى في الأسواق ، وتحمل الجماهير الشاعر المتميز على الأعناق وتوسده في القلوب .
    وعندما أدرك الحكام منذ عصر ما بعد القبيلة أهمية الشعر والشعراء ، تمت محاولات لإستقطابهم ، وللأسف أصبح عدد كبير من الشعراء من بطانة الحاكم ، وتحولوا من رسل وأنبياء إلى مداحين ، يتماهون في أشعارهم مع الحكام / ممدوحيهم ، ويتنافسون فيما بينهم لنيل العطايا والهبات ، ومنذ أن بدأوا يتكسبون بشعرهم ، ويدخلون تحت عباءة الحكام ، ويسعون للوجاهة والتمايز ، المادي والطبقي وللسلطة ، انحرفوا برسالة الشعر ووظيفته ، وبعدت المسافة بينهم وبين الناس ، وأصبح جُل همهم أن يعبروا عن الحاكم ويصوغون أحلامه وأشواقه لا أحلام وأشواق الناس ، ولم يكن بالطبع كل الشعراء على هذا النحو ، فثمة شعراء لم ينضووا تحت مظلة السلطة ، وسُجن منهم من سُجن ، وعُذب من عُذب ، وصُلب من صُلب ، ونُفي من نُفي ، ونحن هنا معنيون فقط بالشعراء الذين وقعوا في غرام الحكام سعيا للوجاهة والتمايز في حياتهم ، من المتنبي مع سيف الدولة ، وأبي تمام مع المعتصم ، وأبي نواس مع الأمين و... و..... ، إلى شعراء عصرنا الحديث الذين أكلوا خبز العراق ، وانتفخت جيوبهم بدينارات الكويت ، ووقفوا يغنون بين آيادى ال .. و ... ، فهل انصراف الشاعر عن الناس وقضاياهم ، وتحوله إلى بوق للحاكم وحاملا لرؤيته وأيدولوجيته ، أدى إلى انصراف الناس عنه وعن الشعر ؟ ربما يكون هذا سببا من الأسباب ، ولكنه ليس على أية حال السبب الوحيد ، وحتى نلتقي مع أسباب أخرى في مقالات تالية لكم كل الود والإعزاز

  7. #37
    قاص
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 598
    المواضيع : 65
    الردود : 598
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    --
    ------------------------------------------------------------------------------

    لماذا فقد الشعر جمهوره ( 2 ) بقلم مجدي جعفر
    أذكر عندما التحقنا بالمدرسة الثانوية كنا نعاني نحن طلاب القسم العلمي من حفظ قصائد ( شكري والمازني والعقاد ) أصحاب مدرسة الديوان ، التي رفع أصحابها لواء التجديد ، وقد شقوا عصا الطاعة ، وأعلنوا التمرد ، ورفعوا راية العصيان على شوقي وحافظ ومن سار على دربهم ، وشنوا عليهما حربا شعواء ، فقد انفتح هؤلاء المجددون على الغرب ، وعلى الشعر الإنجليزي خصوصا ، يسيرون على هديه ، وقد أطلق البعض عليها مدرسة التقليد لا التجديد ، وكانوا يعنون تقليد الغرب ، وزادت المعاناة ، بعد أن قررت وزارة التربة والتعليم قصائد لأصحاب مدرسة الشعر الحر ( صلاح عبدالصبور ، بدر شاكر السياب ) ، ولم نجد هذه المعاناة في الفهم والحفظ عندما تعاملنا مع الشعر الجاهلي