أحدث المشاركات

قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»» قراءة في مقال يأجوج و مأجوج ... و حرب العوالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الطفل المشاكس بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» @ تَعَاويــذ فراشَــةٍ عَاشِقـَـة @» بقلم دوريس سمعان » آخر مشاركة: دوريس سمعان »»»»»

النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: الغربة عن الوطن في قصص طه وادي القصيرة

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي الغربة عن الوطن في قصص طه وادي القصيرة

    الغربة عن الوطن في قصص طه وادي القصيرة

    بقلم:أ. د. حسين علي محمد
    .............................

    توطئة:
    أصدر الدكتور طه وادي، سبع مجموعات قصصية، هي: «عمار يا مصــر» (1980م)، و«الدموع لا تمسح الأحزان» (982م)، و«حكاية الليل والطريق» (1985م)، و"دائرة اللهب" (1990م)، و«العشق والعطش» (1993م)، و«صرخة في غرفة زرقاء» (1996م)، و «رسالة إلى معالي الوزير» (2000م). كما أصدر أربع روايات هي: "الأفق البعيد" (1984م)، و"الممكن والمستحيل" (1987م)، و«الكهف السحري» (1994م)، و «عصر الليمون» (1998م) كما أصدر سيرة ذاتية بعنوان "الليالي" (1991م).
    وتتنوّع الرؤى التي تطرحها قصص طه وادي ورواياته، وتتنوّع العوالم التي تقاربها، ما بين القرية والمدينة، ومصر والغربة، والعالم الدّاجن الساكن والعالم الذي يمور بالحركة، ويرغب في التغيير، وغيرها من الرؤى التي تحتاجُ إلى دراسات تطبيقية طويلة مفصّلة.
    ولأن الفن كما يرى الدكتور طه وادي يطمح دائماً «لأن يعكس نبض الحياة وحركة الأحياء بما فيهما من صراعات وتناقضات، من أجل تثبيت الحق ومناصرة الحقيقة»( ) فسنتوقف في هذه المقالة أمام ملمح موضوعي يُلح على طه وادي في قصص عديدة من مجموعاته القصصية، وهو ما يمكن أن نسميه الغربة عن الوطن من خلال قراءة تحليلية لأربع قصص قصيرة من إبداعه، هي: «تغريبة ولد اسمه كرم»، و«حكاية شرخ في الجدار»، و«مواقف مجهولة من سيرة صالح أبو عيسى»، و«موسم القتل الجميل». محاولين أن نُجيب موضوعيا عن أسئلة تطرحها هذه الدراسة الموجزة موضوعيا وفنيا:
    موضوعيا: ما الذي يجعل البطل يغترب ويترك وطنه؟ ومن الذين يغتربون؟ وماذا يواجهون في الغربة؟ وكيف يعيشون بعد أن يعودوا إلى أرض الوطن؟
    وفنيا: ما الجماليات التي تطرحها قصص الغربة عند طه وادي؟
    (1)
    إن الذي يجعل البطل يغترب هو الفقر، الذي قال عنه علي بن أبي طالب ـ t ـ «لو كان الفقر رجلا لقتلته» (وهي جملة تأتي في قصة «تغريبة ولد اسمه كرم». والأبطال لم يتركوا مصر راضين مختارين، وإنما سوء واقع عيشهم هو الذي طاردهم وجعلهم يختارون الغربة سبيلاً.
    إن كرماً بطل قصة «تغريبة ولد اسمه كرم»، يتذكّر حينما ركب الطائرة لأول مرة قصة الأفواه التي مات أبوه وترك عليه مسؤولية إعاشتها، وكانت وراء أن يركب عربة «الترحيلة» ويغترب داخل مصر، ليعمل في مزارع عمدة ميسور الحال، أو أن يركب الطائرة ويذهب للخليج، بحثاً عن لقمة لهذه الأفواه:
