أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: لقمة عيش وزوادة

  1. #1
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    المشاركات : 320
    المواضيع : 85
    الردود : 320
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي لقمة عيش وزوادة

    لقمة عيش وزوادة
    مأمون أحمد مصطفي






    وحين سقطت العيون على الجثة تعالى صراخ: \" هذا أبو إبراهيم، أبو إبراهيم استشهد، لا اله إلا الله محمد رسول الله \"، ومن فيه إلى فيه سرى الخبر في المخيم سريان الدم بالوريد حتى لاصق والتصق بأذني أم إبراهيم التي وقفت على عتبة البيت وأولادها يلتصقون بها، ويتشبثون بثوبها والدموع المتمحورة بالرعب تطفح في عيونهم.
    ادخلوه بيته، بيته الذي غادره صباحا بعد ان جثا على الأرض ممسدا جباه الأطفال، مقبلا اكفهم الصغيرة، مالئا رئتيه من أنفاسهم الهادئة الوادعة، وسجوه وسط البيت، تدافع الجيران، أهل المخيم، امتلأت الأزقة وضجت، دعوات ودموع، شهقات حارقة، ذهول ودهشة، حزن، حزن قاتم داكن. وأم إبراهيم تقف مكانها وكأنها ماسورة، مأخوذة. في عينيها جمود صواني حائر، تائه،والأطفال لا زالوا يتشبثون بثوبها، يصرخون، يبكون، تنهمر الدموع من أعينهم كشلالات، وفي وسط هذه الرؤية لتلك العيون الصغيرة، في مركزها تستقر جثة والدهم المنخولة بالرصاص وفي يدها زوادة.
    إكرام الشهيد دفنه، ودعوه، جاء صوت من بعيد، من بين الناس المتجمهرة والمحتشدة، الشباب جهزوا القبر في مقبرة الشهداء في ذنابه، الشيخ قادم، ودعوه، تناوب الحشد في الوداع، قبلات حارة، صادقة، تطبع على الجبهة والخدين، أدعية تتعالى رحمة على روحه، نساء ورجال وأطفال، عجائز ومسنون، توحدوا في الدعاء الصاعد للسماء. والأطفال يفتتهم الحزن، يمزقهم الأسى، يطحنهم منظر جسد والدهم المنخول، وأم إبراهيم تمد يديها لتلف الأطفال في قلبها.
    وجاء الصوت من جديد، افتحوا الطريق لأطفاله وزوجته، وفتحت الطريق، انقسم الناس لصفين، وتقدمت أم إبراهيم وهي تدفع الأطفال أمامها، جثت قرب رأسه، وجثا الأطفال معها، لمست جبهته بحنان كبير، مد الأطفال أيديهم، تحسسوا الوجه، تحسسوا الجسد، ودوى صراخهم حين سقطوا فوق الجسد يتمرغون بدمائه ورائحة عرقه، طبعوا قبلاتهم على كل جسده، رووا جسده بدموعهم. بكى الرجال، تساقطت الدموع غزيرة، وتلاقت النظرات وتشابكت، عويل الأطفال جاء من كل زاوية، تفاقم الحزن واشتد، ولكن الرجال لم يكن أمامهم إلا خلع الأطفال عن الجسد وهم يربتون على أكتافهم. وجاء الصوت من جديد، ودعيه يا أم إبراهيم، رحمة الله عليه، ودعيه فإكرام الشهيد دفنه.
    رفعت رأسها نظرت لأطفالها الذين كانوا يتفلتون من بين سواعد الرجال، نظرت للجثة، أحنت رأسها فسقطت الدموع مرة واحدة كمطر مفاجىء، قبلته، ضمت رأسه بين يديها، رفعته نحو صدرها وشهقت.
    أنهضها الرجال، اقتربوا من الجثة، حاولوا نزع الزوادة من يده، لكن يده كانت تتمسك بها وكأنها حية، حاولوا مرارا، وحين عجزوا عن فتح يده فكروا بتمزيق الكيس. في هذه اللحظة بالذات ارتفع صوت أم إبراهيم: لا، لا تنزعوا الزوادة من يده، اتركوها تذهب معه للقبر، لقد مات دون ان يعرف ماذا أعددت له، لكنه الان حين يوضع في القبر ليصحو على الملكين، سيفتح الزوادة لتكون شاهدة على شهادته، وعندها سيعرف ماذا أعددت له.