في السنوات السابقة ، رغم صعوبة مفرداته ، والمدهش أن الشعراء الذين رماهم النقاد بالتقليديين أمثال حافظ وشوقي لأنهم حافظوا على عمود الشعر والوزن والقافية – كنا لا نجد صعوبة في حفظ أشعارهم ، وزاد الطين بلة – عندما تعرفنا خارج قاعات الدرس على أشعار أدونيس ومحمد عفيفي مطر ، فصدمنا صدمة كبرى ، وأعلنا بيننا وبين أنفسنا وفاة الشعر ، لولا أن اهتدينا إلى أشعار صلاح جاهين ثم فؤاد حداد ، وإن كان الثاني أسبق من الأول عند النقاد ، وهذا لايعنينا كقراء في كثير أو قليل ، المهم أننا وجدنا في شعر العامية بديلا مريحا وجميلا ، أرضى غرورنا وأشبع ذائقتنا ، فشاعر العامية لم يفقد صلته بالمتلقي كما فعل شاعر الفصحى الجديد ، بل كان يحرص على مد جسور التواصل والمحبة مع القارئ ، والظاهرة لاتقاس عموما بشاعر أو شاعرين ، ولكنها تقاس بمجموعة من الشعراء ، وبالنتاج الشعري الذي تركوه ، ومدى تأثيرهم أو أثرهم في الناس ، وهذا مافعله شعراء العامية كظاهرة وكفريق ، لايهم من الأكبر سنا ومن الأحدث ، ومن الأسبق في النشر ، ولك أن تتصور فريقا يضم فؤاد حداد ، صلاح جاهين ، عبدالرحمن الأبنودي ، فؤاد قاعود ، سيد حجاب ، محسن الخياط ، مجدي نجيب ، سمير عبدالباقي ، والقائمة قد تطول ، عزفوا جميعا ، لحنا ثريا ، ومتنوعا ، عانقوا فيه هموم الوطن وأحلام البسطاء ، ولم نأبه وقتها بما كانوا يقولونه – أن العامية ضد القومية وضد الدين و.. و.. ولا بما يُكتب عن نظرية المؤامرة التي تُحاك ضدنا لضرب الهوية في الصميم والتي هي بالضرورة في الدين - والمدخل لضربها عن طريق الشعر ، فن العربية الأول ، وكانوا يقصدون الشعر العمودي ، لأن الشعراء الحداثيين مثلهم مثل شعراء العامية عملاء الغرب وأذنابه ، وأبواقا له ومرتشون ، والمخابرات المركزية لاتني بمناسبة وغير مناسبة في تحويل الدولارات على دفاترهم بالبنوك حتى أتخمت !! ، وأصبح بيننا وبين الشعراء الحداثيين حائط سد ، وكنا نتساءل هل الخطأ فينا أم فيهم وفي قصائدهم التي تستعصى على الفهم وعلى الحفظ؟! وإذا كنا أغبياء ، لماذا نفهم ونحفظ أشعار حافظ وشوقي والشابي ومحمود حسن اسماعيل وغيرهم ولا نستطيع أن نفهم أو نحفظ بيتين لأدونيس أو لمحمد عفيفي مطر ؟
    وبدأت تطفو على السطح ظاهرة الوضوح والغموض ،الوضوح في الشعر التقليدي يقابله الغموض في الشعر الحديث ، فهل الغموض كان سببا في تراجع الشعر وانصراف الجمهور عنه ؟
    هذا ماسنتوقف عنده تفصيلا في مقال لاحق ، وحتى يحين اللقاء لكم خالص مودتي وتقديري

  8. #38
    قاص
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 598
    المواضيع : 65
    الردود : 598
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي


    لماذا فقد الشعر جمهوره ( 3 ) ؟
    في المقال السابق ، سردنا ما كان يعتمل في الذاكرة ، في وقت كنا واقعين فيه ، في أسر المنهج المدرسي المحدود ، وفي القولبة وأفكار المدرسين الثابتة والمتوارثة ، ونظرتهم الضيقة للأدب والفن ، والشعر خصوصا ، توارثوها ، في مجتمع محافظ ، عبر ما يقرب من أربعة عشر قرنا ، وبزوغ نجم الجماعات السلفية ، التي دعمت تلك النظرة ،وأوقفت الزمن ، وقدمت تفسيرات للأدب والفن ، ما أنزل الله بها من سلطان ، كل هذا أوقعنا في (حيص بيص ) كما يقول المثل ، بالإضافة إلى حالة الفوضى والبلبلة السياسية والاقتصادية بعد سياسة الصلح مع العدوالصهيوني ، والقطيعة العربية ، واتخاذ سياسة السلام أو الاستسلام ، وأصبح 99بالمائة من أوراق اللعبة في يد أمريكا ، والتحول بعد قرار الانفتاح إلى الاقتصاد الحر ،والأديب أو الشاعر لا يعمل بمعزل عن الواقع ، فيتأثر به ويؤثر فيه ،وهذا التغير والتحول الاقتصادي والسياسي أتبعه بالضرورة تغير في المفاهيم ، ومنظومة القيم التي كانت سائدة في الخمسينات والستينات ، اختلت ، وتقلصت الطبقة المتوسطة ،وبدأ عصر الانفتاح السعيد ! ، ظهور طبقة جديدة امتلكت المال ، ولكنها لا تملك العلم والثقافة ، وكان على هذه الطبقة أن تفرض بالمال والنفوذ ثقافتها ، ولا عجب أن تختفي أغاني أم كلثوم ، أم كلثوم التي شدت لحافظ ( أنا تاج العلاء في مفرق الشرق / ودراته فرائد عقدي ) ، ( وقف الخلق جميعا / ينظرون كيف أبني قواعد المجد وحدي ) أم كلثوم التي شدت أيضا لشوقي ( ريم على القاع بين البان والعلم / أحل سفك دمي في الأشهر الحرم ) ، تختفي من على المسرح ، لتظهر مطربة أخرى في زمن الانفتاح مع شاعر آخر – ليس بالتأكيد حافظ أو شوقي ، وملحن آخر ، وما جرى للأغنية ، جرى للمسرح ، والسينما ، والموسيقى ، والأدب شعره ونثره ، حتى العمارة تشوهت وأصبحت نموذجا سيئا وقذرا ، وإذا كانت الفنون تتكامل وتتداخل فمن المؤكد أن الشاعر يتأثر بكل هذه الفنون ، وأصبح كل من هب ودب يكتب الشعر ، وهذا موضوع يطول الحديث فيه .
    وتنوعت القراءات ، واستوت الأفكار ، ونضجت القناعات ، فنظرتنا في المرحلة الجامعية إلى صلاح عبد الصبور ، وبدر شاكر السياب ، وعبد الوهاب البياتي ، ونازك الملائكة ، وأحمد عبد المعطي حجازي ، وأمل دنقل ، وغيرهم من شعراء التفعيلة ، اختلفت عما كانت عليه في المرحلة الثانوية ، وبدوا لنا كفاتحين لدروب جديدة في الأدب العربي ، وحدثت انفراجة أخرى في النظرة إلى محمد عفيفي مطر وأدونيس كعازفين جديدين خارج السرب ، فجاءت قصائدهم تفجيرا لقاعدة الثبات ، وتحطيما للسائد ، وقلبا لنظام الأشياء ، وخرقا للمسار الثقافي – الاجتماعي .
