أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: صلاة الوحوش

  1. #1
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    المشاركات : 3
    المواضيع : 1
    الردود : 3
    المعدل اليومي : 0.00
    من مواضيعي

    افتراضي صلاة الوحوش

    تقع البحيرة السوداء خارج مملكتنا على مسيرة أشهر، في مكان متوسط بين الممالك. وكان يذهب إليها كل من يريد البركة والغفران ليستحم بمائها.يقوم على الخدمة حولها رجال في ملابس الكهنة السوداء،يعيشون على نفحات الزوار وأحياناً على سرقتهم. وكثيراً ما أرسل الملوك حملات لتأديبهم. هكذا ظلوا حتى انقلب قائد الجيش في مملكتنا على الملك وقتله، و أول شيء فعله بعد أن استقر له الملك أنه أرسل لكهان البحيرة السوداء. وعنده وجدوا من الحفاوة ما لم يتخيلوه. وبدأ حينها الناس- باختيارهم أو مجبرين- يعاملون الكهان بشيء من الاحترام، وبدأت الزيارات تكثر إلى البحيرة السوداء، حتى أن الملك نفسه ذهب ليتبرك بماء البحيرة الأسود، ثم أعلن ذات يوم أن من يريد الذهاب من الفقراء إلى البحيرة فالملك سيتكفل بأموال السفر. وجدتها فرصة أنا ورفاقي من الأجراء المساكين أن نذهب هناك لعل البركة تغمرنا وتنقذنا من فقرنا.
    بمجرد أن وصلنا رأينا مياه البحيرة ثائرة ، تبادلنا النظرات في دهشة .أخذنا نغتسل في المياه واحداً وراء الآخر. ولما حان دوري أحسست بحركة غريبة بين الكهان، ونظرات كلها موجهة إليّ. طلبوا مني وحدي بعدها أن أدخل إلى الكاهن الأكبر .دخلت صومعة الكاهن . استنشقت رائحة خدرت أعصابي، وأتاني صوته في الظلام قائلاً:
    - إنه أنت.
    - أنا؟
    - أنت من تحدثت عنه مياه البحيرة. أنت من ستنزل إلى البحيرة وتعيش فيها.
    أرعبتني الكلمات . خفت أن أكون قرباناً لوحوش البحيرة المقدسة.
    - أنا؟
    - نعم .
    - ولم أنا؟ لم لا يكون أي شخص آخر.
    جاءني الصوت العميق دائماً الهادئ أبداً:
    - لأن البحيرة لن تقبل غيرك. أي شخص آخر حتى أنا سيهلك. أنت فقط من يستطيع الحياة فيها ومعاشرة وحوشها ومعرفة أسرارها.
    أحسست أنني أفقد حياتي ببطء وبدون أدنى مقاومة.
    - ولم أنزل إلى البحيرة؟.
    قال بنفس الهدوء:
    - قلت لك لمعرفة أسرارها ومعاشرة وحوشها.
    قلت مكتسباً من خوفي شجاعة:
    - مستحيل.
    قال لي وهو يقوم من مكانه:
    - لا خيار أمامك. إن لم تنزل قتلناك، وإن لم نقتلك نحن قتلك ملكك أو أي ملك آخر ستذهب إليه.
    سألته بذعر:
    - لم يقتلونني؟ ماذا جنيت؟.
    ضحك لأول مرة وقال:
    - ألم تسأل نفسك لما يشجع ملكك الشعب على القدوم إلى البحيرة؟ ألم تعلم لما طلبنا في بلادكم وكرمنا؟. وكذلك فعل بقية الملوك بعد أن أقنعهم بذلك. لأنه يريد كنوز البحيرة التي سمع عنها في الأساطير. ولما قلنا له أن الكنوز لن تفتح إلا علي يد رجل واحد فقط. ستختلج له مياه البحيرة ويخرج منها الدخان وهو يلمس ماءها،أرسل هو وبقية الملوك منكم الوفود. وها أنت أتيت. حلمنا كلنا .إما أن تحققه وإما أن تموت.
    ألهمني عقلي بفكرة طمأنتني لأول مرة. قلت له:
    - لا تستطيعون قتلي . أنتم تحتاجون لتلك الكنوز. وأنا الوحيد الذي سيمكنكم منها.
    سمعت صوت أنفاسه لكنه لم يتكلم. أخيراً قال:
    - اسمع يا فتى. إن لم تنزل البحيرة ستموت. لن نحصل على شيء من البحيرة ولكننا سنضمن ألا يحصل عليها أحد آخر، وإن نزلت حصلت على المجد، ليس الكنوز فقط، ولكن كل شيء.
    - كل شيء؟
