أحدث المشاركات

بكاء على الاطلال» بقلم أحمد بن محمد عطية » آخر مشاركة: أحمد بن محمد عطية »»»»» مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»» قراءة في مقال يأجوج و مأجوج ... و حرب العوالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الطفل المشاكس بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»»

النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: رابعة البنات ـ قصة لحسني سيد لبيب

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي رابعة البنات ـ قصة لحسني سيد لبيب

    رابعة البنات

    بقلم: حسني سيد لبيب
    .................................

    هذا العام، عرفت قدماه الطريق إلى الشاطئ. مضت سبع سنوات لم يذهب فيها إلى شواطئ إسكندرية أو غيرها، بعد أن ماتت زوجته، وتركت له أربع بنات وضابطا، على حد قولها في الحَمْل الخامس:
    ـ نِفْسي الجنين يكون بنتا..
    ـ ألا تكفي ثلاث بنات ؟
    ـ البنت الرابعة خير وبركة، أو على اسم فيلم أنور وجدي "أربع بنات وضابط".
    ماتت بتأثير حمى النفاس، بعد أن ولدت نسمة، رابعة البنات، وتحقق الإرهاص الذي كان يجول في خاطرها..
    فكر في أن يتزوج، ووجد من يشجعه، في زوجة تهتم بأولاده الخمسة. صادف أرملة، لديها ولد وبنت، ولما أوشك أن يتفق، تراجع في اللحظة الأخيرة، بعد أن وجد الزواج منها لا يحل مشكلته، وإنما ستتفاقم الأمور.. لم يفكر بعدها في الزواج.
    تعهدت أخته نسمة بالرعاية والعناية، حتى بلوغها ثلاثة أعوام، انشغلت بعدها بأمور بيتها وزوجها وأولادها.
    في هذا الصيف، شجعه صديقه أن يتجه إلى الإسكندرية، يقضي فيها أسبوعا للترويح عن النفس، لا سيما أن سماح، البنت البكر، كبرت.. صار عمرها خمسة عشر عاما.. بدأ يعتمد عليها في شغل البيت، والاهتمام بأخواتها الثلاث رحاب وسمر ونسمة.. لاقت الفكرة قبولا، وحجز المصيف مع زملائه بالشركة.
    قبل أن تغوص قدماه في الرمل، توقف قليلا.. ألقى الشمسية على الأرض، تبعه سماح ويوسف بإلقاء كراسي الشاطئ.. فعل الصغار الشيء نفسه. ألقت رحاب حقيبة السندوتشات على كرسي، وجلست على آخر. أما الصغيرتان سمر ونسمة، فألقيتا عوامتيهما أرضا.
    التف الخمسة في نصف دائرة حول أبيهم..
    قصد الأب أن يربي في نفوسهم حب الرحلات، وما فيها من عمل جماعي. أقحمهم في تفاصيل كثيرة عن تثبيت الشمسية، ورص الكراسي.. عن اختيار موقع متقدم، بحيث يروا البحر.. وأن يحتموا بعيدا عن غدر الأمواج.. قال ضمن ما قال:
    ـ عند نزولنا البحر، يجب أن يبقى أحدنا تحت الشمسية.. يأخذ باله من الحاجات.. على أن يتغير حارس الشمسية.. يمكن أن يكون أكبرنا سنا أو أصغرنا.. لا فرق.. يمكن أن أجلس أنا في مرة وتجلس نسمة في مرة ثانية..
    همست سماح في أذنه :
    ـ نسمة لا تصلح.. بنت السنوات الست..
    أومأ موافقا، وإن لم يغير حرفا مما قال.
    جلسوا كما أشار عليهم، ملتزمين بكل شيء. ولما همّ بالنزول إلى البحر، تسابق الكل في الانقياد له.. حتى نسمة جرت في أثره.. ولما لم يتبق أحد، تراجعت سماح، وجلست تحت الشمسية. ما إن خطت نسمة خطوة نحو المياه، فاجأتها الأمواج، لطمت جسمها الصغير. ارتعدت من برودة المياه. خافت. تراجعت. عائدة إلى الشمسية، جالسة بجانب أختها. سألتها :
    ـ لماذا رجعت ؟
    ـ أقعد تحت الشمسية..
    أقبل يوسف نحوهما وقال :
    ـ بابا قال تنزل سماح البحر معنا..
    رضخت ورافقته..
    تتأمل الصغيرة الناس من حولها. تنظر إلى السماء والبحر. يمتد البحر وتمتد السماء، فلا تعرف أين ينتهي البحر، وأين تبدأ السماء. شيء محير. تجربتها مع البحر صدمتها فآثرت الجلوس والانزواء. آثرت الابتعاد.
    فوجئ أبو البنات بنسمة تترك الشمسية وتقف عند التقاء الأمواج برمال الشاطئ..
    أشار بيده كي يطمئنها وقال بصوت عال :
    ـ اجلسي تحت الشمسية..
    هرعت إليها سماح. رأتها ترتعش وتهم بالبكاء. حملتها على ذراعها وجرت بها إلى الشمسية. أجلستها على مقعد، ولفت المنشفة حول ظهرها وصدرها. أعطتها كعكة. قضمت منها لقمة. همت أن تتركها فبكت..
    ـ لا تتركيني وحدي..
    خرج الأب من الماء، وجلس بجانبها، تاركا سماح تذهب للصغار الثلاثة. بدأ يسرِّي عنها.. عبث بالرمل. صنع لها حوضا كبيرا، وملأه بماء البحر، مستعينا بدلو البلاستيك. استسلم للذهاب والإياب في حركة مكوكية أدهشتها. أمسكت بدلو ثان.
    فعلت مثلما يفعل. اعتادت هذه الحركة من وإلى البحر، بينا أخلد الأب إلى السكون.
    ولما امتلأ الحوض، أجلسها داخله. استراحت الصغيرة. انتقل البحر إليها. أصبح البحر صغيرا يناسبها. بدأت تضرب الماء بيديها فتحدث رذاذا من حولها. تجرأت أكثر، ورشت الماء عليه. فعل الأب الشيء نفسه. رش عليها الماء. تتضاحك فيتضاحك هو الآخر. قدم الصغار إليهما. رش الماء بعضهم على بعض. تراخت يدا نسمة. اكتفت بملاحظة أخواتها، بينا أتى يوسف من خلف وداس بقدميه السور الرملي فانمحى الحوض، وإذا بنسمة جالسة على الرمل لا تجد الماء الذي يبهجها ويسليها. همت بالبكاء، فاحتضنها أبوها موبخا يوسف، قائلا في تأنيب :
    ـ هكذا أنتَ دائما، تفسد كل شيء ؟
    ذهب الأب بصحبة أولاده، في جولة ثانية في البحر، تاركين نسمة وحدها، موصيا صاحب الشمسية المجاورة، ثم نزل أبو ياسر البحر، تاركا زوجته وابنهما.. اجتذبها ياسر، الذي يقاربها في العمر. قالت له :
    ـ عندي لعب كثيرة. تعال نلعب..
    جلسا تحت الشمسية وحدهما. طفقت تعرض عليه لعبها البلاستيك، ودميتها العروس، وكرة يوسف التي لا يعطيها لأحد. نادت أمه عليه كي يتغدى. أعطته سندوتشا فآخر، بينا تنظر نسمة إليه صامتة. لاحظت أمه نظرات الطفلة. ياسر طفلها الوحيد. كانت تتمنى أن تكون لها بنت مثلها. هزها حنين طاغ، فنادت عليها:
    ـ تعالي يا حبيبتي..
    انقادت طوعا للنداء. خطت خطوات مترددة من شمسيتها إلى شمسية ياسر. جلست صامتة. أعطتها سندوتشا. أخذت تقضم لقمة فأخرى، رانية إلى ياسر الذي تعلق بصدر أمه، ولامس خده خدها.. أعطته تفاحة وأعطتها تفاحة.. تناهى إلى أذنها صوت بائع ينادي على بضاعته :
    ـ فريسكا..
    أشار ياسر إليه. أشارت نسمة مثله. اشترت لهما ما يريدان. أشار ياسر من جديد إلى بائع آخر يحمل أكياسا ملونة لرقائق البطاطس. قال :
    ـ ماما.. أريد كيسا..
    فعلت نسمة مثله:
    ـ ماما.. ماما..
    قبل أن تكمل كلامها، قال لها :
    ـ هي أمي أنا، وليست أمك.. أين أمك ؟
    ـ أمي.. سافرت...
    ـ إلى أين ؟
    ـ إلى بعيد..
    لم يفهم شيئا، وهي لا تفهم ما تقول. هكذا قالت لها سماح.. هكذا يقول لها الجميع.. تناولت كيس الرقائق بيد مترددة. لم تفتح الكيس. ارتمت على صدرها تقلد ياسر.. لامست بخدها وجهها، وتحسست بيدها خدها الناعم.. قالت :
    ـ أنا أحبك..
    ـ وأنا أيضا يا حبيبتي..