    واكتشفنا أن المنبرية كانت هي أداة التواصل بين الشاعر والمتلقي ( حيث يرفع الشاعر صوته ليبلغ به أكبر عدد من الناس ، مؤملا أن يؤثر فيهم بإيقاع وتناغم كلماته ، ولكن بمباشرة وسطحية لا تطالبان السامع بتفكير كثير وتخاطبان ذاكرته الآنية التي تستجيب في الحال للكليشهات العاطفية معا ، كما تستجيب للمتوارث من القرائن السهلة مع الكلمات الموزونة والمقفاه ) "1" ، أما شعراء الحداثة – التى استعصت قصائدهم علينا في البداية ، قد جاءت منذ بدايتها ( رافضة المنبرية ، والصوت العالي ، والمباشرة ، والتنغيم اللفظي ، والقرائن التقليدية ، ولذلك جازفت بقدرتها على التواصل ) "2" ، ومحاولة الحداثيين الخروج عن الكليشهات المجازية والعاطفية والابتعاد عن المتوارث من القرائن التي ألفتها الأذن قرابة أربعة عشر قرنا ، فهي كما يقول جبرا إبراهيم جبرا ( وجدت أنها مهددة بانغلاق الشاعر عن المتلقي ،أو بتقطيع معظم خيوط التواصل بين الشاعر والمتلقي ، إلا إذا غير المتلقي موقفه في هذا التواصل ، وأمضى وسيلته الذهنية والعاطفية ، وهيأ نفسه للتأمل من جديد في طاقات اللغة وقرائنها الجديدة الممكنة طلبا لتجربة ذاتية أوسع وأعمق من ناحية ، وكشفا من ناحية أخرى عن صلات جماعية هي حتما غير الصلات القديمة ،بين الذات والعصر الذي يعيش فيه ) "3" ، وإذا كان إدراك الشكل في القصيدة التقليدية كان لا يتطلب جهدا من المتلقي / القارئ ، فإن إدراك القصيدة الجديدة ( يتطلب وعيا شعريا كبيرا يتناول معرفة الأجزاء في مادة القصيدة ، وعلاقات هذه الأجزاء بعضها بالبعض الآخر ،وائتلافها فيما بينها ووحدتها . ومن لا قدرة له على هذا الإدراك لا يقدر أن يفهم القصيدة الجديدة ولا الأشكال الشعرية الجديدة ) "4" ، إذن الحداثيون يريدون قارئا نشطا ذهنيا ووجدانيا ومعرفيا ، يُعمل فكره ، ويجهد عقله ، لا كسولا يطلب الفكرة المجانية ، فعليه – أي القارئ – أن يشارك في إنتاج المعنى أو في إنتاج الدلالة ويساهم في صناعة النص ، فالحداثة تريد قارئا فاعلا أثناء القراءة ، ويطالب نقادها ومبدعوها أن يكون هذا القارئ مؤهلا علميا ومعرفيا وفنيا لتلقي النص ، ومناوشته ، والاشتباك معه ، ومنذ أن أعلن رولان بارت ، موت المؤلف ، وناقش مفهومات مؤلف وقارئ ، وبشر بعصر القارئ ، ولكي يتحقق عصر القارئ الذي بشر به ، فإنه يفتح لهذا العصر مجال النص بأن يعرض له نوعين من النصوص هما النص القرائي والنص الكتابي . ( والنص الكتابي هو النص الحديث الذي يدعو إليه بارت ، وهو نص يمثل الحضور الأبدي والقارئ أمام هذا النص ليس مستهلكا وإنما هو منتج له ، والقراءة فيه هي إعادة كتابة له . ) "5" وللحديث بقية في مقال تال

  9. #39
    قاص
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 598
    المواضيع : 65
    الردود : 598
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    لماذا فقد الشعر جمهوره (4 ) ؟
    إن ظاهرة الغموض ليست بالظاهرة المستجدة على أدبنا العربي ، فقد جأر النقاد بالشكوى في العصر العباسي من غموض الشعر الذي يقوله الشعراء ، ويجمع النقاد على أن الحداثة الأولى بدأت في العصر العباسي ، وأصبح رد أبي تمام على أحد النقاد الذي يتهمه بأنه يقول ما لا يُفهم ، بأن قال له : ولم لا تفهم ما أقول ، أقول أصبح هذا الرد مثلا جاريا على ألسنة شعراء الحداثة الجدد ، وغموض الشعر في زمن الحداثة الأولى " العصر العباسي " قد شكا منه النقاد والقراء على السواء ، وترجع أسباب الغموض في عمومها – إلى اتساع الممالك التي فتحها العرب ، والانفتاح على الثقافات الأخرى ، والترجمة عن علوم