الاستاذ مجدي...
عذرا لهذه الهرطقة...
قرأت القصة لاكثر من مرة...
ظننت بان ام دغش في البداية عراقية... لان دغش يستمعل عندنا بالاخص في مناطق وسط الفراتين.. واخذني الاسم الى اجواء البدو هناك..وفي رحلتي تذكرت المرحوم الياس خضر..وهو يغني ياحمد حبهم دغش.
لكن بعد السير بخطا مثقلة مع السرد..وجدت ما يبرهن لي عكس ذلك.. لذا ظننت بان دغش اسم يستعمل في مناطق البادية العربية بصورة عامة..
ولعلي اثناء القرأة هذه اقول لكم لماذا غيرت ظني..؟
ملامح الشخصيات بدت لي واضحة لاتحتاج الى قراءة جانبية..وما الوصف الذي بدأت القصة به الا دليل هذا الوضوح..فالنساء العربيات البدويات بسبب الظروف المعيشية والبيئة الصحراوية والمناخ...وووو...كل هذه الامور جعلتها تتصف بالرغم من الجمال البدوي ببعض صفات الخشونة في البنية الجسدية..لذا كانت دهشتهم طبيعية..من كون ام دغش لاتمتلك تلك الصفات
ولهذا اود ان اشير الى ان رسم الشخصيات جاء بصورة اكثر من رائعة لكونه لازم الحدث بصورة عفوية دون تصنع..ولايخفى على احد ان رسم الشخصيات في اية قصة له علاقة مباشرة مع اتمام الحدث وبهما يتم قطع اشواط طويلة من نجاح العمل الادبي الفني..ولقد كان للقصة ذلك..فالشخصيات ساهمت كثيرا في رسم الحدث واتمامه..وهذا ما يجعلنا ان نضع القصة في خانة القصة الواقعية على غير ما يذهب اليه البعض من ان عدم الافصاح عن معنى معين..هي من سمات القصة الواقعية..فالواقعية هي تصوير للحدث كاملا..وفي هذا التصوير يكمن ما يتضمن معنى الحدث..
فالحدث في كثير من الاحيان ينشأ عن موقف معين ثم يتطور الى نهاية معينة ومع ذلك يظل الحديث ناقصا فتطوره من نقطة الى اخرى انما يفسر لنا كيف وقع ولكنه لايفسر لِمَ وقع فلكي يستكمل الحدث وحدته ويصبح كاملا يجب ان لايقتصر على الاسئلة الثلاثة..كيف وقع واين ومتى..انما يجب اضافة...لِمَ وقع...ومن خلال قرأتي البسيطة لهذه القصة وجدتها تعطينا الاسئلة الاربعة باجوبتها دون نقص.
كيف وقع..نجد الاجابة واضحة..سواء للهجرة التي حدثت..ام ما يخص حادث دغش..
فالظروف التي ادت الى الهجرة..هجرة ام دغش اولا..ومن ثم الشباب..هي ماثلة امام العيان..وكذا حادث دغش..واين..الاجابة كامنة في بداية القصة..وكذا في مكان وقوع الحادث الاخير..ومتى.. قبل عشرين عام..وفى اللحظة آلتي كان يخرج فيها دغش مُحملاً في النعش...اما لِمَ..فالسبب واضح جدا...لان دغش هو كل مابقي لها اولا...ثم لانها منذ عشرين عام تتمنى ان تعود لمصر...؟
اذا من خلال هذا السرد وجدنا بان القصة قد احكمت كتابتها..لذا ليس لنا الا ان نعود لنغوص في المعاني التي خلفتها القصة في نفوسنا.
فمع صور البيئة البدوية..وتذكير بالنساء البدويات..وكذلك الظروف المعاشية التي يعيشها الناس هناك..ومن ثم اضطرار الكثيرين الى الهجرة من اجل ايجاد عمل..ومن ثم بقاء حب الارض..في الذات..ومن ثم التغني بمعالم الارض الام..ومن ثم تلك الرمزية التي تبعتها ام دغش في وصف النيل..بانه جف من عشرين عام..وبعدها اظهار بعض الاطعمة الشعبية المصرية..ولعل اكثر ما يجذب الانتباه مسألة العلاقة التي نمت بين ام دغش وحماماتها.. تلك العلاقة الرمزية التي تصف لنا حالة نفسية معقدة..حيث عندما لايتكيف المرء مع واقع فانه لايجد في غير هذه الامور بديلا لتخفيف وقع الغربة..وكذلك نسيان تلك الظاهرة اللامنطقية التي شاعت ولم تزل في مجتمعاتنا..زواج المراة من من يكبرها بعدة سنوات مما يخلف وارءه اثارا اجتماعية..كما حدثت لام دغش وزوجها فهذا الزوج بالطبع لم يعد بحكم التفاوت العمري يلبي رغبات ام دغش..كذلك ام دغش لم تعد تستطيع من رعايته لكبره وانخراطه في السكر..وحتى .....؟
كل هذه الامور خلقت في نفس ام دغش نوع من اللامباة التي لم تستطع اخفائها كلما ذكر اسم مصر امامها...لانها اصبحت ترى بان مصر هي من اجبرتها على الدخول بهذا الوضع..ليست مصر كارض انما اهل مصر...لذا ياتي شتمها كردة فعل طبيعية عندما يذكر اسم مصر امامها..ومع هذاه اللامبالاة..نجد بانها لم تقطع الامل..لكنه امل يحتاج الى معجزة..ليس لشيء انما للظروف التي هي فيها..من فقر..وزوج سكير يتغوط في ملابسه..ووووو...وهنا اصل الى سبب تغيري لرأي بشأن جنسية ام دغش..فبعد وقع حادث الدهس لدغش..ذكر هنا هوية المكان حسب اعتقادي وهي احدى دول الخليج..
وليس العراق..لكون العراق لم يستقدم الهنود للعمل فيه..حتى وان وجدوا فيه لم يكن احوالهم لتصل الى امتلاك سيارة..المهم هذه وجهة نظر..ففي الخليج تقول الاحصائيات بانهم يشكلون العنصر الثاني بعد الاصليين ان لم يكن ينافسونهم في بعض الاماكن.
وها هي تباشير نهاية الحدث تظهر لنا جليا..وتبشرنا بنهاية غير متوقعة..فحادث دغش غير الكثير من مسار القصة..بل نحى بها الى غير مايمكن ان يحقق امل ام دغش بالعودة..لذا وكأن نتفها للريش وتلك الجناحان..لم يكونا حدثا اعتباطيا انما قرأة زمنية مستقبلية لام دغش لمصيرها..لذا عندما هم الناس باخراج نعشه..كانت هي تنتظر الحظة لتحقق فرضيتها في صناعة الجناحين ونتف الريش..ولاشي في مثل هذه الظروف يردع الانسان من اتمام ما عزم عليه.
جاءت النهاية مكلمة للحدث الاول..اقصد للشخصية الاساسية في القصة..وهذا ما كنا نعني به..من رسم الشخصيات ومساهمتم في اكمال الحدث لتضع بين ايدينا قصة واقعية من النوع الفريد.
عمل ادبي كامل..
تقديري واحترامي
جوتيار