أحدث المشاركات

نسجل دخولنا بذكر الله والصلاة على رسول الله» بقلم عوض بديوي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» بكاء على الاطلال» بقلم أحمد بن محمد عطية » آخر مشاركة: أحمد بن محمد عطية »»»»» مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»»

النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: وديع فلسطين: شاهد على عصره

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي وديع فلسطين: شاهد على عصره

    وديع فلسطين: شاهد على عصره
    .................................
    (فقر مختارة من رسائله إلى حسين علي محمد)

    بقلم: أ. د. حسين علي محمد
    ...............................

    1-وتوالدت الدولارات في ضياعهم!:
    أ-"لعلي لم أخبرك بأن ابني الوحيد قد هاجر من عامين إلى كندا، وهو يُلحُّ عليَّ أن ألحق به، ولكنني أوثر البقاء هنا لكثرة أعمالي وتنوعها، في حين أنني قد أجد نفسي عاطلاً من كل عمل هناك مع إجادتي التامة للغة الإنجليزية. وإلمامي الجيد باللغة الإفرنسية، ولكنني قد أزوره في الصيف ـ إن سمحت بذلك ظروفي ـ وفي هذه الحالة أُعرِّج على شقيقي الأكبر في إسبانيا، وهو قد هاجر إليها من عام 1951م، وتجنس بجنسيتها، وتزوّج من إسبانية، ولم يبق إلا أن يُصارع الثيران الإسبانية!
    وفي أحيان كثيرة أحس بالندم لأنني عندما زرت الولايات المتحدة في عام 1955م عُرِضت عليَّ أعمال كثيرة دون سعي من ناحيتي، وكان الإغراء شديداً للبقاء هناك، ولكنني آثرت العودة متوهماً بأن رسالتي الأولى كصحفي هي نحو أمتي العربية، لا نحو الفرنجة. أما زملائي وطلابي الذين بقوا هناك، فقد ابتسمت لهم الدنيا، وتوالدت الدولارات في ضياعهم، كما تتوالد الأرانب في ضيعتك.
    (من رسالته المؤرخة في 2/4/1990م)
    ب-"عندما كنت في أمريكا عام 1955 نصحني الناصحون بالبقاء هناك، وعرضوا عليَّ أعمالاً مجزية في الجامعات وفي مكاتب المُحامين، بل في إذاعة "صوت أمريكا"، ولكنني رفضت ظنا مني بأن مستقبلي في ديار يعرب، لا في أمريكا. ولا أكتمك أنني نادم على اطِّراحي نصائحهم، فلو بقيت هناك لتخلَّصت على الأقل من النجاسات البوليسية والرذالات الضرائبية التي تُطاردني بشراستها"
    (من رسالته المؤرخة في 3/9/1978م)
    2-شديد الخجل من نفسي!:
    «أقول لك بكل صدق إنني شديد الخجل من نفسي، لأنني لم أكتب عن أصدقائي الذين رحلوا في السنوات السبع الأخيرة لأن ظروفي النفسية وأحوالي المعاشية التي كانت ترفعني إلى القمة ثم تقذف بي إلى الحضيض المرة بعد المرة، جعلتني أكثر تلهيا بأموري الشخصية مني بإنصاف الراحلين من الأحباء، كالأمير مصطفى الشهابي، والدكتور يوسف مراد، وأمين يوسف غراب، والشيخ محمود أبو رية، ومحمود الشرقاوي المؤرخ، وحليم متري، والدكتور مراد كامل، ومحيي الدين رضا، وعبد الحليم عبد الله، وعلي أحمد باكثير، ومحمد علي الطاهر، و[عبد الحميد جودة] السحار، والزيات، وساطع الحصري، ويوسف يعقوب مسكوني (العراقي) وغيرهم، وأضف إليهم [محمد] الجيار، ورشاد [رشدي]، وسمير وهبي ومَن إليهم.
    (من رسالته المؤرخة في 23/4/1975م)
    3-بين الصحافة والأدب:
    "أنا أولاً وأخيراً مجرد صحفي صناعته الأولى التعليقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولكن لما أصبحت هذه الأبواب مزالق عرّضنتي للكثير من الانكشاريات والمفازع في حياتي فقد وجدت في الأدب ملاذاً أو مهرباً دون أن أغرق فيه حتى شحمة الرأس وفروة الأذن، لأن الأدب لا يُطعم خبزاً. وقد استهلكتني الصحافة لأن معظم ما كتبته في سنوات عمري قد صار تاريخاً قديماً، بعد أن تغيّرت جغرافية العالم، وانقلبت الدنيا؛ فصار الأبطال خونة والخونة أبطالاً، وأصبح الأعلام مجهولين، والعارون من أي مؤهلات في صدارة الصدارة!"
    "وقد قيل في الاقتصاد ـ وهو ينطبق على كثير من الأمور ـ إن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من الأسواق، فلا أغضب إن رأيت نفسي من جملة المطرودين!".
    (من رسالته المؤرخة في 21/4/1997م)
    4-دوري في الأدب:
    "دوري الوحيد في الأدب هو دور الشيخ الكبسي، ولعلّك سمعت به وأنت في بلاد القات السعيدة!( ) فعندما أُنشئت الجامعة العربية استرابت جميع الدول العربية منها، خشية أن تكون وسيلة لابتلاعها. فلبنان مثلاً كان يخشى على شخصيته المسيحية من الذوبان في هذا المجتمع المسلم. والملك عبد العزيز آل سعود كان يخشى من أن تُعلن القاهرة الخلافة الإسلامية (وقد جرت فعلاً محاولات في عهد الملك فؤاد ثم في عهد الملك فاروق) فيهتز مقام ابن سعود باعتباره حامي حمى الحرمين. كما أن الإمام يحيى الذي عزل بلاده عن الدنيا كان يخاف من أن تكون الجامعة سبباً في هدم أسوار العزلة. وعندما انعقد أول اجتماع لمجلس الجامعة العربية، أوفدت الدول العربية مندوبين مُكلَّفين بعدم التعاون وبتأكيد شخصية كل دولة واستقلالها عن سواها، وعدم قبولها لأي قرارات تمس أوضاعها الداخلية. أما الشيخ الكبسي فكان موفداً من الإمام يحيى كمندوب مُراقب، يرى ويسمع ولا يتكلم! وأنا يا صاحبي هو هذا المُراقب الأدبي، الذي يُتابع ما يُنشر في معظم مجلات الأدب، وهذا قُصاراه!".
    (من رسالته المؤرخة في 11/5/1991م)
    5-.. انسحبتُ من الميادين جميعاً!:
    "الحمد لله أنني إذا كنت قد نُسيت أو أُنسيت في بلدي ومسقط رأسي، فقد ذكرني وكرّمني الأردن وسورية باختيارهما لي عضواً في مجمعيهما، وسبق لحكومة إسبانيا أن كرَّمتني بإهدائي "نشان الاستحقاق المدني من طبقة كوماندر"،
    كان صديقي خليل مطران بك يقول:
    أُخْـلي مكاني للّذي يسمو إليهِ بغيرِ حُزنِ
    لا تندبنّي للعظائم بعدهـــا، لا تندبنِّي
    وإني مثله قد أخليت مكاني وانسحبت من الميادين جميعاً وحسبي أنني أجري الآن في ميدان لا يُباريني فيه أحد [يقصد ميدان الترجمة]، ولو كانت له جائزة أوليمبية لظفرت بها ربما وحدي".
    (من رسالته المؤرخة في 2/4/1990م)
    6-هكذا كانت مجلات زمان!:
    ب-"صحافة أنطون الجميِّل وخليل تابت وعبد القادر حمزة و(محمد حسين) هيكل باشا وداود بركات وآخرهم عزيز ميرزا هي صحافة رأي، قوامه العلم والحجة والدراية الأدبية، أما صحافة اليوم فأغلبها صحافة خبر، وأقلها رأيٌ يُساقُ ترديداُ لرأي الحكومة بغض النظر عن قواعد العلم والحجة والدراية الأدبية. وبعبارة أخرى كانت الصحافة القديمة تقود وتُبصِّر، أما الصحافة المُعاصرة فتُقاد وتنقاد، فضعفت هيبة الصحافة، وصار محرروها "موظفين" في الدولة؛ يُنقلون من "دكان" الأهرام، إلى "ديوان" الأخبار، أو من "وكالة" روز اليوسف إلى "مصلحة" المصور".
    (من رسالته المؤرخة في 2/5/1977)
    7-وفاة شاعرة!:
    «توفيت مؤخراً الشاعرة جليلة رضا دون أن يُشير إلى وفاتها أحد من المشرفين على الصفحات الأدبية أو مجلات الأدب، وكأنها قطة ماتت فطيساً! وقد أخبرني أستاذنا الخفاجي أنه يعتزم إقامة حفل لتأبينها في رابطة الأدب الحديث ووعدتُه بالمشاركة في هذا الحفل. والغريب أن مجلة «الهلال» كانت تخزِّن قصيدة لها، ولما عرفت مني بوفاتها استخرجت القصيدة لنشرها في العدد المقبل مع إشارة لوفاتها».
    «وقد نسي محرر المجلة أن دار الهلال نشرت سيرة جليلة ضمن "كتاب الهلال" الشهري من نحو خمسة عشر عاماً. وهذا يفسر لي صعوبة معرفة تاريخ ميلاد ووفاة الأدباء، لأن أحداً لا يهتم بتسجيلها إلا إذا كان الأديب أو المتأدب شيوعيا، ففي هذه الحالة تحتشد جميع الأقلام للحديث عن مآثره ومفاخره!».
    (من رسالته المؤرخة في 22/4/2001م)
    8-إنهم يُغلقون منابر الأدب!:
    "احتجاب مجلة "الدوحة" في قطر صاحبه احتجاب مجلة "الفكر" التونسية التي عُطِّلت بعد انتظامها واحداً وثلاثين عاماً ضمن الحملة على صاحبها محمد مزالي، وهكذا تختفي المنابر الأدبية الواحد بعد الآخر، لأن دولنا تعتبر الأدب من الكماليات الشديدة الخطورة التي يتعيّن التخلُّص منها في أول فرصة، ولك أن تتوقّع احتجاب مجلات أخرى تذرُّعاُ بذريعة الأزمة الاقتصادية".
    (من رسالته المؤرخة في 23/11/1986م)

