باب يطرقه للمرة الرابعة في حياته ، مع كل طرقة كان يستجدي حلما..ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن .
مد يده المرتجفة وضغط بقوة على الجرس ، جاءه صوتها من الداخل " من بالباب " وقبل أن يقول " حسن " تباغته في وقفتها المعتادة ، تنظر اليه شذراً وتقول بصوت متقطع ..زوجتك ستلد ؟؟
نعم سيدتي ،أرجوكي أسرعي .
حملت حقيبتها وأغلقت باب منزلها وسارت معه عبر طريق ترابية .. كانت ترمقه بين الفينة والفينة ، وهو مطرق الرأس يحاول أن يجمع أفكاره التي تأبى الأنصياع له .
قالت : يا بني لا ترهق نفسك بالتفكير ، ما قسمه الله لك ستراه . الأنثى و الذكر كلاهما من صلبك .
رد باستهزاء : ولكن الذكر يحمل اسم ابيه!! أو لا أستحقه ؟؟
تستحقه ، ولكن الله يهب البنات والذكور لمن يشاء ..اصطبر واحتسب
إلى متى سأصبر؟ أنا أتحرق شوقاً ولهفة عليه
قالت : أنا وزوجتك نعلم تماما مدى ولعك بحلم لسنا سببا في عدم تحقيقه ، ولكن
ما ذنبها سيدي كي تغتال فرحها، وتزيد من آلامها ؟
وما ذنب بناتك ؟؟ هل أتين بملء إرادتهن.. قدرهن أن يكن بنات .
رد بامتعاض: عندما يأتي الذكر سأفعل ، وسأفعل اكثر مما يفعل رجال الحي لزوجاتهن ، ولبناتهن سترين وسيرى الكل .
وإن لم يأتِ !!!!
سأظل هكذا قالها( بعنجهية )
تمتمت بصوت هامس ( أنت رجل لا تتق الله ) وأسرعت في سيرها فأمامها مهمة صعبة المرغمة عليها كونها القابلة الوحيدة في الحي .
مرت الساعات على حسن كدهر.. وهو يذرع الممر بين الغرف ذهاباً وإياباً .كانت الأصوات تصل الى مسامعه . يشهق مرارة الأنتظاروهو يطالع بين دقيقة وأخرى ساعة يده ، ويشعر بأن عجلات الزمن ستتوقف ، وفجأة سمع ما كان يرجوه ( صبي ..صبي) وتعالت زغاريد القابلة بفرح تعكس الواقع المرير التي كانت تعيشه في لحظات سابقة لم تكن تجرؤ على الصراخ، فتكتم فرحها بسلامة زوجته وطفلته بغصة مخنوقة.
عَبر الممر بسرعة، ودخل الى الغرفة هاتفا بصوت عال ( دعيني أتأكد بنفسي ) فرح كبير، وسعادة عارمة تغلغت داخل صدره . تمتم ( صبي نعم صبي ) ضمه بقوة وهمس ( لقد أنتظرتك طويلاً ..واشتقت اليك كثيرا) سأسميك، ( شوقي ) .
دنا من زوجته وكأنه يراها للمرة الأولى ..أمسك يدها، وقبلها ،وطفق يمسح عرقها بيد حانية ..ثم نظر الى القابلة التي كانت ابتسامتها احتلت مساحة كبيرة من وجهها ،فبادلها بدوره بابتسامة فهمت محواها .
بعد وقت قصير، كانت الحلوى توزع على أهالي الحي، والطبول تقرع ; والتمنيات لأبو شوقي تصدر من القلوب، نابضة بصدق ( قرت به عينك ، وجعله من الصالحين ) شعر وقتها بأنه يملك الدنيا بما فيها .
مرت السنوات وهم في سعادة عارمة . لقد أغرق عائلته بحبه وحنانه ..كان كل شيء يسير على ما يرام ، وكان شوقي ينمو كأي طفل من أترابه .الى أن بلغ السنة الرابعة من عمره بدا عليه المرض .كان يتعثر في مشيه ويسقط كثيرا ..ثم بدأت عضلات باطن الساق تتضخم ..مما أدى الى صعوبة حركته .
هرع به الى الطبيب ، وبعد أن عاينه طلب منه فحوصات ليتأكد فعليا من صحة شكوكه التي لم يشأ الإفصاح عنها .
وعاد حسن ، بعد فترة يحمل معه ( موت حلمه ) وهو لا يدري .
سأله الطبيب : هل عندكم أحد ما في العائلة يعاني من هذه العوارض؟
قال لا لا أبداً .
لدي ثلاث بنات يتمتعن بصحة جيدة .
رد الطبيب قائلاً: إن الإناث نادراً ما يصبن بهذا المرض .
وما هو هذا المرض؟؟
انه ( الحثل العضلي الدوشيني) مرض يصيب جميع أنواع عضلات الجسم، ويضعفها
فيؤدي الى إعاقة الحركة مبكراً وبعدها الى المو.. ت..هذا قدره .
رد بنوبة هيستيرية حادة ( شوقي سيموت ) لا لا.. سآخذه الى أكبر الأطباء ..سأبيع كل ما أملك حتى ثيابي وهو سيعيش ..سيعيش .
نصحه الطبيب بأن كل محاولاته مصيرها الفشل ، وكل ما يستطع عمله أي طبيب هي الجراحة التي تساعد قليلاً ولكنها لا توقف المرض .
لم ينصاع للنصيحة ، كل طبيب يؤكد صحة أقوال ما قبله .. وشوقي يضعف ويضعف الى أن توقف قلبه ، وبموت حلمه ماتت ذاكرة حسن