أحدث المشاركات

نسجل دخولنا بذكر الله والصلاة على رسول الله» بقلم عوض بديوي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» بكاء على الاطلال» بقلم أحمد بن محمد عطية » آخر مشاركة: أحمد بن محمد عطية »»»»» مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»»

النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: الشخصية الإسلامية في رواية «زقاق المدق» لنجيب محفوظ

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي الشخصية الإسلامية في رواية «زقاق المدق» لنجيب محفوظ

    الشخصية الإسلامية في رواية «زقاق المدق» لنجيب محفوظ

    بقلم: أ.د. حسين علي محمد
    .............................

    (1)
    تُعدُّ رواية "زقاق المدق" لنجيب محفوظ واحدة من أفضل رواياته في المرحلة "الاجتماعية الواقعية"( )، تلك المرحــلة التي تشمل رواياته الأربع: "القاهرة الجديدة" (1945م)، و"خان الخليلي" (1946م)، و"زقاق المدق" (1947م)، و"بداية ونهاية" (1949م).
    ورغم أن نجيب محفوظ قد قدَّم في هذه الرواية عدداً كبيراً من الشخصيات يحتاج إلى جهد نقدي مُوازٍ للإحاطة والإشارة إليه، إلا أننا سنتوقّف أمام شخصية ثرية قامت بدورها في البناء الروائي، وتُقدِّم نموذجاً متفرداً في أدب نجيب محفوظ، وهي شخصية "السيد رضوان الحسيني"، باعتبارها شخصية إسلامية، فاعلة، نشطة.
    وقد عني الكاتب بتقديم الشخصية في ملامحها الجسمية والنفسية جميعاً منذ السطور الأولى في الرواية، فأما ملامحها الجسمية، فيقدمها الكاتب بقوله: "كان السيد رضوان الحسيني ذا طلعة مهيبة، تمتد طولاً وعرضاً، وتنطوي عباءته الفضفاضة السوداء على جسم ضخم، يلوح منه وجه كبير أبيض، مُشرَب بحمرة، ذو لحية صهباء، يشع النور من غرة جبينه، وتقطر صفحته بهاءً، وسماحةً، وإيماناً"( ).
    وأما ملامحه النفسية فتتوزَّع في أكثر من فصل، يقول الروائي في الفصل الأول عنه: "كانت حياته، وخاصة في مدارجها الأولى ـ مرتعاً للخيبة والفشل، فانتهى عهد طلبه العلم بالأزهر إلى الفشل، وقطع بين أروقته شوطاً طويلاً من عمره دون أن يظفر بالعالمية، وابتُلي ـ إلى ذلك ـ بفقد الأبناء، فلم يبق له ولد على كثرة ما خَلَّف من الأطفال. ذاق مرارة الخيبة حتى أُترع قلبه باليأس أو كاد، وتجرّع غصص الألم حتى تخايل لعينيه شبح الجزع والبرم، وانطوى على نفسه طويلاً في ظلمة غاشية. ومن دجنة الأحزان أخرجه الإيمان إلى نور الحب، فلم يعد يعرف قلبه كرباً ولا هما. انقلب حبا شاملاً وخيراً عميماً وصبراً جميلاً، وطأ أحزان الدنيا بنعليه، وطار بقلبه إلى السماء، وأفرغ حبه على الناس جميعاً، وكان كلما نكد الزمان عنتاً ازداد صبرا وحبا، رآه الناس يوماً يُشيع ابناً من أبنائه إلى مقرِّه الأخير وهو يتلو القرآن مشرق الوجه، فأحاطوا به مواسين مُعَزِّين، لكنه ابتسم لهم، وأشار إلى السماء، وهو يقول: "أعطى وأخذ، كل شيء بأمره، وكل شيء له، والحزن كفر" فكان هو العزاء. ولذلك قال عنه الدكتور بوشي: "إذا كنت مريضاً فالمس السيد الحسيني يأتيك الشفاء، وإذا كنت يائساً فطالع نور غرته يدركك الرجاء، أو محزوناً فاستمع إليه يُبادرك الهناء". وكان وجهه صورةً من نفسه، فهو الجمال الجليل في أبهى صوره"( ).
