في كل ليلة يحلُّ فيها القمرُ منزلا من منازلِه يثيرُ في أهلِ الأرضِ شغفا شفيفا ، ينقلنا إلى دُنىً قصيَّةً نرسمُها علَى أعتابِ العمرِ القريبةِ ، فَمِنَّا مَنْ يقفُ بهِ الأملُ حيثُ صدمةِ الحبِّ وَالذِّكرَى ، وَمنَّا مَنْ يعيدُ ترانيمَ ميلادٍ أوشكتْ أن تنفثهَ يقظةُ الرُّوحِ الأخيرة ِفي شفاهِ الحظِّ العاثرِ !!
ومع كلِّ هذا يظلُّ للقمرِ حضورا جبارا في وعي الإنسانية !! إذْ تجعلُه صنما للجمالِ ، كما تراه علامةً على الفراقِ ، وبين وحشةِ المضطهدِ ، وَأنسَ العابدِ ... يشمخُ القمرُ في ساحةِ الوجودِ بإباءِ الحاكمِ ، وبراءةِ الشاهدِ .
في بطونِ الأقمارِ تُطوَى الكثيرُ من المعاني التي كانت دهورا أرقا حرَّك في الأقلامِ سكونُها ، وَهزَّ في مواتِ الفكرِ همودُها ، ليكونَ هو وحدَه المعشوقُ على الحقيقة ِ، وَهو وحدَه كذلك المغدورُ في ساحةِ الرذيلة ِ!!
وما كلُّ تعلاَّتِ البَوْحِ فينا سوى ترجمانِ وحي القمرِ في صورةِ العقلِ الناطقِ داخلنا!!
هنا نكشفُ للقمرِ وجوها كما نؤرِّخُ لِلكَلِمِ منازلا ، وَإلى أنْ يعودَ القمرُ عرجونا قديما ..وَ إلى أنْ يُضْوى الكلم نزفا جليلا .
فإنما يجلُّ الكلامُ حيث ُيصدقُ الودادُ ، أوْ يعظمُ الفراقُ ... وبين الودادِ والفراق ِ حرارة اللُّقيا وبرودةِ الوداعِ ! أيُّها القمرُ!! .
فكونوا بخيرٍ في ( رَسَائِلَ مِنْ مَنَازِلِ القَمَرِ ) ....
منقول من :أ / غادة