    - نعم. ستحصل على القوة المطلقة.
    - كيف؟
    - لا أعرف، ولا أحد يعرف أكثر مما أخبرتك به .ستكتشف كل هذا بنفسك.
    لم أحصل في حياتي الطويلة سوى على الفقر، لا أمل ولا كرامة، تمنيت كثيراً أن أموت. فلم لا أموت وأنا أحاول؟. وهكذا نزلت إلى البحيرة السوداء، يحيط بي الملوك والكهان ، وآمال الناس العريضة.
    *********
    منذ أن غمست أعلى شعرة في رأسي داخل الماء وأنا لا أشعر بذاتي الإنسانية. وجدت نفسي أجوب أنحاء البحيرة، ألاقي الوحوش و أجالسهم، أعرف منهم أسرار البحيرة و كنوزها. أبداً لم أشعر بالخوف منهم .وفجأة وجدتهم يأخذونني ويضعون على رأسي التاج لأصبح ملك الوحوش. و من فرط سعادتي بالحياة هناك لم أشعر بمرور الزمن. قال لي وزيري شيطان النهر مرة:
    - يا مولاي نحن نعيش في سعادة ألف عام هي فترة حكمك.
    أذكر أنني وقتها ابتسمت. هممت أن أسأله متى أتيت إلى هذا العالم وكيف كانت بدايتي. ولكنني عدلت عن ذلك وأمرته بالانصراف.
    وفي إحدى جولاتي، وجدت شيئاً صغيراً في أعماق البحيرة، كائناً لم أره من قبل . كانت بعض الأسماك الصغيرة تتسلى بقضم أجزاء منه ثم تتركه.اقتربت منه . أمسكته بيدي ورفعته أمام عيني. أخذت أديره بأصابعي، حتى رأيت وجهه الصغير المشوه. شيء ما جعلني أقرب وجهه إلى عيني. ما أن تبينت ملامحه حتى أحسست بالعالم يتغير من حولي، كان الغضب يملؤني ، يكاد يمزق صدري. اختفى الوحوش ورأيت سماء الليل لأول مرة منذ سنوات. وجدتني أرتفع عن مياه البحيرة كثيراً. تذكرت حياتي الأولى فاندهشت لطولي الشديد وجسدي الأسود. تكلمت فإذا بي أزأر . وإذا بهم يردون عليّ وهم ساجدون.
    - مرحباً أهاب الأسود. مرحباً إله الشر. يا جالب عصر الظلام. يا جالب كنوز الآلهة.
    زأرت مرة أخرى وأنا أشعر بالغضب. أشعر أنني سجين. أنني لا أعلم من أنا وماذا أفعل. وجدت الكاهن الأكبر يقول:
    - الملك هو من قتل أخاك ورماه في البحيرة، قتل منا الكثيرين ونفانا. ظنك خدعته وأخذت الكنوز. لم نجد لنا مأوى سوى الكهوف بعد أن حوربنا في كل الممالك.
    الملك قتل أخي. كان الماضي يتداخل في الحاضر عندي. كان الإنسان يتشابك مع الوحش.
    - قالت لنا النبوءات دائماً أنك ستخرج في آخر الشهر القمري عندما تشعر بالغضب ،فأدركنا أنك ستعود عندما ترى جسد أخيك ، و تسللنا هنا خفية لاستقبالك.
    قلت والوحش داخلي غاضب للإنسان:
    - أين الملك؟
    قال لي وقد بدت عليه السعادة:
    - في قصره يعد للاحتفال بذكرى تتويجه.
    - دلوني على الطريق.
    حملتهم و سرت بهم. قالوا أنهم لا يستطيعون رؤيتي لشدة سواد جسدي، بينما كنت أراهم رغم ارتدائهم الأسود. طريق الشهور قطعته في يومين .أسير في الليل وفي الصباح أختبئ بهم من الشمس . عندما وصلنا سمعنا وسط الظلام أصوات تهليل وأناشيد. رأينا المشاعل في أيدي الجمهور الواقف أمام قصر الملك.أودعت الكهنة بعيداً، ثم اقتربت ولا أحد يشعر بوجودي. فجأة نظر أحدهم وأشار إلى رأسي قائلاً:
    - أنظروا.
    سكت الجميع ونظروا إلي وقد لفهم الصمت.
    - ليلة ليس فيها قمر يظهر فيها قمران تحية لمولانا العظيم.
    هلل الجميع ونظر الملك نحوي سعيداً. أغمضت عيني فسكتوا ثانية، فتحتهما فشهق بعضهم وسرت همهمة. حتى الملك خفت ابتسامته. قالت امرأة:
    - هذان ليسا قمرين. إنهما عينان
