الخبراء وحرب العراق
يتعرّض الخبراء العسكريون والسياسيون الذين كانت تستضيفهم غالبية الفضائيات العربية قبل الحرب ضدّ العراق وأثناءها إلى حملة إعلامية غير اعتيادية، ولا سيما في الصحف العربية. ومن يتابع ما يُكتب بهذا الصدد يتولّد لديه الانطباع وكأن هؤلاء الخبراء مسؤولون عن مجرى الحرب ونهايتها المفاجئة على أسوار بغداد، التي كانت هي في نظر الجميع الساحة التي يُفترض أن تشهد معركة حاسمة.
ربما انطوت كلمات بعض الخبراء على عبارات توحي بالأمل.. أو التمنيات، ولكن لم يكن أحد منهم يستبعد أن تنجح الآلة العسكرية الغازية بضخامتها وتقنياتها، على المقاومة "العسكرية" العراقية، إنّما كان الحديث غالبا عمّا يمكّن من صمود أطول، وتسبيب خسائر أكبر، ممّا قد يؤدّي إلى تغيير مجرى الحرب بقرار سياسي في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وليس نتيجة مقارعة السلاح للسلاح.
ولئن أخطأ الخبراء، فيبدو أنّ خطأهم كان كامنا في الإدلاء برأيهم اعتمادا على ما يقول به المنطق العسكري المحض، وما يمكن صنعه عن طريق إنهاك القوات الغازية خارج المدن، ومواجهتها داخلها، وهذا ما يجب قوله بالمنطق العسكري في الحالات الاعتيادية، ويمكن القول به بعد الحرب ضدّ العراق أيضا. إنّما سقط من حسابات الخبراء تقدير أمرين جوهريين:
أوّلهما أنّ كلّ نظام قائم على الاستبداد لا بدّ أن يخسر معركة عسكرية كبرى يخوضها، لاستحالة توفير الشروط الضرورية لالتفاف الشعب حوله أثناء الحرب..
وثانيهما أنّ طبيعة القيادات العسكرية التي كانت مفروضة على العراق في العقود الماضية، كانت في نهاية المطاف من قبيل من يمكن أن يرتكب "الخيانات" إذا صحّ ما قيل بهذا الصدد، أو الأخطاء الفاحشة عسكريا، إذا لوحظ عدم تطبيق ما كان يقول به الخبراء، لا سيما بصدد اللجوء إلى هجمات من قبيل "حرب العصابات" على خطوط الإمداد طول الأيام العشرين للحرب.
لا يفيد العراق وبلادنا عموما ما يجري حاليا ويكاد ينصبّ في تحويل الخبراء إلى "كبش فداء" في كارثة عسكرية جديدة، هي في واقعها حصيلة محتمة للوضع الاستبدادي الداخلي في العراق، وللوضع العربي العام، فكل تغيير مطلوب لمواجهة نتائج الكوارث الماضية والراهنة، إنّما يتحقق بقدر ما يقع التغيير على مستوى إنهاء الاستبداد بمختلف أشكاله، وإصلاح الوضع العربي بمختلف جوانبه.. ولو كانت "كلمة الخبراء" هي المسموعة على هذا الصعيد، في الماضي، فلربّما لم تقع كارثة العراق وكثير سواها، وما لم تكن موضع سماع وتطبيق في المرحلة المقبلة، مع توفير شروط أخرى لا غنى عنها، فقد يقع المزيد من الكوارث آجلا أو عاجلا.