لماذا لا يجوز ( عندنا ) الاحتفال بالمولد النبوي؟
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
■ [ عجبي على مَنْ يمنعون الاحتفال بالمولد النبوي الشريف, ويُجرِّمون الحِلْفان بالنبيّ لأنه بشر . ثم يعتبرون " ابن تيميه " و " أبو هريرة " من الثوابت والمقدسات!! ]. . ما بين القوسين كان تعليقا من أحد الإخوة في الجريدة الالكترونية التي كنت أكتب فيها، وتعجبه راجع إلى عقيدة أهل السُنة والجماعة المعمول بها في بلدي السعودية والتي تقول: لا يجوز الاحتفال بالمولد النبوي.
■ بداية أحب أن أوضح للأخ وغيره هو أنّ: ( عِندنا ما عِندكم ) .. في منطقة الحجاز وبالذات مكة وجده والمدينة, يوجد ( مَنْ ) يحتفل بالمولد النبوي وإن لم يُعلن عنه. وعندنا من يحلف بغير الله: الشائع في مصر - وهي بلد الدكتور المُعلّق - الحلف بالنبي وبالأولياء, وعندنا من يحلف برحمة الأم, ورحمة الأب......الخ وكلها حلف بغير الله.
لماذا لا يجوز عند السَلف أو أهل السُنة والجماعة الاحتفال بالمولد النبوي؟
■ قبل الإجابة لابد من طرح بعض الأسئلة على ( عقولنا (التي خصّنا الله بها وميّزنا عن بقية مخلوقاته:
- هل أمرنا الله بالاحتفال سنوياً بمولد نبيّه الكريم؟
- هل شرع الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الاحتفال لأمته؟
- هل فعله صحابته وخلفاؤه الراشدون الذين لا يساويهم أحد في محبته ؟ هل كانوا مُقصّرين في محبته حين لم يفعلوه؟
* الجواب: ( لا ) للسؤال الأول, و ( لا ) للثاني, و ( لا ) للثالث.
* وجواب أهل السنة والجماعة كالآتي: لا يجوز الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم لأن ذلك من البدع المُحدثة في الدين, لأن الرسول لم يفعله, ولا خلفاؤه الراشدون, ولا غيرهم من الصحابة, ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلّة, وهم ( أعلم ) الناس بالسُنّة, و (أكمل ) حُبّاً لرسول الله و ( متابعة ) لشرعه ممن بعدهم.
■ وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) أي مردود عليه, وفي حديث آخر: ( عليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ, وإيّاكم ومُحدثات الأمور فإنّ كل مُحدثة بدعة, وكل بدعة ضَلالة ), وقال تعالى: { لقد كان لكم في رسول الله أسْوةٌ حسنةُ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر}، وقال تعالى: { اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام دينا }.
وإحداث الاحتفال بمولد النبيّ ( يُفهم منه ) أنّ الله جلّ وعلا ( لم يُكمل ) الدين لهذه الأمّة, وأنّ الرسول ( لم يُبلّغ ) ما ينبغي للأمّة أن تعمل به, حتى جاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به, زاعمين: أن ذلك مما يُقربهم الى الله, وهذا بلا شك فيه خطر عظيم واعتراض على الله سبحانه وعلى رسوله, فالله قد أكمل لعباده الدين, وأتمّ عليهم النِعمة, والرسول قد بلّغ البلاغ المبين, ولم يترك طريقاً يوصل الى الجنة ويباعد من النار إلاّ بيّنه للأمّة, ففي الصحيح عن عبدالله بن عمرو قال صلى الله عليه وسلم: ( ما بعث الله من نبيّ إلاّ كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم, وينذرهم شر ما يعلمه لهم ).
ولو كان الاحتفال بالمولد النبوي من الدين الذي يرضاه الله لبيّنه الرسول للأمّة, أو فعَلهُ في حياته, أو فعَلهُ أصحابه رضي الله عنهم, فلمّا لم يقع شيء من ذلك عُلم أنه ليس من الإسلام, بل هو من المُحدثات التي حذر الرسول منها أمّته .
■ وقد صرّح جماعة من العلماء بإنكار الموالد والتحذير منها عملاً بالأدلة المذكورة, وخالف البعض فأجازها إذا لم تشتمل على شيء من المُنكرات: كالغلوّ في رسول الله, وكاختلاط النساء بالرجال, واستعمال آلات المعازف, وظنوا أنها من البدع الحسنة, والقاعدة الشرعية تقول: [ رد ما تنازع فيه الناس الى كتاب الله وسُنّة رسوله ]عملاً بقوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردّوه الى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلا }.
* وقد رددنا مسألة الاحتفال بالموالد الى كتاب الله فوجدناه يأمرنا بإتباع الرسول فيما جاء به, ويُحذرنا عما نهى عنه, ويُخبرنا أنّ الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمّة دينها, وليس هذا الاحتفال مما جاء به الرسول, فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا وأمرنا بإتباع الرسول فيه.
* وقد رددناها الى سُنّة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم نجد فيها أنه فعله, ولا أمَرَ به, ولا فعله أصحابه, فعلمنا بذلك أنه ليس من الدين, بل هو من البدع المُحدثة.