    ما كادت تكمل جملتها حتى انقضضت برأسي نحو الملك ، فاتحاً فمي وماداً لساني. التقطته وعصرته في فمي ، ثم رميته من علٍ وسط الجماهير. صرخ من صرخ وجرى من جرى. اصطف الرماة ورموا نبالهم باتجاه عيني، أغمضتهما وتحركت من مكاني ثم انقضضت على عدد من الرماة. أخذت المشاعل تتزايد والجنود يبحثون عني في كل مكان دون جدوى، ثم وجدتهم عائدين ومعهم أحد الكهنة . سمعت صوتاً يقول في داخلي:
    - ارجع يا أهاب ، وغداً نكمل طريق النصر. غداً يسطع الظلام.
    *********
    أرشدني الكهنة إلى مخبأهم . وجدت أنهم جهزوا في الكهف مكاناً لي لأختبئ من الشمس فيه . أخذوا يبكون صديقهم ثم مارسوا الصلاة لي و ناموا. في الصباح انتبهت على صراخهم. نظرت من مخبأي لأجد جنود الملك يهاجمون الكهف. وجدت من الكهنة اثنين قتلى. ثارت دمائي وانقضضت على الجنود . ارتعبوا بمجرد أن شاهدوا وجهي يبرز من المخبأ. أكلت منهم الكثيرين وقتلت الكثيرين، حاولت مطاردتهم إلى خارج الكهف لكن بمجرد أن أبرزت رأسي غمرتها الشمس فتراجعت متألماً. انتبهوا لما حدث فوقفوا خارج الكهف يرمونني بالسهام. أحسست بالجروح في جسدي وإن كانت بسيطة. أخرجت قدمي بسرعة باطشاً بالعشرات منهم فتراجع البقية خوفاً.عدت للكهنة الذين قاموا بدفن القتيلين. نظر إلي الكاهن الأكبر، سجد ثم قال:
    - الليلة تهجم. وكل ليلة ستهجم على مدينة. أما نحن فسنجمع لك الأتباع. فقط أخرج لنا بعضاً من كنوز البحيرة.
    نظرت إليه ولم أزأر بالكلام الذي لا يفهمه إلاه.
    - لا تندهش من الأتباع. أنت قوي نعم. لكن قوتك من أتباعك. أنت لم تصبح على ما أنت عليه إلا بكثرة صلواتنا،وكلما قتلوا منا كلما ضعفت أنت. يجب أن يزيد أتباعك ، وهم لن يتبعوك إلا إذا رأوا منا ما يرضيهم. نقضي على فقرهم فيصبحوا لنا عبيداً.
    بعد الغروب هجمت على قرية صغيرة، بلا مقاومة قضيت على كل من فيها، نهب أتباعي الأموال وانشغلت أنا في لحم الصبايا والأطفال. ذهبت بعدها إلى البحيرة، هبطت إليها بعد غياب.كنت أعي هذه المرة كل شيء حولي. لم أجد أي شيء سوى الأسماك. لا الوحوش ولا المملكة. الشيء الوحيد الذي وجدته كما أردت هو كهف الكنوز. لم يكن تنين الكهف في مكانه يرحب بي كالعادة. دخلت الكهف وأخذت من الكنوز ما استطعت وصعدت ثانية لأضع كل ما معي في يد الكاهن الأكبر.
    *********
    من نصر إلى نصر كنا نسير، لم يستطع الملك الجديد أن يقاوم غزوي لمدنه، سيطر أتباعي الكثيرون على معظم مدن الجنوب، من لم نقتله من الناس أصبح تابعاً لنا أو عبداً ذليلاً ،أصبح الكاهن يوزع الأموال قائلاً إنها من الإله أهاب . يوماً بعد يوم تتكاثر صفوف الصلاة أمامي وتزيد معها قوتي.ولكن استيقظت ذات ليلة فوجدت في جسدي ضعفاً لم أعتده. وجدت الكاهن الأكبر أمامي مذعوراً:
    - لقد هاجم جنود الملك أحد مدننا في النهار. وقتلوا كل من فيها من أتباع.
    كانت تلك المدينة بعيدة جداً وهو ما أغضبني ،فأنا لن أستطيع استردادها الليلة. قمت بمهاجمة أقرب مدينة لي. وجدتها خالية من كل شيء. لا ناس ولا أطعمة ولا أموال. في المساء التالي ازداد ضعفي. قال لي الكاهن:
    - هاجموا بالأمس مدينة واليوم صباحاً مدينة.
    ثم قال لي:
    - إنهم يتبعون الحيلة فلنفعل مثلهم.
    انطلقت بأقصى سرعتي أرج الأرض تحت خطواتي. طوال الليل سائراً حتى وصلت إلى مدينة على مشارف مدينة الملك. كان الوقت قبل الفجر بقليل. أبدت أهل المدينة كلهم، ثم انطلق أتباعي وقد بدلوا في أشكالهم، أزالوا لحاهم وارتدوا الملابس الملونة. انطلقوا إلى مدينة الملك محملين بالأموال، راغبين في المزيد من الأتباع.

