|
ترجمة الإمام بن جرير
ومكانته العلمية
محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري الإِمام أبو جعفر، رأس المفسرين على الإطلاق، أحد الأئمة،جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، فكان حافظاً لكتاب الله، بصيراً بالمعاني، فقيهاً في أحكام القرآن، عالماً بالسنن وطرقها، صحيحها وسقيمها، ناسخها ومنسوخها،عالماً بأحوال الصحابة والتابعين، بصيراً بأيام الناس وأخبارهم.
أصله من آمل طبرستان، طوّف الأقاليم،وسمع من أحمد بن منيع، وأبي كريب، وهنّاد بن السرى،و يونس بن عبد الأعلى وخلائق.
روى عنه الطبراني وأحمد بن كامل،وطائفة.
وله التصانيف العظيمة منها " تفسير القرآن " وهو أجلّ التفاسير،لم يؤلَّف مثله كما ذكره العلماء قاطبة، منهم النووي في " تهذيبه " وذلك لأنه جمع فيه بين الرواية والدراية ولم يشاركه في ذلك أحد لا قبله ولا بعده، ومنها " تهذيب الآثار "،قال الخطيب: لم أر َمثله في معناه. ومنها " تاريخ الأمم " وكتاب " إختلاف العلماء " وكتاب " القراءات " وكتاب " أحكام شرائع الإسلام " وهو مذهبه الذي أختاره وجوّده وأحتج له، وكان أولاً شافعياً، ثم أنفرد بمذهب مستقل وأقاويل واختيارات،وله أتباع ومقلّدون، وله في الأصول والفروع كتب كثيرة.
ويقال إن المُكْتَفِي أراد أن يوقف وَقْفاً تجتمع أقاويل العلماء على صِحَّته ويسلَم من الخلاف، فأجمع علماء عصره على أنه لا يقدر على ذلك إلا ابن جرير، فأحضر فأملى عليهم كتاباً لذلك، فأُخْرِجَتْ له جائزة سنية فأبى أن يقبلها.
قال الشيخ أبو حامد الإسْفرايني شيخ الشافعية: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل تفسيرا بن جرير، لم يكن كثيراً.
) قلت ( قَدْ مَنَّ الله عليَّ بإِدامة مطالعته والاستفادة منه، وأرْجُوأن أصرف العناية إلى إختصاره وتهذيبه ليسهل على كل أحد تناوله إن شاء الله تعالى.
وقال ابن خزيمة: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير.
وقال غيره: مكث ابن جرير أربعين سنة يكتب كل يوم أربعين ورقة.
وقال أبو محمد الفَرْغانيّ: كان ابن جرير ممن لا تأخذُه في الله لومةُ لائم،مع عظيم ما يلحقه من الأذى والشنَّاعات،من جاهل،وحاسد، ومُلْحِد، فأما أهل العلم والدين فغير مُنكرين علمَه،وزهدَه في الدنيا، ورفْضَه لها، وقناعتَه باليسير، وعرض عليه القضاء فأبى.
مولده بآمل سنة أربع وعشرين ومائتين ومات عشية يوم الأحد ليومين بقيا من شوال سنة عشر وثلاثمائة.
واجتمع في جنازته خلق لا يُحْصُوْن، وصُلّي على قبره عدة شهور،ورثاه خلق.
فمن ذلك قول أبي سعيد بن الأعرابي: حَدَثٌ مُفْظِعٌ وخَطْبٌ جَلِيلُ دَقَّ عَنْ مِثْلِهِ إصْطِبارُ الصِّبُورِ*** قَامَ نَاعِي العُلُوم أجْمَعَ لَمَّا قَامَ نَاعِي محَمَّد بْن جَرِيرِ
مكانة تفسير ابن جرير الطبري وأهميته
عهدنا بكل مهم أن يلاقي من الإهتمام الواسع سواء من القدامى والمحدثين الكثير، ولما كان تفسير ابن جرير من أقدم التفاسير ومن أكثرها فائدة وجدت الباحثين والكتاب يجيلون النظر في أنحاء هذا التفسير المبارك، ليستخرجوا منه درره ومكنوناته، ولعلي أعرض بعض الأبحاث والدراسات المتعلقة بهذا التفسير لتظهر لنا مكانة هذا التفسير فمنها :
أ ) الرسائل العلمية :
1- الروايات الإسرائيلية في تفسير الطبري "من سورة الفاتحة إلى أخر سورة الإسراء" - جمعا ودراسة , للدكتور أحمد نجيب بن عبدالله صالح , مقدمة في الجامعة الإسلامية بكلية القرآن الكريم قسم التفسير عام 1419هـ .
