بسم الله الرحمن الرحيم
رحمٌ بعدَ المشي و الفطامِ احتوتني! هوَ طيفُها رسمتهُ أحاديثٌ حانيةٌ .. باكيةٌ ممن شربَ درهَا و بينَ ذراعيها نما و في حجرِ الحبّ منها خطتْ الرجولة على وجههِ أوائلها .
رأيتُ رسمَها في صافي الدمعِ على أسيلِه كلما ذكرها و تذّكرها ، و سمعتُ نبضَ حرفِها من تردِد أنفاسِهِ كلما حدّثَ و تحدثَ عنها ، و شممتُ دفءَ عطرِها في ثنايا يديِهِ كلما رفعهما يترحمُ عليها .
سقاني لبنهَا سائغاً .. حلواً ، لأغدو برشفةٍ منه الرضيعةَ اليتيمةَ فما مستْ الشفاهُ مني صدرهَا ! و حسرةٌ بقيتْ أني ما سكنتُ أحضانَها و لا طوقتُ بالشوقِ أكتافَها و لا قبلتُ بالعرفانِ رأسَها .
غابتْ قبلَ أن أجثوَ بينَ يديها ممتنةً أنّها وهبتني أثمنَ كنوزي ، و رحلتْ سريعاً قبلَ أنْ أسوقَ إليها عطايا الشكرِ أنّها أهدتني بوجعِ مخاضِها أحلى سني حياتي ، غادرتني و ما جزيتُ إحسانَها أنّها أعطتني مهجةَ فؤادِها ، فجزاها الله عني الجنّة .
فبكيتُ طيفَها يمسحُ على رأسي حباً و يمسحُ عن ظهري حملاً و يزيلُ كلَّ سجمٍ نبتَ بين وردِ خدي ، و بكيتُ رسمَها يخطُ سنواتِ عمرها حباً لكَ و يخطُ الشوقَ إليكَ و يودّعُ صوتكَ قبلَ أن يستقبلها الثرى ، و بكيتُ ذكراها تحدونِي إلى لُقياها و تحدونِي بحنيني إليكَ و تسوقنِي إلى جنةٍ نلقى فيها الأحبةَ .
يا أمُُّ ؛ رأيتني و ما رأيتكِ ، و دعوتني و ما لبيتُ إلا توانياً و منحتني و ما أعطيتٌ .. فاغفري و استغفري عندَ ربكِ ، و اقبلي العذرَ بأني " أحبكِ " و ما مسَّ باطنُ الكفِ مني باطنَ كفكِ و لكنّه مسَّ ظاهرَ قلبكِ و الشغافَ فقبّله و قبلها و قبلها .
دعتْ لي .. و دعتْ ، فكنتِ أنت .