    (من كتاب: سفير الأدباء وديع فلسطين، للدكتور حسين علي محمد، ثلاث طبعات)

  2. #2
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    وديع فلسطين: شاهد على عصره
    ---------------

    9-المذاهب الجديدة .. لا أستسيغُها:
    "تسألني عن رواية "فاتنة الفيوم" للدكتور يعقوب صرُّوف، وهل قرأت كلمة محمد جبريل عنها في جريدة "المساء"، فأجيبك بأنني لم أقرأ هذه الكلمة. أما الرواية فالأرجح أنها ضمن كتبي، وهي أطنان من حيث الحجم، كما أنها فوضى من حيث الترتيب. وأيا كان الرأي الذي أتى به محمد جبريل في موضوع هذه الرواية، فهناك حقيقة مقررة وهي أنَّ من الظلم البيِّن تطبيق المقاييس النقدية الحالية على رواية صدرت من أكثر من ستين سنة. ومع هذا فإنني حين أقرأ الروايات العبثية التي تُنشَر اليوم، فإنني أجدني ميّالا إلى الارتداد إلى الماضي السحيق وقراءة "زينب" و"سارة" وروايات جرجي زيدان ويعقوب صرُّوف، ففيها من العُنصر القصصي ما يُرضي طبيعتي. أما المذاهب الجديدة في الأدب الروائي فلا أستسيغها، ولا قِبل لي بإتمام رواية منها".
    (من رسالته المؤرخة في 1/6/1975م)
    10-لماذا لا نقول الحقيقة؟:
    "قرأت اليوم لصديقنا الدكتور أحمد هيكل مقالاً في "الأهرام" عن أستاذنا الزيات، والمقال يمتدح الزيات بدون تحفظ، وهو طبعاً يستحق ذلك. ولكن فاته ـ عمداً أو سهواً ـ أن يُشير إلى سقطة فظيعة وقع فيها الزيات عندما كان يحرر مجلة "الأزهر" في عهد صديقه الشيخ محمود شلتوت، إذ كتب مقالا افتتاحيا قارن فيه بين النبي محمد والقائد صلاح الدين الأيوبي والزعيم المُلهم عبد الناصر!
    وطبعاً فضّل الأخير. فقامت قيامة الأزهريين ضده، وأرسلوا أطناناً من البرقيات إلى كل المسؤولين، وطالبوا بإخراج الزيات من مجلة "الأزهر" لأنه بات دخيلاً على الأزهر، والشيوخ الأجلاء أحق منه بهذه الوظيفة. وطبعاً لم يحفل أحد بهذه الاحتجاجات، لأننا كنا في عهد الزعيم المُلهم، فكيف يُعاقب من نصره على سواه من المتقدمين؟!"
    (من رسالته المؤرخة في 3/6/1996م)
    11-النقد الإلكتروني:
    آخر "صيحة" في حياتنا الأدبية هي الكمبيوتر الذي يُطلق عليه أحياناً اسم "الحاسوب"، وفي أحيان أخرى الحاسب الآلي، وكذلك شبكة "الإنترنت". ويقولون إن هذين المخترعين التكنولوجيين سيقومان بجميع الوظائف التي يؤديها العقل البشري. وحسب المرء أن يضغط على هذا الزر أو ذاك، فيحصل في التوِّ واللحظة على ضالته، وعندئذ يُحيل عقله إلى التقاعد، فلم تعُد له ضرورة أو وظيفة.
    ولست ممن يُنكرون على هذه الأجهزة "عبقريتها" الآلية، فهي تقوم فعلاً بأعمال حسابية أو "أرشيفية" مُفرطة الضخامة. ولكن هناك سؤاليْن لا بد من إثارتهما، أولا: منْ هو الذي اخترع هذه الآلات؟ أليس هو العقل البشري الذي سخّرها لخدمته بعدما أنطق الحديد الذي صُنِعت منه؟ وأما السؤال الثاني فهو: مَنْ هو الذي لقَّم أو لقَّن هذه الآلات كلَّ ما خزَّنتْه في جوْفها من بيانات ومعلومات صار في الوسع استحضارها بلمس زرار هنا أو زرار هناك؟ فالعقل البشري هو الذي وضع لهذه الأجهزة برامجها، وهو الذي أدخل فيها البيانات المطلوبة، وهو الذي حوّلها إلى مستودع منظّم لآلاف أو لملايين المفردات.
    وإذا كان الكمبيوتر قد أفلح فعلاً في استيعاب مواد المعجم، بحيث يُسعِف الباحث إذا أعوزه الوقوف على معنى كلمة بعينها، فهل يستطيع الكمبيوتر أن يُترجم نصا أدبيا أو عقدا قانونيا أو مادةً علمية؟ المؤكّد أن هناك استحالة حالية ـ ربما أمكن التغلب عليها في المستقبل ـ في قيام الكمبيوتر بهذا العمل. وهل يستطيع الكمبيوتر أن ينظم قصيدة من أي بحر من البحور؟ المؤكّد أنه غير مؤهل أصلاً للقيام بمثل هذا العمل. وهل في وُسع الكمبيوتر أن يُبدع رواية أو حتى أقصوصة؟ هذا أمر من رابع المستحيلات. فسيبقى الإبداع والخلْق حكراً على العقل البشري، ولو إلى حين.
    ومن زاول الترجمة ـ مثلي ـ يعرف أن الترجمة ليست مجرد رص كلمات عربية مقابل كلمات إنكليزية أو إفرنسية استخرجها من القاموس، ولو كان قاموساً كمبيوتريا، وإنما يحتاج المترجم إلى فهم المعاني التي تشي بها الألفاظ، ثم نقل هذه المعاني إلى اللغة التي يكتب بها مع مراعاة السلاسة اللغوية المطلوبة والصقل الأسلوبي الجميل، ولا قِبَل للكمبيوتر بالنهوض بهذا العمل، وقصاراه أن يُقدِّم للمترجم ألفاظا يرصُّ بعضها إلى جوار البعض الآخر بنفس الترتيب في اللغة الإفرنجية، فتخرج الترجمة ركيكة متداعية البناء، غير مفهومة، وربما جاءت مُضلِّلة.
    وشبكة الإنترنت هي بدورها محصِّلة جهود بشرية كثيفة لقنتها فنوناً ومعارف ومعلومات كثيرة يُمكن استرجاعها في لحظة. وما الجهود البشرية القائمة بالتلقين والتلقيم إلا من نتاج العقل البشري الذي يحتمل الخطأ والصواب. فالآلة تُعطيك ما سبق لك أو لغيرك أن أعطاها دون زيادة أو نقصان. وستبقى الآلة آلةً، ويبقى العقل البشري عقلاً مُبدعاً منجاباً يخترع مزيداً من هذه الآلات، ويُضيف إليها مزيداً من مخزون المعارف والمعلومات التي يُستطاع استدعاؤها على النطاق العالمي.
    ولا تظنني أُحاول الإقلال من القدرة الخارقة لأجهزة الكمبيوتر والإنترنت، وإنما أبتغي التأكيد على أن هذه المستحدثات، وما يُستجدُّ منها، هي ثمرة العقل البشري القادر على أن يتحكّم فيها بالعمليّات التي يسمُّونها بـ"الإدخال" إلى مستودعات هذه الآلات.
    ولكن: هل يستطيع الكمبيوتر أو الإنترنت أن يقوم بنفسه أو بمبرمجيه بنقد كتاب أدبي أو نظم قصيدة عاطفية أو صنع عمل روائي؟ لا أظن أن هذا مستطاع في المستقبل القريب، لأن هذه الأعمال جميعاً من نتاج العقل البشري المبدع وحده.