2- الروايات الإسرائيلية في تفسير الطبري "من أول سورة الكهف إلى آخر سورة الناس" - جمعا ودراسة مع موازنتها بتفسير البغوي , للدكتور مأمون عبدالرحمن محمد أحمد , مقدمة في الجامعة الإسلامية بكلية القرآن الكريم قسم التفسير .
3- استدراكات ابن عطية في كتاب المحرر الوجيز على الطبري في تفسيره , للدكتور شايع بن عبده شايع الأسمري , مقدمة في الجامعة الإسلامية بكلية القرآن الكريم قسم التفسير عام 1417هـ .
4- منهج الإمام الطبري في القراءات وضوابط اختيارها في تفسيره , للباحث زيد علي مهدي مهارش , مقدمة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية , كلية أصول الدين قسم القرآن وعلومه عام 1419هـ .
5- ترجيحات الإمام الطبري في تفسيره . (1) من أول سورة الفاتحة إلى آخر الآية ( 202) من سورة البقرة . جمعا ودراسة , للدكتور حسين علي الحربي , مقدمة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية , كلية أصول الدين قسم القرآن وعلومه عام 1417 هـ .
6- ترجيحات الإمام الطبري في تفسيره . (2) من أول الآية (203) من سورة البقره إلى آخر الآية (57) من سورة النساء - جمعا ودراسة , للدكتور عبد الحميد عبد الرحمن السحيباني , مقدمة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية أصول الدين قسم القرآن وعلومه عام 1417 هـ
7- الآثار الواردة عن أئمة السلف في توحيد الأسماء والصفات في تفسير ابن جرير الطبري -جمعا ودراسة , للباحث أبوبكر محمد ثاني ’ مقدمة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة , كلية الدعوة قسم العقيدة 1421 هـ
8- الآثار الواردة عن أئمة السلف في معاني الآيات المتعلقة بتوحيد الألوهية في تفسير ابن جرير الطبري -جمعا ودراسة , للباحث رضا إسماعيل المجراب , مقدمة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة , كلية الدعوة قسم العقيدة 1422 هـ
9- القراءات المتواترة التي أنكرها ابن جرير الطبري والرد عليه، من الفاتحة إلى آخر التوبة , للباحث محمد عارف عثمان موسى , مقدمة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة كلية القرآن الكريم قسم القراءات عام 1405 هـ .
10- مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري " عصر الخلافة الراشدة " - دراسة نقدية. للباحث يحي بن إبراهيم علي اليحيى , مقدمة بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة كلية الدعوة قسم التاريخ عام 1408 .
11- مرويات عوانة بن الحكم في تاريخ الطبري - مقارنة ونقد, للباحث عبدالعزيز بن سليمان ناصر السلومي , مقدمة بالجامعة الإسلامية في المدنية المنورة , كلية الدعوة قـــسم التـــاريـــخ 1410هـ .
12- استدراكات ابن كثير على ابن جرير في تفسيره , للدكتور أحمد عمر عبدالله مقدمة بالجامعة الإسلامية بالمدنية المنورة 1405 هـ .
13- الطبري قارئاً وأصوله في اختيار القراءات . رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير بجامعة دمشق كلية الآداب قسم اللغة العربية 1982 . الباحث : محمد قباوة .
14- فقه الإمام ابن جرير الطبري في العبادات . رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه بجامعة أم القرى كلية الشريعة والدراسات الإسلامية قسم الدراسات العليا فرع الفقه وأصوله 1405 / 1985 . الدكتور : عبدالعزيز بن سعد الحلاف .
15- الدخيل والإسرائيليات في تفسير ابن جرير الطبري ( الجزء الثاني والثالث والرابع والخامس عشر من القرآن الكريم ) . جامعة الأزهر كلية أصول الدين قسم التفسير وعلوم القرآن 1980 . الباحث : إبراهيم خليل بركة .