    وفي الفصل السادس يستكمل الروائي الصورة: "كان وجهه الأبيض يفيض بشراً ونوراً، تُحيط به لحيته الصهباء إحاطة الهالة بالقمر. وكان كل شيء حوله يلوح بالقياس إلى طمأنينته الراسخة قلقاً مضطرباً. وكان نور عينيه صافياً نقيا ينطق بالإيمان والخير والحب والترفُّع عن الأغراض"( ).
    ويُضيف الحوار على لسان السيد رضوان الحسيني ما يُكمل الصورة النفسية للرجل المؤمن، الصادق في إيمانه الذي يعرف أن الأقدار بيد الله، وأن المصائب اختبار منه، وأن الحب يقهر الكراهية ويتغلّب عليها. يقول الروائي على لسانه:
    -لا تقل مللت! الملل كفر. الملل مرض يعتور الإيمان. وهل معناه إلا الضيق بالحياة! ولكن الحياة نعمة الله سبحانه وتعالى، فكيف لمؤمن أن يملها أو يضيق بها؟ ستقول ضقت بكيت وكيت، فاسأل الله من أين جاءت كيت وكيت هذه؟ أليس من الله ذي الجلال؟ فعالج الأمور بالحسنى، ولا تتمرّد على صنع الخالق. لكل حالة من حالات الحياة جمالها وطعمها. بيد أن مرارة النفس الأمارة بالسوء تُفسد الطعوم الشهية. صدِّقني إن للألم غبطته، ولليأس لذته، وللموت عظته، فكل شيء جميل، وكل شيء لذيذ! كيف نضجر وللسماء هذه الزرقة، وللأرض هذه الخضرة، وللورد هذا الشذا، وللقلب هذه القدرة العجيبة على الحب، وللروح هذه الطاقة على الإيمان؟ كيف نضجر وفي الدنيا من نحبهم، ومن نعجب بهم، ومن يحبوننا، ومن يعجبون بنا، استعذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا تقل مللت"( ).
    وهو المعنى نفسه ـ تقريباً ـ الذي يكرره بعد ذلك في الصفحة نفسها:
    "أما المصائب فلنصمد لها بالحب، وسنقهرها به. الحب أشفى علاج، وفي مطاوي المصائب تكمن السعادة كفصوص الماس في بطون المناجم الصخرية، فلنلقّن أنفسنا حكمة الحب"( ).
    أما ملامحه الاجتماعية فهو مقصد الناس عند الشدة، وعندما تمر بهم مشكلة؛ ولهذا فالسيدة "أم حسين" تلجأ إليه عساه يستطيع إصلاح زوجها، وإبعاده عن طريق الغي الذي مازال سادراً فيه:
    اللهم عفوك ورحمتك" .. نطقت الست "أم حسين" بهذه العبارة وهي ماضية إلى مسكن السيد رضوان الحسيني … أعياها إصلاح زوجها وعجزت عن ردعه، فلم تر بدا في النهاية من مقابلة السيد رضوان، لعله أن يفلح هو ـ بصلاحه وهيبته ـ فيما فشلت فيه"( ).
    وهو الناصح الأمين لهم، فعندما يقرر عباس الحلو أن يذهب للعمل في معسكر الإنجليز "باركه السيد رضوان الحسيني، ودعا له طويلاً، وقال له ناصحاً:
    - اقتصد ما يفيض عن حاجتك من مرتبك، واحذر الإسراف والخمر ولحم الخنزير، ولا تنس أنك من المدق، وإلى المدق راجع"( ).
    وهو ذو مكانة اجتماعية طيبة بين الناس، فرغم أنه محدود الإمكانات المادية إلا أنه يتنازل عن حقه في الزيادة التي قررها الأمر العسكري بزيادة الإيجارات أيام الحرب العالمية الثانية، فلم يفد، ولم يثر من مصائب الحرب كما أفاد غيره:
    "إنه ليبدو لحبه الخير ولسماحته كما لو كان من الموسرين المثقلين بالمال والمتاع، وإن كان في الواقع لا يملك إلا البيت الأيمن من الزقاق وبضعة أفدنة بالمرج. وقد وجد فيه سكان بيته … مالكاً طيب القلب والمعاملة، حتى إنه تنازل عن حقه في الزيادة التي قررها الأمر العسكري الخاص بالسكن … رحمةً بساكنيه"( ).