    وإذا استطاع الكمبيوتر أو الإنترنت الحلول محل العقل المبدع، فلتذهب جميع جوائز نوبل في المستقبل إلى هذه الأجهزة، مادامت قد استطاعت إلغاء العقول وإلغاء العواطف معها. ومازال يصدق في الإنسان قول الشاعر:
    وتحسَـبُ أنَّكَ جُــرْمٌ صغيرٌ وفيكَ انْطوى العالَمُ الأكْبَــرُ
    (من رسالته المؤرخة في 15/3/1998م)
    12-أمهات المسائل!:
    "أبدأ بمعانقتك مهنئاً بالدكتوراه التي ظفرت بها بعد طول تدلل و"مُلاوعة"، وعسى أن يُيسِّرها الله لما خُلِقت له، فتوطِئ لك مناصب الأستاذية في الجامعات، وبذلك تتوب توبةً نصوحاً عن "شغل الخوجات" في المدارس دون الجامعية. ومعذرة لتأخري عن … تهنئتك مع أنني وقفتُ على أخبار فوزك من بعض الصحف، ثم من الأخ العزيز [عبد الله السيد] شرف وحوارييه، كما أنني لاحظت اسمك مسبوقاً بحرف الدال في بعض المجلات فاطمأن قلبي. وما تقصيري إلا لانشغالي بأمهات المسائل ـ على وزن "أمهات المعارك"( ) ـ وما "أمهات المسائل" إلا الرطانات وأسباب الرزق".
    (من رسالته المؤرخة في 11/5/1991م)
    13-رسائل الأدباء:
    "أنت تسألني عن رسائل الأدباء، ولِمَ لا أنشرها خدمةً للأدب، ولا سيما إذا تناولت موضوعات عامة لا خاصة. وأحب أن أُوضِّح لك أن تاريخ الأدب لا يهمني، فلست مؤرِّخاً للأدب ولا مسؤولاً عن أموره. والذين كانوا يكتبون إليَّ، والذين مازالوا يكرمونني بثقتهم فيكتبون إليَّ، قد اطمأنوا إلى جانبي، وصاروا يفتحون لي قلوبهم، ويُسِرُّون إليّ بما لا يُحبون لغيري أن يعرفه. فكيف أخون هذه الثقة وأُبادر إلى نشر رسائلهم إنصافاً للتاريخ الأدبي المزعوم؟
    ثم إنني لا أحب أن "أُتاجر" في قلوب الأصدقاء، لأن نشر الرسائل باسمي، معناه البحث عن مغنميْن أحدهما أدبي والآخر "فلوساني" ـ وهو تعبير أردت أن يكون مُضحكا! ـ وما أنا بهذا التاجر. ناهيك بأن الرسائل الأدبية كثيراً ما تؤدّي إلى نتائج عكسية. فقد أراد أخونا الشيخ محمود أبو رية بنشره رسائل الرافعي أن يرفع هذا الرجل في أعين الناس. فجاءت الأخت نعمات أحمد فؤاد ثم الشاعر العوضي الوكيل واستخرجا من هذه الرسائل ما برهنا به على أن الرافعي كان مريضاً وبغير أخلاق! فهل خدم أبو رية الرافعي أو هل أساء إليه؟ أو تراه خدم التاريخ الأدبي؟
    أيا كان الرد على هذا السؤال، فإنني شخصيا أحب أن أخرج من هذه الدائرة. ومن حقي أن أعد رسالة جاءتني من صديق ضرباً من ضروب المناجيات التي يفرح بها قلبي وحده، وهذا حسبي!
    وإن كنتُ في قرارة نفسي أرجو أن يأتي وقت ـ ولو بعد ألف سنة ـ يقوم فيه نبّاش مُنقِّب بالبحث عن رسائلي، وهي آلاف في أيدي الناس، وينشرها على الملأ، ليعرف الناس أنني حين ضاقت أمامي أبواب المُجاهرة بالرأي في الصحف وفي الكتب، قد "فضفضت" عمّا في صدري في رسائلي، وقلت ما شئت في أنظمة الطواغيت وفي سفّاحي الفكر، وأنني أبيت أن أُنافق في مواكب البهلوانات مؤثراً كرامة الكبرياء مع الصمت، على ذلة الخنوع مع الجعجعة والنجاح".
    (من رسالته المؤرخة في 28/4/1975م)
    14-وافق شن طبقة!:
    «نشرت الصحف أن الزعيم المهيب صدّام حسين سيؤلف رواية أسوةً بزميله في المهابة معمر القذّافي، ووافق شن طبقة! ولا أستبعد طبعاً أن يتقاسما جوائز الأدب لأنهما أحق بها من الأدباء المتاعيس! الدنيا تجدُّ وعالمنا العربي يهزل، أمّا الشعوب فقد «ماتتْ لعمري مماتاً لم يُقَسْ بمماتِ»! كما قال حافظ إبراهيم».
    (من رسالته المؤرخة في 12/2/2000م)
    15-أتابع .. كمتفرج!:
    "ليست لي "خلطة" بالحياة الأدبية عندنا، ولذا أُتابع أخبارها من الخارج كمتفرج".
    (من رسالته المؤرخة في 25/10/1997م)
    16-قصة «روبرتا»:
    «قصة «روبرتا» تتعلق بفتاة أمريكية نقلتُ عنوانها من لوحة إعلانات جامعتنا وشرعتُ في مراسلتها بناء على رغبتها ـ وكان ذلك في أثناء الحرب العالمية الثانية ـ وكان بعض الرسائل يصل بالبحر طبعاً، لأن الجو كان مخصصاً للأغراض العسكرية وحدها ـ والبعض الآخر يفقدُ في الطريق بسبب نسف السفن بالطوربيدات النازية. وكان طبيعيا أن يتم تجنيدها في القوات الأمريكية مما جعلها تنتقل من مكان إلى مكان، وكانت رسائلها بالتالي ترد بعنوانات مختلفة. والغريب أنها عملت في قاعدة الظهران، فلما زرت الظهران كانت قد غادرتها إلى قاعدة هويلس في طرابلس الغرب. ولما ذهبتُ إلى طرابلس كانت قد نُقلت إلى مكان آحر، ثم انقطعت رسائلها نهائيا، وارتدّت إليَّ آخر رسالة بعثتُ بها إليها. ولكنها لم تبخل عليَّ بصورها الفوتوغرافية، وكانت جميلة حقا».
    (من رسالته المؤرخة في 1/10/2000م)
    17-ما جدوى الكتابة؟!:
    «ظللتُ عاميْن كامليْن أكتبُ فصولاً منتظمةً في جريدة «البيان» اليومية في دبي بتكليف من محررها ـ وهو صديق قديم لي ـ وكان يهتم بإبراز المقالات بعنوانات ضخمة، ويطرزها بالصور، وينشر صورة الكاتب مع كل مقال. وكنتُ أحسب أنني قد أصبتُ شهرةً واسعة في الإمارات. فلما جمعتني مُصادفات ببعض القادمين من الإمارات، وقام صديق بتقديمي إليهم لم يُبْدوا ما يدل على أنهم سمعوا باسمي من قبل!. وحرصتُ من ناحيتي على ألا أُشير إلى كتاباتي الأدبية في صحفهم لئلا يكون في ذلك اتهام «بالأمية!». والمعنى الذي استخلصته من ذلك هو أننا نؤذِّن في مالطة، وأننا نكتب لقوم لا يقرأون أو أن كتاباتنا لا تستحق عناء القراءة».
    (من رسالته المؤرخة في 28/11/1986م)
    18-أنا المرحوم فلان!:
    «في أثناء غيابي في دمشق ، نشرت جريدة «الأهرام» نعياً لشخص يتطابق اسمه مع اسمي، مما جعل كثيرين يتوهّمون بأنني صرتُ في الراحلين، وبعد عودتي بيومين دق الهاتف، وقال المتحدث: هل هذا منزل المرحوم فلان؟، فقلتُ له: بل أنا هو المرحوم! وأطلق صيحة فرح قائلاً إنه سأل جميع من يعرف من الأدباء، فأكّدوا له أن النعي خاص بي، ووعَدَ بأن يصحح لهم معلوماتهم.
    (من رسالته المؤرخة في 10/12/1995م)

