أحدث المشاركات

مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»» قراءة في مقال يأجوج و مأجوج ... و حرب العوالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الطفل المشاكس بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» @ تَعَاويــذ فراشَــةٍ عَاشِقـَـة @» بقلم دوريس سمعان » آخر مشاركة: دوريس سمعان »»»»»

صفحة 4 من 4 الأولىالأولى 1234
النتائج 31 إلى 36 من 36

الموضوع: نصوص القصة القصيرة التي شاركت في مسابقة الواحة الأولى

  1. #31
    الصورة الرمزية عدنان القماش أديب
    تاريخ التسجيل : May 2006
    المشاركات : 316
    المواضيع : 61
    الردود : 316
    المعدل اليومي : 0.05

    Talking عم حوده الكينج و الأخر

    المقدمه
    في بلادنا الجميله, حيث يخيم الصمت علي كل شئ إلا من أصوات المدافع , كرابيج التعذيب و ألسنه البشاوات الكبار

    البدايه دايما هتكون من عند محل البقاله بتاع عم حوده الكينج

    فتعالوا بينا بقي نتعرف ببطل الحلقات دي و هو عم حوده الكينج
    الرجل الغلبان اللي عنده محل بقاله
    و بيحب قوي يقرأ ورق الجرائد اللي بيلف فيه البضاعه للناس
    فمع الوقت بقي بسم الله ماشاء الله
    حاجه جامده قوي...كأنه حاصل علي دكتوراه في السياسه

    فمرحبا بكم في محلات عم حودة الكينج حيث الجبنه و البولاتيكا...
    يعني لامؤاخذه السياسه نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    و طبعا الناس هتسأل إيه العلاقه بين الجبنه و البولاتيكا و محلات البقاله؟؟؟
    طبعا بالنسبه للدول المتحضره فالكلام ده غريب
    أما بالنسبه لنا إحنا و الساسه بتوعنا

    حيث أن السلام هو العنصرالرئيسي للعمليات السياسيه العربيه
    و حيث أنه ال(خيار) الإستراتيجي
    و طبعا إنتم سيد العارفين إن الخيار علي علاقه وطيده جدا بالجبنه
    و طبعا ما فيش محل في الدنيا مافيهوش جبنه
    تبقي البولاتيكا بتيجي من علي أرفف محلات البقاله
    اللي زي محل البقاله بتاع عم حوده الكينج...

    وهي دي حكايتنا يا إخوانا...
    حيث إنه ممكن أي حد يقول إي كلام والناس تصقف. :NJ:
    و يا حلاوه, بقي سياسي كبير...
    مع إن العمليه واضحه إن مش كل من ركب الخيل بقي خيال...
    بس في أيامنا دي بنشوف العجب...

    فإن شاء الله هنعيش مع بعض مجموعه حلقات بأسم عم حوده الكينج....
    هنحاول نشوف فيها نماذج لمجتماعتنا العربيه و طبعا مواقفنا السياسيه الكبيره قوي..
    اللي يعني تقعد طول الليل تفكر فيها و ما تفهمش حاجه...

    و هنسخر و هنضحك بس مش هننسي نفكر...
    لأن فعلا الفرق بين الإنسان و لامؤاخذه الحيوان هي القدره علي التفكير و التمييز....
    و شعارنا دايما هيكون شر البليله اللي من غير لبن ..

    تعالو بينا نشوف إيه اللي بيحصل!!!!

    ----------عم حوده الكينج و الأخر--------------
    السلام عليكم و عدنا من جديد
    و أدي عم حوده الكينج الجميل...نازل من علي السلالم الشبه مش موجوده....في بيته القديم الشبه منهار
    و الرطوبه الناشعه علي الحيطان...و منظر أخر رومانسيه
    و بعدين خرج من الباب الضيق اللى يا دوبك خرجه للحاره الأجمل...
    و هو بيكلم نفسه...ما هي الدنيا حلوه أهي, أومال الناس ما بقتش طايقه نفسها ليه؟

    و تمعنا منه في الجمال قام عم حوده بالتأمل في أحوال الناس...
    و كان معدي علي محل الست تقليه للكشري...فصبح علي صبيها عدس
    و شاف بنتها القموره كوبشه و هي عماله تفعص في الطماطم و تغني..
    و طبعا ريحه الكشري تهوس...دخلت في نخاشيش عم حوده الكينج...
    و ريحه الصلصه اللي معموله من الطماطم المضروبه

    فقال لنفسه و هو يملأ صدره بالريحه أم بلاش:
    يا سلام علي ريحه الصلصه حاجه تجنن...الواحد المفروض يضرب له واحد كشري..فنادي علي الواد عدس
    وقال: واحد كشري و كتر الدقه يا واد يا عدس.
    عدس: أيوه يا عم حوده, أي خدمه...أنت تؤمر

    و مافيش خمسه كان عم حوده راح علي المحل و فتح الباب و رش المياه...
    و قعد علي الكرسي و جيه عليه الواد عدس و هو شايل طبق الكشري اللي بالصلصه المضروبه

    و هو بيقول: أحلى كشري لأحلي كينج في المنطقه كلها...
    فضحك عم حوده و قاله: مش هتبطل بكش بقي يا واد يا عدس...ألا صحيح قولى...لقيت الجبه اللي ضاعت و لا لسه
    فضحك عدس و قاله: لا لسه يا عم حوده...أصلها وقعت في شارع ضلمه, فراحو يدوروا عليها في شارع منور شويتين
    وضحك الأتنين و راح الواد عدس جري علي شغله...

    و عم حوده بدء بقي يمزمز في الكشري السخن..و يدندن و يقول
    يا حلاوه الكشري يا حلاوه...يا حلو لو يا حلاوه.

    المهم فجأه الدنيا ضلمت و كأنها هتمطر...و سمع فجأه عم حوده صوت بيتكلم عربي مكسر(لامؤخذه خواجاتي)
    و بيقول: إزيك يا عم هوده.

    فبص عم حوده لفوق لفوق لفوق..أصله كان قدامه رجل فلق...عامل زي الحيطه..
    لابس حته بدله عمر عم حوده ما شاف لها مثيل في الكساء الشعبي و لابس بورنيطه...
    و نضاره كده زي بتوع الواد أبو عضلات ده بتاع فيلم الكوبوي تيرم نيتور...

    فتخض عم حوده و رد بصوت متحشرج و قال: هوده؟ هو ده اللي بنا يا محترم؟
    و شكله كان ناوي يستظرف كعادته و لكن لم نفسه لما حس إن عم الوحش ده ممكن ياكله

    فسأل عم حوده هذا الوحش و قال: هو حضرتك مين إن شاء الله؟ و عرفت أسمي منين؟
    فإبتسم الرجل إبتسامه صفراء و قال: هو فيه حد ما يعرفش عم هوده الكينج؟ كبير المنطقه؟

    ففرد عم حوده قلوعه شويتين و شم نفسه و قال: أنا عارف يا أبني...بس أنا ماشفتكش هنا قبل كده و بعدين شكلك مش من المنطقه يعني؟
    فقال الرجل: أنا فعلا مش من المنطقه أنا من عند حبايبك الأموريكان...بلاد الكوبوي.
    فمصمص عم حوده شفايفه و قاله: أهلا بريحه الحبايب (وفي سره بيقول, هلو هلو..هو إنتم بدأتم توصلوا لهنا)..و الكريم أسمه يه؟
    فقاله: أنا اسمي الأخر يا عم هوده؟
    فقاله عم حوده: أخر؟ إزاي يعني؟
    فقاله الأخر: إيه يا عم هوده هو أنت مش بتشوف وسائل الإعلام العربيه و لا إيه؟
    فقاله عم حوده: معلهش يابني,أصل النضاره بتاعتي أتكسرت من مده و انت عارف بقي أنا رجل عضمه كبيره و السن له أحكامه.
    فقاله الأخر باستهجان: يا عم هوده؟
    فقاله عم حوده: أنا قريت مره مقاله كده لواحد من المطبلين بتوع الزفه اللي عندنا...
    اللي هو رئيس تحرير مرتشي و عامل فيها وطني..(و هو وطني فعلا و الحدق يفهم)
    المهم عم الوطني ده كان بيقول,إن لازم نحترم الأخر و نتفاهم مع الأخر و نبوس أيد الأخر و نشوف الأخر (شوفه علشان يشوفك)..
    و حركات كده يعني...هو ده إنت يا بني؟

    فأبتسم الأخر و قاله: أيوه يا عم حوده هو ده أنا,الأخر.

    وفجأه سمع عم حوده صوت رفيع كده عامل زي صوت البرص...و بيقول إزيك يا عم حوده
    فبص عم حوده لتحت كده عند رجلين الأخر, و لقاه ماسك واحد من قفاه و كان سحبه علي الأرض و مسففه التراب و كانت عنين الكائن ده مزرقه و حالته بالبلا

    فسأل عم حوده الأخر و قاله: هو مين ده يا عم الأخر؟ هو ده ابنك و ضيع الجزمه بتاعته؟
    و لا عيل بيلعب كوره في الحاره و كسر لك بترينه المحل بتاعك؟
    فرد الأخر و قاله: لا يا عم هوده..ده الأخر بردو...بس الإرابيك فيرجن (النسخه العربي يعني)
    فاستغرب عم حوده وقال: إزاي يعني..هو فيه كذا أخر و لا إيه؟
    فقال الأخر اللي هو النسخه الكوبوي: طبعا يا عم هوده؟ دول الأواخر مقامات...فيه أخر أموريكاني و أخر صهيوني و أخر أوروبي و أخر ياباني
    و أخر مالهوش لازمه (الأرابيك فيرجن), أند سو أون (وكده يعني بالبلدي)

    فضرب عم حوده كف بكف و سأل الكائن المتبهدل ده وقاله: و إنت يا بني إيه اللي جابرك علي كده؟
    فرد الأخر(النسخه العربيه): هو فيه إيه يا عم حوده..هو أنت مش عايش في الدنيا و لا إيه؟
    لازم نحترم الأخر مهما عمل؟ و لازم نفهمه؟ و كمان لازم نعمله رز بلبن..أومال إيه؟ هو مش إكرام الضيف و لا ما عدش فيه مرؤه يا عم حوده...
    و استطرد و هو لسه مبتسم و قال: و بذمتك يا عم حوده شوف الرجل ده قطع مسافه أد إيه علشان يوصل لحد هنا.