وثقافات وفلسفات الهنود والفرس واليونان ، وبدا هذا الغموض في أشعار أبي تمام بدرجة كبيرة أزعجت النقاد والقراء ، وانقسم الناس حوله بين مؤيد ومعارض ، وهو يمثل منفرجا في تاريخ الشعر العربي ، إذ يعتبره البعض رأسا في الشعر ، والسبب : هو في خروجه على الناس بمذهب شعري متميز ، أحدث في عصره ضجة ، ( وقسم الناس إلى فريقين ، بين متعصب له ، مقتد به ، ومتعصب عليه ، طاعن فيه ، ..... ، وكان أن قامت معركة أدبية ، حمل أبو تمام لواءها في حياته وتواصلت طويلا بعد مماته ) " 6 " ، وفي تفسير ظاهرة غموض شعر أبي تمام _ كنموذج _ يقول دكتور عبد الرحمن القعود : ( أما أبو تمام – فيكاد يكون الشاعر الوحيد الذي تسبب غموض شعره في إيجاد مكان لقضية الغموض الشعري في خريطة النقد العربي القديم . وإذا كان من المؤكد أن هناك أسبابا تضافرت جميعها ، فأصابت شعره بغموض – شكا منه غير واحد من النقاد في عصره وبعد عصره – فإن من المؤكد ، كذلك أن تلون ثقافته هو واحد من هذه الأسباب ، فهو مثقف ثقافة فكرية بسبب إطلاعه على المعارف العقلية المتنوعة في عصره ، وهذه المعارف المتنوعة هي ما ازدوج بها بعض الألوان البديعية عنده ، فجللت بالغموض في كثير من جوانبها وأجزائها ) " 7 ) ، وإذا كان هذا الانفتاح المعرفي في العصر العباسي هو الذي تسبب في الغموض الشعري ، فما بالنا بعصرنا الذي انفجرت فيه المعرفة بشكل مذهل ، وتداخلت العلوم وتداخلت الفنون ، وتداخلت الثقافات ، وأصبح الشاعر يمتح من علوم وثقافات متعددة ومتنوعة ، وكل منها يؤثر في الآخر ، ولا يبدع الشاعر وينتج وهو بمعزل عنها ، وظهرت في الأدب عموما ، والشعر خصوصا ، نظرا لتطور العلوم والمعارف والثقافات ، مناهج ومذاهب ونظريات جديدة ، خلخلت الثابت ، وحركت الراكد ، من أسلوبية إلى بنيوية ، وسيميائية ( سميولوجية ) ، وتفكيكية ، ونصية ، وتـأويلية ... إلخ .
    ولهذا تغير مفهوم الشعر ووظيفته ، وبطلت المقولات النقدية القديمة أو معظمها ، ورجوعا إلى الحداثة بشكل عام ، نجدها : ( انفجار معرفي ، حركة لانهائية من السؤال والبحث والتجديد ، ورغبة محمومة في التعلق بالحلمي والأسطوري ، والإقامة في أعماق بنية الذات والعالم ) " 8 " ، وبذلك أصبح الشعر الجديد : ( مجالا كثيفا من الرؤى الضبابية والتجارب المتداخلة .... ، والمعارف المتنوعة ) " 9 " ، ولعل هذه الأسباب وغيرها من الأسباب التي لايتسع الوقت ولا المجال لذكرها ، اتسعت الهوة بين الشاعر والقارئ ، وانقطعت خيوط التواصل بينهما ، ولذلك كان لابد من قارئ جديد ، يختلف عن القارئ التقليدي ، ولكي يلج هذا القارئ الجديد إلى شعر الحداثة ، يجب أن يعلم أن ثمة مصادر عديدة ومتباينة تحكمت بمسار تطور الشعر العربي الحديث ، منها الميثولوجيا القديمة في الشرق الأوسط ومنها أيضا الشخصيات في القصص التوراتي والانجيلى والقرآني ، وأيضا الشعر الإنجليزي ، وقد لخصها خلدون الشمعة في ثلاثة مصادر رئيسية : (الأول : هو النقلة التي حدثت من الدين إلى القومية في الحياة السياسية ، وتحديدا إلى تراث ما قبل الإسلام الذي أعتبر جزءا من تراث المنطقة . وقد سبق لبعض المنظرين أن لفتوا الأنظار إلى هذا المصدر الذي كان في حكم المهمل . وهكذا أصبح العديد من الآلهة والآلهات كبعل ، إله الخصب والقوة ، وعشتار نظير أفروديت ، وتموز نظير أدونيس في المثيولوجيا اليونانية ، وثيقة الصلة بالجانب الروحي والثقافي في النهضة العربية ، وأصبحت هذه الأجهزة الأسطورية ، أو المثيولوجيات الشرق أوسطية ، بالنسبة إلى الشعراء المحدثين ، رموز أساسية للحياة والموت في لغة وصور الشاعر الحديث .