  3. #3
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    وديع فلسطين: شاهد على عصره
    -------------------

    19-شارع وديع فلسطين:
    «اعترضتُ على اقتراح صحفي تونسي بإطلاق اسمي على أحد شوارع تونس حتى لا يُبتذل كما ابتذل اسم العقاد في الشارع الذي يحمل اسمه، فقال لي [الدكتور محمد رجب] البيومي: وما الذي يضيرك لو حدث هذا؟ انظر إلى الشارع الذي يحمل اسم مؤسس مصر الحديثة (شارع محمد علي، وهو شارع العوالم)، أو الشارع الذي يحمل اسم أول مؤسس لمدرسة طبية في مصر (شارع كلوت بك ـ وكان شارع البغاء قبل إلغائه!). وعلى كل حال، لا أرغب أن أكون من «أولاد الشوارع»!!.
    (من رسالته المؤرخة في 18/10/1998م)
    20-هكذا استولى «المهابيط» على حياتنا الأدبية!:
    "عندي حكايات كثيرة تؤكِّد لي أن أمثالنا مطرودون من الحياة الأدبية نهائيا، بعدما سيطر عليها من أسميهم بـ"المهابيط" ـ أي الذين هبطوا عليها من حالق دون أن تكون لهم بالأدب أو بالفكر أو بالكتابة صلة سابقة ـ و"المهابيط" تعبير طريف سكَّه صديقنا الأديب المهجري نظير زيتون للدلالة على الهابطين بمظلات "الباراشوت!"، وأُعفيك من سرد هذه الحكايات المُضحكة المُبكية".
    (من رسالته المؤرخة في17/1/1998م)
    20-سبحان مقسم الحظوظ!:
    «تلقيتُ من أمريكا نسخة من ترجمة جديدة لكتاب «النبي» لجبران خليل جبران، أعدّها فلسطيني مهاجر اسمه نويل عبد الأحد، ولستُ أعرفه، ولكنني أعرف شقيقه يوسف عبد الأحد المقيم في دمشق، والذي يحتفظ بأرشيف ضخم في بيته للأدباء المُعاصرين. وكتاب «النبي» ترجم للعربية عدة مرات، وهو يمثل فلسفة جبران. وكنتُ من سنوات اطلعتُ على تقارير أعدتها منظمة اليونسكو الدولية عن ترجمة كتب المؤلفين العرب، فاحتل جبران رأس القائمة دون مُنازع، وترجم هذا الكتاب إلى جميع لفات العالم، وبيعت منه ملايين النسخ. وسبحان مقسم الحظوظ، فقد مات جبران فقيراً مسلولاً».
    (من رسالته المؤرخة في 7/2/1999م)
    21-رسائلي والأصنام!:
    «استأذنتني الأخت العزيزة سلمى الحفار الكزبري في نشر رسائلي إليها في كتاب يضم ما تلقّته من رسائل الأدباء ورجال السياسة في نصف قرن، وسينشره رياض الريس في لندن. ولم أُمانع في ذلك طبْعاً، وإن كنتُ نبَّهتُها إلى أن في رسائلي نقداً لاذعاً للأوضاع السائدة في عالمنا العربي الكسيح بسبب زعاماته الباطشة مثل الشيشكلي وعبد الناصر والقذافي وصدام والبشير وما ملكت أيمانكم! وما أصدق الشاعر عمر أبو ريشة القائل:
    أمتي كمْ صَـنَمٍ مجَّدتِهِ لم يكنْ يحملُ طهْرَ الصَّنَـمِ
    (من رسالته المؤرخة في 20/11/1998م)
    22-وضع أدبي هو المأساة!:
    «من فترة قرية زارني طالب يعد أطروحة ماجستير عن الشاعر حسن كامل الصيرفي (1908-1984م)، وشكا لي من أنه بحث في مكتبات الجامعة وفي دار الكتب الوطنية عن شعره المنشور في دواوين، فلم يُصب أي توفيق، فقلتُ له: إذا كانت دواوين الصيرفي الذي عاش بيننا إلى وقت قريب ونشرها في مصر غائبة عن المكتبات، فماذا نقول عن دواوين لشعراء رحلوا من سنوات سحيقة وطبعوا آثارهم خارج مصر؟ إن هذا الوضع الأدبي هو والمأساة سواء، إذ كيف تستقيم دراسة جامعية أو أدبية ومراجعها غير متوافرة في أيدي الباحثين؟ ولهذا أعذر الناشرين اللبنانيين «الشطار» الذين يستحيون الكتب النافدة بإعادة طباعتها دون استئذان أحد: وبهذا يوفرونها للباحثين الذين لا تهمهم أن تكون الطبعة أصلية أو مزوّرة، وكل ما يعنيهم هو أن يكون الكتاب بين أيديهم».
    (من رسالته المؤرخة في 12/2/2002م)
    23-مؤتمرات القمة والحضيض:
    «يُقام حاليا في شهر يوليو القائظ مؤتمر للمثقفين العرب، دُعِي إليه عشرات من المدعوّين من البلاد العربية وأوربا وأمريكا. وستُلقى في المؤتمر عشرات ـ بل مئات ـ من الكلمات التي لا تلبث أن تتبخَّر في الهواء، دون أن تترك أثراً. فلا الحكومات تهتم بكلام المثقفين، ولا الصحف تهتم بنقل ما يدور في هذه المؤتمرات. وهل أسفرت مؤتمرات القمة والحضيض عن أي نتيجة تنتشل العرب من الهوة السحيقة التي سقطوا فيها؟ ... ».
    (من رسالته المؤرخة في 2/7/2003م)
    24-صافي ناز كاظم وسيد قطب:
    «عندما علمت صافي ناز كاظم أن لديَّ عدداً من رسائل سيد قطب كان يبعث بها إليَّ من أمريكا عندما كان يدرس هناك، طلبت مني أن أوافيها بصورة منها. فقلتُ لها: إن هذه الرسائل لا قيمة لها من الناحية الأدبية، فأصرّت مع ذلك على الحصول عليها، وقمتُ فعلاً بتصويرها وإرسالها إليها، ثم أخبرتني بأنها جعلت منها موضوع مقال لمجلة «الهلال»، والمفروض أن يظهر الشهر المقبل».
    (من رسالته المؤرخة في 13/11/2001م).

