أحدث المشاركات
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 28

الموضوع: ( بين الرمال )

  1. #1
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Apr 2003
    المشاركات : 662
    المواضيع : 83
    الردود : 662
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي ( بين الرمال )

    عشقتها مذ كنت صغيرة ..

    مغرمة كنت و لا أزال بأبطالها ..

    هم رجال في زمن قل فيه الرجال ..

    فرسان إباء من عصر مروءة مضى ..

    و بما أني لا أستطيع صبرا على أحلام اليقظة .. فقد حلمت ..

    و تخليت .. و رغما عني .. أزعجت كثيرين و طلبت منهم أن يطلعوا على تخيلاتي مكتوبة ..

    أمي رافقت مسيرة قلمي في هذه القصة .. شجعتني ..

    حثتني على الاستمرار .. فكتبت أكثر ..

    فلها كل الحب و العرفان

    ثم عرضت ما كتبته على أستاذي الكريم الأندلسي ..

    فلم يبخل علي بتشجيعه و توجيهه .. فله جزيل الشكر

    و اليوم أود أن أعرف رأيكم فيها ..


    ×××××××××××××

    الفصل الأول



    و تمضي الريح .. تتراقص فوق الكثبان المتناثرة

    تحمل بين ذراعيها ذرات رمال محرقة

    تقتبس حرارتها من أشعة الشمس الذهبية

    تحمل رائحة بئر جافة .. حقل محترق .. شجرة منتزعة .. بيت مهدوم ..

    تنطلق ..

    تدور في فضاء صحراء بلا نهاية .. أو هي تبدو كذلك

    تعبر المسافات بسرعة مجنونة .. ترسم دوامات في الهواء ..

    و بين التلال البعيدة شيئا فشيئا يبدو هيكل بناء رمادي ..

    تزداد الرياح سرعة .. ترتطم بالجدران العارية

    تزرع بين شقوقها نبعا ذهبيا من رمال .. و سرعان ما ينضب النبع

    تصفع القضبان .. تهزأ بالأسوار العالية .. تعبر النوافذ الضيقة ..

    تملأ الهواء داخلا بالغبار.. الرمال .. و رطوبة خانقة ..

    تهدأ بين الجدران الأربعة .. ترتمي بتعب و تنسى ثورتها ..

    تهوي ذرات الرمال على الأجساد المتكومة ..

    يتحرك أحدهم .. يجيل بصره في الرمال متناثرة هنا و هناك ..

    ينفض ثيابه بحركة متئدة ..

    يمنح الأفق نظرة صبر طال .. و لا تبدو نهاية الصبر قريبة ..

    يلحظ العتمة بدأت تزحف على المكان ..

    يدفع جسده إلى الأعلى .. يرقب الشمس تهوي .. تكتسي بلون ذهبي محمر ..

    و مع الغروب .. يعتدل الرجال ..

    الرطوبة تزداد .. و الريح تعاودها نوبة جنون

    تصرخ .. تهوي على الجدران بصفعاتها .. يسمع لها صوت كالعويل ..

    لوهلة تبدو الرياح كأنها تحمل الكثبان إلى داخل زنازينهم الضيقة ..

    لكنهم يتحملون .. قد تحملوا القهر و آلام الفقد و الفراق ..

    قد صبروا على كبريائهم تغمد فيها الخناجر ..

    تغلبوا على آلام الروح .. أتهزمهم آلام الجسد ؟

    انتابت عادل نوبة سعال و احتقن وجهه ..

    احتضنته العيون قلقة ملهوفة

    كان أصغرهم .. أكثرهم ألما .. و أكثرهم صمتا

    ربت محمود على كتفه برقة و حاول أن يجعله يرتشف قليلا من الماء

    عاد الصمت يخيم حولهم ..

    تابعت أنظارهم الظلام يعبر الفضاء و ينشر عباءته الواسعة الضيقة على المكان ..

    رفع سالم عينيه إلى النافذة الوحيدة ..

    حاول أن يخترق سحب الغبار بعينيه لعله يلمح نجمة تبرق ..

    آلمه ألا يجتمع بنجمة يسائلها عن أهله الذين لم ير أحدهم مذ أتى هذا السجن ..

    عبرت ذاكرته أغنية كان يتمتم بها شباب الحي في صغره ..

    و شيئا فشيئا تدفق صوته الشجي إلى آذانهم حزينا متعبا :


    ( يا سجاني

    يا عتم الزنزانة

    عتمك رايح

    ظلمك رايح

    نسمة بكرة ما بتنساني
    )


    صمت الرفاق .. خفتت أنفاسهم ..

