أحدث المشاركات
صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 30 من 33

الموضوع: الفزع...!

  1. #21
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة راضي الضميري مشاهدة المشاركة
    قصة الملايين المطحونة جسدتها أنت بريشتك الرائعة وقلمك الذكي.
    لا أدري لماذا غابت عني طوال هذه المدة ، ولا أدري أيضًا لماذا لا يتلقها أحد ما فيصورها في فيلم تسجيلي قصير لكن بفكرته سيكون طويلاً يحكي عن واقع قائم رغم أنه غير مرحب لكنه منطق الوهم والخوف والفزع الذي الجم ألسن الكثيرين.
    رائع أنت يا جو
    تقديري واحترامي


    العزيز راضي الضميري...

    صدقت هي قصة الملايين المحطونة ، وكلمة المطحونة ، وجدتها الانسب لنصف به هذه الملايين .

    شكرا لك على مرورك العميق ورؤيتك الفذة وحضورك البهي

    محبتي لك
    جوتيار

  2. #22

  3. #23
    الصورة الرمزية د. مصطفى عراقي شاعر
    في ذمة الله

    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : محارة شوق
    العمر : 64
    المشاركات : 3,523
    المواضيع : 160
    الردود : 3523
    المعدل اليومي : 0.54

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جوتيار تمر مشاهدة المشاركة
    الفزع
    في رحلة مكوكية من بغداد إلى مدينتي التي أعيش فيها عشت هواجس أشبه بهذيان رجل خارت قواه من الهم الممزوج بالتعب والإرهاق..خرجت من بغداد في الخامسة مساء وبعد ست ساعات بالتمام وصلت مدينتي الشمالية..وما أن حطت قدماي الأرض حتى دب في أعماقي شعور غريب..وكأني ألتقي بشخص غريب عني لا أعرفه ولا يعرفني...تراءا لي وكأنه ضخم البنية..يملك عينين حادتين..كشفا لي عن أمر مريع..لم أعرف إذا كان قد ابتسم لي أم حاول استدراجي بشكل ما..تجاهلته في البداية..ومضيت لكن ابتسامته حملت انكسارا مرعبا في داخلي..كنت أسير وأحس بمرافقته لي..ورصده لكل صغيرة وكبيرة تصدر مني..بدأ شيئا فشيئا يحكم على محاصرته...وفي كل خطوة كان الفزع يجتاح مني ما لا أطيق.
    صادفت بعض المحلات ..حاولت أن احتمي بإحداها..دخلت..سألت صاحب المحل عن شيء ما لا أتذكره بالضبط..التفت وجدته خلفي..يرافقني ..أحيانا كنت أشعر بأنه يحاصرني من أكثر من جهة...واصلت سيري بعدها..الفزع مثله يلازمني اصطدمت برجل عجوز وأنا أحاول عبور الشارع العام..اعتذرت.. ثم انحدرت من الشارع العام إلى أحد الفروع..لأتخلص من الزحام وعلّي أتخلص من رفيقي...لكن..خاب ظني..بدأت أراوغه لعلي في النهاية أستطيع الانفلات من حصاره..لكن دون جدوى..أصبت بالذهول..حتى أني فكرت بأن أستنجد بالمارة..لكن كأن عينيه الحادتين قد أخرستا لساني...اقترب مني شيئا فشيئا...لم يكن يتكلم وكأنه أخرس... حتى أنفاسه لم أكن أشعر بها مع أني كنت أشعر بأن أنفاسي تكاد تنقطع جراء السير الأشبه بالركض...ما كان يحيرني أنه لم يحاول معي شيئا حتى أهابه هكذا...حتى أنه لم ينطق بكلمة..كل جريمته أنه حطم الفرحة التي كنت أحملها في أعماقي.
    أوقفت سيارة أجرة..دخلتها..نظرت خلفي...وجدته مغروسا على المقعد الخلفي..تجاهلته...صدمتي كانت أشد عندما وجدته ينزل في نفس محطتي...أقصد في نفس الفرع الذي أسكن أنا فيه..توجهت إلى البيت وهو معي..كان الجميع في البيت حاضرين..استقبلوني بالقبلات..جلست معهم للحظات..كنت التفت لعلي أجده لكنه للحظات اختفى عن ناظري..استأذنت ..صعدت..ومنذ اللحظة التي غادرت فيها الأهل وجدته يظهر من جديد...بدأ الفزع يجعلني مضطربا.. دخلت غرفتي.. أغلقت الباب خلفي..تنفست الصعداء..لحظات قليلة سمعت طرقا للباب..انتفضت أعماقي خوفا..تجاهلت..زاد الطرق إصرارا..كان الظلام يحوم حولي.. فكرت..جذبني نور ضئيل يخرق الستائر..توجهت للنافذة..تحاملت على خوفي وبطريقة عجيبة..قفزت على عتبة النافذة..التي توصل إلى سلم خلفي.. وكأني آنذاك سمعت حركة داخل الغرفة..هرعت وبدأت أنزل السلالم راكضا..خرجت من البيت..وعلى الشارع بدأت أجري بطريقة جنونية.. وكأن وحشا كاسرا يطاردني..تعبت قدماي..خارت قواي..اتكأت على حائط مبنى قديم في زقاق ضيق..فكرت ما الذي أوصلني إلى هذه المنطقة... لكن ظهوره أمامي لم يدعني أجد الوقت الكافي لأعرف الإجابة...كان الظلام حالكا ومسجى على كل شيء..فقط عيناه الحادتان كان بريقهما يقطعني خوفا.
    عدت للركض من جديد...لا أعلم إلى أين لكن كنت أركض...لحظات وكنت أمام شجرة كبيرة...خلفها مباشرة توجد شجرة صغيرة...وجدته منتصبا أمامها.. تراجعت أنا وحاولت أن أتحسس الفراغ بيدي..شعرت حينها أن الإنسان بداخلي أصبح مجرد كتلة خوف...وهو لا مبال منتصب على بعد أمتار قليلة.
    الخوف...الفزع..بل الموت..هكذا بدا الأمر بالنسبة لي...حاولت أن أصرخ...لكن مابه لساني مازال وكأنه مقيد بسلاسل نارية...أخرسني الفزع.. لكني لم أيأس بقيت أحاول الصراخ...حتى وجدت صراخي فجأة يكسر تلك القيود المفروضة عليه من الفزع...شعرت بأن حبائل صوتي قد تمزقت.
    من هذا....؟ ماذا يريد مني....؟ لماذا يطاردني....؟ لماذا لا يتكلم....ما هذا الصمت...؟ ثم شعرت بعد صراخي ذاك بالهدوء وكأن كسر تلك القيود كان فرجا.. لكن لا...أبد...فالهدوء غمرني لأنه بعد كل هذا الصراخ لم ألاحظ منه أي تصرف يفزع...بل بقيت بعدها طوال الوقت أتساءل هل ابتسم لي أم حاول استدراجي...؟
    الفزع بدأ شيئا فشيئا يقل...عيناه الحادتان بدأ بريقهما يتوارى خلف الظلمة...وبدأ هو يتراجع شيئا فشيئا....حتى توارى خلف الظلمة...لكني بقيت أتساءل هل ابتسم لي أم حاول استدراجي....وتراه من يكون ..وماذا يكون...؟
    بغداد
    17-10-1997
    ================