    «في الطائرة إلى الخليج العربي .. تذكرت أول مرة ركبت فيها عربة .. كانت عربة الترحيلة، لو كان الفقر رجلاً لقتلته، لكنه امرأة، ومن أجل امرأة ولدتني تحمّلتُ العذاب في كل مكان. مات أبي وأنا صغير، أصبحتُ مسؤولاً عن خمسة أفواه .. أم .. ثلاث بنات .. طفل صغير»( ).
    وتقول هيفاء شفيق التي دفعت زوجها خالد سرحان بطل قصة «موسم القتل الجميل» للسفر «تزوّجت خالد وكنت سعيدةً به، انتشلني من الفقر والحي الشعبي. أنا التي طلبتُ منه السفر، رفض أن نذهب معه حتى يستطيع أن يدّخر أكثر وأكثر. الفقر يجعلك تسير مع الناس على أرض الواقع، أما المال فهو بساط سحري، تجلس متكئاً عليه، وتحلم بما لا أذن سمعت، ولا عين رأت، ولا خطر على قلب بشر … »( ).
    وفي قصة «مواقف مجهولة من سيرة صالح أبو عيسى» نجد الزوجة الفقيرة ـ التي يعمل زوجها أجيراً عند آخرين ـ تحلم بالثراء الوافد، القادم من خارج الحدود (كما أثرى رجب الذي عمل في «السعودية»)، وترى أن هذه التجربة قابلة لأن تتكرر مع زوجها: «كنت يا روحي عند سكينة أم علي .. زوجها عاد بالسلامة من السعودية .. شاء الله يا أهل البيت. رجب زوجها الذي كان عرة الرجال يا صالح، داره الآن مبنية بالطوب الأحمر، وغناء المسجِّل لا ينقطع فيها ليل نهار، وأولاده صلاة النبي عليهم يلبسون نايلون في نايلون»( ).
    ونحن نجد أبطال طه وادي في الغربة يعانون معاناة كبيرة، وهم لن يجدوا طريق الثراء ـ الذي تصوّروه في الغربة سهلاً مُيسراُ ـ فكرم بطل «تغريبة ولد اسمه كرم» يرينا جانباً من المعاناة:
    «في مدينة الدوحة دختُ أياماً وليالي، ليس معي مؤهل سوى عافيتي، عملتُ نجاراً .. بناءً .. حامل طوب. أكل العيش مر. في حي شعبي يعيش المساكين أمثالي من الهند وباكستان وإيران والسودان .. كما كنا نفعل أيام الترحيلة في عزبة العمدة .. نجمع القطن .. نحصد القمح .. نشتل الأرز .. يا عم المسعد في بلاده مُسعَد في بلاد الناس»( ).
    والغربة «تلد من الأمراض ما لا عين رأت ولا أذن سمعت»( ) وهذا الداء يظل مع صاحبه حتى بعد عودته إلى ارض الوطن «عاودته آلام الغربة ومرارة الليالي السوداء ... أحس انه مفرغ من الداخل»( ).
    ومن ثم فقد يُعاتب البطل بلده التي جعلته يتغرّب!. يقول «كرم» في قصة «تغريبة ولد اسمه كرم»: «إيه يا مصر .. لمَ تركتِنا نتغرّب. الغربة صعبة وقتّالة. لو كان العمدة يُعطي أجراً مناسباً ما تغرَّبت»( ).
    والغربة لا تستطيع أن تحل مشاكل من هم في الداخل، ففي قصة «حكاية شرخ في الجدار» تنتاب عبدَ الله الحسرة لأنه اكتشف فجأة شرخاً في الجدار الخلفي للبيت (بيت عائلة المنصوري الكبير)، ومن ثم يفزع عبد الله إلى إخوته الذين اغتربوا وتفرّقوا في أنحاء الأرض مستنجداً، لعل نقودهم تنقذ البيت الكبير، قبل أن ينهار:
    "أرسل عبد الله خطابات إلى إخوته أولاد الحاج محمد رمضان المنصوري:
    ـ مصطفى المنصوري .. مدينة أوتاوا بكندا.