    دوما لصوت سالم العذب المليء بالعذاب تأثير السحر ..

    قاطع إصغاءهم صوت اليهودي الدنيء حاييم يهتف عبر الباب :

    اخرس .. مخرب .. سنقطع لسانك ..

    التفت قاسم نحو الشاب ، أشار له بصرامة أن اصمت ..

    رجته أعين رفاقه أن يهدأ .. لطالما تعرض للأذى بسبب ردوده الحانقة المليئة بكبرياء مجاهد أسير ..

    ازدرد لعابه بصعوبة .. و عاد بوجهه إلى الرياح و ما تحمل من رمال ..

    شعر بصفعاتها أهون عليه من ضحكات ذاك اللئيم و هو يبتعد ..

    شعر بحرقة في عينيه .. مسحهما بكمه بهدوء

    و عاد صوته يهمس :


    ( لو ما إني تركتا بعيد

    لو ما اشتقت لضيعتنا

    ما كنت اوقفت بشباك الزنزانة

    و غنيتلها

    يامه العسكر بيني و بينك

    لو عجلتِ بيعلى جبينك

    رضعتيني العزم و يمه الموت يهون

    و ما تنهاني

    هيه هيه
    )


    ابتسم محمود .. هذه أنشودته المفضلة .. لطالما تغنت له أمه بها في صغره قبل أن يحرمها القهر حتى من الغناء .

    دقائق و صمت سالم ..

    سبحت أفكارهم في عوالم مختلفة

    تحسس قاسم جبهة عادل بتوجس .. شعر بكثير من الألم .. قد زادت وطأة الحمى عليه .

    بحث في العتمة عن مازن .. رآه في زاويته المعتادة ..

    وحيدا ، شاردا ، تتحرك شفتاه بالتسبيح ..

    انتقل قاسم إلى جواره .. همس : قد زادت الحمى .. هلا رقيته أو قرأت عليه شيئا من القرآن الكريم ؟

    رغم الظلام .. رأى قاسم بريق الأسى في عيني مازن ..

    لم يستطع كبت حزنه على ذاك الشاب الصغير .. فنقلت ارتجافة يده السريعة انفعاله إلى قاسم ، ربت مازن على يد صاحبه و نهض ..

    تحرك بهدوء .. وحده من بينهم ظلت خطواته غير مسموعة و هو يسير ..

    طافت الأفكار سريعة في عقل محمود و هو يتأمله عن بعد ..

    تذكر المرة الوحيدة التي عمل فيها مع مازن .. و ذات المرة التي أسرا فيها .. تذكر فرارهما .. تسللهما بين البيوت .. إصابته هو التي منعت مازن من الحركة بسرعة أكبر .. أكان شؤما على صاحبه ؟؟ نفض الفكرة بسرعة .. استطاع مازن أن يثبت في أعماقهم معنى الإيمان بالقضاء و القدر .. ما أراده الله حدث

    عاد يتطلع إلى مازن .. لحظ اقترابه من عادل فنهض نحوه

    جلس مازن إلى جوار عادل .. أراح رأسه على ركبته و أحاطه بيده .. و بدأ الرقية بصوت خافت و حنو كبير .. أنصت محمود و شعر براحة كبيرة مع صوت مازن الخاشع الندي كما يشعر بالهدوء مع صوت سالم الشجي .. بعد أن عرف محمود مازنا ندم على أنه لم ينتهز الفرصة من قبل ليحفظ بعض القرآن الكريم لكنه يفعل الآن بمساعدة صاحبه ..

    انساب صوت مازن في المكان ثم ارتفع بعض الشيء فغدا الجميع ينصتون له :

    ( بسم الله الرحمن الرحيم * قل أعوذ برب الناس * ملك الناس *
    إله الناس * من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة و الناس
    )

    أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ..

    أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ..

    أسأل الله العظيم رب ...


    و كأنما لاحظ محمود لأول مرة أن الدعاء يقال سبع مرات .. إنه يتعلم كل يوم شيئا جديدا .. و دون أن يشعر تمتم : الحمد لله ..

    تنهد مازن بعمق بعد أن أتم الرقية .. فتح عادل عينيه .. تلمس يد مازن بضعف و أحاط أصابعه بيده كأنما يود أن يشكره ..

    ابتسم محمود .. حقا إن مازن أكثرهم اعتناء بالعبادة حتى أنهم أطلقوا عليه لقب شيخ الأسر تحببا .. فلا غرو أن يشعر الجميع خاصة عادل بالطمأنينة تغمرهم مع تلاوته للقرآن ..