    فكان عم حوده عايز يديلوا بالرجل في وشه و ضبه المفتوح ده و مبتسم و هو متمرط في الأرض...بس سبحان الله هيعمل إيه ما هو ما عدش فيه دم و لا نخوه عند الناس..

    المهم سأل عم حوده الأخر الأموريكاني و قاله: طب و أنت عايز إيه مني يا عم الأخر؟
    فسال لعاب الأخر الوحش و قال: كنت عايز حته حلاوه طحينيه يا عم هوده؟ و بعدين الواد الأخر العربي هو اللي هيدفع طبعا أو تشككها علي حسابه.
    و نبقي نخلي صندوق الهدم الدولي, يجدول الديون اللي علي الأخر العربي ده فيما بعد لك يا عم حوده...و يمكن نبقي نضغط عليك و نخليك تخفض الديون أو تلغيها أصلا.
    و يبقي علي رأي المثل يا عم هوده, ما الحلاوه ساحت و خلاص ما خلاص يا وله.

    فطبعا عم حوده كش و دخل و جاب الحلاوه للأخر الكوبوي...
    و شاف الأخر بيبعد لأخر الحاره و بيأكل الحلاوه بإيد
    و في إيده التانيه مجرجر الأخر العربي (المبتسم و المتفائل دائما) علي الأرض و بيمسح به المنطقه كلها

    و ما فيش خمسه و قعد عم حوده ياكل الكشري اللي برد...و لسه بيسمي و بيرفع الملعقه فلمح بطرف عنيه حاجه أخر دلع..
    واحده ست إنما أخر جمال...و بتتمشي بدلع و جايه علي المحل بتاعه...فقام بسرعه وحط طبق الكشري بعيد و مسح فمه بسرعه في طرف البالطو..
    و ظبط الطاقيه...أومال إيه...هو كل يوم بيشوف الكلام ده؟

    فجت الست و قالت لعم حوده: إزيك يا عم خوده..؟
    ما خدش عم حوده باله من لكنه الست أو ما فرقتش معاه و قال: خوده خوده...المهم أعيش, الجميل يؤمر بحاجه؟
    فضحكت الست ضحكه أخر صهلله طيرت فيها برجين من عقل عم حوده و قالت: أيوه يا خوده يا خبيبي...هو الواد الأخر الأموريكاني ما عداش من هنا؟
    فاستغرب عم حوده و قال: و إنتي إيه علاقتك بقي به إن شاء الله؟
    فغمزت له و قالت: ما هو أنا أم الأخر الكوبوي يا عم خوده؟
    فاستغرب عم حوده: أم الأخر و اللي جابوه كلهم كمان يا عسل
    وسألها: و اسم الجميل إيه؟
    فردت عليه بدلال و قالت: فيدرا؟
    فأندهش و قال: زوجه الخواجه كوهين الحرامي لعنه الله عليه و علي والديه (راجع حدوته عم حوده و الدستور يا سياد)
    فأبتسمت و قالت: أيوه أنا أم الأخر الأموريكاني..تربيه إيدي و بمشيه زي ما أنا عايزه و ما يعصاش لي أمر, و ألا قطعت عنه المصروف

    و خمسه كده و جات واحده تخينه و متبهدله يا عيني و سألت عم حوده: ايوه يا عم حوده, ما شفتش الواد أبني الأخر العربي؟
    فضحك و قال: أه شفته,الحقي بقي الواد الأخر الاموريكاني مبهدله علي ناصيه الشارع و رابطه في عمود النور و بيفرج عليه خلق الله...
    و أبنك عمال يضحك زي الأهبل مش عارف ليه..

    فحدث التقاء لنظارات الحاجه أم الأخر العربي...و الست فيدرا أم الأخر الكوبوي...
    و قبل ما تنطق أم الأخر العربي,كملت اللمه بقي,بقدوم الست بهانه كوين اللي كانت جايه تاخود حته صابون علشان تحمي الواد بيسه البرنس بن العم حوده

    و فجأه و بدون سابق إنذار...قالت الست بهانه كوين بصوت أسد كاسر: فيدار مرات الخواجه كوهين الحرامي لعنه الله عليه و علي والديه؟
    فأرتجفت الست فيدرا...فهي علي درايه كامله مين هي الست بهانه كوين فتوه المنطقه و اللي صدت العدوان الثلاثي في الحاره من كل من (فيدرا و ماريكا و راشيل)
    و فجأه هجمت الست بهانه كوين علي فيدرا و مسكتها من شعرها و جرجرتها علي الأرض

    و قعدت تقول: من ده بكرا بقرشين (أصلها كانت هتتدبحها بمناسبه العيد)
    و عم حوده كان فخور بمراته و حس إن فلوسه حلال...مش بيعلف علي الفاضي...

    فسألت الست أم الأخر العربي : هو فيه إيه يا خويا...هي الست دي بتضرب الست الغلبانه دي ليه, دي شكلها بنت ناس حتي؟
    فقالها عم حوده: بنت ناس؟ ده أنتي طيبه قوي؟ دي أم الأخر اللي مبهدل أبنك و عمله زي الشوخ شيخه

    فغضبت الست أم الأخر العربي,و هاجت و ماجت و جريت علي الست 'فيدرا'هي كمان و مسكتها من شواشيها (أم شعرها يعني)
    و قعد عم حوده مبتسم ياكل طبق الكشري اللي برد قوي...

    و الأخر الأموريكاني ماسك الأخر العربي مطلع عين أهله
    (بس علي مين,الأخر العربي ماسك نفسه و مبتسم و لا كأنه فيه حاجه, اومال إيه..ماهو لازم يحترم الأخر)

    و الحريم ماسكين في الست فيدرا و مقطعين لها شعرها اللي مكلفها تمن كام بير بترول من بتوع العراق
    و شكلها كده يا ولاد, ما عدش بيدافع عنها غير حريمها...أو رجالها بقوا زي حريمها إلا من رحم ربك, ما تعرفش...
    و إن شاء الله تعمريها و عيالك يجروا فيها

    و نراكم قريبا في حدوته أخرى من حودايت عم حوده الكينج

  2. #32
    الصورة الرمزية موسى نجيب موسى قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    المشاركات : 72
    المواضيع : 33
    الردود : 72
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي قصة قصيرة مشاركة فى المسابقة بعنوان " من مذكرات طفل" موسى نجيب موسى

    من مذكــرات طفـل
    الساعة تقترب من الثانية عشرة من منتصف الليلة الأخيرة من شهر ديسمبر البارد.. المكان طرف بعيد جداً من المدينة المترامية الأطراف وصوت أجراس الكنيسة يكاد يصل إلى أذن طفل يحتل هذا المكان بجسده الضئيل يشاكس (راكية) النار التي تبعثر رمادها في وجهه الذابل.. يحاول النفخ فيها عله يعيد لها الحياة أو تعيد له بعضاً الدفء الذي فقده منذ زمن.ينظر بعيداً يتأمل وجه المدينة الشاحب الذي تكسوه سحابة ضبابية تماماً وتلقى باقي ظلالها الرمادية على باقي جسد المدينة الواهن من بيوت متناثرة على أطرافه.. الضوء الشاحب المشبع بدخان (الراكية) الذي كاد أن يختنق من موت النار في (الراكية) يكاد يصل إلى عينيه يحاول بصعوبة كبيرة أن يبعث داخله ببعض الأمل الذي طار منه في إحدى ليالي ديسمبر الأولى.. بشر كثيرون.. جيش كبير مدجج بالسلاح يشرخ جدار الليل.. قهقهات وقرقعات وأصوات مبهمة لا تجد أذنه أدنى ألفه لها أو يجد عقله مفاتيح لحل رموزها.. يركلون أباه ويتبادلون لكمه بينهم وسط بريق غريب يملأ أعينهم.. ساحة المعركة انتقلت من جسد أبيه الهزيل إلى جسد أمه البض وجسد أخته البكر.. ابتسامة رائعة كانت تمرح على شفاه أخته قتلتها نزوة أحدهم في غفلة..النار تزداد موتاً يحاول بطرف فستان زفاف أخته -الذي لم تلبسه بعد ويصطحبه معه في كل مكان- أن يعيد بعض الحياة للنار التي ستذهب إلى العدم.. لم تفلح محاولاته.. ماتت النار أخيراً.. أخذ نفساً عميقاً من الهواء المدنس بزفير المدججين بالسلاح.. ضرب بكفه الصغير قلب النار عله ينبض مرة أخرى بعد موات مؤقت لكنه أعادها بسرعة مرة أخرى بعض أن طبعت إحدى الجمرات قبل موتها النهائي قبلة ساخنة على أطراف أصابعه الرقيقة.. من بعيد وفي ضوء أخر عمود إنارة يرقد على فوهة القرية لاح له شبحاً ضخماً فقفزت على شفتيه ابتسامة واسعة أراحت القلب من ركضاته السريعة النابضة بالخوف والوجع.. الشبح يقترب منه أكثر وأكثر.. كل يوم كان أخوه يأتي له بالحلوى التي يعشقها لا يعرف لماذا لم يعد يشترى له الحلوى منذ أن زارهم هؤلاء المدججين بالسلاح؟!!.. كان يذهب معه إلى المدرسة حيث كان يكبره بعدة أعوام وعند العودة يشتري له كل ما يريد ويتمني.عندما كانت تحدث مشكلة – ونادراً ما كانت تحدث – بينهما كانوا يقولون له في كل مرة أنه الأكبر ويجب عليه طاعته واحترامه مثلما يطيع ويحترم أبيه.. لم يعد يذهب للمدرسة كما أنه لم يعد يرى أخيه الذي اصطحبوه معهم هؤلاء المدججين بالسلاح عندما اعترض عليهم بشدة على ما فعلوه بهم جميعاً.. لمحة من حياة ولت برقت في ذهنه مع بعض ذكريات تمني أن تعود.. لم يمل من نفخ النار علها تنبض بالحياة مرة أخرى لكنها لا تستجيب لمحاولاته المتكررة لكن مع أخر محاولة مجهدة لإعادة النار إلى ما كانت عليه شعر بتيار بارد من الهواء يصطدم بوجهه.. تعجب لاستجابة النار لهذا التيار المنعش.. رفع رأسه وجده أمامه بزيه الأحمر المعتاد وغطاء رأسه الجميل الطويل.لحيته البيضاء وشاربه الكث الأبيض يعكسان ضوءاً مبهجاً على وجهه المبتسم.. يلقى خلف ظهره "بُقجة" هداياه الرائعة.. ابتسم له فكشف من بين شعر الشارب واللحية عن صفين من الأسنان اللامعة.. مد الشيخ يده إلى وجهه ليسمح دموعه التي طفرت رغما عنه قال له بصوت حنون لم يعد يسمع مثله:-

