أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: (الممارسة الصينيّة).. منقول

  1. #1
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي (الممارسة الصينيّة).. منقول

    دعوة لقراءة الفكر الغربيّ على ضوء الفكر الصيني





    كثيرون يعتبرون ان شمس الصين سوف تشرق على الغرب وتنثر شعاعها على العالم، مع كل ما يعنيه ذلك من انعكاسات اقتصاديّة وثقافيّة وسياسيّة على مستقبل القرن الحادي والعشرين. كان نابليون بونابرت قد تنبأ بأن يقظة الصين سوف تهز العالم، والناظر اليوم في المكتبات الغربية تسترعي انتباهه وفرة الكتب التي تتناول الصين. ومن الكتب المهمة والممتعة كتاب _la pratique de la chine_، (الممارسة الصينيّة)، الصادر عن دار «غراسيه» الباريسية، ولهذا الكتاب ميزة خاصّة لكونه بقلم كاتب صينيّ وهو أندريه شيانغ الذي ولد في مدينة مرسيليا الفرنسية وعاش وترعرع في ربوع الحضارة الغربية وفهم آليات تفكيرها، كما عاش أيضا ثقافته الصينية وتشرّبها عن طريق العائلة. هذا التزاوج بين الغرب والشرق نلحظه في اسمه الهجين الذي يربط بين وجهتي نظر العالم.

    يعتبر أندريه شيانغ في كتابه «الممارسة الصينية» ان معرفة الآخر أكثر من ضرورة، بل انه يتبنى وجهة نظر الفيلسوف الفرنسيّ المتخصّص في الفكر الصيني فرنسوا جوليان الذي اهتم بالحضارة الصينية بغية إعادة التفكير في الفلسفة الغربية من منطلقات الفكر الصيني، لقراءة المهمل والغفل في الثقافة الغربية نفسها. ويرى أندريه شيانغ ان المعبّر الكامل عن الفكر الشرقي هو، تحديدا، الصين لأسباب يعرضها في مقدمة كتابه فيقول ان الهند لا تعبر عن الفكر الشرقي لأنها والغرب من سلالة لغوية واحدة هي «الهندوأوروبية». قارئ الكتاب يلحظ الأهمية التي يضفيها أندريه شيانغ على العلاقة الحميمة بين اللغة وطريقة التفكير، أي انه يتبنى نظرية «وورف وسابير» اللغوية التي ترى ان الشعوب لا ترى العالم رؤية موضوعية وإنما تراه من منظار بنيتها اللغوية. ويعتقد المؤلف ان الفكر العربي، على اختلافه من وجوه كثيرة مع الفكر الغربي، يتلاقى وإياه في محطات كثيرة، منها الانتساب إلى الديانات السماوية، والتجاور الجغرافي والتفاعل مع الفكر الإغريقي. وهكذا يعتبر الكاتب ان الأنموذج المتبقي الصالح لمقاربة الشرق هو الفكر الصيني لا سيما ان جذور الاختلاف مع الغرب ترسّخت عبر آلاف السنين بسبب النأي الجغرافي والرمزيّ «سور الصين»، وبسبب التباين الكلي على صعيد اللغة المكتوبة والمنطوقة.

    والكتاب يتوقف عند جملة من المفاهيم التي يختلف النظر إليها لدى كل من الحضارة الغربية والصينية منها مفهوم «الحقيقة». ففي فصل يحمل عنوان «الحقيقة والمواربة» يبدأ الكاتب بالأفكار الشائعة في الغرب منها أنّ الصينيّ كذّاب، لا يقول الحقيقة، ويمارس اللفّ والدوران، وهذا ما يحيّر الغربيين ويثير سخطهم بل وأحيانا تكون له انعكاسات اقتصادية سيئة كأن لا يفهم الغربي كيف يتعامل مع الصيني لإبرام صفقة. إلا ان الكاتب يعتبر هذه التهمة نتيجة تسرع وعدم تبصر بالفكر الصيني أو «حكمته».

    وان كان الغرب أحيانا يطالب بالحقيقة مهما كان الثمن فان الصيني يعرف ان البحث عن الحقيقة يكون أحيانا في منتهى الخطورة مما يولد مفهوم «اللافعل» الذي يكون، في بعض الأحيان، أهم من الفعل. فيتحدث الكاتب عن مواجهة «الثورة الثقافية» باللافعل (واللافعل مفهوم تاويّ لا يعني السلبية كما قد يتبادر إلى الذهن) أي بعدم البحث عن حقيقة ما جرى، حيث الكلّ في الغرب كان يتوقع حملة تطهير واسعة بعد الثورة الثقافية ولكن ذلك لم يحدث، لان الاستقرار أو التناغم في الفكر الصيني أهمّ من قول الحقيقة. ولعلّ هذا ما يسمّى بالحكمة الصينية كما يقول المؤلف. من هنا غنى اللغة الصينية بالمجازات والتوريات والإجابات المعلقة. فالمجاز بنظر الصيني يمنح الفكرة فضيلة الظهور بأشكال مختلفة.

    ويستشهد الكاتب للتعبير عن الفكر الصيني القائم على التعرّج بالطريقة الهندسية التي بنيت بها الجسور في حدائق الصين. يقول أندريه شيانغ ان ما يدهش الغربيّين حين يقومون بزيارات للصين هي الجسور المتعرجة التي ليس لاعوجاجها أي مبرر هندسي، وحين يسأل أحد الغربيّين عن السبب يقولون له إنّ هندسة الجسور هي تعبير عن طريقة تفكير الصيني لأنّ من شأن الجسر المستقيم ان يحصر النظر في وجهة واحدة مما يعني عمليا حرمان العين من تنوّع المشاهد. أمّا تعرّج الجسر فيعني ان الإنسان وهو يمشي ينبسط أمامه، مع كل التفاتة، مشهد مختلف. ولكن الكاتب يقول ان البعض يعطي تفسيرا آخر يعود إلى التراث الخرافي للصينيين الذين يؤمنون بالأشباح. فالشعب الصيني قديما كان يخاف من الأشباح وكان يعتقد انها لا تحسن السير إلا في الطرق المستقيمة ومن هنا كان البناء المتعرج وسيلة لمنع الأشباح من تحقيق أهدافها الشريرة. ويعلق الكاتب بالقول: أين الحقيقة هنا؟ أليست الحقيقة هي بنت وجهة النظر؟

    والاختلاف يطال أيضا مفهوم حقوق الإنسان. فالصيني بسبب عدم إيمانه بالمفاهيم المطلقة التي يلحّ عليها الغربيّ يرى ان حقوق الإنسان مرتبطة بالسياق والظروف والأوقات، وعليه فهي لا يمكن لها ان تكون واحدة وثابتة، من غير ان يكون هذا الخلاف وليد تمييز عنصريّ، فضلا عن كون الصينيّ يعتبر الإيمان بالمطلق مجلبة للكوارث.

    ويسرد الكاتب عدة أمثلة عن اختلاف النظر بين الغربي والشرقي ومنها «فضيحة التماثيل» في سبعينيات القرن الماضي حين تم الاتفاق بين الصين وأحد المخازن الكبرى في باريس على عرض «تماثيل محاربي الإمبراطور». ولاقى المعرض نجاحا كبيرا وطلبت لندن من الحكومة الصينية استضافة التماثيل، وهنا أشارت الصين إلى أنها أحضرت نسخا عن التماثيل وليس الأصل. وكانت الملكة البريطانية قد قررت مشاهدتها ولكنها حين علمت بأنها مجرد نسخ ألغت مشروع الزيارة. ولم تتصرف الصين بخبث كما يقول الكاتب وإنما لأن مفهوم الأصل عندها مغاير لما هو عليه في الغرب، وحتى لا يظن القارئ ان الأمر لعبة ماكرة ضد الغرب يشير المؤلف إلى علاقة الصيني نفسه مع هذا المفهوم من خلال «المدينة المحرمة» أو «القصر الإمبراطوري» الذي يعود بناؤه إلى القرن الخامس عشر وأغلب مواد بنائه من خشب. والبناء الخشبي يعبر عن الفكر الصيني الذي يريد ان يجسد عبر مادة البناء هشاشة الكائن البشري وآنيته. وأغلب أجنحة القصر أعيد بناؤها إلى حد انه لم يبق ربما من البناء الأصلي التاريخيّ أي شيء، ومع هذا فان الصينيين يقولون ان بناءه يعود إلى «أسرة مينغ» ولا يقصدون بذلك الخداع، لاعتقادهم ان القيمة تسكن روح الأشياء لا مادتها.

    واغلب الخلافات بين الغرب والصين يعود إلى الاختلاف في دلالات المفاهيم، وما يغيظ الغرب اليوم هو مفهوم الصين للحقوق الملكية والقرصنة والتزوير وغيرها إلا ان مفهوم التزوير ليس هو نفسه في الصين والسبب لغوي محض، لأن مفردة «التعلم» هي نفسها مفردة «النسخ»، وعليه فان ممارسة النسخ أو التقليد لا تحمل في الصين الصفة السلبية التي تحملها في الغرب.

    والغرب لا يفهم كيف ان الصيني لا يلتزم بالعقود والاتفاقات والعهود والسبب هو نظرة كل واحد إلى معنى العقد، ففي الصين بناء على فكرة انعدام الثبات (وهي فكرة من صميم المعتقد الديني في الصين) تنعدم فكرة الالتزام بالعقد الثابت، المبرم، الذي لا يتغير. ان الصيني يعتبر ان سبب استمرار الفكر الماركسي هو هذه الفكرة بالذات. فالصينيّ لا يؤمن بالنصّ الحرفيّ المتحجر في معناه ولا بالقراءة الحرفية لأنها تعارض فكره التاويّ. ان النص متغير كالفصول ومرن كالماء. ويعتبر الصينيّ الإخلاص للنص هو تحريره من أغلاله الحرفيّة لان التمسك بحرفية نصّ غباء كما يقولون، وجريمة يرتكبها القارئ بحقّ النص وكاتب النصّ.

    والخلافات كثيرة على صعيد المفاوضات، فالغربيّ إلى اليوم لم يفقه طريقة الصينيّ في المفاوضات وهو، في نظر الصينيّ، عجول، يريد الوصول إلى الهدف بأسرع طريقة. والصيني، بخلافه، متمهل يعتبر انه لا بد للمفاوضات، حتى تؤتي ثمرتها، من أن يسبقها تعارف وأجواء ودية. والأولويات في المفاوضات ليست واحدة فهي من المنظور الغربي الذي يقوم على المنطق المغلق يفترض ان تبدأ بالأهم وهو عادة ما يكون مثار خلاف، وهذا يعني لدى الصيني احتمال نسف المفاوضات من أساسها لذا فهو يفضل البدء بما لا خلاف حوله أي بالبسيط والسهل وربما السخيف الذي يستفز أعصاب الغربي ولكن لا يلجأ الصيني إلى هذه الاستراتيجية بهدف إضاعة الوقت وإنما بهدف تأمين الأجواء الملائمة. وحين يتم الاتفاق على النقاط البسيطة يصير بالإمكان تناول القضايا الشائكة لأنه يكون قد امّن الأرضية الصالحة للتسويات والتنازلات.

    والكاتب يعلق على «ثقافة الوقت» عند الصيني وهي ثقافة مغايرة لثقافة الغربيّ. ان الصيني يعرف ان الفعالية هي عملية استثمار أو وليدة استثمار صالح للوقت، أي انتهاز الفرص ويروي الكاتب حكاية صينية قديمة ذات دلالة على فكرة انتهاز اللحظة المناسبة لحل النزاعات، وهي بعنوان ـ زوارق القشّ لتأمين السهام» وهي تحكي عن جنرال واسمه «زوغ ليانغ» تعرضت مملكته لحصار وكانت تنقصه السهام لخوض المعركة فطلب من جنوده بدلا من صنع السهام تجميع حزم من القش. استغرب الجند تصرف الجنرال لكنهم أذعنوا لرغبته، أما هو فقد أمضى وقته في كتابة الأشعار وحين انتهوا من تحضير حزم القشّ بقي ينتظر حتى هبط الضباب على المدينة حينئذ طلب منهم إنزال الزوارق إلى النهر ونشر حزم القشّ على الجسر. وحين رأى الجيش الذي يحاصر المدينة ذلك قام برمي حزم القشّ بالسهام ظنا منه أن زوغ ليانغ بدأ بالهجوم. ثم طلب من جنده سحب الحزم واستخلاص السهام منها وهكذا أمّن الجنرال حاجته من السهام بسبب الاشتغال على الانتظار واستثمار الضباب لتأمين الفرصة.

    والكاتب في كل فصل من فصول الكتاب يتوقف عند حكاية قديمة، أو مشهد من فيلم صيني، أو حكمة تعبر عن الفكر الصيني ليحولها إلى أداة يعالج بها القضايا الثقافية الخلافية بين الشرق والغرب للتأكيد على فكرة واحدة وهي ان العالم أكثر من وجهة نظر.
    الإنسان : موقف

  2. #2
    الصورة الرمزية سحر الليالي أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الحبيبة كــويت
    العمر : 38
    المشاركات : 10,147
    المواضيع : 309
    الردود : 10147
    المعدل اليومي : 1.49

    افتراضي

    شكرا لك أخي الفاضل على الموضوع

    سلمت لنا أخي ولا حرمنا الله منك

    تقبل خالص ودي وتقديري وباقة وردنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سحر الليالي
    شكرا لك أخي الفاضل على الموضوع

    سلمت لنا أخي ولا حرمنا الله منك

    تقبل خالص ودي وتقديري وباقة وردنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    بوركت أختاه

    لاحرمت عنايتك بما أكتب

  4. #4
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    والصين هذا العام تخطت العشرة بالمئة في معدل النمو .. السنوي ..

المواضيع المتشابهه

  1. السلطة بين الممارسة والتنظير
    بواسطة سامح عسكر في المنتدى الحِوَارُ المَعْرِفِي
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 24-01-2013, 07:21 PM
  2. الصحافة: سؤال الماهية ومنطق الممارسة
    بواسطة عزيز باكوش في المنتدى الإِعْلامُ والتَّعلِيمُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 13-12-2008, 07:40 PM
  3. لوحات الحبر الصينية!!
    بواسطة سحر الليالي في المنتدى فُنُونٌ وَتَّصَامِيمُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 07-11-2006, 11:16 PM
  4. أقوال تفيدك / منقول
    بواسطة قلب الليل في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 28-04-2005, 08:28 AM
  5. منقول للفائدة
    بواسطة محمد سوالمة في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-12-2002, 01:00 AM