    وهو يقدم المعونة لكل محتاج من أبناء الزقاق؛ فالشاعر المطرود من المقهى يشكو حاله للسيد رضوان الحسيني، الذي منحه أذنه عن طيب خاطر وهو يعلم بما يُكربه، وكان حاول مراراً أن يُثني المعلم كرشه عما اعتزمه من الاستغناء عنه دون جدوى. ولما انتهى الشاعر من شكواه طيّب خاطره، ووعده بأن يبحث لغلامه عن عمل يرتزق منه، ثم غمر كفه بما جادت به نفسه وهو يهمس في أذنه: «كلنا أبناء لآدم، فإذا ألحّت عليك الحاجة فاقصد أخاك، والرزق رزق الله والفضل فضله»( ).
    وقد اهتم الروائي ـ كما رأينا ـ بتقديم شخصية محبوبة اجتماعيا، قادرة على التأثير والعطاء في مجتمعها.
    (2)
    لا يتحرك السيد «رضوان الحسيني» وحده في فضاء رواية «زقاق المدق»، فهناك شخصيات أخرى تزحم الفضاء الروائي، فنجد في الرواية «نماذج فريدة ومختلفة من أمثال شخصية «المعلم كرشة» المصاب بالشذوذ الجنسي، وزوجته الثائرة، الحاقدة عليه دوماً، وابنه «حسين كرشة» المتمرد على روح الخنوع التي يتميز بها الزقاق، وشخصية «سليم علوان» ثري الحرب الذي لم يكتف بزوجته، فبدأ يفكر في الزواج من «حميدة» حتى تخلى عن أفكاره ومشروعاته عندما فاجأته الذبحة الصدرية وتراقص أمامه شبح الموت … ثم شخصية «زيطة» صانع العاهات للشحاذين والنصابين، والفران «جعدة» وزوجته «سنية الفرانة» التي تضربه أكثر من مرة يوميا بالشبشب، حتى يسمع الزقاق صراخه، وشخصية «الشيخ درويش» الذي كان يعمل مدرساً اللغة الإنجليزية ثم نزع إلى التصوف الذي قارب حد الجنون والهوس، وشخصية «الست سنية عفيفي» الأرملة المتصابية التي لم تكن تفكر إلا في الزواج، وكيفية الحصول على زوج، حتى ولو أنفقت كل ما تدخره بعد وفاة زوجها، وشخصية «عم كامل» بائع البسبوسة الذي يستيقظ من النوم لكي ينام مرة أخرى بسبب لحمه وشحمه المتراكمين»( ) و«عباس الحلو» الحلاق، الذي يريد الزواج من «حميدة»، و«فرج إبراهيم» القواد.
    ولن نستطيع أن نتناول علاقة «السيد رضوان الحسيني» بكل هذا الحشد من الشخصيات، ولذا فسنتوقف أمام علاقته بأكثر الشخصيات أهمية في بناء الرواية وهي شخصية البطلة: «حميدة».
    (3)
    تعد شخصية «حميدة» هي الشخصية الرئيسة في هذه الرواية، يشخصها الروائي على هذا النحو:
    «في العشرين، متوسطة القامة، رشيقة القوام، نحاسية البشرة، يميل وجهها للطول في نقاء ورواء، وأميز ما يميزها عينان سوداوان جميلان، لهما حور بديع فاتن، ولكنها إذا أطبقت شفتيها الرقيقتين وحدّت بصرها تلبسها حالة من القوة والصرامة، لا عهد للنساء بها»( ).
    وفي هذا الوصف ركّز على ملامحها الجسمية حيث أشار للونها «نحاسية البشرة»، وقامتها «رشيقة القوام»، وملامحها «يميل وجهها للطول في نقاء ورواء، وأميز ما يميزها عينان سوداوان جميلان، لهما حور بديع فاتن»، وأشار في نهاية الفقرة إلى بعض ملامحها النفسية «ولكنها إذا أطبقت شفتيها الرقيقتين وحدّت بصرها تلبسها حالة من القوة والصرامة، لا عهد للنساء بها».
    ولكنه في مكان آخر يشير إلى الملامح الجسمية، والنفسية، ويشير إلى الملامح الاجتماعية عرضاً في أنها «مقطوعة النسب»، يقول:
    «العصر .. عاد الزقاق رويداً إلى عالم الظلال، والتفت حميدة في ملاءتها، ومضت تستمع إلى دقات شبشبها على السلم في طريقها إلى الخارج، وقطعت الزقاق في عناية بمشيتها وهيئتها لأنها تعلم أن أعيناً أربعاً تتبعها متفحصة ثاقبة: عيني السيد سليم علوان صاحب الوكالة، وعيني عباس الحلو الحلاق. ولم تكن تفاهة ثيابها لتغيب عنها؛ فستان من الدمور، وملاءة قديمة باهتة، وشبشب رق نعلاه، بيد أنها تلف الملاءة لفة تشي بحسن قوامها الرشيق، وتصور عجيزتها الملمومة أحسن تصوير، وتبرز ثدييها الكاعبين، وتكشف عن نصف ساقيها المدملجتين، ثم تنحسر في أعلاها عن مفرق شعرها الأسود، ووجهها البرنزي الفاتن القسمات … وهي فتاة مقطوعة النسب، معدمة اليد، ولكنها لم تفقد قط روح الثقة والاطمئنان. ربما كان لحسنها الملحوظ الفضل في بث هذه الروح القوية في طواياها. ولكن حسنها لم يكن صاحب الفضل وحده، كانت بطبعها قوية، ولا يخذلها الشعور بالقوة لحظة من حياتها، وكانت عيناها الجميلتان تنطقان أحياناً بهذا الشعور نطقاً يذهب بجمالها في رأي البعض، ويُضاعفه في رأي البعض الآخر. فلم تفتأ أسيرة لإحساس عنيف يتلهف على الغلبة والقهر، يتبدّى في حرصها على فتنة الرجال»( ).
    إنها ترى أحلامها أكثر من إمكاناتها وواقعها، وترى أن الزقاق يضيق عن أن يستوعب أحلامها. ومن ثم فهي تشعر بنفور من الزقاق وأهله:
    «مرحباً يا زقاق الهنا والسعادة. دمت ودام أهلك الأجلاء. يا لحسن هذا المنظر، ويا لجمال هؤلاء الناس! ماذا أرى؟! هذه حسنية الفرانة جالسة على عتبة الفرن كالزكيبة عيناً على الأرغفة، وعيناً على جعدة زوجها، والرجل يشتغل مخافة أن تنهال عليه لكماتها وركلاتها. وهذا المعلم كرشة متطامن الرأس كالنائم وما هو بالنائم. وعم كامل يغط في نومه، والذباب يرقص على صينية البسبوسة بلا رقيب. آه. وهذا عباس الحلو يسترق النظر إلى النافذة في جمال ودلال، ولعله لا يشك في أن هذه النظرة سترميني عند قدميه أسيرة لهواه، أدركوني يا هوه قبل التلف. أما هذا فالسيد سليم علوان صاحب الوكالة، رفع عينيه يا أماه وغضّهما، ثم رفعهما ثانية، .. قلنا الأولى مصادفة، والثانية يا سليم بك؟! رباه هذه نظرة ثالثة! ماذا تريد يا رجل يا عجوز يا قليل الحياء؟! .. مصادفة كل يوم في مثل هذه الساعة؟! ليتك لم تكن زوجاً وأباً إذن لبادلتك نظرة بنظرة، ولقلت لك أهلاً وسهلاً ومرحبا. هذا كل شيء، هذا هو الزقاق فلماذا لا تهمل حميدة شعرها حتى يقمل؟!»( ).
    إنها شخصية غير منتمية، لا تُكن أية مشاعر طيبة لهذا الزقاق. فهي تسميه «زقاق العدم»( ). وإنها لتشمئز من الملابس المهلهلة التي ترتديها، وترى أن الملابس الجديدة هي كل شيء في الحياة: «ما قيمة هذه الدنيا بغير الملابس الجديدة؟! ألا ترى أن الأولى بالفتاة التي لا تجد ما تتزين به من جميل الثياب أن تُدفن حية؟!»( ). ومن ثم فهي تسلق الزقاق (زقاق العدم)! بلسانها في مثل هذه المحاورة بينها وبين أمها بالتبني:
    «ـ لستُ أجري وراء الزواج، ولكنه يجري ورائي أنا، وسأنبذه كثيراً.
    ـ طبعاً! أميرة بنت أمراء
    فتغاضت الفتاة عن سخرية أمها، وقالت بنفس اللهجة الحادة:
    ـ أفي هذا الزقاق أحد يستحق الاعتبار؟