    أعلم أنك تنتظر أخاك الكبير بعد ضياع الجميع.. أصبر فإن أخاك رهن قضية لا ذنب له فيها ولكنها قضيته وقضيتك أنت أيضاً أيها البريء.انتقض الشيخ فجأة وعاد يقول وهو يلوح بيده تجاه الأرض البراح أمامه:-

    وقضية كل إنسان في هذه الأرض المنكسرة الذي فُض غشاء بكارتها قهراً...

    نظر إليه الطفل بفرح وهتف قائلاً:-

    أنت.. أخيراً جئت لي.. كثيراً ما تمنيت أن أراك وأن أقابلك.. فكثيراً ما شوقتني إليك جدتي العجوز وهي تحكي لي حكاياتها الجميلة عنك وعن عطاياك الإلهية وعن الناس والأرض والأعداء و.... و..

    وأين جدتك الآن؟

    حقيقي لا تعلم أنت أين جدتي الآن؟ وأن كنت لا تعلم فكيف علمت بغياب أخي وضياع الجميع؟!!

    يا أبني أنا سجل حي ينبض بالوجود لكل طفل في هذه الأرض المنكسرة.. أمسح الدمعة.. وأرسم البسمة التائهة في ثنايا نجمة داود التي تكاد تخنق بسداسيتها المقيتة الجميع في هذه الأرض المقدسة.

    ابتسم الطفل وأخذت الكلمات تندفع من بين شفتيه الجافتين:-

    لقد ذهبت جدتي إلى الملائكة والأبرار.. رغم أنها ذهبت دون أرادتها وإرادتي أنا أيضاً.

    ضحك الشيخ وأرسل إلى الطفل حروفه الناعمة:-

    طالما أنها عند الملائكة والأبرار فلا تخف عليها إذن ولا تحزن أيضاً.

    بعدها سحب الشيخ دفتراًُ أبيض وقلماً أبيض وقال للطفل:-

    الآن.. قل لي ما تريد أن تحكيه للتاريخ وأنا أسجله لك.. فأنا أفعل ذلك مع كل طفل أقابله في مثل هذه المناسبة من كل عام.

    لم يتردد الطفل لحظة فانفتحت فوهة فمه وانطلقت الكلمات بلا قيود حكى له عن بقع الدم الحمراء التي رآها تلطخ فستان زفاف أخته وعندما وجد جحوظ عينيه من فرط الدهشة سحب الفستان من مكمنه أسفل مقعدته وأراه البقع الكثيرة التي غيرت مع فعل الزمن وجه الفستان الباسم. كذلك حكى له عن أخيه وأحلامه العريضة التي رحلت عن مخدعه برحيله مع هؤلاء المدججين، وعن جدته الغالية التي كانت تجلس معه على عتبة الدار الخارجية تحكي له عن جده وشجاعته في مواجهة الباطل / الغاشم/ المغتصب قبل أن يخطفها الموت عنوة،وعن أمه التي أصابها العمى بمجرد أن ألقى أحدهم بحيواناته المدنسة في جوفها الطاهر وما لبثت أن لحقت بجدته، وعن أبيه الذي لم يجد أحدهم شيئاً يشبع فيه رغبته الشاذة سواه فأستسلم له بوداعه غريبة،وبعد أن رحلوا علق نفسه على أحد أفرع الشجرة التي زرعها ذات صباح لتظلل عليهم وتحميهم من المختبئ لهم في نية الزمن الغادرة.. ابتسم ثم حكى له عنه وعن زملائه الأطفال الذين كانوا يرشقون بالحجارة وجه الحقيقة المزيف حتى يدمى، وحكى له أيضاً عن زميلته "راندا" التي رحلت مع أهلها هرباً من الأرض الشراقي والأغلال الحديدية التي تزينت بها أيدي الجميع دون استثناء.. توقف الطفل ونظر إلى الشيخ الذي ابتلت لحيته البيضاء بالدموع حتى فاضت عنها وأخذت تتساقط بغزارة على صفحات دفتره الأبيض.. بعد أن انتهى الشيخ من تسجيل كل شئ طوى دفتره المبلل ثم دفع إلى الطفل بكره حديدية وقال له:-

    هذه هي هديتي لك هذا العام فاحتفظ بها علها تنفعك يوماً.. بعدها هب الشيخ واقفاً وعندما أدار ظهره للطفل انطفأت النار تماماً وهمدت حتى من دخانها.في هذا الوقت تماماً خرج المصلون من الكنيسة يدشنهم صوت أذان الفجر القادم من مئذنة أحد المساجد القريبة.. اتجهوا جميعاً صوب الطفل مباشرة وأحاطوا به فيما يشبه الدائرة واحتلفوا معه بميلاد فجر العام الجديد بينما هو راح يلقي بالكرة الحديدية في الهواء إلى أعلى ثم يتلقفها بيديه التي لم تعد رقيقة بعد.

    بقلم / موسى نجيب موسى
    محمول : 0103188501

  3. #33
    الصورة الرمزية موسى نجيب موسى قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    المشاركات : 72
    المواضيع : 33
    الردود : 72
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي قصة قصيرة مشاركة فى المسابقة بعنوان " بطل من لحم ودم" موسى نجيب موسى