    غاصت ابتسامته فجأة وسط بحر قلق و حزن مع زفرة حرى ندت عن صدر عادل .. و تلتها نوبة سعال أخرى أشد من الماضية .. تمنى لو أنه يملك أن يخرج عادل من بين هذه الجدران .. كم غدا يشعر بالاختناق و كأنما هي تطبق عليهم شيئا فشيئا .. و عاد صوت مازن ينسيه همه بتلاوته العذبة .. أنصتت القلوب .. و خيم صمت حزين هادئ على المكان .

    ×××××××××××××

    يتبع بإذن الله تعالى ..



    خالص التحية
    غموض
    (( و أفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ))

    ( لوحة .. فحسب )

  2. #2
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    الدولة : مصر
    المشاركات : 2,694
    المواضيع : 78
    الردود : 2694
    المعدل اليومي : 0.35

    افتراضي


    جمال
    وحزن
    وصياغة جميلة للفكرة
    كلها خيوط اجتمعت لتكمل بعضها فى هذا العمل الرائع
    احيييييييك غموض على هذا الابداع
    وفى انتظار البقية
    لك تحياتى ,,, وباقة ياسمين

  3. #3

  4. #4
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    الدولة : قرطبة
    العمر : 50
    المشاركات : 643
    المواضيع : 53
    الردود : 643
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي

    ها أنت ترين يا غمووض ردود الفعل, تابعي وانا معك على ناصية الحرف القادم ..
    تمنياتي بالتوفيق
    حين ترى غروب الشمس ..تدثر جيدا فقد بدأ صقيع الليل!

  5. #5
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Apr 2003
    المشاركات : 662
    المواضيع : 83
    الردود : 662
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    سيدتي الكريمة ياسمين الواحة ..

    لكم جزيل الشكر على المرور و التشجيع ..

    تحياتي
    غموض

  6. #6
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Apr 2003
    المشاركات : 662
    المواضيع : 83
    الردود : 662
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    سيدتي الكريمة نسرين ..

    كم أفخر بأن هذا هو رأيكم ..

    سأبذل جهدي

    تحياتي و شكري
    غموض

  7. #7
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Apr 2003
    المشاركات : 662
    المواضيع : 83
    الردود : 662
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    سيدي الكريم الأندلسي ..

    بفضل أستاذي تشجعت .. شكرا جزيلا لك

    خالص تقديري و امتناني
    غموض

  8. #8
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Apr 2003
    المشاركات : 662
    المواضيع : 83
    الردود : 662
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    الفصل الثاني

    ترتفع الشمس رويدا رويداً ..

    تلقي نظرة سريعة على المدينة و أهلها

    تنحني لتطبع على صفحة النهر المترقرقة قبلة حانية ..

    تبتسم له ابتسامة ودودا

    ثم تتركه ليكمل طريقه متلويا بين المنازل و الحقول .. مانحا للأرض الحياة و الجمال

    ترتفع كرة اللهب أكثر .. تمنح ثمار البرتقال الفجة بريقا طاغيا ..

    و ترسم مع أغصان الزيتون لوحة فاتنة ..

    تلوح بيدها ..

    تبعث إلى الصحراء بتحية الصباح ، ثم تتقدم لتواصل رحلتها فوق ذرات الرمال المتطايرة هنا و هناك ..

    تهب الريح .. تضاحك الشمس ..

    تترافقان حتى حبل التلال الرملية المتصل .. و تمضي الريح إلى وجهة أخرى ..

    تلقي الشمس أشعتها بدلال فوق الرمال .. تمنحها حرارة حارقة ..

    تعبرها بهدوء و رقة ..

    و هناك .. خلف التلال .. تصطدم فتنتها بالأسلاك الشائكة .. بنباح الكلاب المتوحشة ..

    ترتجف الشمس .. تتكسر أشعتها البارقة على الجدران حزينة متألمة ..

    تأسى لأصحاب الحق يحرمهم المعتدون من التحليق طيورا طليقة في بلادهم تحت عينيها ..

    تدور حول البناء .. تصب جام حنقها على الحراس المنتشرين هنا و هناك ..

    و ترسل بأشعتها عبر النوافذ القليلة لتنير للمجاهدين خيطا من أمل ..

    أو تبعث فيهم شيئا من الشعور بالحياة ..




    في الجانب الشرقي من المعتقل ..

    بالتحديد في زنزانة يحمل بابها لوحة خط عليها بأحرف عبرية ما معناه :

    ( الزنزانة رقم 7 ) ( المعتقلون السياسيون )

    نهض الرفاق .. أزاحوا بعض الرمال إلى جانب من الزنزانة ..

    تمتم قاسم ببعض كلمات حانقة ، فابتسم مازن بإشفاق ..