  4. #4
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    وديع فلسطين: شاهد على عصره
    -------------------

    (نقلاً من موقع "لها أون لاين")
    الأديب الكبير وديع فلسطين: هذا هو دور المرأة في حياتي
    أجرى الحوار: علي محمد الغريب
    وديع فلسطين (1923م) أديب كبير يقدره الأدباء العرب حق قدره، وإن لم تلفت إليه الأجهزة الثقافية فتعطيه بعض حقه، كما تفعل مع أشباه الكتاب والأدباء!
    ووديع فلسطين ـ كما يصفه صديقه الدكتور حلمي القاعود ـ من جيل عركته الحياة، واحترم القيم الرفيعة، بل اعتنقها حتى صارت جزءاً من سلوكه وفكره.
    حول المرأة:الأم، والأخت والزوجة والابنة، وأخيراً الأدب النسائي كان هذا اللقاء مع الأديب الكبير:
    المرأة رفيقة الدرب
    *بعد هذه الرحلة الطويلة مع الحياة والناس والأدب.. بماذا تحتفظ في ذاكرتك للمرأة؟
    المرأة هي الأم والأخت والزوجة والابنة، وكذلك المدرِّسة والزميلة والأم الروحية والطالبة. ومن توفيق الله أنه لم يضنّ عليَّ بهذه النعمة الكبرى، حيث كانت المرأة رفيقة الدرب في جميع مراحل العمر.
    فالأم هي التي تعهدتني بالتربية والتقويم منذ السابعة من عمري عندما توفى والدي، فاضطلعت منذ ذلك الوقت بالدور المشترك للأب والأم، فضيَّقت على نفسها واحتملت مشاق الحياة وساعدتني بالتضحيات الجسام على تحقيق طموحي في الحياة، وعاملتني كشقيق عندما استويت على قدمي، وكانت تحرص كل يوم على قراءة مقالات الصدر التي كنت أكتبها في جريدة "المقطم" على الرغم من عدم اهتمامها بمجريات الحوادث وأخبار السياسة، وشجعتني على السفر للخارج على الرغم من أنَّها ـ بحكم صعيديتها ـ كانت تخشى عليَّ من الغوايات التي يتعرَّض لها الشباب عندما ينطلقون في عالم منفلت من القيود والتقاليد التي تزداد تزمتاً في الصعيد الجوَّاني. ومع أنَّ زوجها توفى وهي ما زالت في شرخ الشباب؛ فقد عاشت في زهد الترمّل لكي تربي أبناءها وبناتها، ولم تخلع السواد إلى أن وافاها الأجل، وفاءً منها لزوجها الذي أخلصت لذكراه راضية بحظوظها من الدنيا حتى ولو عانت شظف العيش.
    أمَّا الأخت، فقد أنعم الله عليَّ لا بأخت واحدة، بل بأخوات، كنَّ لي جميعاً أبرَّ الأخوات، ولا أذكر أبداً أنه شجر بيني وبين إحداهن أيّ سوء فهم أو خلاف، وما زلت أنعم بمودات الشقيقات وصحبتهن، فأرى فيهن جزءاً من روحي موزعة بينهن.
    وأما الزوجة، فقد احتملت بصبر وتسليم ما تعرضت له من انكشاريات الحياة في رحلة العمر؛ لأنني اخترت لنفسي مهنة الصحافة، وهي لم تعد مهنة البحث عن المتاعب، بل صارت مهنة تثير حولها الشكوك والريب من أجهزة الأمن والاستخبار ومن العسكر والثوار. فعندما خطبت زوجتي كنت "خالي شغل" بعد ما أغلقت الجريدة التي كنت أعمل بها، وتعرَّضت بعد ذلك للبطالة غير مرة، سواء بإغلاق المؤسسات التي عملت فيها بعد ما سُدَّت في وجهي جميع أسباب العمل في الصحافة، أو بعد ما طردني نظام القذافي من ليبيا في أربع وعشرين ساعة دون تعليل، أو عندما فصلني نظام الخميني من عملي في سفارة إيران بالقاهرة، وهو العمل الذي لم أهتد إلى سواه في ظل تأميم الصحافة المصرية وغزوها بجحافل العسكريين الذين قيل لهم كونوا صحفيين فكانوا، بل قيل لواحد منهم كن نقيباً للصحفيين فكانه! ولا غرو أنَّ أمنى بهذه الانكشاريات؛ فقد كان أول عهدي بها عندما اعتقلني نظام عبد الناصر في عام 1952 بعد ثلاثة أشهر من قيام ثورته دون أي تعليل.
    وأمَّا الابنة؛ فهي من أعظم النعم التي أفاء الله بها عليَّ، وهي ما زالت ـ برغم التزاماتها في العمل وفي الأسرة ـ ترعى شيخوختي وتواليني بعنايتها، وكانت لي الملاك الرؤوم الذي رافقني في رحلة المرض وغشيان المستشفيات، وما زال هاتفها اليومي يملأ بالسكينة نفسي ويمنحني الطمأنينة؛ لأنَّ عينها ساهرة على أبيها.
    وأمَّا المدرِّسة، فقد صادفتها في المرحلة الثانوية عندما كنت أدرس في مدرسة إنكليزية، وكانت إدارة المدرسة تستعين بمدرسات قادمات من إنكلترا لمساعدة الطلاب على إتقان اللغة الأجنبية الأولى. وقد عاصرت اثنتين من هؤلاء المدرسات اللائي كن في حقيقتهن مربيات فضليات، يعاملن طلابهن في الفصل بصرامة النظام مع نسمة من الحنان الدافق. وآية ذلك أنَّ هاتين المدرستين كانا تدعواننا بعد انتهاء اليوم الدراسي لتناول الشاي والكعك من صنع اليدين في المنزل المخصص لكل منهما أعلى المدرسة. فإذا أصبحنا ضيوفاً على المدرِّسة، عاملتنا وكأننا أصفياء معزَّزون تقوم على خدمتهم المدرِّسة بكل رقة وحنان، فتؤكد لنا أنَّ التعليم إن لم يقترن بتربية ورعاية، فهو يعدُّ رسالة منقوصة. وبعد نحو نصف قرن من مغادرتي للمدرسة الثانوية، جاءت واحدة من المدرستين لزيارة القاهرة، وكم أسعدني أن تتصل بي وأن تزورني في بيتي وأن تقول لي أنَّ أبناءها الطلبة لم يغادروا ذاكرتها على مدى عمرها الطويل، وظلَّت بعد ذلك تراسلني إلى أن لقيت وجه ربها.
    وأما الزميلة، فقد عرفتها في المرحلة الجامعية، حيث كان النظام في الجامعة الأمريكية يلغي الفوارق بين الجنسين إعلاء لقيم الزمالة التي كنا نستمتع بها في الفصل وفي قاعة الطعام وفي الملاعب الرياضية، وفي الأندية الجامعية المختلفة، وفي أنشطة التمثيل والمسابقات والحفلات والرحلات، ولا بأس أن أذكر أنَّ من زميلاتي النابهات عزيزة حسين، ذات النشاط المرموق في الأمم المتحدة، كما أنها قامت بدور زوجة السفير المصري في واشنطن. كما أذكر الأديبة الفرنسية الذائعة الصيت "أندريه شديد" التي فازت بعدة جوائز عالمية عن أعمالها الروائية والشعرية.
    وأما الأم الروحية، فقد سعدنا بأمومتها الباذلة عندما كانت تستضيف الطلاب في بيتها أعلى الجامعة في فترتين صباحية ومسائية، فيتناولون عندها الشاي والكعك من صنع يديها، ويجلسون حول مائدتها المستديرة الصغيرة يسمعون منها توجيهاتها بعد ما تكون قد وقفت على مشكلات كل طالب، وهذه الأم الروحية هي زوجة المستشرق الدكتور "تشارلس أدامز" مؤلف كتاب "الإسلام والتجديد" الذي ترجمه إلى العربية عباس محمود ـ ويخطئ كثيرون فينسبون هذه الترجمة إلى عباس محمود العقاد، وبقينا نتردد على هذه الأم الروحية حتى بعد تخرجنا؛ لاهتمامها بمتابعة أخبارنا وعقد الصلات بين جيلنا والأجيال الشابة التي جاءت بعدنا.