    ـ لا تسلقي الزقاق بلسانك، إن أهله سادة الدنيا!
    ـ سادة دنياك أنت. كلهم كعدمهم»( ).
    هذه الشخصية القلقة اللامنتمية، تبحث عن الثراء؛ فرغم خطبتها لعباس الحلو إلا أنها تفرح فرحاً طاغياً حين تخبرها أمها أن السيد سليم علوان «على سن ورمح» صاحب الوكالة يطلب يدها «وأنصتت إلى المرأة بانتباه عميق وهي تروي قصتها. وخفق قلبها خفقاً متواصلاً، وتورّد وجهها، وتألّقت عيناها بشراً وسروراً. هذه هي الثروة التي تحلم بها، هذا الجاه الذي تهيم به. وإنها من حب الجاه لفي مرض، وإن الشغف بالقوة لغريزة جائعة في بطنها. فهل يُتاح لها جاه أو ارتواء بالثروة؟»( ).
    ولكن الأم تتذكّر أنها مخطوبة، وأنها قرأت الفاتحة مع الحلو، وتذهب لتستشير «السيد رضوان الحسيني» «فجفلت الفتاة من هذا الاسم قائلة:
    ـ ما شأنه في أمر يخصني وحدي؟
    ـ نحن أسرة لا رجل لنا، فهو رجلنا»( ).
    واختيار الأم للسيد رضوان الحسيني للمشورة يشي باحترامه وتبجيله، ووضعه موضع القريب أو كبير العائلة، وقولها «هو رجلنا»، واختيارها إياه دون سواه يبين القيمة المعنوية العالية للشخصية الإسلامية.
    ولقد كان رأيه عاقلاً متوازناً: «الحلو شاب، والسيد سليم شيخ، وأن الحلو من طبقتها والسيد من طبقة أخرى، وأن زواج رجل كالسيد من فتاة مثل ابنتها لا بد محدث متاعب ومشكلات لا يبعد أن يصيب الفتاة بعض رشاشها»( ).
    ولكن الرشاش أصاب السيد رضوان من فم حميدة الذي لا يرحم، فقد صاحت بصوت جاف حينما سمعت من أمها ما قاله الشيخ، والشرر يتطاير من عينيها:
    «ـ السيد رضوان ولي من أولياء الله، أو هذا ما يحب أن يتظاهر به أمام الناس، وإذا قال رأياً لم يبال مصلحة الناس في سبيل اكتساب الأولياء مثله، فسعادتي لا تهمه في قليل أو كثير، ولعله تأثر بقراءة الفاتحة كما ينبغي لرجل يرسل لحيته مترين. فلا تسألي السيد عن زواجي، وسليه إن شئت عن تفسير آية أو سورة ..! أما والله لو كان طيباً كما تزعمون لما رزأه الله في أولاده جميعاً»( ).
    وقد رفض السيد رضوان الحسيني «تلبية رغبة حميدة وأمها في الارتباط بسليم علوان رباط زواج، ... لأنه يعلم أن الدين لم يشرع أن يخطب المسلم على خطبة أخيه «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى يترك» وهي من شرع الإسلام. والكاتب يعرف ذلك لأنه علل منع الشيخ رضوان لإتمام هذا الزواج أن أم حميدة قد وافقت على خطبة حميدة من عباس الحلو قبل أن يتقدّم لها السيد سليم علوان»( ).
    ولم تتزوج «حميدة» بالسيد سليم علوان الذي مرض مرضاً شديداً، ولكنها غادرت الزقاق مع «القوّاد» فرج إبراهيم.
    وحين تُغادر إليه بيتها ذات يوم ليستدرجها في طريق الرذيلة والسقوط فإن أول ما تُحدث به نفسها هو: «ما عسى أن يقول السيد رضوان الحسيني مثلاً لو رآها تمرق إلى هذه العمارة؟»( ).
    إن الزقاق يعج بالشخصيات، ولكن شخصية السيد رضوان الحسيني وحدها هي التي تستدعيها ذاكرة «حميدة» في أولى خطوات انزلاقها. وكأن لا وعيها يريد أن يتشبث بالفضيلة التي رمتها وراء ظهرها عن اختيار واعٍ.
    وحينما تفكر «حميدة» في عرض «فرج إبراهيم» بالغواية، وأن يكون قواداً لها لتقتحم معه «حياة النور والثروة والجاه والسعادة، لا حياة البيت التعسة، والحبل والولادة والقذارة، حياة النجوم»( ) حينما تفكر في هذا العرض فإن السيد رضوان الحسيني يتراءى لها ليلاً وهي تفكر في حياتها المقبلة: «السلام عليكم يا إخوان»، .. هذا صوت السيد رضوان الحسيني الذي أشار على أمها برفض السيد علوان قبل أن يهتصره المرض، تُرى ماذا يقول عنها غداً إذا تناهى إليه الخبر؟»( ).
    إن السيد رضوان الحسيني يمثل ـ في الرواية ـ صوت النقاء والطهر والعفاف الذي حاول أن يحمي «حميدة» من نزواتها وطيشها، لكن نداءاته ضاعت سدى، لأن شخصية «حميدة» لم تكن لتلقي بالاً للتقى والطهر والعفاف. وما أصدق ما وصفها به الروائي وهو يصور انحدارها في السقوط في سخرية مرة:
    «عاهرة بالفطرة! تجلّت مواهبها، فبرعت في فترة قصيرة في أصول الزينة والتبهرج، وإن سخروا أول الأمر من سوء ذوقها، فكانت سريعة التعلم محسنة للتقليد. ولكنها سيئة الاختيار لألوان ثيابها، وفي ميلها إلى الحلي تبذل ملموس. ولو كان ترك الأمر (يقصد فرج إبراهيم) على ما تشتهي وتحب لتبدّت وكأنها «عالمة» في زواقها الفاقع، وحليها التي تكاد تغطي جسمها. وفيما عدا ذلك، فقد تعلّمت الرقص بنوعيه، ودلّت على مهارة في تعلم المبادئ الجنسية للغة الإنجليزية. ولم يكن النجاح الذي جاءها يجر أذياله بمستغرب، فتهافتت عليها الجنود، وتساقطت عليها أوراق النقود، وانتظمت في سلك الدعارة لؤلؤة منقطعة النظير»( ).
    كانت شخصية «السيد رضوان الحسيني» بالنسبة «لحميدة» تُمثل الضمير الذي يُحاول أن يردعها، ويُعيدها إلى طريق الحياة القويمة، والإيمان، والطهر. ولكنها بما أوتيت من قوة وتمرد كانت تصر على انطلاقتها الشيطانية في سبل الغواية والضلال.
    وتظل الصورتان ضروريتين للرواية، صورة الإيمان الذي لا تعوقه المصائب «السيد رضوان الحسيني»، وصورة «حميدة» التي تمثل العُهر المنفلت من كل القيود، والذي لا ينتمي إلا إلى طريق الضلال والغواية!
    ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
    *من كتاب "مقالات في الأدب العربي المعاصر" للدكتور حسين علي محمد، دار الإسلام للطباعة، المنصورة 2004م، منشورات "أصوات مُعاصرة".