    جو أيها العبقريّ


    تابعت هنا من خلال هذا السرد الفني المتقن بهذه الجمل البرقية الوامضة مباراةً مصيرية تحت أضواء الفكر والشعور بين حياتين ، حياة نعيشها ( مدينتي التي أعيش فيها) وأخرى تعيش فينا (عشت هواجس أشبه بهذيان)
    وبين (الابتسام) المأمول ، والاستدراج (المحذور) في كل ما نلاقيه نحن أو يتراءى لنا من الآخر القريب أو الآخر البعيد ، أو حتى الآخر المتخيل !
    وبين (الصعود والارتفاع) إلى حيث السكن والأمان و(النزول والانحدار ) من السلم الخلفي للدار أو للنفس .
    وبين ( الحصار ) و (المراوغة)
    بين (الشجرة الكبيرة) التي تحتمي بها الذات لتتستر خلفها حتى منا ، و(ألشجرة الصغيرة ) التي تظهر لنا من الآخر أكثر مما تخفي.
    لتشير بذكاء إلى أن الفزع هنا كان نابعا من (الذات) أكثر كثيرا من ان يكون نابعا من (الآخر) الذي لم ينجح سوى في "تحطيم الفرحة في الأعماق)
    بل كأن الآخر هنا كان مجرد ذريعة للذات لكي تفجر ما تكنُّه من رصيد هائل من مشاعر الفزع والخوف !