    *عرفنا أنك قمت بتدريس الصحافة بالجامعة الأمريكية لمدة طويلة.. فكيف كانت علاقاتك بطلابك وطالباتك؟
    تهيأ لي أن أتواصل مع الطلاب عندما عملت بتدريس علوم الصحافة في الجامعة الأمريكية على مدى عشر سنوات. وفي حين كنت أطبق الأنظمة الجامعية من حيث المستويات الأكاديمية المطلوبة، إلا أنني كنت أقدِّر أنَّ هناك صعوبات يواجهها الطلاب والطالبات، فكان مذهبي أن أساعد الضعيف حتى يقوى، وأعين من يواجه قصوراً على التغلب على قصوره. وكان هذا ينطبق على الطالبات والطلاب دون تفرقة، متوخياً في الحالين أن أكون مجرَّد أستاذ لا يتجاوز مهامه الأستاذية إلى إنشاء علاقات شخصية تنعكس على التحصيل الدراسي. صحيح أنني كنت أصغى بتعاطف إلى أي طالبة تقصدني في شأن من شؤونها الخاصة.
    ولكنني كنت في جميع الحالات أؤكد للطالبة أنَّ ما أبديه من رأي هو مجرَّد رأي استشاري، لها أن تأخذ به أو تطرحه، فالمشكلة مشكلتها الخاصة، وهي أدرى بجميع أبعادها، وما أنا إلا متفرج على هذه المشكلة من بعيد. فإن عادت إليَّ الطالبة، أدركت أنَّ مشكلتها لم تجد حلاً، أما إن لم تعد، فأستنتج من ذلك أنَّ المناقشة معها قد ساعدتها على أن تلتمس لمشكلتها حلاً بنفسها.
    المرأة في الحياة العملية
    حدثنا عن مزاملتك للمرأة.. كيف كانت وما الفرق بين مزاملة الرجل للمرأة الأمس واليوم؟
    بعد المرحلة الجامعية التي تزاملت فيها مع المرأة زمالة موحية عملت في إدارة جريدة "الأهرام" وكانت إذ ذاك مستعمرة للرجال، فلم تكن فيها أنثى واحدة، لا في أقسام الإدارة ولا في أقسام التحرير. وحتى الدكتورة بنت الشاطئ التي كانت تنشر مقالاتها في الجريدة، لم يكن لها مكتب في الدار، وإنما كانت تبعث بمقالاتها بالبريد من بيتها في دمياط. وعندما فوجئت ذات يوم بزميلة جامعية تزورني في مكتبي في "الأهرام" شخصت جميع الأبصار نحوي وصرت أشهر شخص في الإدارة؛ لأنَّ الزيارات النسوية كانت بالغة الندرة، وعندما أزور جريدة "الأهرام" اليوم وأرى المئات من السيدات يعملن فيها في كل أقسامها، بل يسافرن للعمل في مكاتبها في الخارج، أزداد ثقة بأنَّ عهود "مستعمرة الرجال" قد ولَّت إلى غير رجعة.. فالمرأة قد حطَّمت جميع الحواجز، وقفزت فوق الموانع وتحدَّت الأصوات الداعية إلى البقاء في البيت، وخرجت تزاحم الرجال في جميع مرافق الحياة.. وبفضل هذا الاختلاط، أصبح من المألوف أن نقرأ عن صحفي شاب تزوج من زميلة له في العمل، أو عن موظف في بنك تزوج من زميلة لـه في نفس البنك، أن عن طبيب تزوج من طبيبة كانت زميلته في الكلية أو المستشفى، وإن دلَّ هذا على شيء، فإنما يدل على أنَّ علاقة الزمالة ـ سواء في الجامعة أو في العمل ـ هي عامل حاسم في ائتلاف القلوب وبناء الأسرة؛ لأنها علاقة تقوم على التفاهم المشترك الذي يجري بصورة طبيعية ودون تكلف، ممَّا يبشِّر بتحقيق السعادة الكاملة بينهما.
    ولا بأس أن أذكر واقعة تتعلق بالمرأة العاملة، ساهمت في رفع الضيم عنها، فقد اعترضت سبيلي وأنا أسير بجوار البنك المركزي شابة لا أعرفها، واستوقفتني قائلة إنها تعرف بأنني صحفي لأنها تراني كل يوم في الترام أحمل أكداساً من الصحف أستغرق في قراءتها. وقالت إنها تعمل موظفة في هذا البنك مع زميلات أخريات لها، ولكن إدارة البنك طالبتهن عند التعاقد للعمل فيه على التوقيع على إقرار بعدم الزواج، وإن خالفته جرى فصلها. وقالت إنَّ هذا ظلم بيِّن لها ولزميلاتها، فهل كتب عليهن أن يعشن عوانس لمجرَّد قبولهن العمل في البنك المركزي؟ ولماذا تنفرد موظفات البنك المركزي بهذا الإجراء الشاذ في حين أنَّ جميع المرافق في البلاد تسمح للعاملة بالزواج؟ فوعدتها بأن أتبنى قضيتها العادلة.
    ولأنني لم أكن أملك منبراً صحفياً في ذلك الوقت بعد إغلاق جريدتي؛ فقد قررت أن أكون مستعيناً بغيري، فلجأت إلى الصحفي محمد التابعي الذي كان يحرر في مجلة "آخر ساعة" باباً لرسائل القراء، ينشرها ثم يعلق عليها تعليقاً بصيراً. فانتحلت صفة هذه الموظفة ووجهت رسالة إلى التابعي شرحت فيها شكواها من الحكم عليها وعلى زميلاتها بالعنوسة وحرمانهن من حق الزواج. وقلت للتابعي إنني لا أستطيع أن أكشف عن شخصيتي لئلا أعاقب بالفصل، ولهذا حجبت اسمي. فنشر التابعي هذه الرسالة، وعلق عليها تعليقاً حاسماً، داعياً البنك إلى إلغاء هذا النظام الظالم. ولم يكد محافظ البنك يطلع على هذا الموضوع، حتى أمر بإلغاء هذا النظام فوراً والسماح لجميع العاملات بالزواج، وتبيَّن وقتها أنَّ عدداً من العاملات كن متزوجات سراً.
    المرأة كحافزٍ على النجاح
    *هل ثمة دور للمرأة في حفزك على الكتابة؟
    لست أنكر أنني في محاولة للتغلب على بساطة نشأتي بالمقارنة بزميلاتي الجامعيات القادمات من أسر ميسورة الحال، أدركت أنَّ الاجتهاد في التحصيل هو سبيلي إلى تأكيد ذاتي أمام هؤلاء الزميلات، فلئن تفوقن عليَّ بمظاهر الثراء فقد نجحت في التفوق عليهن باجتهادي العلمي ـ حتى صار اسمي يحتل قائمة الشرف التي كان عميد الكلية يصدرها بعد انتهاء كل فصل جامعي. فقد كانت المرأة، سواء أدركت ذلك أو لم تدركه ـ حافزاً لي على التفوق، وهو حافز ظلَّ يلازمني في رحلة الحياة على الرغم من المثبطات الكثيرة التي اعترضت سبيلي.
    صحيح أنَّ الكاتب يغتبط إذا عرف أنَّ له قراء يعجبون بكتاباته، إلا أنَّ فرحه يتعاظم إذا عرف أنَّ هناك معجبات يتابعن آثاره القلمية، ولا يكتمن مشاعر التقدير، سواء عبرن عن ذلك في كلام منشور أو في رسائل شخصية، أو في مكالمات هاتفية.
    وإذا كان الشعراء يزعمون أنَّ للشعر شياطين يلهمونهم معانيهم، فكل الشعراء يستمدون الإلهام الحقيقي من المرأة، وأجمل الشعر هو الذي يُستوحى من الملهمات.
    المرأة الناجحة
    من هي المرأة الناجحة في نظر وديع فلسطين؟
    المرأة الناجحة هي التي تستطيع إقامة توازن سليم بين مطالب أنوثتها، بأن يكون لها بيت وزوج وأولاد، وبين مطالب حياتها العملية إن اختارت أن تخرج للعمل، ولا يصح في اعتقادي التضحية بأي من هذه المطالب لتعظيم المطالب الأخرى، فإذا عملت المرأة، وجب ألا يكون ذلك على حساب بيتها وأسرتها وأولادها، لئلا تصبح ناجحة في العمل، فاشلة في البيت!