  2. #2
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 4,790
    المواضيع : 82
    الردود : 4790
    المعدل اليومي : 1.10

    افتراضي

    نسأل الله أن يتقبل الشهداء ويرحم الموتى
    قصة مؤلمة تتكرر أحداثها في واقعنا اليوم
    نسأل الله الفرج

  3. #3
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.72

    افتراضي

    صفحات الشهداء عامرة بقصص إنسانية تشهد أنهم بشر ككل البشر، لهم شؤونهم واهتماماتهم وأفراحهم وأحلامهم الصغيرة، وأن الوطن الذي وهبوه دماءهم قد أخذهم من غوال وحياة يحبونها

    رحم الله شهداءنا، وفرذج كربات أوطاننا
    ودمت فاضلنا بخير

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  4. #4
    الصورة الرمزية أحمد رامي مسؤول عام المدرسة الأدبية
    عضو اللجنة الإدارية
    شاعر

    تاريخ التسجيل : Apr 2011
    الدولة : بين أفنان الشعر
    المشاركات : 6,190
    المواضيع : 45
    الردود : 6190
    المعدل اليومي : 1.30

    افتراضي

    القصة و الختمة رائعة
    لكنها تحتاج بعض مراجعة لغوية ,
    ثم إنك أطلت الوصول إلى المراد ( الزوادة ) كان يمكن الاختصار أكثر لتكون في تتابعها قنبلة ..
    في القصة القصيرة نبتعد عن شرح رموزها ..


    تحيتي و تقديري لك .
    ذو العقل يشقى في النعيم بعقله .... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم

  5. #5
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 391
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.14

    افتراضي

    واحدة من صور الشهادة والتي حيكت حولها الكثير من الأدبيات بأردية مختلفة
    جاءت الفكرة السرد والخاتمة بديعة وإن احتاج بعض الاختزال في الوصف
    رحم الله شهداء الوطن
    تحاياي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  6. #6
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,098
    المواضيع : 317
    الردود : 21098
    المعدل اليومي : 4.95

    افتراضي

    رحم الله شهداء فلسطين الذين ضحوا بدمائهم الذكية ليرووا
    فيها التراب الفلسطيني الطاهر.
    أسلوب متميز وفكرة عميقة ونص قصي ملفت بحسن أدائه
    سلم نبض حرفك الراقي. نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  7. #7
    الصورة الرمزية خلود محمد جمعة أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2013
    المشاركات : 7,724
    المواضيع : 79
    الردود : 7724
    المعدل اليومي : 2.00

    افتراضي

    من كتاب الشهداء الذي ازدحمت صفحاته ببطولاتهم نسجت خيوط قصتك ببراعة
    ربما الحدث أدى الى كل تلك التفاصيل والاطالة كانت بقصد توصيل الصورة حية
    رسمت حرفك بجمال
    تقديري

المواضيع المتشابهه

  1. لقمة عيش وزوادة
    بواسطة مأمون احمد مصطفى في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 12-07-2019, 07:31 PM
  2. لقمة حلال....
    بواسطة ريمة الخاني في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 27
    آخر مشاركة: 04-06-2017, 09:12 AM
  3. لقمةُ القاضي
    بواسطة محمود موسى في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 12-02-2014, 11:16 PM
  4. لقمة القاضي
    بواسطة محمود موسى في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 17-06-2013, 09:51 AM
  5. لقمة عيش وزوادة
    بواسطة مأمون احمد مصطفى في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 03-04-2013, 12:20 AM