    بطـل مــن لحـم و دم
    لأول مرة يحدث معي هذا فقد تمردت علىّ القصة الجديدة التي أحاول أن أكتبها و لم تكتف بذلك بل حرضت بطلها على عصياني وعدم طاعتي فهددتها بعدم كتابتها وحتى لو كتبتها لن اجعلها ترى النور؛فأنا لن أرسلها إلى أي مجلة أو صحيفة أو حتى أضمها لكتابي الجديد الذي سيصدر قريباً عن إحدى دور النشر الكبيرة في القاهرة.. تآمر معها البطل حتى يدخلاني في دوامة لا مخرج لي منها من شد الأعصاب والتوتر والإرهاق و التشتت.. حاولت أن استميل بطلي لكي يقف بجواري و محاولة تذكيره بأنه لم يعرفها إلا من دقائق معدودة بينما يعرفني أنا على مدى العشرات والعشرات من القصص التي لبيت له فيها كل ما طلبه منى ولم أبخل عليه بشيء.. وجدته ينظر لي نظرة استحقار واشمئزاز وتركني تنهشنى الهلاوس و الأفكار الشريرة وحتى محاولتي المستميتة والأخيرة لإعادته مرة أخرى لسجن الكلمات و الورق في كتابي الأخير-حيث أنني أعلم تماماً كم يكره الحبس وخاصة لو كان انفرادياً في كتاب طويل عريض- باءت هذه المحاولة بالفشل الذريع حين هرب مرة أخرى من خلال فتحة صغيرة توجد أسفل صورتي التي تملأ خلفية الغلاف حيث يتركها الناشر حتى تكون لكتبه علامة مميزة يعرفها بها القارئ.هكذا كان يقول له عقله الذي حبيّ على سلم التعليم حتى وصل إلى السنة الثانية من المرحلة الابتدائية و سقط بعدها صريعاً غير مأسوف عليه. بعد أن هرب لم يجد شيئاً يفعله سوى التسكع على "زهرة البستان" و"الحرية "و"المنظر الجميل" يتسول من أصدقائي الأدباء ثمن لقمته وكوب الشاي لكنهم أعرضوا عنه عندما علموا بما فعله معي.. لم يجد بداً من البحث عنى؛ فبحث عنى في كل مكان توقع أن يجدني فيه،لكنه لم يجدني.. لم يتسرب اليأس إلى قلبه؛ فمازال هناك مكان واحد فقط لم يذهب إليه لكي يجدني حتى يعود لأيام العز والنعيم معي والتي كنت أكافئه فيها كلما ساعدني على إنجاز قصة جديدة.. في "الجريون".. وجدته أمامي بملابس رثة ووجه متسخ و أظافر طويلة لم يعتن بها منذ أن هرب منى.. لم أعره أدنى اهتمام، لكنه كعادته السمجة أخذ يتطفل علىَ وطلب لنفسه زجاجة بيرة على حسابي الخاص وبينما هو يشرب بنهم أخذ يعدد لي الحجج والأعذار حتى يقنعني بما فعله معي أو حتى لماذا فعل هذا كل كلامه كان يقف عند الحافة الخارجية لأذني التي تلفظه لكي يتناثر في الهواء المختنق بدخان رواد (الجريون) الذين لا يكفون عن التدخين.. ظل يراوغني ويراوغني وأنا ثابت على موقفي منه لا أتزحزح مطلقاً حتى نفد صبره وعلا صوته وعندما هم برفع يده في الهواء لكي يهوي بها على خدي التف حولنا رواد (الجريون) في محاولة لتهدئه الموقف.. صعبت علىّ نفسي جداً وأخذت من بين دموعي التي اغرورقت بها عيناي أعدد خيراتي عليه وبركاتي التي لا تحصى وطلباته الكثيرة التي لا تنتهي.. فعندما طلب منى أن يحب لم أتوان عن تنفيذ طلبه فجعلته يحب بإرادته حتى غرق في بحر من العسل والأحلام ولكني اعترف بأنني قسوت عليه قليلاً حيث أنني جعلت من يحبها لا تحبه لكن لم يكن قصدي من ذلك تعذيبي له أو زيادة أحزانه التي حرقت قلبه ومقلتيه بل كان ظناً منى أن الحب الحقيقي لا يكون إلا إذا اكتوى المحبوب بنار الحب المقدسة واحترق بها دون أن تشعر به المحبوبة وأيضاً حتى لا تحبه البطلة وتنتهي القصة بالنهاية التقليدية التي سأم منها الناس كثيراً فحاولت من خلال ذلك أن أكسر حلقات الملل التي ما أن يخرج الناس منها حتى يدخلوا في غيرها في سلسلة لانهائية من الحلقات وكذلك لأني لا أميل إلى مناصرة بطلات أعمالي فدائماً أحب أن أراهن في محنة بل أزيد المحنة أحكاماً عليهن وأوقعن في مورطات كثيرة وأتلذذ بضغط الظروف والحياة عليهن وأتلذذ أكثر وأكثر حين يصرخن ويولولن ويحاولن الاستنجاد بي للخلاص مما هن فيه لكني دائماً انتشي لهذا الإحساس الرائع أن تستنجد أنثى بي وتحاول أن تلوذ بحضن دافئ لكنى أخذلها والحقيقة أنا لا أعرف لهذا الإحساس تفسيراً محدداً.. هل من قسوة أمي الكثيرة عليّ وربطها الدائم لي في رجل (الترابيزة) وسقوطها فوقى بجسدها الضخم وتفجر الدماء من فخذي أثر قرصها المتوالي لي.. لا أعرف؟!! أم من مدرسة العلوم التي كانت تدرس لي في السنة الثانية من المرحلة الإعدادية وكانت إلى جانب جمالها الملفت للنظر تصر كل يوم على طبع شفاهها الساخنة على خدي المتورم حتى ولو لم يكن في جدولنا أي حصة لها في هذا اليوم وقد تركتني فجأة وماتت دون أن تستأذن منى أو حتى تعطيني قبلة أخيرة أحيا على ذكراها ما تبقى من عمري بدلاً من ذلك الهوس الذي أصابني عندما كنت أحاول أن أقيس شفا يفي على أثار شفا يفها المتناثرة في كل مكان على خدودي.. لا أعرف؟!! أم من البنت الوحيدة التي أحببتها بكل مشاعري البكر التي تولدت مع بداية التحاقي بالجامعة وباعتها هي بثمن بخس جداً لعدوي اللدود الذي لا أحبه ولا يحبني؟!! لا أعرف !! أم تلك المرأة الساقطة التي اصطحبني لها صديق لي كان يرغب أن يصبح قساً حتى يتأكد من رجولتي التي ضجر من كثرة حديثي له عنها وكانت تمارس معنا الجنس بكل عنفوانه وآهاته في الطابق الأول لمنزلها بينما كان زوجها ينام في الطابق الثاني.. فقد كنت احتقرها كثيراً وخاصة بعد أن عملت أنها احترفت المهنة وتوسعت في نشاطها بعد أن مات زوجها مقهوراً منها ومن أفعالها.

    أريد أن أمارس رجولتي؟

    ذكرته أيضاً بتلك المقولة التي صعقتني حينما قالها لي فأنا كنت أتصور أنه رجل محافظ ومتدين فقد حاولت إغراؤه كثيراً في قصصي السابقة لكنه لم يكن يريد أن يفعل شئ وكان يتعفف على ويترفع على السقوط في مستنقع الرذيلة وكان يعايرني كثيراً بأنه مازال يحافظ على نفسه طاهراً بكراً بينما أنا غارق في بحيرة عميقة جداً ممتلئة بماء كثير من الساقطات التي عرفتهن في حياتي،وحتى عندما حاولت أن أوقعه في الشر بإحدى حيلي القصصية حتى يكف عن معايرتي فقد جعلته ينفرد بإحدى الجميلات التي يذهب بياضهن بنور العيون مع العقول وتركته معها في حجره نومي الخاصة وهي عارية تماماً خاليه من أي شعر في أي منطقة من جسدها حتى رأسها جعلتها تحسرها بغطاء جميل حتى تكون اكثر جمالاً وإغراء إلا أن الذي فعله أذهلني حقاً فقد كنت أتمني أن تنجح حيلتي لكنه وضع ذيل جلبابه في فمه وفر هارباً وظل مختفياً عني مده طويلة حتى أخرجته في قصة أخري حيث كان خادماً لراهب ورع يحب الله كثيراً (قصتي سبط الراهب).

    أريد أن أمارس رجولتي واختبار فحولتي.

    ذكرته أيضاً بتكراره لطلبه الغريب هذا وإلحاحه الشديد عليُ الذي اضطرني تحت ضغطه الشديد أن ألبي له الطلب فأخذته من يده وذهبت به إلى تلك المرأة المحترفة التي عرفني بها صديقي ذلك الذي كان يريد أن يصبح قساً.. تركته معها حتى تعلمه فنون الكار وتدربه علي أساليب المعاملة الخاصة للمرأة فألقته لإحدى تلميذاتها بينما تفرغت هي في محاولة يائسة منها لاستعاده الماضي الجميل كما كانت تقول أو حتى استعادة بعضه لكن كل محاولاتها ذهبت سدي عندما تأكدت أنني لن أستطيع أن أشبعها كما كنت افعل سابقاً....

    فرغ من سكب ما تبقى من الزجاجة التي طلبها منذ قليل في جوفه ثم تجشأ في وجهي برائحة كريهة ولمعت عينيه ببريق غريب وقال لي:-

    اطلب لي زجاجه أخري.

    طلبتها له دون مناقشة وبعد أن أخذها من النادل شرب جرعة طويلة ثم عاد يقول لي:-

    لا تعرف وقتها أو حتى بعدها روعة الإحساس الذي شعرت به.. فوقتها عرفت وعن يقين بالغ بأنني رجل وليس كذلك بل من الممكن أن تتمناه أي أنثى.. فأنت دائماً كنت تحبسني في قصص الحب والرومانسية والأحلام والتهويمات والخيال والعالم الروحي.. يا آه.. كم كنت قاسياً على يا إلهي الخاص. بالفعل كان عتابه في محله فقد كنت اعتقد أن الفن يجب أن يبتعد عن الغرائز وأثارتها ويجب أن يسمو بالإنسان إلى أعلى مراتب الشفافية والنقاء والطهر أيقظني من نوبة التيه التي تهاجمني كل فترة وضحك ضحكة عاليةً أثارت فضول رواد (الجريون) واخذ يعدد إلى هو الأخر خيراته علىُ وبركاته التي لا تحصى وطلباتي الكثيرة التي لا تنتهي.. فقد ذكرني بالفترة التي أعقبت تجربته لرجولته وفحولته فقد كانت من أخصب فترات حياتي الإبداعية وكان طيعاً لي فيها جداً فكتبت العديد من القصص التي حصدت الكثير من إعجاب النقاد على مختلف مشاربهم وحصدت أيضاً الكثير من الجوائز التي حركت قليلاً الجمود المادي الذي كنت أعاني منه في هذه الفترة وكذلك أعادت لي الثقة التي افتقدتها لكفري بالكتابة وجدواها في مجتمع يغرق في مستنقع الأمية الموحش.. لكزته في كتفه الأيسر حتى يفيق ويسمعني جيداً:

    أنت لا تستحق أن تكون بطلي بعد اليوم وسوف أقتلك في أقرب قصة سأكتبها ولن أقيمك مرة أخرى ولتذهب إلى الجحيم.

    جحظت عيناه وتابع كلامي باهتمام شديد فحياته أصبحت مهددة وتقف على حافة سن قلمي.. أن شئت أن أفعل ما هددته به.. هو يعلم تماماً بأني أستطيع أن أفعل ذلك بل و أكثر من ذلك أيضا أستطيع أن أفعله.

    أن تقارن نفسك بي وأن تضعني معك على كفة ميزان واحد فهذا المستحيل بعينه من أنت؟

    أنا منك.. جزء منك.. من تكوينك.. من وجودك.

    لكني لست دنساً.. وأنت دنست نفسك.

    أفق.. وتذكر ما قلته لك منذ قليل.

    لقد تبت إلى الله وعدت إلى تعاليمه وأنا واثق أنه سيقبل توبتي.

    وأنا أيضاً سوف أتوب إليك وأرجو أن تقبل توبتي.. فلا تنسى أنك أنت الذي فعلت بي ذلك.

    كانت رغبتك وكان إلحاحك الغبي.

    لكنك تعلم أكثر منى، وأنا مهما فعلت لن أفعل إلا ما تأمرني به وتريده لي أليست مقاديري في يدك أني مُصير لك ولست مخيراً، فأنت ربي وإلهي.وقعت كلماته الأخيرة في أذني كأنها قنابل عنقودية أخذت تتفجر داخلي حتى حولتني إلى شظايا متناثرة لا تصلح لتشكيل إنسان مرة أخرى.. لا أعرف لماذا بعد أن طلبت منه أن يشرب جرعة أخرى من زجاجة البيرة المركونة أمامه شعرت بالذنب؟ فما كان يجب على أن أطاوعه في رغباته الجامحة وكان على أن أوجهه وأقومه وأعود به إلى الطريق القويم بعد أن شط عنه.. وحاولت أن أكفر عن خطيئتي العظيمة هذه. قفزت إلى ذهني فجأة فكرة أن أزوجه وأجعله يعيش في الحلال بدلاً من حياة الليل التي أدمنها هذه وبالفعل في أقرب فكرة قصة ألحت علىّ جعلته فيها يتقرب من إحدى الفتيات الجميلات التي أحبته كثيراً وتمنت أن يكون فارسها المغوار زوج المستقبل لكني لم أعرف حقيقة مشاعره ناحيتها؟! ولم أرد أن أعير هذا الشأن اهتماماً وقلت أن حاله سوف (ينصلح) بعد الزواج فعجلت بإتمام مراسم الزفاف حتى تهدأ ثورة شهوته التي أشعلت جسده كله في إطار شرعي حلله الله ويهدأ أيضاً وخز ضميري الحامي الذي كان يؤنبني باستمرار لأني أورده هذا المورد من التهلكة والضياع في الدنيا والآخرة.. أثرت بعد ذلك أن أبتعد عنه حتى ينعم بحياته الجديدة ولكني كنت بين فترة وأخرى أطل عليه من كوة وجودي المطلة عليه حتى أطمئن على سعادته وراحته وظللت بعيداً عنه حتى أنني لم أشاركه احتفاله الخاص عندما أنجب أبنته الجميلة "مريم" حتى لا أعكر صفو حياته التي أتمنى أن يحياها في أمن وسلام؟ لكني لا أعرف لماذا تبدلت خصاله وأصبحت سيئة جداً؟ فكان فظاً وقاسياً مع زوجته، وفي كل مرة كانت تأتيني تشكو منه ومن سوء معاملته لها كنت ألقي بالمسئولية عليها وأنها يجب أن تفهمه وتحتمل من أجل حبها حتى لا ينهار فوق رأسها.. لم تكن تعلم موقفي القديم من النساء ولكنها كانت تتعجب كثيراً حينما ترى انه بيدي خلاصها مما هي فيه وجعلها تنعم معه بحياة هادئة تربو إليها وتتمناها ولكنى لا أفعل.. امتلأ خزان وجدانها بالكثير من الإهانات والإساءات عن أخره حتى فاض ولم يعد في قلبها أدني حب له وقررت الهروب حيث وجدت جثتها هي وابنتها الجميلة "مريم" عائمة فوق صفحة النيل أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون.شرب جرعة جديدة من زجاجة البيرة المركونة أمامه.. حدجنى بنظرة قاسية:-

    أريد أن أحب وأريد أن أكون محبوباً؟ لماذا تضعني دائماً في موقف المهزوم ولا تكمل لي قصة؟ فمن أحبها.. لماذا تفعل معي ذلك؟ حتى من زوجتني إياها لم أشعر معها بطعم الحب والسعادة حتى رحلت هي وابنتها وكل ما تغرقني فيه من مشاعر وأحاسيس زيف في زيف.. لماذا كل هذا؟

    بعد هذه الجملة الحوارية الطويلة والتي لا أستطيع أن اكتبها في أي قصة من قصصي حتى لا يهاجمني النقاد الذين كثيراً ما هاجموني أو يمل منى القراء ونادراً ما حدث منهم هذا قلت له:

    وماذا تريد منى الآن؟

    لقد وقعت أنت على صيد ثمين أجعله لي.

    أتسميه صيداً؟

    أنها أنثى بارعة الجمال وملفوفة القوام و....

    هل هذا كل ما يعجبك في الأنثى جمالها وقوامها؟

    لا.......

    وماذا يعجبك أيضاً؟

    طموحها وأخلاقها وتدينها وفوق كل هذا قلب أبيض كبير يحتويني.

    ما كل هذه الرومانسية وهذا الإحساس المرهف هل أترك لك القلم واجلس أن في بيتنا؟

    العفو لم أقصد ذلك.

    هل فكرت مرة أن نبدل أدوارنا بمعنى أن تكون أنت المؤلف وأكون أنا البطل؟

    ولما أفكر في ذلك وأنا راضى عن نفسي تماماً فأنا بطلك المفضل وأنت تعطيني كل شئ.. كل شئ.. فلماذا التعب والإرهاق والدخول في دوامات الأفكار التي لا تنتهي؟

    أتعجب كثيراً من تلك الحكمة الرائعة التي هبطت عليك فجأة.. ومن هذه الفتاة التي أشعلت جذوة الحب في قلبك؟

    أنا لم أقل لك أنني أحبها.

    لا تغضب يا سيدي.. من هي هذه الفتاة التي حركت مشاعرك بهذا الشكل؟

    أنت تعرفها جيداً.. ألم أقل لك أنك وقعت على صيد ثمين؟

    مــن؟

    قبل أن يجيب شرب جرعة أخرى من زجاجة البيرة التي قاربت على
    الانتهاء ثم قـــال:-

    أنها زميلتك في العمل.

    باستعجال وتلهف:-

    من تقصد تحديداً؟ قل بسرعة.

    رانيــا.

    أفلتت الكلمة مني رغما عني:-

    يا ابن الكلاب.

    الله يسامحك.

    ماذا تقول؟

    ما سمعته هو الذي قلته.

    سوف اعتبر نفسي أنني لم أسمع شيئا.ً

    لكنك سمعت وغضبت مني لأجلها.

    إنها مخطوبة وسوف تتزوج قريباً.. هل تريد أن أهدم حياتها من أجلك ومن أجل نزواتك المرضية هذه؟

    إنها لا تحب خطيبها.

    أنا أعلم منك بها.. فعلى الرغم من أنها لا تحب خطيبها لكنها رتبت نفسها على الحياة معه وسوف تواصل معه رحلة عمرها بحلوها ومرها.

    طالما أن الأمر هكذا.. لماذا كنت تحكي لي عنها بأنها تعيش في جحيم من جراء تجاربها العاطفية الكثيرة والفاشلة أيضاً.. وكنت دائماً تقول لي أنه من المستحيل أن تعيش مع خطيبها هذا الذي لا تحبه وتعود الآن تقول لي أنها رتبت نفسها على الحياة معه.

    هكذا ببساطة تفشي السر ولا تستطيع أن تحتفظ به حتى لنفسك.. إياك أن تكون قد تحدثت مع أي أحد بشأنها وبشأن حكايتها.

    لا.

    سوف تجعلني أعود إلى قراري القديم وأقتلك وارتاح منك ومن سماجتك التي زادت عن حدها كثيراً أو أضعف الإيمان أتبرأ منك وأودعك أحد الملاجئ.

    لماذا كل هذه الثورة.. هدأ من روعك.. هل تحبها؟

    أحب.. أحب ماذا؟ وأحب من؟

    تحبها هي.. لقد لاحظت في إحدى مرات جلوسك معها بريق الحب يلمع في عينيك.

    هذا وهم ولكي أؤكد لك أن ذلك الإحساس إحساسا واهماً سوف أجعلك تجلس معها بمفردك لكني لا أعدك بأنني سوف أجعلها تحبك فهي ليست من أبطال قصصي كما أنها خارج حدود طاقتي الإبداعية.

    أفعل ذلك واترك الباقي علىّ.

    أخرجت من حقيبتي ورقة وقلم وشردت قليلاً حتى عثرت على فكرة الموقف الذي من الممكن أن يكوناً معاً فيه دون أن يشك أحد من حولهما في طبيعة العلاقة بينهما حتى لا تحرج هي من زملائها في المدرسة،وعندما شرعت في كتابة الموقف كان هو – بطلي – انتهى من إيداع أخر قطرة من زجاجة البيرة في فمه الواسع اكتشفت وقتها أنني انتهيت لتوى من كتابة قصتي الجديدة.



    بقلم / موسى نجيب موسى
    محمول : 0103188501

  4. #34
    الصورة الرمزية صابرين الصباغ كاتبة وقاصة
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الإسكندرية .. سموحة
    المشاركات : 1,680
    المواضيع : 131
    الردود : 1680
    المعدل اليومي : 0.25

    افتراضي

    طعــــــم النـــــــار ..!!!!