  2. #2
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    المشاركات : 2,362
    المواضيع : 139
    الردود : 2362
    المعدل اليومي : 0.35

    افتراضي

    راااااائـــع جـــدااااااااااا

    د. حسين على محمد


    استمتعت بهذه القراءة النقدية الجميلة جدا
    اخذتنى الى مسلسل زقاق المدق الذى شاهدناه من عدة سنين ومعالى زايد - والضمير ..اخذتنى الى ازقة مصر التى افتقدها جدا جدا

    كان مسلسلا رائعا واصبح اروع فى ضوء ما قرأته الآن .. والآن يفرق معى فهم المسلسل ..بصراحة احب هذه المواضيع - فليتكم تكثرون منها

    د. حسين محمد - تعرف:

    كان معنا واحد فى الحج الماضى لحيته بيضاء ووجهه منوّر كنت اسميه الضمير - والى اليوم كلما حدثتنى زوجته أسألها ما هى اخبار الضمير
    لآنه كان يذكرنى بهذا الشخص ذو اللحية البيضاء والجلابية البيضاء الذى يظهر للناس فى الأحلام - مذكِرا بالفضيلة والرجوع الى الله

    أشكرك بشده - استمتعت بهذه القراءة القيمة ايما استمتاع !

    واعرف الآن ( تقريبا ) كيف اكون معكم على مستوى الحدث .. اى كيف اقرأ ما تحاولون ان توصلوه للقارىء من كتاباتكم

    تقبل تقديرى واحترامى لما تنشره من مواضيع مفيده
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3

  4. #4
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.84

    افتراضي

    الدكتور حسين

    أجعلني على خزائن علمك

    ياصاحب الحرف الناصح لنا

    ممتن أنكَ معنا
    الإنسان : موقف

  5. #5
    أديبة
    تاريخ التسجيل : Jul 2003
    المشاركات : 5,436
    المواضيع : 115
    الردود : 5436
    المعدل اليومي : 0.72

    افتراضي

    و ككاتب بارع و قاص مجيد أرى وصف أبعاد الشخصية الدينية - كما تسميها - تام و كامل غير منقوص ؛ فقد تناولت أبعادها الجسدية و النفسية و الاجتماعية بكل إتقان .

    لكن لم " نجيب محفوظ " بالذات ؟
    أقصد لعلك مررت يوماً بـ " نجيب الكيلاني " كمثل على أدباء نجباء !!!
    الغاية من استفساري أني أرى تمجيد بعض دون بعض و البعض الأخير أكثر سمواً في الهدف و الغاية و مجمل الفكرة ، طبعاً هذا إذا كنّا ننظر إلى أن الفكرة العليّة ثالث الأثافي في قضية النقد مع اللغة و جودة الأسلوب .
    اعتراضي نسبة حسابية في صورة المجتمع الذي يصوره ذاك الكاتب دون سواه ؛ فكم شخصية في الرواية التي ذكرتها ؟
    خمس عشرة شخصية " بالزوجات و الأبناء " ، و كم منها عاهر و فاسد ؟ اثنتين .
    و كم منها لا نحب أن نكونهم من قريب أو بعيد ؟ سأنحي " كرشة " المصاب بشذوذ جنسي مع زوجه و ربما هناك من يحب أن يكون الابن ، و سأنحي الفران و زوجه فلا رجلا يحب أن يضرب كل حين و من امرأة ، و سأنحي المتصوف ... و !!!

    أرأيت أخي عن أي شيء أتحدث !
    قصص و روايات لا تقول لك إلا كلمة واحدة ؛ كل مجتمعاتنا فاسدة ... ضائعة و لا خير فيها .
    هل نسبة الخير بين أهلك و أهلي و عشيرتك و عشيرتي و قومك و قومي واحد بالمائة فقط ؟

    هلاّ تناولنا روايات الخير و الفضيلة بالنقد و التحليل قدوة لكل قلم قادم و لكل فكر جديد .

    فائق احترامي .

  6. #6
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    شكراً يا أستاذة حوراء ..
    تثيرين قضايا كبيرة، وأنا عندي مُحاضرة بعد ساعة.
    كتبت عدة دراسات عن نجيب الكيلاني سأحاول نشرها.
    إن هذه الرواية تصوير (فني) لمجموعة من الناس، وليس معنى ذلك أن مجتمعنا على هذه الشاكلة.
    تحياتي.

  7. #7

  8. #8
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    "زقاق المدق" لنجيب محفوظ من منظور النقد المرحلي

    بقلم: د.فاروق مغربي
    .....................