    أراد أن يخفف عنه قليلا فنظر إلى سالم نظرة ذات معنى ..

    ابتسم سالم بشرود .. تأمل وجه مازن للحظات ثم حول عينيه إلى قاسم ..

    فهم ما أراده مازن .. أطرق قليلا .. ثم رفع رأسه و بدأ بصوت هادئ خافت :


    ( طلع البدر علينا ..

    من ثنيات الوداع

    وجب الشكر علينا ..

    ما دعا لله داع
    )


    التفت مازن بدهشة ما لبث أن تحولت لغبطة ..

    هذه أول مرة يسمع فيها الأنشودة الغالية في قلب المعتقل ..

    و اتسعت ابتسامة سالم و هو ينشد .. و أشار إليهم : أن شاركوا ..

    فبدأ محمود يتابع معه بصوت خافت ..

    و سرعان ما نسي قاسم غيظه مع اللحن المحبب و شارك معهما .. و تبعهم مازن بصوته الرخيم اللين .

    و شيئا فشيئاً عمت الزنزانة عدوى الإنشاد من الأصدقاء الأربعة ..

    بدأ الجميع ينشدون معهم ..

    اتسعت الابتسامات ..

    و غمرهم مرح نسوا معه شيئا من ألم واقعهم .




    فتح الباب بغتة .. و أطل منه رأس الحارس اليهودي صارخا :

    ما هذا ؟؟ ضوضاء .. شغب .. اخرسوا جميعا

    ثم اعتدل و صاح بصوت جامد : التفتيش الصباحي ..

    دلف مدير المعتقل متبخترا .. وقف الجميع ببطء شديد ..

    أجال عينيه في وجوههم .. تبعه رجل آخر ..

    تأملوا الرجل ببعض الاهتمام ..

    لم يعرفه أحدهم إلا هو .. تسارعت خفقات محمود بدهشة بالغة و توتر ..

    ما الذي أتى به إلى هذا المكان ؟؟ أي خطة يرسمون ؟؟

    تأملهم المدير .. أشار إلى الجند ليتفقدوا الأسرى ..

    دفع أحد الجند محمودا ببندقيته بغلظة قبل أن يقول في شماتة :

    هنا معتقل لا يزال نائما

    نظر المدير نحوه .. ثم حول بصره إلى عادل ..

    تحفز قاسم .. التفت إلى محمود ليرى قبضته القوية مكورة و عينيه تقدحان الشرر ..

    مط المدير شفتيه و قال بصوت بارد : سنعلمه كيف يستيقظ .. خذوه

    تقدم جنديان آخران نحوه .. بينما صوب الباقون أسلحتهم إلى المعتقلين ..

    تبادل سالم و مازن النظرات .. هل يتركون الشاب لهؤلاء الأوغاد ؟؟ بهذه البساطة ؟؟

    ركله الجندي بقسوة ..

    لكن عادل لم يفتح عينيه

    اصفر وجه قاسم .. و زاد تكور قبضة محمود في توتر .. بينما تراجع سالم خطوة بذهول ..

    لم يجرؤ على إجالة التساؤلات في أعماقه .. قد تحدث إلى الفتى بمجرد استيقاظه ، هل .. ؟

    رفع الجندي رجله ليركل الفتى مرة أخرى .. و دون أن يستطيع أحد فعل شيء .. كان الجندي مطروحا في زاوية المكان ..

    التفت الجميع نحوه .. في وجهه نظرة صارمة .. و في عينيه نظرة غريبة غاضبة ..

    تراجع الجنود بدهشة كبيرة .. و عم الذهول الجميع

    اخترق صوت المدير الصمت صارخا بغضب : خذوهما معا .. ستريان ..

    و استدار مغادرا بينما اندفع الجنود يجذبون مازن بينهم و يحملون عادل إلى الخارج ..

    تقدم محمود خطوة .. لكن مازن هز رأسه بالنفي بصلابة كبيرة .. و ودع الرفاق بابتسامته الهادئة .. و اقتاده الجنود إلى الخارج بغلظة ..

    ظل الجميع صامتين .. حتى تمتم قاسم : عادل .. ماذا أصابه ؟؟

    أطرق محمود .. ليته يجد جوابا يريح به قلبه .. عاد قاسم يقول : و مازن .. مازن .. يا إلهي ..

    تراجع سالم .. أسند كتفه إلى الجدار .. و انطلقت عيناه عبر تلك النافذة الصغيرة إلى السماء ..

    صرخت أعماقه بكلمة واحدة : يا رب .

    جلس الرجال .. شردت أبصارهم و أفكارهم كل إلى مكان ..