16- الدخيل في تفسير ابن جرير الطبري ( الجزء السادس والعشرين حتى الثلاثين ) . رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه بجامعة الأزهر كلية أصول الدين قسم التفسير وعلوم القرآن 1990 . الدكتور : أبوبكر علي الصديق .
17- الدخيل والإسرائيليات في تفسير ابن جرير الطبري ( الجزء الخامس والسادس من القرآن الكريم ) . جامعة الأزهر كلية أصول الدين قسم التفسير وعلوم القرآن 1405 / 1985 . الباحث : تال هادي منتقى طه السنغالي .
18- روايات الفتنة الكبرى ورواتها في تاريخ الطبري . رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير بجامعة الأمير عبدالقادر للعلوم الإسلامية – معهد الحضارة الإسلامية 1995 / 1996 . الدكتور : إبراهيم بن مهيه .
19- مقارنة بين منهج يحيي بن سلام وابن جرير الطبري في التفسير . رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير بجامعة الخروبة – المعهد العالي لأصول الدين 1418 / 1997 . للباحثة : سميرة بن عنتر .
20- دراسات في أنواع التفسير القرآني من البعثة النبوية إلى ابن جرير الطبري ( التفسيرات النصية ) رسالة مقدمة لنيل الدبلوم العالي بجامعة القرويين – دار الحديث الحسنية 1987 / 1988 . البـاحث : محمد عبادي .
21- تفسير الصحابة في جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري . رسالة مقدمة لنيل الدبلوم العالي بجامعة محمد الخامس – كلية الآداب والعلوم الإنسانية – شعبة الدراسات الإسلامية 1409 / 1989 . الباحثة : عائشة الهيلالي .
22- تحقيق جانب مشكلة الربط بين الآيات والسور في تفسير الطبري . رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه بجامعة البنجاب – الكلية الشرقية 1996. الدكتور : سرحان جوهر سرحان .
23- المباحث البلاغية في تفسير الطبري ( علم المعاني ) . رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه بجلمعة الأزهر – كلية اللغة العربية – قسم البلاغة والنقد 1985 . الدكتور : محمود الزين بن أحمد .
24- آراء كبار التابعين في معاني القرآن الكريم من أول سورة النساء إلى آخر سورة يوسف في تفسير الطبري مع المقارنة والترجيح . رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه بجامعة الأزهر – كلية الدراسات الإسلامية واللغة العربية – الدراسات العليا – قسم التفسير وعلوم القرآن 1998 . الدكتورة : حسنية زين محمود رمضان .
25- الطبري قارئاً من خلال سورتي الفاتحة والبقرة . بحث مقدم لنيل شهادة الإجازة . البـاحث : سليطان محمد التهامي الراجي الهاشمي 1986 .
26- جهود الطبري في دراسة الشواهد الشعرية في جامع البيان عن تأويل القرآن ( دراسة لغوية أدبية في تفسير القرآن الكريم ) . رسالة مقدمة لنيل الدبلوم العالي بجامعة سيدي محمد بن عبدالله – كلية الآداب والعلوم الإنسانية – فاس 1994 . الباحث : محمد المالكي .
27- تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من رايات الطبري والمحدثين . رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه بجامعة محمد الأول – كلية الآداب والعلوم الإنسانية 1989 . الدكتور : محمد أمخزون . نشر دار طبية و مكتبة الكوثر بالرياض .
28- محمد بن جرير الطبري ومنهجه في التفسير . رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه بجامعة الأزهر – كلية أصول الدين – قسم التفسير وعلومه 1976 . الدكتور : محمود محمد شبكة .
29- التفسير بالمأثور ومنهج الطبري فيه . رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير بجامعة الأزهر – كلية أصول الدين 1971 . الباحث : عبدالرحيم أحمد سراج .
30- آيات الصفات عند السلف بين التأويل والتفويض من خلال تفسير الطبري . رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير بالجامعة الأردنية – كلية الدراسات العليا . الباحث : محمد خير محمد سالم . طبع دار البيارق بعمان 1999 .
31- الختيار في القراءات منشؤه ومشروعيته وتبرئه الإمام الطبري من تهمه إنكار القراءات . جامعه أم القرى، معهد البحوث العلمية و إحياء التراث . الباحث : عبدالفتاح إسماعيل شلبي .