    هذه الرواية واحدة من الروايات التي صنفها النقاد ضمن المرحلة الاجتماعية الواقعية, وقد رأى النقاد جميعاً في هذه الرواية عملاً فيه الكثير من النضج الفني.‏
    لقد ارتبطت أحداث هذه الرواية, بأحداث الحرب العالمية الثانية, وعكست الآثار الكبيرة لتلك الحرب على المصريين بل إنّ السبب في "عبقرية" هذه الرواية يرجع إلى التصادم بين الزقاق والحرب, فمن خلال هذا التصادم برز المعنى اللا أخلاقي للحرب, والقيمة السامية للسلام(1).‏
    من المعروف, والمجمع عليه, أنّ الزقاق نفسه يشغل دور البطولة الحقيقية لهذه الرواية, ولكن شخصية "حميدة" لها مكانة خاصة عن باقي الشخصيات في الرواية كلها, وقد اختلف النقّاد حول هذه الشخصية بشكل لافت للنظر, وهذا دليل غنى هذه الشخصية, فالناقد "رجاء النقاش" يرى أنها رمز لمصر كلّها(2). ولكن هذا التأويل قد رفض من أكثر من ناقد, فهذا "الزعم لا يمثّل خطأ في تفسير الرواية وتحليلها فقط, ولكن يسيء إلى مصر أيضاً, خاصة والمؤلف يذكر في الرواية أنّ حميدة "عاهرة بالسليقة(3)". والدكتور طه الوادي يرى أنّه "قد تكون حميدة رمزاً لمصر المحتلة, فهي مصدر عطاء وسعادة للمحتل الغاصب بينما حرم منها أصحابها الشرعيون....(4)". ومع هذا فإنّ الناقد لا يحبّذ هذا الرأي لأنّه لا يجد ما يقوّيه في الرواية(5), وبالتالي فإن مجموع الضياع الحاصل في الرواية رمز لضياع أكبر هو ضياع وطن بأسره(6).‏
    إذا كانت هذه حال الشخصية الرئيسية في الرواية, فما حال بقية شخصيات الرواية؟ يرى الناقد "بدر" أنّ هذه "الشخصيات تكتسب صفاتها منذ مولدها وكأنها تكتسبها بما يسميه المؤلف بالفطرة, وهي ترث هذه الصفات عن أبويها بصورة شبه آلية, أو ميكانيكية, جسدياً, ونفسياً, وتسيطر عليها صفة وحيدة تصلح تفسيراً وتبريراً لكل أعمالها, وضياع الأب بموته أو غيبته أو تعطله عن العمل يرشح الشخصية آلياً إلى الضياع, وإذا أدرك الباحث هذه الثوابت الآلية في تصور نجيب محفوظ للشخصية الإنسانية بصورة عامة, مضافاً إلى ذلك مفاجآت القدر وضرباته الخفية, والقسمة الثنائية بين الجسد والروح, إذا أدرك الباحث هذه الثوابت أصبحت شخصيات نجيب أشبه بكتاب مفتوح من الصفحات الأولى من الرواية, بحيث يصبح الباحث غير معرّض إطلاقاً للإحساس بالدهشة أو الخصوبة في مواجهته لأفعال هذه الشخصيات وأقوالها(7)". وعلى الرغم من أنّ بعض النقّاد قد أثنوا على الشخصيات الثانوية في هذه الرواية وبخاصة شخصية "زيطة", و"المعلم كرشة" إلا أنّ الناقد نبيل راغب يرى أنّ هذه الشخصيات "قدّمها الكاتب لكي يخدم الإطار الاجتماعي الذي رسمه للزقاق, لا لكي تسير طبقاً للحتمية الفنية التي يفرضها الشكل الفني(8)". وكان الناقد قد أشار قبلاً إلى مثل هذا الأمر عندما قال: (إنّ الباحث ليصاب "بخيبة أمل عندما يتقمّص المؤلف دور الباحث الاجتماعي, فيصف تفاصيل الزقاق لا لكي يخدم البناء الدرامي العام, ولكي يمنح القارئ صورة فوتوغرافية صادقة لما يدور في الزقاق, كأنّ الصورة هي هدف في حدّ ذاته(9)". ونحن لا يسعنا إلا مخالفة الناقد فيما ذهب, فالشخصيات الثانوية في هذه الرواية تحديداً, من أخصب الشخصيات وأكثرها شهرة في روايات نجيب محفوظ كلّها, وكانت تمنح الزقاق حركته التي أورد الروائي أن نعرفها, لقد كانت لبنات رئيسية في البناء العام للرواية, ولا يمكن الاستغناء عن واحدة بل يهيأ إلينا أننا لا نستطيع حتى تغيير اسم واحدة منها, ذلك أنّها رسخت في ذهن القارىء, واحتلت مساحة من تفكيره.‏