    أعمل بمستشفى خاص ، أحلق بكل الأدوار ماعدا الدور الثالث ، كلما مررت به شعرتُ برائحة غريبة، أسدُّ أنفي لكن يد الرائحة كانت تجذب يدي لأشمها عنوة ..!! أهرب مسرعة حتى لا تلحق بي تلك الرائحة ، تستعمر حواسي ..
    - نعمة ، ماهذه الرائحة الغريبة..؟
    - إنها رائحة حرق ، هذا الدور به ثلاث نساء محروقات ..
    - تعالي .. أعرفكِ عليهن ، لا تخافي .. شكلهن ليس مرعباً ، كما تتخيلين ..
    - لا ، أرجوكِ .. أنا أخاف جداً ، أشعر أني أستنشق رماد جلودهن ..!
    - جبانة .. انتظرينى هنا ، سأعطيهن العلاج وأعود إليكِ ..
    - سمية .. هناك عملية ستُجرى اليوم ، هل ستحضرينها ..؟
    - هل هي ولادة ..؟
    - كلا .. إنها لواحدة من النساء المحروقات، نُزيل عنها الجلد المهترئ ، لينمو جلد جديد ..
    - لن أحضر ، أنا أخاف رؤيتها ..
    تضحك زميلتي ، تذهب ، لتجهز غرفة العمليات ..
    هذه أول مرة أصافح تلك الغرفة المرعبة ، وعلى حين غرة ..
    تدخل المحروقة تسير على قدميها ، تبتسم لي ببقايا ملامحها التي لم تلتهمها النار ، ما أقساها من مخلوق يعبث بمقدرات الناس ، تموت الرهبة ، أمام نظرات الحب التي تشع من عينيها ، لم تستطع النار قتلها فيها ...
    تصعد فوق السرير تبكي ، من الخوف ، أنا أبكي شفقة عليها ، تناشد الأطباء أن يزيدوا نسبة المخدر ؛ حتى لا تضرب رياح الألم جزر صبرها ، يكفي ما فعلته النار بها ..
    تأخذ جرعة المخدر ، لتبقى جسدا يتنفس ، لا هوية ، لا عنوان ، لا رائحة إنسانة تملكه ..
    يلتف حولها الأطباء ، جسدٌ مُلْقى على قارعة حجرة عمليات ، ما أرخص الإنسان ..!!
    بدأ الأطباء ، يسكبون ماء الملح ، يفركون جلدها بمنتهى القسوة ، كأنه طلاء قديم فوق جدران جسدها ، تغني طبيبة ، يمزح طبيب مع صديقه ، يشربون الشاي ، يمزحون بالنكات ، أقف بعيداً أشاهد ، أكاد أتنازل فيها عن رخصتي بأني إنسانة .. ينادي عليَّ طبيب ..
    - تعالي .. هل أنتِ جديدة هنا ..؟
    بدون إجابة .. لم ينتظرها ، اقتربي، أمسكي يديها ..
    أمسك طرف إصبعها ، لأنها بدينة ، ثُقل يديها يجعل جلد إصبعها يخرج في يدي ، أنظر لجلدها الذي ينسلخ بين أصابعي ، أقع بين أيديهم ، فاقدة إنسانيتي .....
    تضيّق الدنيا خناقها علي بغياب الحبيب ، كل من بالمستشفى يضطهدني ، تلتهم حيرتي شبابي ، أرى الأحزان ترفع أعلامها على سفارات جسدي ، وجدت نفسي أحترف لغة الدمع ..!!
    لتضيع زهوَةُ الأشياء في عينيَّ ، تصدأ معادن المعاني ، نفض حزني كل أفراحي ، تتعلم السعادة خيانتي على مضاجع أيامي ، أفر حيث يسيل العذاب ، يصل لمصاف النجوم ، يرتقي فوق سماوات مشاعري ..
    صعدتُ إلى صاحبة الحزن المترهل ، الذي ذاب فوق جدران جسدها ، مع أول حصص البكاء ، دروس الحزن المكثفة ..
    بقدم تخطو للأمام وأخرى تتقهقر ألف مرة ، طرقت باب غرفتها ، أسمع صوتها يدعو الطارق إلى الدخول ، يضرب صوتها أطراف روحي - أرتجف – أرتعد - أفتح الباب ،كأن بالداخل وحشا سيهجم عليَّ ليفزعني ..!!
    - تفضلي .. تعالي ، هل تخافين مني ..؟
    - كلا .. فقط أخاف أن أُقلقكِ ..؟
    - تقلقينني ..؟!! بل تقلقني الوحدة ، النار التي تتراقص حولي هنا ، تخرج لي لسانها ، لأنها سرقت مني كل شيء ، لم يحاكمها أحد ..!! بل تركوها تعيث فساداً ؛ لتلتهم غيري ..
    تدخل جوارحي سيوف الخوف بغمدها ، أمام تلك الإنسانة التي تعاني الأمَرّين ، جمالها - شبابها ، شعورها بالنار - حرارتها ، حتى وإن انطفأت بذوبان مياه جلدها ..
    - هناك .. قطع شيكولاته ، اذهبي خذي منها ..
    - كيف ارتديت ثوب النار ..؟
    تبتسم ، كأن الابتسامة طبيب تجميل أعادت لها بعض ملامحها الجميلة المندثرة ..!!
    أحكي لكِ .. والحزن يقتات من شراييني عمره ، كنتُ شابة أسمع وشوشات السوسنات ، ثناؤه على جمالي ، كان أصدقائي الفرح والسعادة والحب دوماً يجتمعون عندي نتسامر ..
    أختال في ثوبِ الشباب المرصع بالجمال ، رأيته ، يمتطي صهوة نبضه ، معه لوحة أحلامه تنطبق بكل ألوانها على لوحتي ، ضمني كزهرة إلى بستانه ، لنبدأ معاً عصرا جديدا.!!
    بدأ يرتقي سلم المجد في عمله ، كل نجاح له ؛ أوقن أنه نجاح لي ، علقتُ على نوافذنا عنقوداً من السعادة ، تتساقط حباته على عمرنا ..
    بدأ يأخذني معه في حفلاته الكثيرة ، أتعرف على هذا وهذه ، حتى تقابلنا ..
    رئيسه في العمل وسيمٌ ، على قدرٍ كبيرٍ من الوجاهة ، كأنه سلطان أتى من التاريخ ، الجميع يجلس لخدمته ، أولهم زوجي ، أجلس بعيدة في أحد الزوايا ، أنظر لهذا المغرور الذي يتلذذ بما يفلعه معه الآخرون ، كم أغضبني زوجي وهو يُطأطىء رأسه له ، يجلس تحت قدميه كخادم ، عبد ينتظر أوامر سيده ..!!
    تركتُ الحفل .. خرجت للشرفة أنظر للقمر الذي دعاني ، لرحلة خاصة له ، بسطتُ أجنحتي ، رحلتُ إليه ، دقائق ، أجد يداً تجذبني ، أستيقظ من غفوتي بحجرة القمر ، لأجده السلطان ، ترك عرشه وعبيده وأتى .......
    تتحدث .. تبتئس مرة - تتنهد مرات ، كأنها تغوص في بحار الماضي تنتشل منها الذكريات ، تطفو لتحكي ...
    اقتربَ مني المدير .. سألني هل أحبُ القمر ..؟ أخبرته ، وأنا أبتسم وضوء القمر يفترش وجهي ..!! أعترف أمامكَ سيدي أنه حبي الأول ، مالي لا أعشقه ..؟ أقفُ معه بالساعات ، نتهامس ، نتحاور ، لا يفضحنا أحد ، ولا يكون عشقه وصمة عارٍ في جبيني ..!!
    نسيتُ مع من أتحدث ..!!
    عندما تتحدث عن الحبيب ، تنسى من حولك ، تتحدث كأنك تناجيه ..
    - جميل عشقكِ سيدتي ، هل لجأتِ لعشق القمر ؛ لأنكِ لم تجدي على الأرض من يحتويكِ..؟
    سؤاله أربكني ، أعادني لرشدي ، لم أجِبْه ، أفقتُ ، أبحث عن زوجي من خلال نافذة الشرفة ، أجده ينظر إلينا من بعيد - قرأته - كم تدهشني المباشرة في نظراته ، حتى الإسقاط أكتشفه ..!!
    عُدنا لمنزلنا ، يقتله سؤال ؛ عمّاذا كان يحدثكِ المدير ..؟ يتظاهر بأنه لم يرنا ، لم أشأ إخباره ، لتأكله نار خبثه ..! أرتَمي على فراشٍ من الجمر ، وأنا أبتسم بدهاء ..!!
    أنظرُ لتعابير عينيها ، أشعر بفرحها مما فعلته ، جذبتني لمعرفة باقي التفاصيل ..
    عاد من العمل .. سعيداً..!! منحه المدير مكافأة ، سألته .. ما مناسبتها ..؟ قال ساخراً : .. قال لي : اسهر بها اليوم مع القمر ..!! عرفت أنها رسالة وجهها إليَّ المدير ....
    يحدثُ نفسه .......
    - أمن لقاءٍ عابرٍ واحد ، تُعطيني مكافأة ..؟ ألهذا الحد استهوتكَ زوجتي ..؟ يا تُرى ماذا قال لها ..؟ هل أطرى على جمالها ..؟ هل قال لها عبارات غزل ..؟ أكاد أنفجر ..
    من خمس دقائق أحصلُ على مكافأة ..!! ماذا سيفعل معي إن جلس معها يوماً كاملاً ..؟ ماذا تقول هل جننت ..؟ مصلحتكَ تُنسيكَ رجولتك ..؟ كلا ، لن يحدث هذا ، هه ..
    لماذا لا أستفيد من مجرد إعجابه بها ..؟ هل سأظل مرؤوساً وخادماً ..؟ سأترقى سريعاً ، بعدها أهشم عظامه إن تجرأ ، وتحدث معها مجرد حديث ....
    - وفاء .. سأستضيف المدير على العشاء ، انظري ماذا ستفعلين لتحيته ..؟
    - استضفه ، خارج البيت ..
    - كلا .. في بيتنا أفضل ، سيكون اللقاء أكثر حميمية ..
    - بالرغم من رفضي ، كما تريد ..
    لازلتُ أقرؤكَ ، الأنانية تتسلق كل أسوارك ، تقفز من كل نوافذ كيانك ، تتحكم فيك ، حتى تصل لرغباتك تُضحي بكل شيء ..
    زججتَ بأختكَ الوحيدة في زواجٍ فاشل ، مع رجلٍ مزواج ؛ لتشاركه في مشروعٍ تجاري ، لم تجنِ لا أنتَ ولا هو ، بل جنت المسكينة أطناناً من العذاب ..!!
    يأتي الليل .. يصطحب ضيفه الرقيق ، يقدم لي هدية طاقم من الماس ، لم ترتده ملكة ..
    زوجي يبتسم لا أدري ، هل ابتسامة رضاً ، أو ابتسامة حنق عليه ..؟ لم يعد يهمني ، يتعمد الخروج كثيراً ، يدعي أنه يبحث عن أوراق يريد أن يراها المدير ، ما إن يخرج يسألني ..
    - كيف حال عاشقة القمر ..؟ يستطرد ، والله إني لأحسده ، عندما أنظر في وجهكِ ، سؤال يحيرني .. ؟
    - ما هو ..؟
    - من فيكما القمر ..؟
    أحاول الخروج لأرى أين ذهب زوجي ، يمسكني من معصمي ، بمنتهى الرقة ، اجلسي ..!!
    يأتي زوجي خاليَ الوفاض ، يسأله أين الأوراق ..؟ نسيتها ، سأذهب لأحضرها ..
    - هل أنتِ سعيدة مع زوجك ..؟
    - نعم .. سعيدة ..
    - لا أرى أنكِ سعيدة .. !!
    - لماذا ..؟!
    - التي تحب زوجها لا تخونه ..
    - أنا خائنة ..؟!
    - ألا تخونينَه مع القمر ..؟
    أبتسمُ في استحياء ......
    - إنها يا سيدي خيانة مشروعة .. لا يعاقب عليها لا قانون ولا دين ..
    يضحكُ ، ينفتحُ قلبي له ، كأن صوته - ضحكاته جلجلتْ مفاتيح لقلبي ...
    يرحلُ .. لكنه لم يرحل كاملاً ؛ بل وقع منه شيء ، أعتقد أنني رحبتُ به ..
    في شهرين ... ترقى زوجي ، وصل لمنصب مدير مكتبه ، ترقى هو ليكون حارس نبضي الجالس على مدخل شراييني ..!!
    أحببته ، لا تندهشي ، عندما تجدين رجلاً رقيقاً ، يحترم أنوثتكِ ، يراعي مشاعركِ ، وآخر يبيع أنوثتكِ ، يفرط في رجولته ، يضحي بكِ أمام مصلحته ، أيهما تعشقين ..؟
    أستمع .. أكادُ أموت حنقاً على زوجها ، هذا الــ..!!
    أستمع لصديقتي ، أجمع رماد حروفها الذي تنعس تحته نيران خامدة إلى حين ..
    لتكمل حروف النار ، تلفح بها صواوين أذني ..
    عشقته .. كلما ابتعد ولم يَرني ؛ صرخت جوارحه ، زوجي ، لم يتوان أن يستضيفه كثيراً بمنزلنا ، يتركنا معاً ، يخرج ليشتري شيئاً لا نحتاجه ، الأولاد يتركوننا بمفردنا ، صاركأنه واحدٌ من البيت .. يتجول كما يشاء ، بعدما سلمه زوجي مفاتيح حياتنا ..
    هل تعرفين كمَّ البُغض والتقزز من هذا الزوج ؛ الذي يذبح رجولته على أعتاب مصلحته الشخصية ..؟ كرامته تلطخها نذالته ، كرهته ، كلما زاد كرهه ، زاد عشقي للمدير ..
    الآخر يلبي لي أوامر لم آمره بها ، في كل مرة يحضر لي هدية ثمينة ، يحدثني في الهاتف طوال اليوم ، أدمنتُ وجوده وحواره ...
    الآخر يحدث نفسه ....
    - ماذا أفعل ..؟ مالذي جنيته من هذا كله ..؟ يطعنني هو وزوجتي في ظهري ، أنا أرى وأصمت ، هل هذا جُبنٌ ، أم أنها موافقة صامتة .. ترقيّتُ ، نعم ترقيّتُ ..!! ماذا بعد ..؟؟ كنتَ تتمنى أن تصل إلى ماوصلتَ إليه ، وها قد حدث ما رغبته ..
    ينظر للكرسي من بعيد ، سحقاً لكَ .. الجلوسُ عليكَ كلفني كرامتي ، عزتي ، سربلتني بثوب الخزي والعار ، الآن فقط تيقنتُ أنكَ لا تُساوي ما دفعته فيك ..!!
    يذهبُ ليجلسَ عليه ، ينهضُ مسرعاً مرتجفاً ..!!
    - شوكُ المهانة يملأ جوانبك ، لا أستطيع حتى الجلوس عليك ، لماذا فعلتَ هذا بي .. ؟ ماذا فعلتُ بنفسي ..؟ أراه يحدثها وتحدثه ، كأنهما لا يريانِنِي ، كأني هواء ، صوتي خواء ، ماذا فعلتُ لها ، لتفعل بي هذا ..؟ لماذا لم تحترم رجولتي ..؟ لماذا تخونني ..؟ ألستُ أنا زوجها الحنون الرقيق ، من منا المخطىء ..؟
    طبعاً هي ، نعم هي ، كان يجبُ أن تحترمَ زوجها ، حتى وإن تركتهما سوياً ، كان يجبُ أن تحفظني في بيتي ، عِرضي ..
    يصرخ بلا صوت ، يدكّ جدرانَ كيانه ، لن أصمت بعد الآن، ليذهب الكرسيُّ أدراج الرياح .. بصراخ ..
    - وفاء .. هل حدثكِ المدير اليوم ..؟
    أنظرُ له نظرة كلها سخرية ، أنصرفُ من أمامه غير عابئة به ، يشتد غضباً ، يمسكني من يدي ، حتى إن يدي صرخت من قوته ..
    - ألا أُحدثكِ .. ما الذي يحدثُ بينكما ..؟
    - ما الذي يحدث ..؟!!
    - يأتى للمنزل ، وأنا خارج البيت والأولاد بالمدرسة ..
    أنظرُ لهُ بازدراء ، أرى الشيطان ينام على فراش جفنيه مبتسماً ، كأنه يتذوق ثمار ما زرعه في بيتنا من خيانة وفرقة ...
    - أجيبيني .. تخونينني معه ..؟
    - ماذا حدث لكَ اليوم ..؟ هل تتعاطى شيئا ..؟
    أهمُّ بالانصراف من أمامه ، يقترب مني ، يلطمني على وجهي ، أصرخُ فيه ..
    - أنتَ ، أنتَ من فعل هذا ، أحضرته لمنزلنا ، دعوت الشيطان معه ، ليسكن بيتنا ، كُنتَ تعلمُ كلَّ شيء ، كنت تتركنا ، أنتَ تعلمُ أنه يشتهيني ، مصلحتكَ - أناننيكَ أنستكَ رجولتكَ ، كرامتكَ ، تنساها أنتَ أو أتذكرها أنا ..؟
    كنتَ تنامُ على ظهركَ ، طافياً فوق بحر الخيانة ، يكفيك أن تجني لآلئ أعماقه ، حتى إن كانت مدنسةً بالفحش ..!!
    - أنتَ سببُ كُلِّ شيء ، الآن فقط تتهمني ، أني لم أحترم رجولتكَ ، أينَ كانت، وأنت تدعوه كُلَّ يوم ..؟ تتركنا بمفردنا ، تذهب هنا وهناك ، أين كنتَ ، وأنتَ ترى الهدايا التى يُغدقها علينا ..؟ بل أنا من يطلب منكَ ثمن خيانتي لك ..
    يُحدث نفسه .....
    ألهذا الحد صِرتُ ضئيلاً ، أكنتِ تشعرين بكل ما أفعل ..؟!! تخيلتُ أنني الوحيد الذي أرى دناءتي ، أنني الوحيد الذي أمقتُ نفسي ، كيف أحترم نفسي ..؟ كيف لي العيش الآن معها ، وهى لا تحترمني ..؟ كيف أنظرُ في عينيها ؛ أراه داخلهما ..؟!
    الحل ... يجب أن تذهبي بعيداً ؛ حتى أنسى ما فعلتهُ بحقي - حقها ، يجبُ أن أقتلَ نفسي ، ماذا ، ماذا ..؟ أقتلُ نفسي ..!!
    كيف أقتلُ نفسي ..؟ لمن أتركُ منصبي..؟ لزميلي الذي يتمنى أن يرى جثتي ، ليسير فوقها ويجلس على الكرسي .. ماذا أفعل ..؟ السارق يتخلص من أدلة الجريمة ، نعم سأتخلص من دليل جريمتي ..!!
    دقائق مرت .. كأنها الدهر كله ، يفرُ من أمامي مسرعاً ، قتلني الرعب ، قلتُ لعلهُ يُحضر سكيناً ، ليقتل نفسه أو يقتلنا معاً ..
    أرى بيده زجاجة الكحول ، أنظر إليه لم أستطع قراءته ؛ كان غريباً ، لغة عينيه جديدةٌ ، لم أقرأها من قبل ..!!
    يقتربُ مني .. يأمرني بأخذ زجاجة الكحول و سَكبِها على نفسي ، أضحك ساخرة ..
    - سحقاً لكَ .. سأفعل ، لكن كُنْ على يقينٍ ، أن القرف والتقزز منكَ ؛ هو من سيجعلني أفعل هذا ..
    تريد التخلص مني لتنسى قُبح فِعلتك ، والله لن تنساها ، ستظل تطاردكَ مدى الحياة ..
    أسكبُ على نفسي الكحول ، أهدده ، تخيلتُ أن يتراجع ، لم أكنْ أرى ..........


