بنو إسرائيل والاستهزاء بالرسل
كتبت : د. رقية بنت محمد المحارب
المتأمل في مواقف بني إسرائيل مع رسلهم يدرك حقاً قدر أنفسهم الدنيئة وقلوبهم الحاسدة وصدورهم الحاقدة، ذلك أنهم يخذلون أنبياءهم في وقت الحاجة للنصرة، وينكثون العهد معهم، ويسلمونهم في أحلك الظروف، ولا يخفى على مؤمن بالقرآن متأمل له مصدق بخبره ذلك.. يحدثنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بالوحي وهو الصادق المصدوق، فيتلو علينا فعل بني إسرائيل مع موسى: { فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ }نعم.. كل بني إسرائيل مجبولون على حب أنفسهم وكراهية الموت إلا أفراد قليلون} قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} (المائدة).
وكذلك فعل النصارى حينما أسلموا عيسى لطائفة من اليهود ليقتلوه، إلا أن الله نجاه منهم } وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ { فإيذاء الرسل ديدن لبني إسرائيل، بل السخرية بالله تعالى هي صفتهم، حتى قال اليهود يد الله مغلولة } وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ{ فردّ عليهم تعالى: } غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ {. فبقيت هذه الصفة في اليهود، فهم المشهورون بالبخل والتقتير مع كثرة مالهم فهم منه محرومون، وكذلك تعدى النصارى على ربهم باعتقادهم أن له زوجة وولد، فقالوا: إن الله ثالث ثلاثة وقالت النصارى المسيح ابن الله.. وما كان لله من ولد وما كان معه من إله..
ونحن المسلمون إزاء موقف بني إسرائيل مع أنبيائهم، بل مع ربهم لا نعتقد أنهم باستهزائهم بعرض رسوم كاريكاتورية جاؤوا ببدع من الفعل لم يكن عليه أسلافهم، ولكن لا نسمح لرجل نعلم أنه يكرهنا بقلبه أن تلحقنا منه أذية ظاهرة بقوله ولا فعله.. فمهما اعترفنا بحقد وكراهية شخص فإننا لا نسمح له بأن يسبنا جهاراً نهاراً ولا يسب إلآهنا ولا رسولنا ولا يعرض بشعاراتنا، ولأجل أهمية عدم التعرض لسبّ معتقدنا نهينا عن سبّ آلهة المشركين لئلا يسبوا الله عدواً بغير علم كما جاء ذلك في قوله تعالى: } وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ { وواجب علينا نصرة ديننا ورسولنا صلى الله عليه وسلم وعدم السكوت عن الاستهزاء بهما، وإلا لحقنا الهوان، ومن يهن يسهل الهوان عليه..
ما لجرح بميت إيلام..
وواجب علينا خطاب العقلاء من بني إسرائيل وإقناعهم أن ذلك الذي وقعوا فيه نقض لميثاق الله تعالى الذي أخذه من قبل عليهم } وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ * فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ {.
وهذا الخطاب في اليهود وفي النصارى مثله } وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ {.
والموقف إزاء فعل بني إسرائيل هذا واستهزائهم أن نبين لهم ونستغل الفرصة لدعوتهم وتبيين أخوة الرسل لبعضهم، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم طريقهم للجنة، كذلك موسى وعيسى والنبيين جميعاً لا نفرق بين أحد منهم.. وبذلك أمرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم }فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{ ومن الظلم التعدي على آخرين منهم بالقتل والضرب والحرق دون أن نبدي لهم دعوة أو أن ندخل معهم في حوار، فليس ديننا دين انتقام ولا ظلم، وإنما دين دعوة ورحمة، فلنستغل الفرصة لترجمة الكتب عن نبينا عليه الصلاة والسلام وعن ديننا الحنيف، ولنكثف المنابر التي تدعوهم إلى ديننا بجميع اللغات، متخذين لذلك كافة السبل المسموعة والمقروءة والمشاهدة.