|
يا عهدَ الشباب |
أنسيتَ ياعـهدَ الشـبـابِ تـَعَمُّدا |
وهجرت أبراج الفتوة بابها |
عزم بمحراب الإباء تعبدا |
فتصحرت روض الصبابة والهوى |
والقفر أعمل في مفارقه ردى |
كانت رؤاه على الجبين ندية |
طلا بقيثار السحور مغردا |
وعلى أصيل الأمنيات طيوره |
نغما بوجدان الهديل تغردا |
لحن الشغاف ترنـُّما ألـَّفـْتـَه |
من عندليب الفجر آيات الفدا |
وشربت من أرج العذوبة خمرة |
عذراء لم تلمس غشاوتـُها يدا |
ألبست جلباب المشاعر خلعة |
من عبقري بيان حبكتها ردا |
من شرنقات الحسن فصَّلتَ المنى |
ثوبا بأختام الربيع تعسجدا |
ولك الفنون على الشفاه تبرَّجتْ |
همساتِ أشجان تسامرُ موعدا |
تلهـو بفنجان السـعادة برجـها |
بدر يغازل بالتمام الفرقدا |
أنسيت حوراء الأقاحي سطـَّرتْ |
رؤيا الشبيبة بالنسيم تأبجدا |
وألـِفـْتَ عرجون المشيب ملحنا |
رجعَ المغيب على ذؤابته بدا |
بين الخرائب من طلول منازل |
كالبوم يتخذ المبيت معربدا |
ها قد سكنت مفارقي وحشاشتي |
قفر المعاني مثل نائحة الصدى |
قالوا ألا ليت الشباب فقلت ما |
نفع التمني بعد أن غِـيْلَ المدى |
ما نفع ليت وحبذا وعسى وما |
إن كان جزم بالسكون تسـيـَّدا |
إن التمنيَّ في الخريف خســارة |
لو كان ذا همم لعاوده الندىٌ |
أضغاث أحلام يرى أبقارها |
سبعا يسمنها التمني مسهدا |
لا يحسب السفهاء أن شبابهم |
بعد المشيب يعود غِرَّا أمردا |
أضحى سرابا في بقيعة ظامئ |
يطوي البوادي من بلاهته سدى |
بين الفتوة والمشيب مفازة |
كالفرق ما بين الضلالة والهدى |
فالشيب قفر للأماني عنوة |
ومن الفتوة يغدق المزن الجَـدَا |
والشيب ناقوس المغيب إذا دنا |
بوم الرحيل على مفارقنا شدا |
لا مرحبا بخطى المشيب لهولها |
درب التفاؤل بالتشاؤم أوصدا |
الشيب أولى خطوة للمرء في |
زلق المحاشر دون غير أو عدا |
وله رؤوس لا يطاول مجدها |
نجم تطأطئ للمغيب الفرقدا |
أواه لو عاد الشباب مفارقي |
لجعلت رأسي للزيارة مرقدا |
ونذرتُ هَـدْيَ الشيبِ قربانا له |
ونحرتُ أسرابَ الذؤابة إن غدا |
وغزلت من خيط الكهولة مفرشا |
من لـُحمة الآمال والماضي سدا |
لو زرت يا عهد الشباب مضاربي |
لقطعت رأس الشيب ثأرا بالمُدى |
من قال إن الشيب تاج فضيلة |
لا شك جندي بألوية العدا |
العمر قافلة الأماني أفرغـَت |
حلم الصبا ووراءها شيبٌ حدا |
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
|