ب ) من جهود المؤلفين و الباحثين :
(1) دراسة الطبري للمعنى من خلال تفسيره: جامع البيان عن تأويل آي القران , محمد المالك 1417 / 1996 . نشر وزارة الأوقاف والشؤون السلمية بالرباط .
(2) رجال تفسير الطبري جرحا و تعديلا من تحقيق جامع البيان عن تأويل آي القرآن لأحمد شاكر ومحمود شاكر , للدكتور محمد صبحي حسن حلاق ـ بيروت : دار ابن حزم، 1420هـ
(3) رجال تفسير إمام المفسرين ابن جرير الطبري الذين ترجم لهم أحمد ومحمود شاكر . الشيخ علوي عبدالقادر السقاف . دار الهجرة للنشر والتوزيع بالثقبة - السعودية 1991 .
(4) ابن جرير الطبري ومنهجه في التفسير . للدكتور محمد بكر إسماعيل . نشر دار المنار 1991
(5) الطبري ومباحثه اللغوية من خلال تفسيره لسورة النساء . لنور الدين صمُّود . طبع الشركة التونسية للتوزيع
(6) دقائق لغة القرآن في تفسير ابن جرير الطبري . للدكتور عبد الرحمن عميره . طبع دار عالم الكتب ببيروت 1992
(7) الطبري ومنهجه في التفسير . محمود ابن الشريف . عكاظ للنشر والتوزيع بجدة 1984
(8) الطبري النحوي من خلال تفسيره للدكتور صالح الفراج
(9) الطبري النحوي من خلال تفسيره للدكتور زكي فهمي أحمد شوقي الألوسي - دار الشؤون الثقافية العامة ، الطبعة الأولى بغداد 2002
وغيرها الكثير، وهذا إنما يدل على مدى اعتناء العلماء، بهذا التفسير الذي تلقته الأمة بالقبول، وسارت به الركبان إلى شتى الأمصار، وتدارسه طلبة العلم والعلماء، فرحم الله الطبري وجعل الجنة مثواه
منهجية الإمام الطبري في تفسيره
يتضح لنا منهجية الإمام الطبري عبر موقفه من كل ما يلي :
1.موقفه من المكي والمدني:
الإمام ابن جرير يبين مكية أو مدنية السورة قبل البدء في تفسيرها، فيقول مثلاً في سورة البقرة :"مدنية وآياتها ست وثمانون ومائتان"
2. استخدامه لفظ التأويل:
من الملاحظ أن الطبري لا يستخدم لفظ التفسير بل يقول :"القول في تأويل قوله تعالى" وهو يقصد بذلك التأويل المحمود بقصد التفسير.
3. إيراده الأقوال المختلفة في تأويل الآية الواحدة ثم ترجيحه بينها
فمثلاً يقول في تفسير قوله تعالى :"ذلك الكتاب"
القول في تأويل قوله تعالى "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين"
قال عامة المفسرين : تأويل قول الله تعالى :ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين" قال عامة المفسرين :تأويل قوله الله تعالى ، ذلك الكتاب:هذا الكتاب ، ذكر من قال ذلك:
حدثني هارون بن أدريس الأصم الكوفي قال حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاري عن ابن جريج عن مجاهد "ذلك الكتاب" قال : هذا الكتاب
وهكذا يسرد الطبري جميع الروايات الآخرى التي تقول بهذا القول
وهو القول الذي يرجحه الطبري بقوله :"وكان التأويل الأول أولى " ، حيث أنه يقول مناقشاً رأي من يقول أنه التوراة والإنجيل : " وقد قال بعضهم :ذلك الكتاب يعني به التوراة والإنجيل وإذا وجه تأويل ذلك إلى هذا الوجه فلا مؤنة فيه على متأوله كذلك لأن "ذلك " يكون حينئذ إخباراً عن غائب عن الصحة"
4.استشهاده بالشعر في كثير من المواطن :
يقول عند تأويل قوله تعالى "الصلاة ":"كما قال الأعشى
لها حارس لا يبرح الدهر بيتها**وإن ذُبحت صلى عليها وزمزما
يعني بذلك دعا لها .