* وبذلك يتضح لكل من له أدنى بصيرة ورغبة في الحق وإنصاف في طلبه أنّ الاحتفال بالمولد ليس من دين الإسلام, بل هو من البدع المحدثة التي حذرنا الله ورسوله بتركها والحذر منها, ولا ينبغي للعاقل أن يغترّ بكثرة من يفعله من الناس في سائر الأقطار, فإنّ الحق لا يُعرف بكثرة الفاعلين, وإنما يُعرف بالأدلة الشرعية.
* ثم إنّ أغلب الاحتفالات مع كونها بدعة لا تخلوا من اشتمالها على المنكرات: كشرب المسكرات والمخدرات واللهو والمعازف والاختلاط , وقد يقع فيها ما هو أعظم من ذلك وهو الشرك الأكبر وذلك بالغلوّ في رسول الله, ودعائه, والاستغاثة به, وطلبهِ المَدَد, واعتقاد أنه يعلم الغيب, ونحو ذلك من الأمور التي يتعاطاها الكثير من الناس حين احتفالهم بالمولد النبوي, ويظن البعض أنّ رسول الله يحضر المولد, ولهذا يقومون له مُحيين ومُرحبين, وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل, فإنّ الرسول لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة, ولا يتصل بأحدٍ من الناس, ولا يحضر اجتماعاتهم, بل هو مُقيم في قبره الى يوم القيامة وروحِه في أعلى عليين عند ربِّه في دار الكرامة كما قال تعالى: { ثم إنكم بعد ذلك لميتون* ثم إنكم يوم القيامة تبعثون }، وقال عليه الصلاة والسلام: ( أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة, وأنا أول شافع وأول مشفع ). والآية والحديث تدلان على أنّ النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة, وهذا أمر مُجمع عليه بين علماء المسلمين ليس فيه نزاع بينهم .
ولأصحاب الاحتفال بالمولد النبوي ( تبريرات ), ولأهل العلم من السلف ( إجابة ) على كل تبرير:
- يقولون: أنّ في إقامة المولد إحياء لذكر النبي صلى الله عليه وسلم.
- والجواب: إحياء ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يكون بما شرعه الله من ذكره في الآذان والإقامة والخطب والصلوات, وفي التشهد والصلاة عليه وقراءة سُنّته وإتباع ما جاء به, وهذا شيء مُستمر يتكرر في اليوم والليلة دائماً, لا في العام مرة.
- يقولون: الاحتفال بذكرى المولد النبوي أحدثه مَلِك عادل عالِم قصد به التقرب الى الله(1).
- والجواب: البدعة لا تقبل من أي أحدٍ كان, وحُسن القصد لا يُسوِّغ العمل السيئ, وكونه عالِماً وعادلاَ لا يقتضي عِصمته .
- يقولون: أنّ إقامة المولد من قبيل البدعة الحسنة, ولأنه يُنبئ عن الشكر لله على وجود النبي الكريم.
- والجواب: ليس في البدع شيء حَسَن . فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) ثم لماذا تأخر القيام بهذا الشكر الى القرن السادس, ولم يقم به أفضل القرون من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين وهم أشد محبّة للنبي وأحرص على فِعْل الخير والقيام بالشكر ؟ فهل كان مَنْ أحْدث بدعة المولد أهدى منهم وأعظم شكراً لله ؟ حاشا وكلا .
- يقولون: إنّ الاحتفال بذكرى مولده يُنبئ عن محبته, فهو مظهر من مظاهرها, وإظهار محبته مشروع .
- والجواب: لا شك أن محبته واجبة على كل مسلم, ولكن ليس معنى ذلك أن نبتدع في ذلك شيئاً لم يُشرّعه لنا, بل محبته تقتضي طاعته وإتباعه, فإنّ ذلك من أعظم مظاهر محبته.
محبته صلى الله عليه وسلم تقتضي إحياء سُنّته والعضّ عليها بالنواجذ, ومُجانبة ما خالفها من الأقوال والأفعال .
وحُسن النيّة لا يبيح الابتداع في الدين, فإنّ الدين مبني على أصلين : الإخلاص والمتابعة . قال تعالى: { بلى من أسلم وجهه لله وهو مُحسن فله أجرهُ عند ربِّه ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون }, فإسلام الوجه هو الإخلاص لله . والإحسان هو المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم وإصابة السُنّة .
* ختاماً أتمنى أن يُزيل هذا التوضيح المُسهب عَجَب مَنْ يعجب ( مِنّا ), وأسأل الله أن ينفع به.
■ ■ ■
حاشية:
(1) أول من أحدثه الملك المظفر أبو سعيد كوكبوري ملك إربل في آخر القرن السادس أو أول السابع الهجري/ ابن كثير وابن خلكان. وقال أبو شامه أول من فعل ذلك بالموصل الشيخ عمر بن محمد الملا أحد الصالحين المشهورين, وبه اقتدى في ذلك صاحب إربل وغيره.
المراجع:
(1)حكم الاحتفال بالمولد النبوي – الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله.
(2) بعض من رد للشيخ صالح الفوزان حفظه الله على ما جاء في كتاب: علّموا أولادكم محبّة رسول الله.
(3) الاحتفال بذكرى المولد النبوي / المصدر: شبكة الدرر الدعوية .