    في يوم شعرت بقوة لم أحسها من قبل. قال لي الكاهن المتنكر:
    - أتباعنا يتزايدون ، هناك مدن بأكملها تتبعنا وتقيم الصلوات لك. ونحن بأموالنا وعلمنا نسيطر على مقدرات مدينة الملك. أنا قاضي القضاة ، وغيري يعلم الأطفال تعاليمنا. وهناك من يمتلك نصف الأراضي. آن الأوان أن تهاجم مدينة الملك . لن تكون وحدك من يهاجم. بل معك الألوف. وسأكون بانتظارك هناك مع أتباعنا الجدد، ووقت الحسم ستجد هناك من ييسر لك النصر.
    انطلقنا في الليل ،لم أحملهم هذه المرة ولكن سرت في المقدمة . قال الكاهن أننا سنصل عند منتصف الليل وفي الصباح سأكون نائماً في قصر الملك . كنت أشعر وأنا سائر بوخز في جسدي، كل دقيقة أشعر بأنني أضعف، لم يكن أحد الكهنة معي ليفسر لي. فجأة مادت الأرض بي،وجدت نفسي أسقط في هاوية.صرخ الأتباع فزعا ووجدت منهم من سقط بجانبي قتيلاً. نادى أحدهم:
    - خيانة.
    كنت داخل الأرض حتى الكتفين وهناك ما يمسك قدمي في الهاوية. قاومت بكل ما أملك من قوة متلاشية. صعدت من الهوة ، بحثت عن الخونة، لم أعرف من أتباعي ومن أعدائي . سرت في طريقي حتى سقطت في هوة أخرى، قمت منها فوجدت أخرى، وفي كل مرة يزداد ضعفي. وصلت المدينة قبل الصباح بقليل. هوت عليّ وعلى أتباعي السهام. لم أجد من أقاتله. لسعني شيئ في ظهري. فوجئت بشروق الشمس. ازداد ضعفي وهويت على الأرض. لم أع بعدها سوى بصراخ الأتباع وأصوات الفرح تغطي على كل شيء.
    *********
    كانت جثث أتباعي قد أزيلت ، رأيت من ظل منهم حياً إما اقتيد إلى السجن أو أعلن توبته مدعياً أنني قد سحرته. وقف الملك في شرفة قصره وبجانبه الكهنة المتنكرون، كانوا ينظرون إليً مبتسمين . لم أستطع تفسير تلك النظرة. قال الملك سعيداً:
    - بعد أعوام طوال من الحرب ، استطعنا بالحيلة أن نوقع هذا الوحش. زرعنا فيهم الجواسيس، دربنا الشجعان على القتال في الظلام. بالإيمان قهرناه، وها هو أمامنا ينتظر مصيره المحتوم الذي سينطق به القاضي.
    اقترب كبير الكهنة وقال:
    - رغم أنه يستحق الموت ،إلا أننا لا يجب أن ننسى أن أصله إنسان وأن الوحش هذا يسيطر عليه،ولا يجب أن ننسى أن هذا الوحش خرج إلينا من بحيرة الآلهة المقدسة، وأن قتله قد يغضب الآلهة ، فتنزل علينا لعنتها. لذا أرى أن نقطع ذراعيه وساقيه، وأن ننزع أسنانه وخصيتيه، فنضمن أنه سيبقى حياً في البحيرة المقدسة ،لكنه لن يعود ثانية، ولن يستطيع أن يخرج لنا وحشاً آخر، وبذلك نقضي على شره وتبقى لنا منفعته المستمدة من بركات الآلهة.
    زاحفاً على بطني مثل الأفاعي. معتمداً على ما بقي في أطرافي. هكذا قطعت الطريق من المدينة إلى البحيرة. يقذفني الناس بالحجارة ويضحكون. يقتلني صوت الاحتفالات. لا أجد ما آكله سوى دود الأرض، بعد شهور وصلت إلى البحيرة. أقبلت عليها راغباً في البكاء، وما أن لامست ماءها حتى تلاشيت بداخلها. لم أجد جسدي . شعرت بأنني كل نقطة ماء،كل صخرة ، كل قوقعة أو حبة رمل ، أصبحت أنا البحيرة . فقدت كل أمل في أن أعود كما كنت، وحشاً أو بشراً.أنتظر أن يأتي في يوم من الأيام من يخلصني مما أنا فيه. بعد مدة طويلة ظهر الكاهن بهيئته الجديدة، كان يبكي، خلع ملابسه ونزل إلى البحيرة. أحسست بما في عقله. كان يريد أن يقول:
    - سيدي أهاب. كان الأمل عظيماً ولكن ها هو قد ضعف. وفشلنا مرة أخرى. بعد مئة عام من الانتظار عدنا كما بدأنا. بحيرة مليئة بالكنوز خالية من الوحوش.
    رد عليه كياني:
    - لقد خنتني.
    أحسست به يقول:
    - لا لم أخنك، بل أنقذتك وأنقذت حلمنا، على الأقل أنت حي. مازلت تسيطر على الكنوز. لم تمت مثل من سبقوك . سنجد طريقة لنحقق ما أردنا ولكن سيلزمنا الأموال والصبر لسنوات طوال.
    - لك هذا.
    بعد أن تركني الكاهن غاب شهراً، ثم جاء ومعه بقية الكهنة. قال مستبشراً:
    - وجدنا طريقة لن تفشل هذه المرة .
    غطسوا في الماء ، أحسست بهم داخلي، جزءً مني، وعندما خرجوا ومعهم قطع من الكنز ، شعرت بأن قطعة مني انفصلت عني، ولكن أحسست بأنني عدة أفراد. أرى بعيونهم وأسمع بآذانهم وأفكر بعقولهم . كيف استطعت هذا لا أدري. كنت أذهب في جسدهم للفقراء، أنصحهم بالذهاب إلى البحيرة والغطس فيها وأخذ قطعة كنز واحدة بركة من الآلهة. ثارت المخاوف في البداية من أهاب الأسود، حتى تشجع أحدهم ونزل وعاد إلى أهله فرحاً، وأنا في داخله جعلته يروي لكل من يراه عن الكنوز التي لا تحصى، وعن القوة التي يكتسبها جسده، وأصبح كل يوم أجد من يغطس داخلي بحثاً عن جزء من الكنز، وبدأ العدد يتزايد من الرجال والنساء. في البدء الفقراء، ثم التجار والصناع، عشرات، مئات، ألوف. كل منهم يأخذ قطعة مني، أحس بعدها أنني هو. بمرور السنين انتشر اللون الأسود بين الناس في كل الممالك، وصار كل من يأتي عندي يعود ولا هم له سوى أن يجمع الأعوان. وأتى يوم أصبحت بالكامل خارج البحيرة. وجدت نفسي مئة ألف أو يزيد . لست بشراً ولا وحوشاً، شيء بين هذا وذاك، على حدود مدينة الملك، يصلون صلاة النصر:
    - يا أهاب الأسود. يا جالب الظلام. يا رسول الآلهة. نحن أبناؤك. نحن الأهابيون. اليوم سنحتفل بنصرك. اليوم سنأكل أعداءك. .
    كنت أصلي داخل كل واحد فيهم. وكان الآخرون بانتظاري. ألف أو أكثر. يرتدون اللون الأبيض. يشهرون الأسلحة على باب المدينة، الفوز لنا لا محالة، ومن بعدهم الممالك التي بها أتباعي ينتظرون. سيكون لنا العالم. أمرت بالتوقف ففعلوا. وجدت نصفي البشري مازال مستيقظاً، نطق أحد أتباعي قائلاً:
    - لن نقتلكم إذا ذهبتم للبحيرة السوداء.
    عنفته على ما قال، عاهدت نفسي أن أقضي داخل كل فرد مني على النصف البشري. كنت أنتظر الإجابة من هؤلاء الصغار . تقدم أحدهم وقال:
    - سنموت هنا على باب هذه المدينة.
    أسعدتني الإجابة. هجمت. اكتسحت جيشهم الصغير. صعدت بأحد أتباعي إلى تلٍ لأتابع ما يحدث. وجدت نقطة بيضاء محاطة باللون الأسود ، وتستعد للاختفاء داخله بدون أي أثر.