    وإن اختارت المرأة أن تتبنى قضايا المجتمع، كأن تعمل في النشاط السياسي أو الاجتماعي؛ فإنَّ المرأة الناجحة في هذين المجالين هي التي تستطيع إثبات نفسها لا باكتساب شهرة تلمِّع بها شخصيتها، بل بالتفاني في أداء الدور الذي نذرت نفسها له، وبما يتحقق على يديها من نتائج ملموسة تستشعرها الجماعة. فليس مهما أن تطاردها الأضواء، ولا سيما إن كانت طاغية الأنوثة، ولكن المهم أن تترك أثراً باقياً مذكوراً لها في سجل الشرف.
    الأدب النسائي
    مار رأيك فيما يسمى بالأدب النسائي؟
    لست ممن يرتضون تصنيف الأدب إلى أدب قديم وأدب حديث، أو إلى أدب رجالي وأدب نسائي، فالأدب الجيّد هو الذي لا يختفي كما تختفي "الموضات" في الثياب، وإنما يبقى فلا تبلى جدته على ترادف الأيام. فما زلنا نتذوق شعر المتنبي وكأنه معاصر لنا، وما برحنا نستشهد بشعر شوقي وكأنه باق بيننا.
    وما ينطبق على تصنيف الأدب إلى قديم وجديد؛ ينطبق على تصنيفه بأنه أدب رجالي ونسائي، فالمهم عند القارئ ـ والناقد أيضاً ـ أن يجد في ما يطالعه متعة روحية وإشباعاً فنياً، فالذي يطالع آثار الدكتورة بنت الشاطئ مثلاً، لا يقع على فروق ذات بال بين ما تكتبه وما يكتبه الرجال، بل لقد اتهمت ظلماً بأنَّ وراء آثارها زوجها الشيخ أمين الخولي. وهذا يصدق أيضاً على آثار الدكتورة سهير القلماوي، وكثيرات غيرها، فإطلاق تعبير "الأدب النسائي" على ما كتبه المرأة لا يخلو من كثير من الخلل؛ لأنَّ التعميم لا يصلح في قضايا الأدب.
    ولكن إذا انتقلنا إلى ميدان الشعر والرواية، وهما ميدانان تتجلَّى فيهما شخصية الشاعر أو الروائي، فقد يختلف الأمر نوعاً ما؛ لأنَّ المرأة الشاعرة أو الروائية معرَّضة لأن تسكب من مشاعر أنوثتها ما لا يستطاع نسبته إلا إليها، فهي أعرف بنوازعها وأكثر إحساساً بمشاعرها من الرجل، فتجيء آثارها بناء على ذلك مفعمة بروح الأنوثة التي ليس منها فكاك، حتى وإن أدارت الخطاب على لسان رجل. فإذا تناولت شاعرة أو روائية موضوعات مثل الأمومة أو الحمل أو الولادة أو ما تتعرَّض له المرأة من قهر أو إكراه، فالأرجح أن يجيء تصويرها لهذه المواقف تصويراً نسائياً مجرَّداً قد لا يستطيع الرجل مجاراتها فيه. أمَّا في قضايا الحب والهجر والخصام والأشواق وما إليها، فقد ينجح الشاعر أو الروائي في تصوير هذه المواقف تصويراً حياً ربما عزَّ على المرأة مجاراته فيها. وآية ذلك، أنَّ الشاعر نزار قباني والروائي إحسان عبد القدوس قد استطاعا أن يتغلغلا في دخائل المرأة، وأن يصوِّرا مشاعرها في الإقبال والصد والإدبار، ربما تفوقا فيه على المرأة نفسها!
    *ما رأيك في هذه الموجة الطاغية من كاتبات يكتبن للجسد وعن الجسد؟
    لعلَّ الاتجاه الطاغي حالياً في كتابات النساء إلى إبراز قضايا "الجسد" بأساليب كاشفة ودون التستر وراء عبارات رمزية، هو من المحاولات النسائية لإظهار قدرة المرأة على التعبير "البيولوجي" عن رغائبها ونزواتها، وكذلك شطحاتها، والأديبة الراحلة أليفة رفعت قد انطلقت في هذا الميدان حتى كتبت أقاصيص عن السحاق وعن اتخاذ الحبيبة بديلاً عن الزوج في أداء وظائفه، وعن فضول المراهقات والمراهقين لاكتشاف وظائف الأعضاء لدى كل منهما، وغير ذلك من الموضوعات التي لم ينازعها فيها أحدٌ من الرجال.
    وصفوة القول إنَّ تعبير الأدب النسائي قد ينطبق أكبر انطباق على أديبات الجسد، ولكن المؤكد أنه لا ينطبق على جميع الباحثات الجادات، وما أكثرهن.
    قضايا المرأة
    *ما المطلوب من المرأة لتنهض بمسؤولياتها تجاه نفسها ومجتمعها؟
    ما زالت قضايا المرأة في مجتمعنا العربي تحتاج إلى مزيد من الجهد للتغلب على كلّ ما يقعد المرأة عن النهوض بتبعاتها على خير وجه، سواء في البيت أو في المجتمع، فالمرأة ما زالت تعاني من الأمية بنسبة تزيد في بعض البلدان العربية على 60 في المائة، وما زالت حقوق المرأة مهدرة فتعامل في بعض المجتمعات وكأنها قاصر لا يعتد برأيها حتى في اختيار زوجها. وما زالت تشكو من اهتضام حقوقها فلا تستطيع استنجازها إلا باللجوء إلى القضاء للحصول على نفقتها الشرعية ونفقة أولادها، أو للاعتراض على بيت الطاعة الذي لا يليق بإنسانيتها، أو للحصول على الطلاق إذا استحالت العشرة، أو للحصول على حقوقها المقررة في الميراث وانتزاعها من أيدي من يجورون عليها، أو في الاعتراض على المتاجرة بأنوثتها بتزويجها إلى عابري سبيل من بلدان أخرى لا يلبثون أن يهجروها هي وأطفالها دون أن تستطيع إثبات بنوة أطفالها أو تأمين مستقبلهم. وإن تزوجت المرأة من مواطن من بلدٍ آخر، عاملتها القوانين السارية بظلم مفحش، وحالت بين أبنائها وبين الالتحاق بالمدارس أو الجامعات أو العمل، باعتبارهم أجانب، اللهم إلا إن سددت الرسوم المقررة بالعملة الصعبة، بل إنَّ أولادها مهددون دائماً بالترحيل من البلاد؛ لأنهم لا يتمتعون بحقوق المواطنة، وهي قضية تتعلق بعشرات آلاف من الأمهات المصريات.
    كل هذه القضايا تحتاج إلى من يتبناها دفاعاً عن حقوق المرأة كإنسانة تمثل نصف المجتمع وتربي الأجيال التي ستؤول إليها ذات يوم مقاليد البلاد. صحيح أنَّ هناك جهوداً مبذولة من جانب جمعيات للنهوض بالمرأة تهدف إلى الأخذ بيد المرأة وإخراجها من الأزمات التي تحيق بها، ولكن هذه المحاولات ترتطم في كثير من الأحيان بالقوانين السارية من ناحية، وبالتقاليد الراسخة من ناحية أخرى، وبمعارضات من جهات ما زالت تعتبر أنَّ المرأة دون الرجل في الحقوق والحريات وفرص العمل، وتنكر عليها حقها في المشاركة مع الرجل في تصريف أمور الأسرة وفي الوصول بكدّها واجتهادها إلى المستوى الذي تستاهله في أماكن العمل.
    وما مشكلة الأطفال المشردين في الشوارع إلا نتيجة للتفسخ الأسري، الذي تروح المرأة ضحية لـه مع هؤلاء الأطفال الذين يمثلون أبرز مظاهر التفسخ. وأياً كانت المحاولات التي تبذل في سبيل النهوض بالمرأة تعليمياً وصحياً واجتماعياً وعلمياً؛ فالطريق ما زال طويلاً بسبب ما تعرَّضت له المرأة من إهمال متطاول على مدى سنوات وسنوات، وإن زيارة إلى المجتمع الجديد الذي نشأ في مقابر القاهرة، ورؤية المرأة وأبنائها يسكنون وسط الموتى؛ إنما تؤكد أنَّ الطريق ما زال طويلاً طويلاً، وإنْ اختلف طوله من بلدٍ إلى آخر، فالمرأة هي أمنا جميعاً، والنهوض بها هو نهوض بالأمة بأسرها، والمهم هو أن تواصل المتصدّرات لرعاية المرأة جهادهن مهما تغالظت العقبات في طريقهن.