    ورغم انتهاء المباراة بنتيجة شبه مرضية بتراجع (الآخر)
    يظل السؤال ملحا في أذهان اللاعبين والجمهور
    عن هذا الطرف الآخر الذي بدا قويا مهيبا رهيبا توقع الجميع فوزه
    ويظل السؤال




    أديبنا الفيلسوف
    تقبل أطيب التحيات
    وأصدق الدعوات

    مصطفى
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي ولريشة الغالية أهداب الشكر الجميل

  4. #24

  5. #25
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. مصطفى عراقي مشاهدة المشاركة
    ================
    جو أيها العبقريّ
    تابعت هنا من خلال هذا السرد الفني المتقن بهذه الجمل البرقية الوامضة مباراةً مصيرية تحت أضواء الفكر والشعور بين حياتين ، حياة نعيشها ( مدينتي التي أعيش فيها) وأخرى تعيش فينا (عشت هواجس أشبه بهذيان)
    وبين (الابتسام) المأمول ، والاستدراج (المحذور) في كل ما نلاقيه نحن أو يتراءى لنا من الآخر القريب أو الآخر البعيد ، أو حتى الآخر المتخيل !
    وبين (الصعود والارتفاع) إلى حيث السكن والأمان و(النزول والانحدار ) من السلم الخلفي للدار أو للنفس .
    وبين ( الحصار ) و (المراوغة)
    بين (الشجرة الكبيرة) التي تحتمي بها الذات لتتستر خلفها حتى منا ، و(ألشجرة الصغيرة ) التي تظهر لنا من الآخر أكثر مما تخفي.
    لتشير بذكاء إلى أن الفزع هنا كان نابعا من (الذات) أكثر كثيرا من ان يكون نابعا من (الآخر) الذي لم ينجح سوى في "تحطيم الفرحة في الأعماق)
    بل كأن الآخر هنا كان مجرد ذريعة للذات لكي تفجر ما تكنُّه من رصيد هائل من مشاعر الفزع والخوف !
    ورغم انتهاء المباراة بنتيجة شبه مرضية بتراجع (الآخر)
    يظل السؤال ملحا في أذهان اللاعبين والجمهور
    عن هذا الطرف الآخر الذي بدا قويا مهيبا رهيبا توقع الجميع فوزه
    ويظل السؤال
    أديبنا الفيلسوف
    تقبل أطيب التحيات
    وأصدق الدعوات
    مصطفى


    دكتــــــور...
    قراءة واعية وعميقة ، والذات دائما في مجتمعاتنا هي خالقة الفزع لنفسها بهواجس مصلحوية احيانا ، وبهواجس سلطوية مرات عديدة ، وبين الكبت والبوح تعيش هذا الذات فترى الاشياء في غير نواقعها ، وحينها لاتأتي قراراتها الا ما يناقض العقل والعرف ، فكأن هذا الفزع جاثم على صدورهم هم فقط ، وكل من يحيط بهم يرون الامر غير ذلك فيتقدمون ويتأخر الاخرون ، بالفعل الذات هنا هي خالقة الفزع ومنبعها ، اما النتيجة التي بدت غريبة ، فلأن الفزع ادرك في النهاية ان مثل هذه الذوات لم تعد مجدية ، فلتتركها في موتها.


    محبتي لك
    جوتيار

  6. #26
    الصورة الرمزية صبيحة شبر قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    المشاركات : 590
    المواضيع : 69
    الردود : 590
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    العزيز جوتيار
    نص جميل ومتقن عن خوف يحاصرنا ، يعيش في اعماقنا
    ونظل قابعين خشية ان يستمر في تهميشنا والقضاء على ما يمكن من قوة
    داخلنا المهزومة
    صراع رهيب بين الخير والشر ، استطاعت قصتك ان تسجل انتصارا لقوى الخير
    على ما يراد بها من تقهقر

  7. #27
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صبيحة شبر مشاهدة المشاركة
    العزيز جوتيار
    نص جميل ومتقن عن خوف يحاصرنا ، يعيش في اعماقنا
    ونظل قابعين خشية ان يستمر في تهميشنا والقضاء على ما يمكن من قوة
    داخلنا المهزومة
    صراع رهيب بين الخير والشر ، استطاعت قصتك ان تسجل انتصارا لقوى الخير
    على ما يراد بها من تقهقر


    الشبر العزيزة...

    هو في الحقيقة انتصار ضمني ، ظاهري ، لانه في الاصل كوجهة نظر ، رؤية الخوف نفسه بعدم جدوانا في شيء ، فحتى الخوف تركنا ولم يعد يرى فينا الفريسة التي تستحق.