    عاودت اللعب مع ياسر. اختلف الطفلان، تخاصما. لم تجرؤ على الاقتراب من أمه مثلما كانت تفعل. همت بالبكاء. تركت الشمسيتين وهرولت إلى البحر تنادي أباها.
    لم يكن قريبا منها. أشار إليها رافعا ذراعيه. لم تأخذ بالها. أعطت للبحر ظهرها، ومشت بين الشماسي. لابد أن أمها تجلس في إحداها. هي لا تعرف شكلها! لكن أمها ستعرفها، وتنادي عليها.. بيا حبيبتي.. تحتضنها.. تشتري لها رقائق البطاطس والحلوى والفاكهة، واللعب أيضا. بكت الطفلة بكاء شديدا، غير ناظرة إلى أحد، منادية بصراخ متواصل :
    ـ ماما.. ماما.. ماما...
    هرع إليها الناس. التفوا حولها. حاولوا تهدئتها وتطييب خاطرها. اصطحبها رجل ممسكا بيدها، قائلا :
    ـ سأذهب بك إلى أمك.. ما اسمك ؟
    ـ نسمة..
    ـ واسم أبيك ؟
    ـ محمود لطفي
    ـ عظيم.. تعالي معي..
    صوت ينصحه :
    ـ إن لم تعثر على أهلها، سلمها للشرطة..
    خرج الأب من البحر باحثا عن ابنته. سأل القريبين من شمسيته. قالوا إنها اتجهت إلى البحر، تنادي عليك، فرفعت ذراعيك مشيرا إليها.. ثم... تشاغلنا نحن على أساس أنك ستحملها معك.. تحرك الأب في اتجاه، وسماح في اتجاه معاكس، وأبو ياسر في اتجاه ثالث، بينما مكثت أم ياسر تحت الشمسية ترعى ياسر وأولاد محمود لطفي.
    أحد زملائه تعرف عليها. قال للمرافق إنها بنت زميل له، ويعرف عنوان الشقة التي نزل بها، إلا أنهما سرعان ما التقيا. احتضن الأب ابنته. قال لها :
    ـ ألم أقل لكِ لا تتركي الشمسية ؟ لماذا تركتها ؟
    ـ أبحث عن أمي..
    قالت سماح :
    ـ أمنا سافرت إلى مكان بعيد. ألم أقل لكِ ؟
    دمعت عيناها. قالت لأختها الكبرى :
    ـ كل المسافرين يرجعون إلى بيوتهم..
    قال يوسف في حدة :
    ـ قولوا لها الحقيقة.. أمنا ماتت من زمان..
    نظرت إلى أخيها بعينين متوجستين :
    ـ متى ترجع ؟
    جلس الأب على مقعد، مخفيا وجهه بكفيه، يعالج دموعه المنهمرة، في لحظات قاسية على النفس..
    ........................................
    *مجلة "الفيصل" ـ العدد (355) ـ فبراير 2006م

  2. #2
    في ذمة الله
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    المشاركات : 3,415
    المواضيع : 107
    الردود : 3415
    المعدل اليومي : 0.50

    افتراضي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    " حسبي الله ونعم الوكيل "

    كان الله في عون الأب وتلك الطفلة ... صغيرة الغصن .

    الشكر حد القلب لجمال ما قرأت وإستمتعت .

    خالص التحايااا

    أخي الفاضل د . حسين علي محمد

  3. #3

المواضيع المتشابهه

  1. ( لو كنتِ رابعةَ الثلاثةِ ما نجوا )
    بواسطة محمد محمود محمد شعبان في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 28-02-2015, 04:29 PM
  2. شهادة تقدير اسرائيلية لحسني مبارك
    بواسطة زهراء المقدسية في المنتدى الحِوَارُ السِّيَاسِيُّ العَرَبِيُّ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 07-07-2011, 02:57 PM
  3. صدور رواية « نفق المنيرة » لحسني سيد لبيب
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى فَرْعُ جمْهُورِيَّةِ مِصْرَ العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 19-12-2009, 08:24 PM
  4. قصة قصيرة بعنوان"البنات" بقلم موسى نجيب موسى
    بواسطة موسى نجيب موسى في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-07-2006, 07:00 PM