  2. #2
    في ذمة الله
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    المشاركات : 3,415
    المواضيع : 107
    الردود : 3415
    المعدل اليومي : 0.50

    افتراضي

    اولا وقبل ذي بدء أشكرك لجمال الرواية وحبكتها وتسلسل أفكارها ، وتتابع الأحداث بتشويق منقطع النظير ، وهذا لا يتأتى إلا لكاتب متمكن من أحداث القصة وللحبكة الروائية .
    ثانياً ما يدهشني أنني شعرت ببعض الإمتعاض من أحداثها ، فربما هذا عائد إلى واقعية ما اقرأ ومن ملامستك بطرف خفي ما هو كائن بيننا .
    لأن هذا واقع مما تفعله القوى العظمى ببعض الأفراد داخل الشعوب ، ثم بعد ذلك تقطع أطراف ما أقامت له الصروح وأعلته ودعمت مكانته عندما ينقلب عليها وعلى مصالحها داخل تلك الشعوب .
    حقيقي قصة رائعة لامست أستاذي بمضع جراح متمكن بؤر كثيرة ما زالت متقرحة ففتحتها وللأسف لم تجد لها شفاء أو دواء حتى مع تلك الخاتمة لم أجد ما يشفي جرحي ويداوي ألمي ، حيث جاءت النهاية هادئة كنهر آسن يبرق في أعماقة أمل ربما كان وهم وربما كان ..

    اشكرك لتناولك الرائع للحدث بالقصة ,
    خالص التحايا والتقدير أيها الأديب القدير / محمد ذهني

  3. #3
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    المشاركات : 3
    المواضيع : 1
    الردود : 3
    المعدل اليومي : 0.00
    من مواضيعي

    افتراضي

    عبلة:

    أشكرك لإطلالتك الكريمة. ويسعدني أنك توغلت في النص لهذا الحد. أما الشفاء من الجروح فليس عند الكاتب . ربما عند من يقرأ.

    تحياتي

المواضيع المتشابهه

  1. جواب مفصّل لمسألة جمع صلاة الجمعة مع صلاة العصر للمسافر، وبيان ال
    بواسطة أبوأحمد الخثعمي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 14-11-2016, 07:43 PM
  2. مملكة الوحوش
    بواسطة تيسير الغصين في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 06-11-2015, 01:45 PM
  3. وإذا الوحوش حشـــرت ...
    بواسطة ياسر سالم في المنتدى فُنُونٌ وَتَّصَامِيمُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07-11-2014, 06:02 PM
  4. صلاة التراويح أم صلاة التساريع؟
    بواسطة د عثمان قدري مكانسي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 05-04-2009, 09:05 PM
  5. مِن ثَدْيَيَّ أُرْضِعُ الوحوش
    بواسطة سامي العامري في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 18-12-2007, 07:36 PM