    شكطرا لك مرورك الكريم والعبق
    محبتي
    جوتيار

  8. #28
    الصورة الرمزية نزار ب. الزين أديب
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    الدولة : Anaheim,California,USA
    العمر : 92
    المشاركات : 1,930
    المواضيع : 270
    الردود : 1930
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    أخي الحبيب الأديب الأريب و الناقد الفذ جوتيار
    إنني أمام نص يفتح أبواب الدهشة على مصراعيها :

    باب التصوير : فقد أتقنت رسم أعماق أعماق نفس مفزوعة
    باب المناخ العام : فلا شك أن بطل القصة كان متأثرا بمجريات المآسي المحيطة به في عراقنا المكلوم
    باب الأحلام : فكأننا أمام كابوس رافق أحلام بطل القصة طوال ليلة بائسة
    أما الأسلوب فكان مشوقا يشد القارئ حرفا حرفا
    إبداع رائع من مبدع
    سلمت أناملك و دمت متألقا
    نزار

  9. #29
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نزار ب. الزين مشاهدة المشاركة
    أخي الحبيب الأديب الأريب و الناقد الفذ جوتيار
    إنني أمام نص يفتح أبواب الدهشة على مصراعيها :

    باب التصوير : فقد أتقنت رسم أعماق أعماق نفس مفزوعة
    باب المناخ العام : فلا شك أن بطل القصة كان متأثرا بمجريات المآسي المحيطة به في عراقنا المكلوم
    باب الأحلام : فكأننا أمام كابوس رافق أحلام بطل القصة طوال ليلة بائسة
    أما الأسلوب فكان مشوقا يشد القارئ حرفا حرفا
    إبداع رائع من مبدع
    سلمت أناملك و دمت متألقا
    نزار


    الاستاذ الكبير نزار الزين...

    وانني امام قراءة تتعدية من حيث الدلالة والرؤية ، اخذت النص من كل جانب ، وعرت فحواه ، وصورت المضمون بشكل ادبي نقدي محنك وحرفي ، رائع هذا الحضور وهذه القراءة المتأملة المتأنية العميقة للنص ، فالف الف شكرا لك حضورك البهي ورؤيتك السامقة وقراءتك العميقة .

    محبتي
    جوتيار

  10. #30
    الصورة الرمزية يسرى علي آل فنه شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2004
    الدولة : سلطنة عمان
    المشاركات : 2,428
    المواضيع : 109
    الردود : 2428
    المعدل اليومي : 0.33