    صابرين الصباغ

  5. #35
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : May 2006
    المشاركات : 1
    المواضيع : 0
    الردود : 1
    المعدل اليومي : 0.00
    من مواضيعي

      Lightbulb مركوب

      بينما كان سليمان الاسكافي مارَّاً بالسوق عاري القدمين – كعادته منذ دفعت به أمه إلى الحياة - ، أعجبه حذاءٌ معروض في واجهة أحد المحلات الضاجة بالديكورات و الزينة. عَزَمَ على شراء الحذاء، لكنه فوجىء بسعره و قرَّر أن لا يكف عن العمل حتّى يصبح سيّد النعل و المسؤول عن صولاته و جولاته.
      و ما إن وصل الخبر إلى أظافر قدميه حتّى هاجت و ماجت و شحبت و رفضت بشدة هذا القرار الخطير، فهو يعني زوال كيانها و تهديد رخائها و حريتها، فقدَّمت اعتراضاً رسمياً إلى سليمان، لكنه استهتر بكل توسلاتها و استمر في تنفيذ مخططه، فأضربت عن الطعام و ذبلت و اصفرّت و تشقّقت و انكسرت، فتنهَّد بارتياح و ازدادت كثافة أحلامه بصديقه البرّاق.
      أما قدماه فقد رفضتا تصديق الخبر و قالتا بأنه إشاعة مغرضة هدفها الإخلال بالوحدة الوطنية، بَيد أنها حالما رأت مصير الأظافر - بأم عينيها – صمَّمت على فتح تحقيق رسمي للكشف عن ملابسات الحادث المؤلم، و ما إن ظهرت النتائج التي لا تحتمل الشك حتى عزمتا على الاستقالة لمسؤوليتها غير المباشرة عن ذلك بصفتها من ستسكنان ذلك الدخيل الذي سيحصل عليه سليمان.
      و عندما حاول صاحبنا الوقوف و المسير - كما يفعل كل يوم - لم يستطع، فهو لم يكن يعرف أن الوقوف و المسير يحتاجان إلى رجلين! حَزن كثيراً، و فكَّر أكثر، و تراجع متردداً عن فكرته الأولى، و أعاد القدمين إلى موقعهما، فانتفضتا فرحاً و ألقتا خطبة عصماء في تأبين الأظافر المناضلة، الشهيدة، صاحبة القضية و المبدأ. أمّا هو فظلّ بعدها كئيباً ينظر متحسراً إلى أرجل المارة إلى أن صدمته سيّارة فارهة كانت تسير كأفعى – قبل أن يبصق عليه صاحبها -، فتحلّق حوله الناس فترة ثمّ رفعوه و قذفوه في حفرة في مقبرة قريبة رثّة الملامح، و قبل أن يرموه بالتراب أوقفهم صراخ رجل أنيق يلهث على باب المدافن، فقال لهم:
      - ((انتظروا لو سمحتم. جائني الليلة الماضية في المنام رجلٌ يحثّني على أن أهدي هذا المركوب الجديد خاصتي إلى أول رجل يُحمَََلُ إلى هنا، و على هذا عزمت. ألبسوه إياه لوسمحتم.))
      فرح سليمان كثيراً بضيفه الجديد، و شعرت صديقتاه بالحنق، و حسده جيرانه الحفاة، و تمنى لو أن ذلك السائق قذفه إلى هنا منذ زمن بعيد.

      ميس أبوصلاح

    • #36
      عضو غير مفعل
      تاريخ التسجيل : May 2006
      العمر : 55
      المشاركات : 1
      المواضيع : 0
      الردود : 1
      المعدل اليومي : 0.00
      من مواضيعي

        افتراضي فواصل ضيقة.. القصة المشاركة فى مسابقة الواحة

        قصة قصيرة

        فــواصــل ضـيـقـة

        استحالت بنايات القبور فى عينيى الدامعتين , المباغتتين بأشعة الشمس الباكرة , إلى أشكال باهتة متلاصقة , لا يفصلها عن بعضها فاصل . صار ما يميزها , من أسماء وتواريخ , سطور مشوهة تبدو للعيون المنقادة .. تستجدى دليل المكان .
        لم أكن أعلم إلى أى مدى سوف تأخذنى خطواتى فى البحث عن قبر جدى .

        " ثلاثون عاماً مضت , لم يدر بخلد احد من عائلتنا أننا سوف نحتاج لفتحه . حتى لما ماتت جدتى , دفنت بمدافن أهلها البعيدة .

        كانت جدتى – قبل رحيلها – ترعى بناء القبر .. تسقى حوضه المعتلى قمته كلما جف .. تغرس فيه الصبار الجديد , كلما تأخرت عنه – لمرضها – وذبل القديم .. تضع حبات القمح أعلى جانبى مقدمته فى إناءين فخاريين صغيرين .. تبارك الزرع النضير , الذى كان ينبت ربانياً , عند مقدمة النزول إلى جوفه , وتقول :
        " العمل الصالح ينبت نباتاً ربانياً صالحاً .. يلطف ويؤنس "
        صارت أمى , بعد رحيل جدتى , تتعهد قبر جدى بالرعاية .. تسقى الصبار , وتقوم عليه بالدعاء والتلاوة , حتى استسلامها لمرض أقعدها عن الحركة " .

        مرت الدقائق ثقالاً , حتى بدا أحد الحفارين من أطراف الجبانة , تسترعى لهفتى وحيرتى انتباهه ؛ فقد تغيرت معالم الممر الذى كنا نلج فيه – أنا وأمى – كى نصل إ لى قبر جدى للزيارة , كما ضاق الممر الرئيسى الذى كان يشطر الجبانة من داخلها إلى شطرين.
        لم يفلح الرجل فى تحديد المكان , وغادرنى مغمغماً .
        ـ معذرة , فقد حل على الجبانة آلاف المرتحلين .

        " قبيل الفجر , مع رنات الهاتف المتوالية , لفتنا رياح الحزن الباردة .. تقبض القلب الواهن .. تعتصره .. يعلو وجيبه , تقتلع الصحو من عيوننا الغافية .. تلسع الاجساد المسترخية .. تبعث الرعشة فى الأوصال , واليد الممتدة – بخليط من التوجس والرهبة والانفعال – تلتقط السماعة , لينبعث الصوت محترقاً مهلهلاً .. يحمل فى تردداته شجناً مضنياً , ونبأً غاصاً فى لوعة مشاعر النهايات المحتمة ؛ فيتلجم اللسان .. تنفلت الآهة , يجأر بها حلق مختنق . ويشرح عويل أمى – من مرقدها – صمت الكرى , وتنطلق المدامع مفعمة بالنشيج .
        لم أدر كيف تلاحمت الأصوات مع مشاعرها على الهاتف – الذى لم ينقطع رنينه حتى طلوع الشمس – وتجمعت أوصالها وتوحدت ؟!! "


        علا قرص الشمس ؛ لتزداد حدة أشعتها المستقرة على الأجفان , وخلف الرقاب .. تضغط الرأس المثقل.
        سرت فى الأرجاء حركة لأناس جاءوا أيضاً ؛ ليجهزوا لفقيد لهم . كانت خطواتهم تسعى فى دروب سهلة معلومة لهم , وكانت استجابة العاملين بالجبانة لهم سريعة .
        اجتاح صمتى المتأجج , رنين الهاتف المحمول .. يحمل فى خفاياه وجلاً من تأخر العثور على المكان , مع أمل أن أصل لخيط نحو تحديده , لكن الرنين انقطع قبل إدراك رد أو جواب عما يجتاحنى من حيرة وألم , بعدما ضاعت محاولة الاستعلام من خلال سجلات غير متاحة .
        تذكرت قولة أمى بأن القبر مجاور لمدفن عائلة معروفة . جاهدت ذاكرتى حتى تذكرت الإسم , لكن بعد تفرق كل من كان حولى من العارفين بدروب المكان .
        فى ظل هيكل لشجرة عتيقة تشعبت لها جذوع , امتدت فروعها الجافة الخاوية , وتداخلت , وتوغلت ؛ لتحجب نهاية جدار قديم بالمدخل .. لاح احد الطاعنين فى السن , يعمل فى حفر الأسماء على قطع رخامية فى وهن .
        اقتربت منه , مودعاً فى إذنه اسم جدى . هز رأسه نافياً معرفته . عاجلته بإسم العائلة الأخرى . أشار – بعد لؤى – إلى اتجاه تحريته بين فواصل ضيقة , اقشعر لها بدنى كلما وطئتها قدماى .
        حمل المكان لى يأساً أخر ؛ إذ طمست أغلب الشواهد , وتهدمت البنايات , أو هبطت حتى كادت تسوى قممها بالأرض , وتقلصت تماماً المسافات الفاصلة بينها .. بينما بدت جلية حداثة التواريخ الملتصقة بشواهدها المستجدة .
        استدرت بلا وعى .. تجتاحنى عبرة متجددة . ماكدت ألتفت حتى وقع بصرى على قطعة رخامية غير مكتملة , ملقاة على الأرض , يكاد يغطيها التراب .. تحمل جزءاً كبيراً من أسم جدى .. تتوسط المسافة بين عدة قبور مطموسة , لا يزال يحف بعضها بعض نبتات خضراء واهنة .

      صفحة 4 من 4 الأولىالأولى 1234

      المواضيع المتشابهه

      1. عباءة الحب .. القصيدة التي شاركت بها في مسابقة #كتارا
        بواسطة مصطفى الغلبان في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
        مشاركات: 10
        آخر مشاركة: 24-05-2017, 01:15 AM
      2. مصطلح "استخلاص السمات" مع نصوص أقاصيص القرآن والحديث وقصصهما القصيرة، لا "النقد"
        بواسطة فريد البيدق في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
        مشاركات: 3
        آخر مشاركة: 16-06-2010, 01:01 PM
      3. نصوص الخاطرة التي شاركت في مسابقة الواحة الأولى
        بواسطة إدارة الرابطة في المنتدى مهْرَجَانُ رَابِطَةِ الوَاحَةِ الأَدَبِي الأَوَّلِ 2006
        مشاركات: 18
        آخر مشاركة: 23-05-2006, 03:24 PM
      4. النصوص الشعرية التي شاركت في مسابقة الواحة الأولى
        بواسطة إدارة الرابطة في المنتدى مهْرَجَانُ رَابِطَةِ الوَاحَةِ الأَدَبِي الأَوَّلِ 2006
        مشاركات: 44
        آخر مشاركة: 20-05-2006, 07:50 PM