    وأما القصص الذي ينطوي على صلة مباشرة بالتراث المسيحي والعبراني ، فقد شكل المصدر الثاني ، وتفرع عن ذلك صورة المهدي ، مسيح التراث الإسلامي ، الذي سيعود ليملأ الأرض نورا وعدلا .
    أما المصدر الثالث : وهو يتصل بالإستراتيجيات النصية ، أي بالأيدولوجيات وبالتقنية معا ، فتمثل في الشعر الإنجليزي ، خصوصا شعر ونقد تي . إس . إليوت ، وإديث سينويل . ) " 10 " .
    وأكتفي بهذا القدر ، وأرجو أن أكون قد ساهمت برأي متواضع ، من قارئ أحب الشعر العربي ، والشعراء العرب ، قدامى ومحدثين .

  10. #40
    قاص
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 598
    المواضيع : 65
    الردود : 598
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    الهوامش
    : "1" جبرا ابراهيم جبرا: الحداثة في الشعر والجمهور . جدلية القطيعة والتواصل ، مجلة فصول ، المجلد الخامس عشر ، العدد الثاني ، الجزء الأول 1996 ،ص 12 .
    " 2 " المرجع السابق
    " 3 " المرجع السابق
    " 4 " كمال أبو ديب : اللحظة الراهنة للشعر ، مجلة فصول ، المجلد الخامس عشر ، العدد الثالث ، الجزء الثاني ، ص 12
    " 5 " د . عبدالله محمد الغذامي : الخطيئة والتفكير ، كتاب النادي الأدبي الثقافي بالسعودية ، العدد ( 27 ) 1985 ، ص 73 .
    " 6 " الهادي الجطلاوي : خصائص الشروح العربية على ديوان أبي تمام ، مجلة فصول ، المجلد السادس ، العدد الأول 1985 ، ص 135 .
    " 7 " د. عبد الرحمن محمد القعود : الإبهام في شعر الحداثة ، سلسلة عالم المعرفة ، العدد 79 ، 2002 ، ص ص : 32-33
    " 8 " ابراهيم رماني : باحث وناقد جزائري : الشعر العربي الحديث ، مسألة القراءة .. مجلة فصول - المجلد الخامس عشر – الجزء الأول ، العدد الثاني ، 1996 ، ص 135
    " 9 " المرجع السابق نفسه
    " 10 " خلدون الشمعة : ناقد سوري ، المثقفة الأليوتية ، مجلة فصول ، المجلد الخامس عشر ، الجزء الثاني ، العدد الثالث 1996 ،ص 64

صفحة 4 من 6 الأولىالأولى 123456 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. تعريف الهندسة البدنية -الوراثية - فى ميزان الإسلام
    بواسطة رضا البطاوى في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 18-12-2015, 07:47 AM
  2. أزمة الحداثة الغربية وإبداع الحداثة الإسلامية
    بواسطة سامح عسكر في المنتدى الحِوَارُ المَعْرِفِي
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 03-03-2012, 09:41 PM
  3. الامتناع عن الجهر بالحق في ميزان الإسلام
    بواسطة نبيل شبيب في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 03-06-2008, 08:29 AM
  4. صباح الخير (62)رشد ميزان حياتك....
    بواسطة ريمة الخاني في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 21-12-2006, 09:30 AM
  5. ميزان القوى
    بواسطة محمد سوالمة في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-02-2004, 11:01 PM