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جوتيار تمر مشاهدة المشاركة
    الفزع
    في رحلة مكوكية من بغداد إلى مدينتي التي أعيش فيها عشت هواجس أشبه بهذيان رجل خارت قواه من الهم الممزوج بالتعب والإرهاق..خرجت من بغداد في الخامسة مساء وبعد ست ساعات بالتمام وصلت مدينتي الشمالية..وما أن حطت قدماي الأرض حتى دب في أعماقي شعور غريب..وكأني ألتقي بشخص غريب عني لا أعرفه ولا يعرفني...تراءا لي وكأنه ضخم البنية..يملك عينين حادتين..كشفا لي عن أمر مريع..لم أعرف إذا كان قد ابتسم لي أم حاول استدراجي بشكل ما..تجاهلته في البداية..ومضيت لكن ابتسامته حملت انكسارا مرعبا في داخلي..كنت أسير وأحس بمرافقته لي..ورصده لكل صغيرة وكبيرة تصدر مني..بدأ شيئا فشيئا يحكم على محاصرته...وفي كل خطوة كان الفزع يجتاح مني ما لا أطيق.
    صادفت بعض المحلات ..حاولت أن احتمي بإحداها..دخلت..سألت صاحب المحل عن شيء ما لا أتذكره بالضبط..التفت وجدته خلفي..يرافقني ..أحيانا كنت أشعر بأنه يحاصرني من أكثر من جهة...واصلت سيري بعدها..الفزع مثله يلازمني اصطدمت برجل عجوز وأنا أحاول عبور الشارع العام..اعتذرت.. ثم انحدرت من الشارع العام إلى أحد الفروع..لأتخلص من الزحام وعلّي أتخلص من رفيقي...لكن..خاب ظني..بدأت أراوغه لعلي في النهاية أستطيع الانفلات من حصاره..لكن دون جدوى..أصبت بالذهول..حتى أني فكرت بأن أستنجد بالمارة..لكن كأن عينيه الحادتين قد أخرستا لساني...اقترب مني شيئا فشيئا...لم يكن يتكلم وكأنه أخرس... حتى أنفاسه لم أكن أشعر بها مع أني كنت أشعر بأن أنفاسي تكاد تنقطع جراء السير الأشبه بالركض...ما كان يحيرني أنه لم يحاول معي شيئا حتى أهابه هكذا...حتى أنه لم ينطق بكلمة..كل جريمته أنه حطم الفرحة التي كنت أحملها في أعماقي.
    أوقفت سيارة أجرة..دخلتها..نظرت خلفي...وجدته مغروسا على المقعد الخلفي..تجاهلته...صدمتي كانت أشد عندما وجدته ينزل في نفس محطتي...أقصد في نفس الفرع الذي أسكن أنا فيه..توجهت إلى البيت وهو معي..كان الجميع في البيت حاضرين..استقبلوني بالقبلات..جلست معهم للحظات..كنت التفت لعلي أجده لكنه للحظات اختفى عن ناظري..استأذنت ..صعدت..ومنذ اللحظة التي غادرت فيها الأهل وجدته يظهر من جديد...بدأ الفزع يجعلني مضطربا.. دخلت غرفتي.. أغلقت الباب خلفي..تنفست الصعداء..لحظات قليلة سمعت طرقا للباب..انتفضت أعماقي خوفا..تجاهلت..زاد الطرق إصرارا..كان الظلام يحوم حولي.. فكرت..جذبني نور ضئيل يخرق الستائر..توجهت للنافذة..تحاملت على خوفي وبطريقة عجيبة..قفزت على عتبة النافذة..التي توصل إلى سلم خلفي.. وكأني آنذاك سمعت حركة داخل الغرفة..هرعت وبدأت أنزل السلالم راكضا..خرجت من البيت..وعلى الشارع بدأت أجري بطريقة جنونية.. وكأن وحشا كاسرا يطاردني..تعبت قدماي..خارت قواي..اتكأت على حائط مبنى قديم في زقاق ضيق..فكرت ما الذي أوصلني إلى هذه المنطقة... لكن ظهوره أمامي لم يدعني أجد الوقت الكافي لأعرف الإجابة...كان الظلام حالكا ومسجى على كل شيء..فقط عيناه الحادتان كان بريقهما يقطعني خوفا.
    عدت للركض من جديد...لا أعلم إلى أين لكن كنت أركض...لحظات وكنت أمام شجرة كبيرة...خلفها مباشرة توجد شجرة صغيرة...وجدته منتصبا أمامها.. تراجعت أنا وحاولت أن أتحسس الفراغ بيدي..شعرت حينها أن الإنسان بداخلي أصبح مجرد كتلة خوف...وهو لا مبال منتصب على بعد أمتار قليلة.
    الخوف...الفزع..بل الموت..هكذا بدا الأمر بالنسبة لي...حاولت أن أصرخ...لكن مابه لساني مازال وكأنه مقيد بسلاسل نارية...أخرسني الفزع.. لكني لم أيأس بقيت أحاول الصراخ...حتى وجدت صراخي فجأة يكسر تلك القيود المفروضة عليه من الفزع...شعرت بأن حبائل صوتي قد تمزقت.
    من هذا....؟ ماذا يريد مني....؟ لماذا يطاردني....؟ لماذا لا يتكلم....ما هذا الصمت...؟ ثم شعرت بعد صراخي ذاك بالهدوء وكأن كسر تلك القيود كان فرجا.. لكن لا...أبد...فالهدوء غمرني لأنه بعد كل هذا الصراخ لم ألاحظ منه أي تصرف يفزع...بل بقيت بعدها طوال الوقت أتساءل هل ابتسم لي أم حاول استدراجي...؟
    الفزع بدأ شيئا فشيئا يقل...عيناه الحادتان بدأ بريقهما يتوارى خلف الظلمة...وبدأ هو يتراجع شيئا فشيئا....حتى توارى خلف الظلمة...لكني بقيت أتساءل هل ابتسم لي أم حاول استدراجي....وتراه من يكون ..وماذا يكون...؟
    بغداد
    17-10-1997
    جوتيار الرائع:-
    الموت فزعاً لايختلف كثيراً عن الحياة معه
    وعليه لابد من قلوب مستميته تسعى لانتزاعه ليعود الأمان
    أيها الأخ الكريم
    أتمنى أن تكون بخير
    احترامي لك
    سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة