أحدث المشاركات

مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»» قراءة في مقال يأجوج و مأجوج ... و حرب العوالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الطفل المشاكس بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» @ تَعَاويــذ فراشَــةٍ عَاشِقـَـة @» بقلم دوريس سمعان » آخر مشاركة: دوريس سمعان »»»»»

النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: لقمة عيش وزوادة

  1. #1
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    المشاركات : 320
    المواضيع : 85
    الردود : 320
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي لقمة عيش وزوادة

    لقمة عيش وزوادة
    مأمون أحمد مصطفي


    - 4 -



    وأخيرا وصلت السيارة باقة الشرقية، ترجل العمال وهم يحمدون الله على سلامة الطريق، وبدأوا يتوزعون على جوانب البيارة فرادى. هي خطوة أدركوها بالتجربة، فالذهاب لداخل البيارة كمجموعة يلفت النظر، ووقع الأقدام الكثيرة فوق الأوراق الجافة ليس كوقع قدمين، والاهم أن موت شخص واحد أقل ضررا من موت مجموعة كاملة، وقبل الدخول وكالعادة بدأ الجميع بسؤال الأهالي عن الطريق وأي المسالك اليوم أكثر أمنا؟ وهل مر قبلهم عمال آخرون أم لا؟ أسئلة روتينية، لكنها قد تقرر في لحظة واحدة حياة أو موت.
    بدأ العمال دخول البيارة، حقل الألغام، بيارة الموت والرعب، بدأوا بدخول الخط الفاصل بين الموت والحياة، يتهامسون: \" أنت ازرق من هون \"، \" وأنت انفد من هون \"، \" دير بالك على حالك \"، \" انتبه وين بتحط رجليك \"، \" إذا حسيت بخطر ارجع \"، \" ربك الستار \"، \" الله الحامي \". وتفرق الجميع بين صفوف الشجر، خطواتهم، نقل الأقدام، الالتفات المشوب بالحذر الشديد، القرفصة المتكررة لرؤية المسافة المتبقية من بين سيقان الأشجار هروبا مما تحجبه الأغصان المتشابكة المتدلية المغطاة بالأوراق، الأنفاس التي تختلف بانتظامها وانطلاقها، كل هذه الأمور تدل وبشكل واضح على حجم الخوف والرعب المصاحب لمحاولة اجتياز البيارة من اجل الوصول للطريق المؤدي ليوم عمل شاق ومرهق. نفس الموقف، نفس الخوف والرعب، التحسب والتوقع، الحذر والانتباه سترافق رحلة العودة من العمل، لمن تكتب له عودة أصلا. فكثير من العمال يضطر تحت ضغط صوت الرصاص وأزيزه المتواصل للعودة إلى بيته وهو يحمل هم الحواجز وهم لقمة عيش لم يتمكن من اصطيادها.
    وفجأة دوى الرصاص في البيارة، رصاص كثيف متواصل، يمشط الأرض والشجر، صرخت الأشجار، تأوهت، ارتجت الأرض وشهق التراب، بدا الثمر بالتساقط السريع، الأغصان تفسخت. وصمت الرصاص مرة واحدة، صمتت البيارة، صمتت الأشجار، توقف التراب عن الشهيق. وجموع والناس على الشوارع تقف مشلولة، مكتسحة، لا تعرف ماذا تفعل، ولا تدري شيئا عما وقع داخل البيارة. النساء على نوافذ البيوت وأسطحها تدعوا باسم الله الواحد أن يحمي الرجال الذين قادتهم لقمة العيش إلى داخل البيارة، تلك النساء اللواتي يعرفن معنى لقمة العيش المستلة من بين أنياب المدافع والدبابات.
    صمت شديد، حارق، يعذب النفس، ويقلب التوقعات والتحسب على نار الانتظار، استمر الصمت فارضا كل غموضه وأسراره على كل شيء لفترة طويلة جعلت الناس تفقد صبرها الناتج عن الخوف من مجهول ما يمكن أن يحصل لو تحركوا لدخول البيارة، لكن الصبر نفد، انتهى، وعلى بعض الرجال الدخول للبيارة ليعرفوا ماذا حصل، فربما هناك جريح ينتظر وصولهم كي يسترد جزءا من روحه التي تتلاشى لحظة وراء لحظة.
    مجموعة من الرجال الذين كانوا يرصدون البيارة دخلوا وبأيديهم زوادات طعامهم، قذفوا الزوادات بعيدا ودخلوا، دخلوا وهم يتلون آيات من القران الكريم، بحذر شديد أتقنوه كانوا يتحركون، يبحثون بين الأشجار، بين السيقان، وعلى الأغصان المتكسرة والمتدلية لتغطي مساحات واسعة من الأرض، والصمت لا يزال يلقي بقوته وسطوته على كل شيء. حبات البرتقال والليمون تلاشت رائحتها، اندثرت، ليحل محلها رائحة دخان الرصاص المتناثرة أغطيته هنا وهناك، كل هذا الرصاص من اجل وقف لقمة عيش، معركة من جانب واحد، كلف رصاصها لوحده ثمنا أغلى بكثير من لقمة عيش منقوعة بدم البشر الذين تركوا خلفهم أفواها مفتوحة وأحشاء فارغة.
    وجاء صوت من احدهم: هنا، تعالوا هنا، لا اله إلا الله محمدا رسول الله، يا رب سترك، إنا لله وإنا إليه راجعون. في هذه اللحظة بالذات أحست أم إبراهيم بضربة عميقة تصيب قلبها، تمتمت لجاراتها: \" الله يستر، قلبي سقط بين قدمي \". وتحلق الرجال جميعا حول الجسد المنخول بفعل الرصاص الكثيف الذي اخترقه. وجه جميل باسم، تفوح منه رائحة عرق زكي، عرق خاص، ممزوج بفرحة أطفال وأم، عرق لقمة عيش طاردته حتى اصطادته داخل بيارة برتقال وليمون، وتحت سيقان واغصان منحته من خضرتها ونسغها وداعا خاصا، ومنحها من دمه وروحه بقاء خاصا.
    كان ممددا على ظهره وبيده اليمنى كيس فيه زوادة، وعيناه تتجهان نحو الزوادة تماما، تحديقته بالزوادة، لون عينيه، شكلهما، يوحي بأنه لا زال حيا. تردد الرجال كثيرا قبل أن يسبلوا عينيه، أحسوا بأعماقهم بان بين هذه العيون وتلك الزوادة علاقة خاصة مميزة، لكنهم في نهاية الأمر سبلوا عينيه وحملوا الجثة برفق حتى لا تتساقط أجزاؤها وتتقطع، فالرصاص الكثيف مزقها تمزيقا كاملا، وأي حركة غير محسوبة قد تؤدي لتساقط أجزاء من الجسد، وهذا ما لا يريد الرجال حدوثه.
    ظلت الجثة تنتظر في السهل الواقع على طرف المخيم ساعات، فالاقتحام الذي بدأ صباحا للمخيم لم ينته بعد، والدبابات، المجنزرات، المصفحات، المروحيات، المقاتلات لا تزال تحاصر المخيم من كل الجهات. القذائف، الرصاص، الصواريخ تحاصر كل شيء، وما يحدث الان فوق هذه الأرض، ارض المخيم الصغيرة، لا يعرف العالم عنها شيئا على الإطلاق، صراخ النساء، رعب الأطفال، الشباب المكدس كأكوام من الأكياس، والعجائز والمسنين الراعفة قلوبهم، كل هذا محتجز الان في كيلو متر واحد، والرجال في السهل يحتفظون بجثة تنتظر الدخول للمخيم.
    وبعد ساعات، ساعات ثقيلة، اختفت المروحيات والمقاتلات، تراجعت الدبابات والمجنزرات والمصفحات، واندفع الناس من بيوتهم، وتقاطرت مجموعات من القرى المجاورة، الجميع يفتش، ينبش بين الدمار، بين الأزقة، وعلى أسطح المنازل، يبحثون في كل مكان، في كل شيء، يحملون جرحاهم ومن كسرت عظامهم، يتدافعون نحو المشفى بسرعة وقوة، وفي غمرة هذه اللحظات المعبأة بالانفعال، دخل المخيم مجموعة من الرجال يحملون بين أيديهم جثة في يدها اليمنى زوادة.