  5. #5
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    تعليقان:

    (1) بقلم: مجدى محمود جعفر
    ------------------
    شكرا للدكتور حسين
    هذه الشهادة تجعلنا نرفع لصاحبها القبعات
    ***

    (2) بقلم: فرج مجاهد عبد الوهاب
    --------------------
    وديع فلسطين هو سفير الادباء كما أطلق عليه الدكتور حسين علي محمد، وألف عنه كتاباً بهذا الاسم أعيد طبعه عدة مرات، وقد تعرفت عليه عن قرب عن طريق أستاذنا د0 محمد رجب البيومى و د0 حسين علي محمد، وزرته اكثر من مرة فى منزله بحى مصر الجديدة بالقاهرة، وهو يعد بحق مرجعاً لعلوم الصحافة الأدبية ولأدب المهجر وللعديد من الأعلام الذين عاشوافى القرن العشرين00كتب مئات المقالات فى العديد من الدوريات فى مصر والعالم العربى لو تم جمعها لاحتجنا لعدة مجلدات 00والعجيب أنه معروف جدا فى البلدان العربية أكثر من بلده مصر.
    إنه يستحق أن تسجل عنه عشرات الرسائل الجامعية00ومن الطريف أن تاريخ ميلاده هو نفس تاريخ ميلاد صديقه د0 محمد رجب البيومى باليوم والشهر والسنة!!00

  6. #6
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    المشاركات : 2,362
    المواضيع : 139
    الردود : 2362
    المعدل اليومي : 0.35

    افتراضي

    راااائع هذه الشهادات

    ويستحقها - وديع فلسطين لما قرأته عنه

    وأشكرك اذ عرفتنى به

    ونرفع لك انت القبعات للوفاء ونشرها

    اعجبنى تصريحاته عن المرأة عامة ً

    مواضيعك كلها رائعة تبرز قيم وتنتقد اوضاع اليمة وتبحر فيما وراء التصريحات والمعانى بطريقة مذهلة

    شكرا لك بلا حدود نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


  7. #7

  8. #8

المواضيع المتشابهه

  1. عندما يموت الراعي ( من يوميات حمل وديع)
    بواسطة محمد نديم في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 14-02-2022, 08:02 PM
  2. موقف الرسول محمد من شعراء عصره-المستشار:حسين الهنداوي
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-05-2016, 06:21 PM
  3. قراءة في كتاب «الراعي النميري: عصره وحياته وشعره»
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى قِرَاءَةٌ فِي كِتَابٍ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 31-05-2010, 12:32 AM
  4. رابطة الأدب الحديث تُكرم وديع فلسطين
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 22-05-2006, 10:42 PM
  5. شاهد معجزة ربانية حدثت في فلسطين
    بواسطة محمد السوالمة في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 18-02-2004, 04:10 PM