    فجأة فتح الباب .. اتجهت أنظارهم بسرعة إليه ..

    أطل الحارس بوجهه الكريه الشامت و قال : سنتركه يموت بينكم ..

    انطلقت ضحكته الساخرة الشامتة ، و قبل أن يتحرك أحدهم من مكانه فوجئوا بالجنود يرمون بعادل إلى الأرض و يغادرون مسرعين ..

    اندفع محمود نحوه .. أمسك ذراعه و رفعه بين ذراعيه ..

    شعر بالخوف يعربد في أعماقه مع الشحوب الهائل الذي عرى وجهه

    قفز سالم و أمسك بذراع محمود في توتر .. صرخت عيناه بالتساؤل و القلق ..

    تمتم قاسم من مكانه : محمود .. هل .. هل .... و لم يستطع إتمام جملته ..

    هتف محمود بصوت فرح : إنه حي .. حي يا قاسم .. حي

    اندفع الجميع نحوه .. تحلقوا حوله .. و أخذ محمود يحاول إنعاش عادل الفاقد الوعي ..

    كان سالم متوترا .. عيناه مثبتتان على وجه عادل .. و كفاه تحيطان بكفي الفتى .. بينما شارك قاسم محمودا محاولاته لإنعاشه
    ..
    كاد اليأس يصيبهم .. لا شيء يتحرك في عادل سوى أنفاس ضعيفة تتردد في صدره ..

    حمله محمود بهدوء قلق .. تلفت حوله ..

    أسرع الجميع يفرشون الأغطية فوق بعضها حتى غدا في المكان شيء يمكن أن يطلق عليه اسم الفراش فمدده محمود عليه ..

    ركع إلى جواره .. أخذ يفرك يديه و يربت على وجهه ..

    استخدم كل خبرته في الإسعاف .. لكن عادل ظل كما هو .. جسدا ممدا بلا حراك ..

    مرت الدقائق بطيئة .. سال قطرات العرق على جبهة محمود ..

    تسارعت أنفاسه و هو يبذل كل جهده ..

    ندت عن يد الفتى حركة انقباضية ضئيلة لم تغب عن عيونهم المتوترة ..

    بدأ الأمل ينتعش في قلب محمود ثانية و هو يحاول ..و يحاول .. و يحاول ..

    فتح عادل عينيه .. ببطء شديد و وهن .. أدار فيهم نظرات زائغة لا تستقر على شيء ..

    ارتجفت ابتسامة على شفتي قاسم .. تراجع .. أسند ظهره إلى الجدار وراءه و أطلق تنهيدة حارة ..

    برقت عينا سالم .. قاوم دمعة سعيدة حاربت لتقفز إلى وجنته ..

    تسارعت خفقات فؤاده صارخة : الحمد لله

    غمر الفرح عيون الجميع .. تبادلوا نظرات السعادة

    و ارتاحت قلوبهم إثر ذاك التوتر

    لكن قلب محمود كان ينبض بالألم ..

    قد صدق الوغد اليهودي في كلماته ..

    ربما تكون هذه آخر لحظات عادل في الدنيا ..

    آخرها ..

    على الإطلاق .

    ×××××××××××××

    يتبع بإذن الله تعالى ..



    خالص التحية
    غموض

  9. #9
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Apr 2003
    العمر : 57
    المشاركات : 57
    المواضيع : 10
    الردود : 57
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    سيدتي الكريمة غموض

    أتلهف بفارغ الصبر لأرى البقية، ارجو ان لا تطيلي علينا الإنتظار.

    قد عشت مهعم في قصتك، واحسست بألمهم. رائع جدا كل حرف دونته هنا.

    كل الإحترام والتقدير لك

    تحياتي

    غــــادة

  10. #10
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. ردّ الرمال التي ظلت إلى شرف ٍ ...
    بواسطة مجذوب العيد المشراوي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 17
    آخر مشاركة: 22-09-2006, 12:15 AM
  2. قصر من الرمال.......
    بواسطة حسنية تدركيت في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 06-07-2006, 11:27 PM
  3. مدينة الرمال .... رائعة
    بواسطة عبلة محمد زقزوق في المنتدى فُنُونٌ وَتَّصَامِيمُ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 21-04-2006, 01:34 PM
  4. إبداع على الرمال
    بواسطة د. محمد صنديد في المنتدى فُنُونٌ وَتَّصَامِيمُ
    مشاركات: 17
    آخر مشاركة: 27-11-2005, 03:43 PM
  5. سحر الرمال
    بواسطة بن عمر غاني في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 02-05-2003, 06:47 PM