    في ختام كلامنا على هذه الرواية, نريد أن نقف عند بعض الأحكّام التي أدلى بها الناقد "بدر" باعتبار أن دراسته من أكبر الدراسات, وأكثرها جدية فالناقد يلوم الكاتب على أنّه يستطيع أن يأتي بالحوار حياً ساخناً من قبل القواد وهو جانب شرير يكرهه نجيب محفوظ نفسه, بينما يأتي حوار عباس الحلو مملاً رتيباً, فيقول: "فرق بين وصف هذا الحب الذي يتجه فيه المؤلف إلى المبالغة والتعميم والخطابية, وبين وصفه البارع للمناورات التي تمت بين حميدة والقواد جسدياً ونفسياً والتي تجعلنا نشعر برغم محاولات المؤلف أنّ القواد أذكى, وأخف دماً عشرات المرات, وأقدر على التعامل مع المرأة من عباس الحلو(10)"؟!! ونحن في الواقع نستغرب هذا القول!! فهل يريد الناقد من الروائي أن يجعل القواد "المحترف" ساذجاً في تعامله مع المرأة, بينما يكون عباس الحلو الرجل الذي ليس له تجارب "زير نساء", إنّ الروائي, في رأينا, قد وفق جداً في هذه القضية, بل إننا نستغرب من عباس الحلو كيف ودّع حميدة "بقبلة" بعد اتفاقهما على الزواج, وهو في طريق ذهابه للتطوع بالجيش الإنكليزي. أمر آخر نأخذه على الناقد عندما يقول لائماً الروائي في أثناء حديثه عن حميدة" "ويتدخّل مرة رابعة بصورة تجعل الأمور تختلط عليها بقوله: "كانت تعتمد ألا تلوي على شيء". أن يسير الإنسان بغير هدف فهذا أمر مقبول, أما أن يعتمد أن يسير بغير هدف فأمر يبعث على الدهشة, وإذا تعمّد أن يسير بغير هدف, ثم اتّضح أنه يسير كل مرة حسب خطة مرسومة منحدراً من الصنادقية إلى الغورية ثم إلى السكة الجديدة فالموسكي, فهذا أمر يبعث على الحيرة حقاً(11)".‏
    وواضح اللبس هنا, فالمقصود بهذه العبارة أنّها تسير إلى هذه الأماكن دائماً دون غاية محدّدة, وإنما لمجرّد التنزه حتى أصبح هذا الأمر عادة لا شعورية. كذلك نأخذ على الناقد دراسته اللغوية التي كان يعتمد فيها على فقرة أو اثنتين, فتخرج هذه الدراسة أقرب إلى الإسقاط منها إلى التحليل, فقد كان يأتي بها ليقرّر شيئاً معيناً مثل: كلاسيكية التعبير, سيطرة البلاغة الشكلية, الخلط بين الأسلوبين: القديم والحديث... الخ(12).‏
    من خلال ما مرّ معنا من آراء نقدية حول هذه الرواية, نستطيع أن نبيّن أنّ الخط البياني العام لنجيب محفوظ, ما زال في تصاعد, فكل رواية كانت تحقق صعوداً فنياً إضافياً على ما سبقها, وهذا ما نلاحظه في الروايات الأخرى.‏
    ...................
    هوامش المقال:‏
    (1) انظر: تأملات في عالم نجيب محفوظ, 41.‏
    (2) انظر: أدباء معاصرون, ص12, ويؤكد هذا ص70.‏
    (3) الرؤية والأداة, 363.‏
    (4) صورة المرأة, 265.‏
    (5) انظر: المصدر نفسه, 265.‏
    (6) انظر: المصدر نفسه, 264.‏
    (7) الرؤية والأداة, 373.‏
    (8) قضية الشكل الفني عند نجيب محفوظ, 106.‏
    (9) المصدر نفسه, 104.‏
    (10) الرؤية والأداة, 378.‏
    (11) المصدر نفسه, 385.‏
    (12) انظر: المصدر نفسه, 384, وذلك في تحليله للفقرة الخامسة.‏
    ..........................
    *المصدر: جريدة الاسبوع الادبي العدد 1004 تاريخ 29/4/2006

المواضيع المتشابهه

  1. زقاق الوهم
    بواسطة ضحى بوترعة في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 17
    آخر مشاركة: 02-11-2007, 08:58 PM
  2. قراءة في "أصداء السيرة الذاتية" لنجيب محفوظ
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 29-11-2006, 11:02 PM
  3. يوم قتل الزعيم لنجيب محفوظ
    بواسطة فضل شبلول في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-10-2006, 02:23 AM
  4. عبده ربه التائة في أصداء السيرة الذاتية لنجيب محفوظ
    بواسطة فضل شبلول في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 26-10-2006, 02:16 AM
  5. الشخصية الصهيونية في رواية حسن حميد - جسر بنات يعقوب -
    بواسطة سعيد أبو نعسة في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 18-06-2006, 01:51 AM