  2. #2
    الصورة الرمزية حسام القاضي أديب قاص
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+الكويت
    العمر : 63
    المشاركات : 2,213
    المواضيع : 78
    الردود : 2213
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي

    الأخ الفاضل / مأمون أحمد مصطفى
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    قصة واقعية مؤثرة للغاية ..
    سرد شيق يجبر القاريء على القراءة دون توقف من البداية للنهاية ، رغم الألم الذي اعتصرني عند الولوج داخل القصة إلا أننا بحاجة دائماً لمعرفة تلك التفاصيل الدقيقة عن حياة الفلسطينين في المخيمات ، فالمعاناة ليست فقط من أجل الحرية ، بل هناك معاناة أخرى وربما أحياناً أشد من سابقتها ، وهي معاناة البحث عن لقمة العيش ، وحقاً أجدت في نقلها لنا بتلك التفاصيل المؤلمة .. التسلل اليومي بين الألغام وحصار الجند فقط من اجل لقمة العيش ، ويا له من ثمن يدفع من اجل هذا ..
    عنوان القصة " لقمة عيش وزوادة " عنوان قوى للغاية ويطرح الكثير من الأسئلة التي لا إجابات لها ، ولكنها تحفر اخاديداً في وجداننا ربما لن تندمل أبداً .
    قصة رائعة ونهاية قوية موفقة .
    تقبل تقديري واحترامي .
    حسام القاضي
    أديب .. أحياناً

  3. #3
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    المشاركات : 320
    المواضيع : 85
    الردود : 320
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    الاخ الكريم حسام القاضي:

    سررت كثيرا بردك ومرورك على المأساة التي يعانيها العامل والاب الفلسطيني من اجل تامين لقمة العيش لأولاد وقفوا في الزقاق ينتظرون عودة والدهم ولكن دون اي نتيجة.

