آه يا رام الله
احبك رغم خفافيش الظلام
زياد جيوسي
كان المسرحيون يحتفلون بيوم المسرح العالمي ..كان مقررا أن اشاركهم كوني من مدمني المسرح، ولا اترك لمسرحية أن تفوتني ..وهي قليلة جدا ، لكني شعرت فجأة بإحباط جسدي كبير وانخفاض بضغطي، عزيته لجهد العمل خلال الأيام الماضية بعد شفائي من نوبة برد مزعجه، نمت ولم أصح من نومي الا بعد ساعات على طرقات باب الصومعة، وأنا اشعر بضيق حاد وكأن هناك جبلا يجثم على صدري، فكان صديقي التوأم ورفيق وحدتي ..
كان يشعر بكآبة مجهولة المصدر أيضا، فأضاف همه لهمي وغادرني، رغبت بزيارة لأخي وغيرت الفكرة..قررت أن اسير في الشوارع رغم البرد، عرجت في طريقي الى دار عرض الأفلام اليتيمة فدخلت دون أن أنظر ما هو العرض، كان فليما مصريا لا أظن اني تمتعت به كثيرا..او انه ساهم في تخفيف ضيقي.
خرجت والبرد قد ازداد حدة وقسوة، تمشيت بالشوارع وصلت الميدان الرئيس للمدينة، مجموعة من سيارات الأمن بمختلف التشكيلات وجنود يحاولون اخذ قليل من الدفء من خلال أكواب من الشاي من بائع متجول يقف خلف عربة متنقلة، كان الله بعونهم فالمشاكل لا تهدأ واطلاق النار يمزق الصمت بلحظات غير متوقعة كليلة الأمس، فلم نعد نعرف من يطلق النار !! هل هي دوريات الاحتلال تفاجئ مقاوما لاعتقاله او لاغتياله ؟ ام مليشيات متنازعة ام غير ذلك مما يسمونه انفلات أمني ..
آه يا رام الله اسير بشوارعك التي فرغت الا من بعض مارة او بائع متجول ينتظر رزقا يعود فيه الى أفواه جائعة او سائقا ينتظر راكبا أن يركب معه ..انظر لجدران ملأتها ملصقات ممزقة وأغلبها من مخلفات الانتخابات وشعارات متراكمة على الجدران بخطوط رديئة لا تحمل فيها من معنى أكثر من عنتريات فارغة او عبارات أكل عليها الدهر وشرب ..
أذكر قبيل الانتخابات انني اطلعت على ميثاق شرف وقعت عليه القوى والفصائل المختلفة بأن تقوم فورا وبعد الانتخابات بإزالة اثار تشويه المدينة من مخلفاتهم ..يومها ضحكت وقلت لأقراني لننتظر ونرى ان كان هناك من شرف قد تبقى ..
وها هي الجدران ملوثة ما زالت تنتظر من يرفع الغمة عن وجهها، اواصل المسير ونسمات البرد ما زالت تحاصرني رغم اللباس الجيد، التف من الشارع الرئيس الى شارع خلفي بعيدا عن الملوثات البصرية، هناك التلوثات أقل حدة وعبق الياسمين ينعش النفس والانارة اقل والليل رفيق الغريب..
هدأت روحي قليلا وبدأت نفسي تسكن، جالت بي افكاري الى البعيد كالعادة، شعرت بطيفك يمسك بيدي ويضمني ليدفئني ، قلت لي انك تحلمين في هذه اللحظة لو أننا في مكان مرتفع على رأس جبل ومدفئة حطب وبعض من الموسيقى..
رغبتي ايضا ..لكن كيف لرهين المدينة أن يحلق بعيدا عن الخيال، حلقت معك في حلم جميل وأنا احدثك عن الزيتون والسنديان واشجار الحور التي التقيناها، أقطف لك زهرات ياسمين واستشعر دفء من روحك.
نواصل السير بلا تخطيط في أزقة وشوارع عرفتني رفيق وحدتها في وحدتي، البرد يزداد..أحلامي تزداد وازداد حديثا معك، أحدثك عن موسم الحصاد وموسم قطف الزيتون وعن الجدار الأفعى الذي يقضم أراضينا يوما بعد يوم، عن ناصر الشاب المهندس الطيب الوسيم الذي مزقت جسده عشرات الطلقات الاحتلالية على بعد أمتار مني، عن آلام الاجتياح التي تصادف ذكراها غدا، عن ابنائي الذين أحلم في لقائهم، عن أمي التي شاخت وهي تحلم أن تراني..عن الحلم ..عن المستقبل..
فجأة اصحو على صوت اطلاق نار..خفافيش الظلام تصر أن تسرق منا هدوء المدينة الليلي، اعود بهدوء آملا أن لا اقع ضحية بلا معنى..ادخل صومعتي وعلى جذوة نار اجهز فنجان قهوتنا..اشعل لفافة تبغ ..أناديك ..اما زلت يا طيفي البعيد القريب معي ؟؟؟
آه يا رام الله ..احبك رغم خفافيش الظلام ...

28\3\2006