    ـ جلال المنصوري والعائلة .. مدينة برلين عن طريق ألمانيا الشرقية.
    ـ حامد المنصوري وعروسه سوسن .. مدينة العين "بأبو ظبي".
    ـ فاطمة المنصوري وزوجها سالم .. مدينة مكة المكرمة.
    وفي كل مظروف كان يكتب "يصل في خير وسلام .. وشكراً لساعي البريد"( ).
    و «مرت الليالي وطالتُ والشرخ يتسع يوماً بعد يوم. صار عبد الله لا يهنأ بنوم أو طعام، حتى زوجته نفيسة ـ ابنة عمه ـ غدا لا يكلم جسدها، ولا يُسافر في بحور عيونها. يبدو أن إخوته قد نسوا البيت ومن فيه، فالذي يده في الماء ليس كمن يده في النار»( ).
    ويتأخر أخوته في الرد عليه لإنقاذ بيت العائلة من الانهيار، و«أحس عبد الله كبير العائلة أن ليس هناك عائلة ولا يحزنون. لقد ربى إخوته وعلّمهم حتى في حياة أبيهم. لكن لا فائدة، كل ما فعله من أجل الجميع ذهب أدراج الرياح. لا أمل في صغير أو كبير. كل واحد مشغول بهمومه»( ).
    ويرهن عبد الله البيت الكبير للحاج «سامي الغرباوي»، وتموت زوجته نفيسة غما وكمدا، ويرسل له أخوته معتذرين عن عدم قدرتهم على مساعدته، بينما أخته الوحيدة (فاطمة) تعرض عليه أن يبيع البيت لزوجها.
    وتنتهي القصة وقد آلت ملكية البيت إلى المرابي الذي رهن له البيت.
    ولم تستطع نقود الغُربة أن تنقذ البيت من الضياع!!
    ولم تستطع نقود الغربة أيضاً أن تحقق لكرم زواجه من «عفاف»، يقول السارد / البطل متذكِّراً عفاف في الغربة:
    «إيه يا عفاف .. سأدخر كل درهم، أفتح محل بقالة .. أزوِّج أخواتي .. الولد صابر لازم يتعلّم .. حتى لا يرى ما رأيتُه .. وبعدها يا عفاف تكونين عروستي على سنة الله ورسوله»( ).
    وفي موضع آخر، يقترن أمل العودة إلى مصر ـ وهو غربته ـ بذكر «عفاف»، يقول:
    «طالت أيام الغربة .. أحن إلى مصر .. وإليك يا عفاف .. سنوات أربع بطيئة .. كئيبة .. شربت المر .. أكلت الذل .. كله في الحب يهون»( ).
    ولكن ها هو يعود، ويحضر النقود، لكنه يفقد الحب!!
    «يا ليتني ما عدت … عفاف زوّجها أهلُها بالإكراه من فاروق ابن شيخ البلد .. عندما تجد العيش تفقد الحب»( ).
    (2)
    تهدف القصة القصيرة «إلى تقديم الإمتاع والإقناع إلى قارئها: الإمتاع من خلال رؤاها الجمالية المختلفة، ومن خلال نزوعها التواق إلى التكامل مع الأجناس الأدبية الأخرى،والإفادة من إمكانات التشخيص، الموسيقى، السينما، التصوير وغيرها …، عندما تعالج قضايا الواقع محاولة ـ في فنية وفي جمال ـ أن تشبع عند القارئ رغبته الجمالية. وأما الإقناع فهو ماثل في محاولة القصة القصيرة في التوجه إلى عصرها من خلال مناقشة هموم الواقع أو الاقتراب الحميم منها، وطرح آمال الإنسان العادي الصغيرة وإحباطاته المروّعة أمام عينيه»( ).
    ويستخدم الدكتور طه وادي في قصصه عدداً من التقنيات الفنية، لعل من أهمها:
    1-استخدام لغة فصيحة قريبة من اللغة المحكية:
    يحاول طه وادي في قصصه القصيرة أن يستخدم لغة قريبة من اللغة العامية، ولكنها فصيحة، وجمله القصيرة تكاد تتشابه مع الكلام ـ الفعلي الحياتي ـ الذي يستخدمه هؤلاء الأبطال في حياتهم الفعلية، يقول «كرم» بطل قصة «تغريبة ولد اسمه كرم» متحدثاً عن تجربته في الغربة:
    «في مدينة الدوحة دختُ أياماً وليالي، ليس معي مؤهل سوى عافيتي، عملتُ نجاراً .. بناءً .. حامل طوب. أكل العيش مر. في حي شعبي يعيش المساكين أمثالي من الهند وباكستان وإيران والسودان .. كما كنا نفعل أيام الترحيلة في عزبة العمدة .. نجمع القطن .. نحصد القمح .. نشتل الأرز .. يا عم المسعد في بلاده مُسعَد في بلاد الناس»( ).
    وفي قصة «مواقف مجهولة من سيرة صالح أبو عيسى»، نرى أيضاً قرب نصه اللغوي من اللغة المحكية التي يتحدث بها الناس ـ مع محاولة تفصيحها بقدر الإمكان، وإن كانت بعض الألفاظ العامية تتسلل إلى النص بين فقرة وأُخرى.
    «هل يعجبك يا منيرة الولد عامر أبو عميرة الذي سافر ثاني يوم زواجه، وترك زوجته يا حبة عين أمها، والموكوس عبده عبود الذي ذهب وترك أباه الذي جاء به من سلسلة ظهره مشلولاً يا ولداه، والمسطول ناجي أبو النجا الذي ترك أرضه لأولاده الصغار وزوجته الغندورة، فبار نصف الأرض، وأكلت الدودة النصف الباقي».
    ونلحظ في الفقرة السابقة قربها من اللغة المحكية، في قوله: الولد ـ سافر ثاني يوم ـ يا حبة عين أمها ـ الموكوس ـ من سلسلة ظهره ـ المسطول ـ زوجته الغندورة … إلخ.
    ولعل صالحاً في قرارة نفسه كان يعلم إمكان الفشل قبل السفر، فحينما حدثته زوجته، بحديث زوجة سكينة أم علي، وأن «زوجها عاد من السعودية .. شاء الله يا أهل البيت .. رجب زوجها الذي كان عرة الرجال يا صالح، داره الآن مبنية بالطوب الأحمر، وغناء المسجل لا ينقطع فيها ليل نهار، وأولاده صلاة النبي عليهم يلبسون ملابس نايلون في نايلون».
    إن الزوجة الفقيرة ـ التي يعمل زوجها أجيراً عند آخرين ـ تحلم بالثراء، لكن زوجها في هذه اللحظة يتذكّر التجارب الفاشلة التي مرّ بها آخرون، وكأنها ستتكرر معه «هل يعجبك يا منيرة الولد عامر أبو عميرة الذي سافر ثاني يوم زواجه، وترك زوجته يا حبة عين أمها، والموكوس عبده عبود الذي ذهب وترك أباه الذي جاء به من سلسلة ظهره مشلولاً يا ولداه، والمسطول ناجي أبو النجا الذي ترك أرضه لأولاده الصغار وزوجته الغندورة فبار نصف الأرض، وأكلت الدودة النصف الباقي».
    2-الخاتمة غير السعيدة:
    يضع طه وادي عنواناً لآخر مقطع في قصة «حكاية شرخ في الجدار» هو: «لحظة التنوير المظلمة»( )، ومن المعروف أن خاتمة القصة القصيرة تُسمى«لحظة التنوير»، وتُسمى كذلك لأن فيها تُحَلُّ عقدة القصة، ويبين مقصدُها، ويصل القارئ إلى غايته من القراءة، ويستطيع أن يتنفّس الصعداء بعد أن عايش أحداث القصة وخبر المأساة التي يعاني منها بطلها. ولكن القاص وضع هذا العنوان ليُرينا أن نهاية قصته ليست سعيدة، وهذا ما توضحه الفقرة التالية: «كان يجري حافياً وهو يتعثّر في جلبابه. وقف مكان الشرخ. نظر بعينين ضيّقتين حوله في كل اتجاه، جلس القرفصاء، وأخذ يحمل تُراب الجدار، ويعفِّر نفسه من الرأس إلى القدم. حاول الأبناء ـ وعيونهم غرقى بالدموع ـ أن يوقفوه عن الحركة، لكنه ما لبث أن سقط بينهم، في نفس المكان الذي كان يوجد به الشرخ»( ).
    ومن الملاحظ أن قصصه الأخرى ـ التي تصور الغربة ـ تنتهي بلحظة تنوير مظلمة؛ ففي قصة «مواقف مجهولة من سيرة صالح أبو عيسى» نجد «صالحاً» يموت في اليوم التالي لعودته «في نفس الساعة من اليوم التالي مات صالح .. واحتار أهل القرية في تبرير سر هذه الوفاة المُباغتة، والميتة المُفرحة .. فقد خرج السر الإلهي منه ما بيْن طرفة عيْنٍ وانتباهتها دون ألمٍ أو حشرجة، والبسمة مرسومة على أسارير وجهه»( ).
    وفي قصة «تغريبة ولد اسمه كرم» نجد «كرماً» الذي تغرب من أجل أن يتزوّج عفاف، تكون النهاية على لسان الراوي / البطل هكذا: «أحن إلى مصر وإليك يا عفاف. سنوات أربع بطيئة .. كئيبة .. شربت المر .. أكلت الذل .. كله في الحي يهون.
    اليوم عدت.
    يا ليتني ما عدت.
    عفاف زوّجها أهلها بالإكراه من فاروق ابن شيخ البلد. عندما تجد العش نفقد الحب»( ).
    وفي قصة «موسم القتل الجميل» يعود «خالد سرحان» بعد اغتراب عشر سنوات في الدوحة، ليجد زوجته تطلب منه الطلاق لتتزوّج صديقه هاشم العشماوي( ).
    3-الإفادة من السيرة الشعبية في أسلوب القص:
    مثلما نرى في قصة "مواقف مجهولة من سيرة صالح أبو عيسى"، حيث تبدأ القصة بقوله:
    "يقول الراوي المفلوق فؤاده من فعل الأنذال، ومن تغير الأحوال:
    "يا سادة يا كرام، صلوا على المصطفى خير الأنام، أروي لكم مواقف مجهولة من حياة راعي الأغنام الطيب صالح أبو عيسى، الشهير بصالح أبو زعبوطين، وصالح هذا يا سادة قد يكون أخي أو أخاك .. وقد يكون أنا أو أنت، فسبحان علاّم الغيوب ومفرِّج الكروب"( ).
    ويقول في القصة نفسها «لكن ما قدّره الله يكون، ولله في خلقه شؤون، فلو تردّد أبو زيد الهلالي لحظةً لما خرج من ديار بني هلال، ولا دخلت تونس وبلاد البربر في حمى الإسلام، ولا تكلم أهلها لغة النبي عليه الصلاة والسلام.
    لا أخفيكم يا سادة يا كرام، أن فرحتي قد زادت ببطل قصتي الهمام، فالشجاعة أن تكون ذا رأيٍ في صلابة الحسام»( ).
    ويتمثّل التأثُّر بالسيرة الشعبية في العنوان «مواقف مجهولة من سيرة صالح أبو عيسى»، وفي بعض الأدوات الفنية، مثل: الصلاة على النبي، والتكرار، واللجوء إلى السجع، واللغة الوسطى بين العامية والفصحى.
    4-استرفاد الموروث الأدبي (من الشعرية والزجل والأمثال):
    نجد في هذه القصص الأربع بعض النصوص الشعرية والزجلية، التي أتى بها القاص لتعبر عن لونٍ من التأكيد للحدث، أو للتعبير عن ثقافة الشخصية المتحدثة، والإشارة إلى مُعاناة أحد شخصيات القصة، ومن هذه الأبيات ما ورد في قصة «مواقف مجهولة من سيرة صالح أبو عيسى»:
    وإذْ نَــعلاكَ منْ جِلْدِ البعيرِوعلَّمَكَ الجلوسَ على السريرِفإنِّي قدْ عزمْتُ على المـسيرِولو جارَ الزمانُ على الفقيرِ( ) أتَـذكرُ إذ لحافُـكَ جلدُ شاةٍفسُبْحانَ الـذي أعطاكَ مُلكاُفجُدْ لي يا ابنَ نَـاقصةٍ بمـالٍسأرْحلُ عن بلادٍ أنْـتَ فيها
    فقد جاءت على لسان مدرس اللغة العربية الذي جلس بعد اليوم الدراسي يُصحح الكراسات، حتى ينطلق إلى موعد الدروس الخصوصية. والأبيات تشير إلى اختلاف الزمان.
    وقد قدّم لها بقوله: «لقد تغيّر الزمان والرجال، أين الأيام التي كان الفقير يدخل فيها على الغني، ويقول في خشونة وغلظة»( )، وأورد الأبيات، ثم علّق عليها بقوله: «فيعطيه الغني في حلم وكرم ما يُريد قائلاً: إن جاورتنا فمرحباً بالإقامة، وإن جاوزتنا فمصحوباً بالسلامة»( ).
    وتتعدّى دلالة هذه الأبيات الاسترفاد من نص تراثي، إلى دلالة تشي بعدم قدرتك على قول ما تريده من تقديم الأستاذ للأبيات، وتعقيبه عليها.
    والنص النثري هنا يكتسب شعرية محلقة «فليس من شك أن الموسيقى عنصر هام من عناصر الشعر، وليس من شك أيضاً في أن الموسيقى من أهم الفوارق بينه وبين النثر، وقد صور الشاعر الفرنسي «بول فاليري» ذلك أحسن تصوير، حين شبه النثر بكلام يمشي، والشعر بكلام يرقص» ( ).
    ومع وجود الموسيقى في هذه الأبيات فإنها عنصر بنائي في النص القصصي، لا يمكن حذفه، وتُشير النصوص الشعرية إشارات دالة إلى تقاطع النثري مع الشعري، وتؤدِّي إلى الترميز في النص، وتكثيف دلالاته.
    وفي القصة نفسها نرى موالاً على لسان ابنة صالح الكبرى، تقول كلماته:
    يابا أنا شايفــة عينك ع السفر هتزول
    الغربة تُربة يابا تقل الأصول وتــزول
    تفني الخلايق، وكل العباد هتــزول( )
    وتكشف هذه الأبيات عن تشوق الأب للسفر الذي اقترحته عليه زوجته، وحزن البنت الكبرى على ذلك، لأن غربة أبيها تعني موتاً «الغربة تُربة»، وتصوير الغربة بالقبر يكشف عن مشاعر البنت التي لا تتفق مع أمها، فقد كانت كما صورها القاص قبل هذه الأبيات «كانت مروَّعة لحظة الرحيل، كأنها حمامة وقعت في شرك صقر عجوز»( ).
    وفي قصة «تغريبة ولد اسمه كرم»، يتذكر كرم محبوبته «عفاف»:
    «تكون دائماً في مقدمة العمال .. وحدها تغني .. والفتيات يرددن:
    يا بتاع النعْــناع يا واد انتبوسة من خدي وأوهب لـكْحوضْ مـن النعناع يا منعنـــعْ يا بـــتاع النعناع يا منعنعْوديني بلدي واديــــلكْمالي وأمْــوالي وحـــوش لكْ
    يا بتاع النعناع يا واد انت»( )
    وفي القصة نفسها، نجد البطل ـ بعد العودة من الغربة ـ وقد وجد محبوبته «عفاف» تزوّجت من ابن شيخ البلد، يسمع «الماشطة تغني بصوت مجروح:
    صخرة تودّيـــني بحْـر يعدّيـــني
    واللي على جبيـني آهو بتشوفه عيـني
    ياحليلة يا حليــلة على دي الهليلة»( )
    وقد أفادت هذه القصص من الأمثال الشعبية، التي تأتي في موقعها الصحيح من السرد. ومن الأمثال الشعبية التي وردت في المجموعة:
    «فالذي يده في الماء ليس كمن يده في النار»( ).
    «من تحسبه موسى يكون فرعون» ( ).
    «ضرب الأعور على عينه لا يُجدي، فهي تالفة. تالفة»( ).
    5-تآزر الوصف مع الحوار المكثف:
    لكي يبعث المؤلف الحيوية في مشاهده السردية فإنه يجمع بين الوصف والحوار أحياناً. والحوار ليس عنصراً أصيلاً في القصة ولكنه يبعث الحيوية في الأحداث، ويجعل القارئ أكثر قرباً من المواقف والشخصيات( ).
    ويتآزر الحوار مع الوصف ليُقدما في سطور قليلة ما يُمكن قوله في فقرات طويلة، فلكي يقول لنا المؤلف أن «خالد سرحان» بطل قصة «موسم القتل الجميل» مسالم، ويُعطي نقود الغربة لزوجته تفعل بها ما يشاء دون أن يشك فيها، وليمهد لخيانتها مع صديقه هاشم العشماوي، يأتي بهذه الفقرة على لسان الزوجة «هيفاء شفيق»:
    «أنا امرأة حكيمة مدبرة مثل أمي. مفتاحُ تفكير البنت شخصيةُ أمها. المرأة الذكية هي التي تجعل الرجل مطية لتحقيق رغباتها. الرجل بحر .. والمرأة جسر. سيدة جميلة أنا وشابة .. أخيراً ـ وهذا مهم ـ غنية، أملك آلاف الدولارات ـ لا الجنيهات. خالد رجل مسالم مطمئن من ناحيتي، لذلك لم يسألني عن شيء:
    ـ ماذا عندنا من الدولارات؟
    ـ لا أعرف، الدولارات في الحفظ والصون، آخذ ما يكفيني أنا وسمسم، والباقي باسمي في البنك.
    بارك الله لي فيك يا زوجتي الحبيبة»( ).
    إن الوصف في الفقرة السابقة مبني على المفارقة فالمرأة تقول إن الرجل بحر والمرأة جسر، ونحن سنبحث عن هذا الجسر عندها فلن نجده.
    وتقول له «الدولارات في الحفظ والصون» ونحن سنراها محفوظة لتحقق بها رغبتها في الزواج من صديقه، بعد طلاقها من الزوج المخدوع.
    ويكشف سؤال الزوج «ماذا عندنا من الدولارات؟» عن ثقته في زوجته، كما يُطلعنا على غفلته!
    ويشترك الحوار مع الأحداث في قصص طه وادي إلى دفع أحداث القصة للكشف عن عقدتها، كهذا الحوار الذي دار في نهاية قصة «موسم القتل الجميل» بين «خالد سرحان» و«ندى محمد»، لنعرف من خلاله أن زوج الثانية، تزوّج من زوجة الأولى:
    ـ هاشم موجود؟
    ـ موجود .. أو غير موجود تفضل.
    ـ إذا لم يكن موجوداً أحضر في وقت آخر.
    صنعت له كوباً من الشاي .. طلبت من الطفلتين أن تُسلما .. وتذهبا إلى حجرتهما.
    ـ لماذا تسأل عن هاشم؟
    ـ صديقي الوحيد .. لم أره منذ مدة.
    ـ مازلت رجلاً صاحب قلب أبيض .. في هذا الزمان الأسود.
    ـ ماذا تقصدين؟
    ـ يا ابن الحلال .. هاشم تزوّج هيفاء( ).
    (3)
    لقد أراد طه وادي من خلال قصصه عن الغربة أن يصور واقع القرية المصرية، التي يحتل فضاؤها جانباً كثيراً من قصصه القصيرة، فالذين يُعانون من الغربة ويُسافرون ـ في قصصه ـ هم الطبقة العاملة الفقيرة، والتي مثلت هجرتها ـ أو غربتها المؤقتة ـ خطراً على المجتمع، أراد الفنان أن يدق ناقوس الخطر، منبهاً ـ في فنية جديرة بالتنويه ـ إلى ما أصاب القرية منها. إننا نرى السارد يصف صالح أبو عيسى في قصة «مواقف مجهولة من سيرة صالح أبو عيسى» وهو يسير في القرية بعد أن حدثته زوجته عن السفر «أثناء السرى رأى البنايات الجديدة وأضواء الكهرباء الملونة تطل فوق الأبواب، هذه الدور كلها بلا رجال يا منيرة، الرجال رحلوا وتركوا الدار والغيط وورشة النجارة، وماكينة الطحين، حتى الولد يماني الحلاق .. أخذ الحقيبة وهاجر»( ).
    وقد كانت قصص طه وادي من القصص الجميلة التي رصدت هذه التجربة موضوعيا وفنيا.

    .............................
    [ملاحظة: حذفنا الإحالات، وقد نُشر هذا المقال في عد شوال 1423هـ من مجلة "قوافل"، التي تصدر عن نادي الرياض الأدبي ـ العدد18 ـ ص ص56 -62].

  2. #2

  3. #3

  4. #4
    قاص
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 598
    المواضيع : 65
    الردود : 598
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    أستاذنا الدكتور / حسين علي محمد
    اسمتعت بقراءة هذه الدراسة عن الغربة في قصص الدكتور طه وادي وخاصة تناولك لها من الناحيتين ، الناحية الموضوعية والناحية الجمالية والنقاد غالبا ما يركزون على الموضوعات استسهالا ويتركون الجوانب الفنية والتي هي في رأيي الأهم أو لا تقل اهمية عن الجوانب الموضوعية ، شكرا لك لأنك دائما تفتح لنا دائما آفاق جديدة

  5. #5

  6. #6
    الصورة الرمزية د. سمير العمري المؤسس
    مدير عام الملتقى
    رئيس رابطة الواحة الثقافية

    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    الدولة : هنا بينكم
    العمر : 59
    المشاركات : 41,182
    المواضيع : 1126
    الردود : 41182
    المعدل اليومي : 5.29

    افتراضي

    أجدني هنا أرفع القبعة لناقد متمكن وأديب كبير يرى مواطن الجمال فيجليها للأعين نبراساً لقراءة أدبية صادقة ومنصفة.

    للحق فإن سعادتي بوجودك بيننا ناقداً كبيراً وأديباً مميزاً يجعلني في سعادة بك وتقدير لك. تأخرت عن الكثير من المواضيع وأحببت أن أعود إلى أقسام الواحة بعد الانشغال من هنا تقديراً لما تقدم من جهد ورقي وحسن أداء.

    لعلنا نطمع منك في قراءات نقدية لشعراء وأدباء الواحة وتفعيل هذا القسم بما يليق به فأنا أردته دوماً القسم الأهم في الواحة وليتك تشرفنا بأن تشرف على هذا القسم فيكون الأكثر تميزاً كما نريده دائماً.


    تقبل إكباري
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  7. #7
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    شكراً للدكتور سمير العمري على تعقيبه الجميل، وأنا أشارك في التعليقات على نتاج الزملاء الأدباء بقدر طاقتي، وبقدر ما يسمح به وقتي المنشغل في أعباء التدريس والمناقشات، وشكراً على عرضك الكريم بالإشراف على ساحة النقد، وأعتذر لأن لي موقعاً آخر يحتاج إلى بعض جهدي. وسأكتب لك اسمه في الهامش ليمكن حذفه بعد اطلاعك على الرسالة، مع تحياتي


    الموقع هو منتديات مجلة الرسالة، ويمكن أن تشرفنا بالزيارة لتطلع عليه:
    http://aresalah.com/vb/index.php

المواضيع المتشابهه

  1. الغربة عن الوطن
    بواسطة سعيد علي الشحطور في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 05-01-2015, 07:43 PM
  2. من قصص الحديث الشريف القصيرة
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى مُخْتَارَاتٌ شِعْرِيَّةٌ
    مشاركات: 39
    آخر مشاركة: 15-02-2013, 11:37 AM
  3. النَّفَحَاتُ الشِّعْرِيَّةِ فِي الذَّوْدِ عَنْ خَيْرِ البَرِيَّة
    بواسطة بندر الصاعدي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 89
    آخر مشاركة: 30-06-2006, 01:54 PM
  4. النَّفَحَاتُ النثريـة فِي الذَّوْدِ عَنْ خَيْرِ البَرِيَّة
    بواسطة نسيبة بنت كعب في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 29-03-2006, 02:40 PM
  5. النَّفَحَاتُ الشِّعْرِيَّةِ فِي الذَّوْدِ عَنْ خَيْرِ البَرِيَّة
    بواسطة نسيبة بنت كعب في المنتدى مَشَارِيعُ النَّشْرِ الوَرَقِيِّ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 18-02-2006, 09:19 PM