    مودتي

  4. #4
    عضو مخالف
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    العمر : 42
    المشاركات : 1,799
    المواضيع : 128
    الردود : 1799
    المعدل اليومي : 0.27

    افتراضي

    ماذا أقول وقد ذاب الكلام على
    شفتي فصرت بلا قول أردده
    لله من عرفوا طعم الحصار، ومن
    ذاقوا الممات وكف الجوع يفرده
    مأمون أحمد هذي جد رائعة
    وذاك جهدٌ لعين القل تحمده

  5. #5
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    المشاركات : 320
    المواضيع : 85
    الردود : 320
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    الكريم العزيز: علي سالم الصالحي " احمد حسن "

    ماذا أقول وقد ذاب الكلام علـى
    شفتي فصرت بـلا قـول أردده
    لله من عرفوا طعم الحصار، ومن
    ذاقوا الممات وكف الجوع يفـرده
    مأمون أحمد هـذي جـد رائعـة
    وذاك جهدٌ لعيـن القـل تحمـده

    اعجز حقا عن ايجاد كلمات توفيك حق هذا الرد الذي اشعرني بالسعادة والفرح، ولكن الكريم يكفيه كرمه وفاء لحقه.

  6. #6
    الصورة الرمزية وفاء شوكت خضر أديبة وقاصة
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : موطن الحزن والفقد
    المشاركات : 9,734
    المواضيع : 296
    الردود : 9734
    المعدل اليومي : 1.49

    افتراضي

    الأخ الفاضل /مأمون أحمد مصطفى
    تحية احترام وتقدير لك ولكل الشعب الفلسطيني المناضل الصامد .
    نحن بحاجة لمزيد من الألم حتى نحس إنسانيتنا التي باتت لقمة العيش فيها أمر من العلقم ، وأصعب من اختراق الصواريخ للفضاء .
    قصة واقعية تتكرر كل يوم في كل بقعة من بقاع الوطن السليب كتبت بـ أسلوب مشوق وتصوير واضح للواقع .
    كما للمهجر أدب خاص ، فإن للمعاناة أدب خاص به .
    وهذه من قصص أدب المعاناة الإنسانية التي يتوجب ترجمتها أيضا لتصل لأبعد من ضمائر الشعب العربي .
    لك كل الإحترام والود .
    //عندما تشتد المواقف الأشداء هم المستمرون//

  7. #7
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    المشاركات : 320
    المواضيع : 85
    الردود : 320
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    الاخت الكريمة دخون:

    تحية طيبة من قلب المأساة التي ضاق العرب ذرعا بها وبأهلها، ولكن المواساة الحقيقة ان هناك مثلكم، من يقف ليحمل الام الناس البسطاء جيلا خلف جيل.

    مودتي وشكري

  8. #8
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,063
    المواضيع : 312
    الردود : 21063
    المعدل اليومي : 4.96

    افتراضي

    قصة مؤلمة ـ ككل القصص التي تعكس حال هؤلاء البؤساء
    وتوثيق لمعاناة العمال الفلسطنيون وهم يسيرون عبر طريق الموت بين الأشجار
    يسيروا عبر رحلة عذاب ومر يتجرعونه منذ خروجهم من منازلهم حتى الوصول
    إلى مكان كسب عيشهم مرورا بالكثير من المآسي والأحداث
    وياوصلوا .. أو ماتوا...
    يواجهون أشد صنوف القهر والذل في سبيل تأمين لقمة عيش لأبنائهم.. أو لقمة الموت.

    قصة رائعة أبدعت في تصوير تلك المعاناة بحرف ماتع آسر فجعلتنا
    نغوص فيه بكل حواسنا.
    لله در هذا الحرف الذي تنسجه اناملك فيتساقط الدر من عينيك ومن قلمك.
    بوركت ـ ولك تحياتي وتقديري.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. لقمة حلال....
    بواسطة ريمة الخاني في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 27
    آخر مشاركة: 04-06-2017, 10:12 AM
  2. لقمة عيش وزوادة
    بواسطة مأمون احمد مصطفى في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 09-10-2014, 06:20 PM
  3. لقمةُ القاضي
    بواسطة محمود موسى في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 13-02-2014, 12:16 AM
  4. لقمة القاضي
    بواسطة محمود موسى في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 17-06-2013, 10:51 AM
  5. لقمة عيش وزوادة
    بواسطة مأمون احمد مصطفى في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 03-04-2013, 01:20 AM