طرقتُ بواباتِ قلعـةِ الفرح، في لحظـةٍ امتَـدّ فيها الحزنُ بأعماقي إلى أقصى وريـد . لمْ أكنْ أعلـمُ بأنّ أميرَ الفرحِ سيأبى استقبالي وقدْ قدِمتُ إليـهِ مِنْ أقصـى غيمـة .. محمَّلَـةً بالدهشـة !
أحفرُ أولَ صرخـةٍ على جدرانِ قلعتِـه، وصبري يبذل جهدهُ كيْ يتحمّلَني ويتحمّلَ قلبي النازفَ جهْراً، المترنّحَ بينَ الولادة والقطَـاف .
بدَأتْ رحلتي إليه مذْ تراقصَـتْ ضحكاتي على ثغـر الطفولـة، وقلبي مايزالُ غضّاً يتعلمُ لغـةَ الفرح العصيّة . ظننتُ أنّني سألقـى الأميـرَ وهو يفترشُ لي بساطاً من الوردِ والنجمات، لكنّه أبى تضميدَ عقاربِ ساعاتٍ توقفتْ أزمانُـها، ليتـه يستقبلني هذه المرّة، فقطْ ليملأ سلالَ الأحبـاب بعناقيد الفرحـة، فهمْ ينتظرونَ على أحرَّ منَ الشوقِ هدايـاه .
غطَّ تعبي في نومٍ عميق، بينمـا مضيتُ أؤلّفُ بيتاً من الصبـر وآخـرَ من بسمـة منهكـة، ماكان يهمنّي الوجعُِ المحبوسُ بينَ حنايايَ، ما كان يهمنّي الفرحُ مغمضُ العينيْـن وهو يخشى ماجنتْ يداه ! وَلاَحفناتُ الحرف وقدْ هجرَتْ أناملي ! كنتُ فقطْ معلّقـةَ القلبِ بالأحباب بعد أن قطعتُ لهمْ عهداً، بعد أنْ وعدْتُهمْ بقطوفِ الفرحـة وقدْ نفدتْ مدّخراتُهمْ، بعدما فاضَتْ بأرواحهمْ الآهاتُ حتّى صارتْ لهمْ هزيعاً من غيـاب !
حلّ الليلُ بحرّاسـه الأشاوس، يحمي قلعةَ الفرح بمخالبـهِ تارةً، وتارةً بأحزاننا المفتوحـة. آهٍ ! لمْ أكنْ أدري بأنّ الفرحَ نفسَه تحرسُـهُ الأحزان !! يفيضُ اغترابي وخوفي، وينزفُ قلبي آهـةً تلوَ آهـةٍ، يبُثّني القلبُ شجونَـه متلعثمـاً، ويعتكـفُ الشوقُ والحبُّ والوُجدُ المبرّحُ بأغاريدي، بينما أميرُ الفرح مازالَ يُغلـِقُ بواباتـه !
استندتُ إلـى ذاكرتي، وقدْ اختزنتْ فصولَ الملـحِ وعمْـراً تناثرَ بينَ البسمةِ وحصادِهـا، بينَ الغياب ومُشتقاتّـه، أكفكفُ وجعاً يهزأ بربيـعِ القلبِ ! لكنّني لن أستسلـمَ لكَ ياحزناً أغرقَ مراكبـنا، لنْ أستسلـم !
ليتكَ يا أميـرَ الفرح تنصت إليّ ولوْ هنيهـةً، أوْ تنثر رحيقَكَ على قلـوبٍ عطشـى إليـكَ ! قلوبٍ علّقَـتْ آمالَها بحدائقِ غيـابـك :
هذه حوراءُ تربّـتُ على كتفِ ذكرياتها ، تنتظرُ منكَ إذْنـاً بالزيارة، فقدْ تعبَتْ ملامحُها من انتظارك !
وتلكَ زاهيةُ الخيراتِ تدغدغُ جفونَ الصّمتِ ، وقدْ أدْمى أرواحَنـا غيابُهـا ! ليتها تعود كيْ تشفَى الحروف !
وتلكَ ليـال، تعاتبُ النجماتِ على اختبائـها بيـن السطورِ، ترقبُ مثلنا ولادةَ حرفٍ لا يتقنُ غيـر حكايـا الفرح !
وأهدابُ الليالي تحفرُ على القلبِ حزناً بِلونِ الموت، فالفجـرُ والليلُ أصبحا في حروفـها روحاً واحدة !
وصابريـن تبعثُ إلى حرفِـها رسائـلَ عطرٍ ترنّحَتْ بينَ الشمسِ والأفول، فما عادتْ ترقبُ غيرَكَ موسماً يعيدُ لقلبِها عرشَـه!
وخليل مازالَ واقفاً مثلنا جميعاً، واقفاً بينَ الحروفِ وبكائِهـا، يفتّشُ عنْ فرحـةٍ لم تضرّجْهـا الأيامُ بملـح !
ومثلُهمْ ..أنـا، أسلُّ بسمةً مهلهلـةً منْ غمدِي، كيْ لا يفنـى اصطباري فأسقط على وجـناتِ الذاكرة !!
فهلاَّ سمحتَ لي يا فرَحـاً حَفرَ الصمتَ على جبينـه، بقطفِ بعضِ أزهارِكَ الحبلـى بكَ ؟؟ فالأحبابُ ينتظرونَ مثلي مولدَ الشمسِ .. مِنْ ثمـارِك !