ويقول :"ومن الدلالة على أن أحد معاني الفلاح إدراك الطلبة والظفر بالحاجة، قول لبيد بن ربيعة :
اعقلي إن كنت لما تعقلي ** لقد أفلح من كان ذو عقل
وغير ذلك في تفسيره كثير.
5.إتيانه بمعاني الكلمات من لغة العرب :
يقول :"وأما الصلاة في كلام العرب فإنها الدعاء"
ومثل هذا في تفسيره كثير
6.موقفه العقائدي من خلال تفسيره :
الطبري يعتقد معتقد أهل السنة والجماعة في تفسيره لآيات الأسماء والصفات، فمثلاً يقول بعد إستعراض الرأيين في قوله تعالى "إلى ربها ناظرة" : وأولى القولين في ذلك عندنا بالصواب القول الذي ذكرناه عن الحسن وعكرِمة, من أن معنى ذلك تنظر إلى خالقها, وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
حدثني عليّ بن الحسين بن أبجر, قال حدثنا مصعب بن المقدام, قال: حدثنا إسرائيل بن يونس, عن ثوير, عن ابن عمر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أدْنى أهْلِ الجَنّةِ مَنْزِلَةً, لَمَنْ يَنْظُرُ فِي مُلْكِهِ ألْفَيْ سَنَةٍ قال: وإنّ أفضَلَهُمْ مَنْزِلَةً لَمَن يَنْظُرُ في وَجْهِ اللّهِ كُلّ يَوْم مَرّتَينِ قال: ثم تلا: وُحُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال: بالبياض والصفاء, قال: إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال: تنظر كلّ يوم في وجه الله عزّ وجلّ»."
7. موقفه من الإسرائيليات :
يكثر الطبري من رواية الإسرائيليات في تفسيره، وهو في الغالب لا يتعقبها بالنقد والتمحيص، ولكنه يذكرها بأسانيدها، كقوله في تفسير قوله تعالى :"وخلق منها زوجها"
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: ألقـي علـى آدم صلى الله عليه وسلم السّنة فـيـما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة وغيرهم من أهل العلـم, عن عبد الله بن العبـاس وغيره, ثم أخذ ضِلعا من أضلاعه من شقه الأيسر, ولأم مكانه, وآدم نائم لـم يهبّ من نومته, حتـى خـلق الله تبـارك وتعالـى من ضلعه تلك زوجته حوّاء, فسوّاها امرأة لـيسكن إلـيها, فلـما كُشفت عنه السّنة وهبّ من نومته رآها إلـى جنبه, فقال فـيـما يزعمون والله أعلـم: لـحمي ودمي وزوجتـي! فسكن إلـيها.
8. موقفه من القراءات:
يذكر القراءات المتعددة و يختار منها ما هو الأصوب من وجهة نظره ، ذاكراً سبب ترجيحه فعند قول الله تعالى :"وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال" يقول :
واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) فقرأ ذلك عامَّة قرّاء الحجاز والمدينة والعراق ما خلا الكسائي ( وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) بكسر اللام الأولى وفتح الثانية ، بمعنى: وما كان مكرهم لتزول منه الجبال. وقرأه الكسائي: " وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ " بفتح اللام الأولى ورفع الثانية على تأويل قراءة من قرا ذلك: " وَإِنْ كادَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ " من المتقدمين الذين ذكرت أقوالهم ، بمعنى: اشتدّ مكرهم حتى زالت منه الجبال ، أو كادت تزول منه ، وكان الكسائي يحدّث عن حمزة ، عن شبل عن مجاهد ، أنه كان يقرأ ذلك على مثل قراءته " وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبالُ " برفع تزول.
حدثني بذلك الحارث عن القاسم عنه.
والصواب من القراءة عندنا ، قراءة من قرأه ( وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) بكسر اللام الأولى وفتح الثانية ، بمعنى: وما كان مكرهم لتزول منه الجبال.
وإنما قلنا: ذلك هو الصواب ، لأن اللام الأولى إذا فُتحت ، فمعنى الكلام: وقد كان مكرهم تزول منه الجبال ، ولو كانت زالت لم تكن ثابتة ، وفي ثبوتها على حالتها ما يبين عن أنها لم تزُل ، وأخرى إجماع الحجة من القرّاء على ذلك ، وفي ذلك كفاية عن الاستشهاد على صحتها وفساد غيرها بغيره.
