جلسـت أماني أمام والدتها شاخصة البصر منبهرة بجميل ما تقصه عليها من مآثرها وذكرياتها عندما كانت في مثل سنها .
وفجأة توقفت الأم عن السرد ، ونظرت في عين صغيرتها متأملة متبسمة ؛ فجاوبتها أماني بإبتسامة رائعة ، وألحقتها بنظرة إستعطاف حاولت بها أن تحث أمها على المضي في تكملة مسيرة شيق ذكرياتها .
فإزدادت الإبتسامة فوق شفتي امها وهي تقول لها : ـ هل تعرفي يا أماني أنني أجد فيكِ نفسي ؛ فمعكِ أوقن مدى روعة إيامي السابقة .
فيتهلل وجه أماني سعادة ، وتقوم من مجلسها لتحتضن أمها وتقبلها والبشر ينطق من مُحياها قائلة : ـ هل هذا صحيح يا أمي ؟! هل عندما أكبر سأصير جميلة مثلك ؟!!
تبتسم الأم وتقول وهي تزيد من عناقها : ـ أجل ؛ أجل يا أماني بل ستصبحين أجمل النساء ، هل تعرفين لماذا ؟
تجلس أماني على أعتاب حضن أمها في حياء لذيذ وهي تقول مستفسرة : ـ لماذا ؟ ... فأنا أراكِ يا أمي أجمل النساء ... فهل هناك جمال يفوق جمالك ؟
تحيطها بكلتا يديها وكأنها تعانقها وهي تقول : ـ الجمال يا أماني جمال الخصال والصفات لا جمال المظهر ، فلا يغرنكِ ملبس وزينة بقدر ما يبهركِ الصفات وجليل الأخلاق الحميدة ؛ فعندما يتصف بها رث الملابس نتناسي لحظتها ما يرتدية ونظل محدقين فيما ينطق به من جميل الفكر وعظيم المعاني وروائع الحكمة .
فيعتري وجه أماني الإندهاش وتقوم لتقف قبال أمها ونظرات الحيرة تعلو قسمات وجهها وهي تقول : ـ ولكني يا أمي لا أحب الناس ذو الهندام الرث والمظهر الكريه حتى ولو كانوا كما تقولين أماه .
فالنظافة من الإيمان كما علمتني أنتِ ووالدي ، والذي يعرف قدر النظافة ويرعى الله في حفظها بدوام السجود والصلاة مع حُسن الوضوء ، فلن يكون إلا جميلاً في المظهر والجوهر ، ولن يقبل بأن يكون له غير هذا المظهر في السر أو العلن ... فهذا ما أراه ؛ ولن أقبل بسواه لحظة تواجدي وإستماعي لأي مخلوق مهما علا أو كان. فهل أنا مخظئة في هذا يا أمي ؟
فيسود جو من الصمت رهيب تشمل إرجاؤه نظرات الأماني من أماني لأمها وتحدي مشفوع بالرجاء في سرعة الإستجابة بالرد على سؤالها .
فتدرك الأم غيابها وتأخرها في الرد عن جميل قول أبنتها ، فتمد يديها لتدعوها لكي تغوص بأحضانها وهي تغالب طفرات دمعها ، لتعلن بنظرات عينها أن أبنتها أروع البنات وأعظمهم حكمة فتقول لها وهي تكاد تعتصرها حضناً وتغمرها بالقبلات : ـ ألم أقل لكِ أنك ستكونين أجمل نساء الأرض جميلتي .