فإن ظنّ ظانٌّ أن ذلك ليس بإجماع من الحجة إذ كان من الصحابة والتابعين من قرأ ذلك كذلك ، فإن الأمر بخلاف ما ظنّ في ذلك ، وذلك أن الذين قرءوا ذلك بفتح اللام الأولى ورفع الثانية قرءوا: " وَإِنْ كادَ مَكْرُهُمْ " بالدال ، وهي إذا قرئت كذلك ، فالصحيح من القراءة مع " وَإِنْ كادَ " فتح اللام الأولى ورفع الثانية على ما قرءوا ، وغير جائز عندنا القراءة كذلك ، لأن مصاحفنا بخلاف ذلك ، وإنما خطَّ مصاحفنا وإن كان بالنون لا بالدال ، وإذ كانت كذلك ، فغير جائز لأحد تغيير رسم مصاحف المسلمين ، وإذا لم يجز ذلك لم يكن الصحاح من القراءة إلا ما عليه قرّاء الأمصار دون من شذ بقراءته عنهم.
وبنحو ما قلنا في معنى ( وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ ) قال جماعة من أهل التأويل.
9. موقفه من النحو:
الطبري يذكر بعض مواطن الإعراب في تفسيره ، وإختلاف النحويين ، مثال ذلك قوله :
{الّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَآ إِنّنَآ آمَنّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النّارِ }
ومعنى ذلك: قل هل أنبئكم بخير من ذلكم؟ للذين اتقوا يقولون ربنا آمنا إننا, فاغفر لنا ذنوبناوقنا عذاب النار. وقد يحتمل «الذين يقولون» وجهين من الإعراب: الخفض على الرد على «الذين» الأولى, والرفع على الإبتداء, إذ كان في مبتدأ آية أخرى غير التي فيها «الذين» الأولى, فيكون رفعها نظير قول الله عز وجل: {إنّ الله اشْتَرَى منَ المُؤْمِنِنَ أنفُسَهُمْ وَأَموَالَهُمْ} ثم قال في مبتدإ الاَية التي بعدها {التّائِبُونَ العابِدونَ}, ولو كان جاء ذلك مخفوضا كان جائزا.
10. موقفه من الفقهيات:
الإمام الطبري فقيه مجتهد، ولذا نراه في تفسيره يعمل عقله ويأتي بالحجج في إثبات رأيه ، وتفسيره يدل على سعة إطلاعه وعلمه بالفقه ، فمثلا يقول :
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فإنْ لَـمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أبَوَاهُ فلأُمّهِ الثّلُثُ}.
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: {فإنْ لَـمْ يَكُنْ لَهُ}: فإن لـم يكن للـميت ولد ذكر ولا أنثى, وورثه أبواه دون غيرهما من ولد وارث¹ {فلاّمّهِ الثّلُثُ} يقول: فلأمه من تركته وما خـلف بعده ثلث جميع ذلك.
فإن قال قائل: فمن الذي له الثلثان الاَخران؟ قـيـل له الأب. فإن قال قائل: بـماذا؟ قلت: بأنه أقرب أهل الـميت إلـيه, ولذلك ترك ذكر تسمية من له الثلثان البـاقـيان, إذ كان قد بـين علـى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبـاده أن كل ميت فأقرب عصبته به أولـى بـميراثه بعد إعطاء ذوي السهام الـمفروضة سهامهم من ميراثه. وهذه العلة هي العلة التـي من أجلها سمى للأم ما سمى لها, إذا لـم يكن الـميت خـلف وارثا غير أبويه, لأن الأم لـيست بعصبة فـي حال للـميت, فبـين الله جلّ ثناؤه لعبـاده ما فرض لها من ميراث ولدها الـميت, وترك ذكر من له الثلثان البـاقـيان منه معها, إذ كان قد عرّفهم فـي جملة بـيانه لهم من له بقايا تركة الأموال بعد أخذ أهل السهام سهامهم وفرائضهم, وكان بـيانه ذلك معينا لهم علـى تكرير حكمه مع كل من قسم له حقا من ميراث ميت وسمّى له منه سهما.
هذا والله أعلم وأحكم
وصلي اللهم وسلم وبارك على محمد |
|