أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: قصة : وبقيت فرصة..

  1. #1
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : May 2006
    المشاركات : 55
    المواضيع : 14
    الردود : 55
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي قصة : وبقيت فرصة..

    وبقيت فرصة!

    وضع بعضه فوق بعض .. وألقى نفسه على أريكة وثيرة تواجه التلفاز فغاص فيها .. وظل يرقب تدفق الكلمات والصور والأصوات بعين زائعة لا تعي مما تسمع شيئاً وأخذت الكلمات تصطدم بأذنيه كأنما تصطدم بحائط فولاذي يستحيل اختراقه فتصدر رنيناً مدوياً ثم ترتد خائبة خاسئة تعلوها غمامة كثيفة من الغضب والانكسار .. لم يفهم مما يسمع شيئاً ولا يبدو أنه ينوى أن يفهم فقد بذل مجهوداً مضنياً لينصت لسيل الكلمات المتدفقة ولكنه في كل مرة كان يسبح مع خياله بعيداً في رفقة كل صورة يراها..
    فهذا الطفل يذكره بطفولته البائسة وهذه السيدة الهرمة تعيد إلى ذاكرته أمه التي جاهدت لتصل به إلى بر الأمان فقضت شطراً من عمرها تعمل في بيع مسليات الأطفال حتى كبر هو اشتد ساعده فتحمل عنا العبء راضياً شاكراً .. وتلك الفتاة تذكره بها .. نعم تذكره بها .. تنهد تنهيدة طويلة ونفث هواء صدره كله في الجو المحيط به كأنما يبث الهواء أحزانه ويتخفف من حمل ثقيل ظل جاثماً فوق صدره سنوات طويلة .. فتراكمت الخواطر وتزاحمت في ذاكرته كل منها تحاول أن تطل لترى الفتاة الماثلة أمامه في التلفاز ..
    انتفضت الصورة القديمة من ذاكرته .. وأخذت تنفض الغبار عن نفسها وتعيد ترتيب ملابسها كمن تعد العدة لتذهب إلى احتفال جليل .. ارتبكت و اختلجت أنفاسه .. وتسابقت دقات قلبه كل دقة تعدو في إثر الأخرى تبغي أن تصافحها قبل أختها .. نظر إلى داخله .. فألفى الفتاة قابعة في أعماق ذاته .. نابضة بالحياة .. متألقة كعادتها .. ترنو إليه بطرف حيي ووجه مضئ .. تعلوه حمرة الحجل .. وتطل من رأسها شعيرات ذهبية .. ترنو إليه كأنها أحلام المستقبل البائد تدعوه ليلحق بها .. وتلك العيون الحالمة الوادعة الرحيمة تدعوه إلى وصالها والغوص في بحارها ..
    تأمل الصورة مليا.. فإذا بصاحبتها تقفز من رأسه وتخطر أمامه في ثوبها الوردي الجميل الموشى بالورود .. وقفت أمامه متألقة كيوم صارحها بحبه لأول مرة .. فصاح بها .. أنت هنا معى !! لا أكاد أصدق عيني أنت معي بعد تلك السنوات .. كم حلمت بهذا اللقاء .. كم تمنيت أن تلمس يدي يدك .. قالت .. أنا مازلت هنا وأنت مازلت حلمي الأول والأخير .. ثم طأطأت رأسها كأنما تخشى أن يلحظ على قسمات وجهها الوضاء أمارات الخجل .. ثم تفكرتْ ملياً وهو غارق في أحلامه .. وأقسمتْ ألا تجعل اليوم من الخجل حاجزاً يحول دون تصريحها بحبها .. فاندفعت تقول .. كم أحببتك .. كم اشتقت إليك .. كم تمنيت وصالك .. كم وهبتك من أيامي وهنائي .. كم مددت إليك يدي لتأخذ بها ولكنك جبنت أن تتشبث بها ولم تستطع اغتنام الفرصة وتركتني أضيع من أمامك وأنت مكتوف الأيدي .. تدّعي العجز ولم تكن قادراً في يوم كقدرتك في ذلك اليوم .. هل ندمت الآن ؟ !!
    سقطت رأسه على صدره مثقلة بالهموم فقد ناءت عن حملها رقبته .. وقال والحسرة والأسى يقطران من حديثه .. وأي ندم يا عزيزتي أي ندم .. وأنتِ ذهبتِ فلم تعودي من جديد .. قالت بصوت ملؤه الرحمة والشفقة .. نعم فأنا لا آتي في العمر إلا مرة واحدة فإن ذهبت فلا أعود .. وإن أبيت أن تغتنمي في حيني ندمتَ وتحسرت حيث لا ينفع ندم .. ولا حسرة .. قال.. أنت فرصة أيامي الضائعة أنت حلمي الذي تفلت من يدي وأنا مكتوف الأيدي غير قادر على أن أمد يدي وأقبض عليك ولا أدري ما العمل الآن .. ؟ فها أنت أمامي من جديد ..
    قالت إنما أنا سراب .. فأنا شبح الفرصة الضائعة من بين يديك ولا سبيل إلى استرجاعي .. وما عليك إلا أن تتعايش مع أيامك وتنظر إليها نظرة أخرى لعلك تجد أمامك أملاً جديداً ولعلك ترى فيها حلماً جديداً وفرصة أخرى .. أما أنا فقد تضاءلت وخارت قواي فلم أعد أملك لك نفعاً ولا ضراً .. مثل تلك الفتاة المنكسرة الحزينة التي تقف أمامك في التلفاز .. أنت الآن في يد نفسك لك أن تقضى عمرك في الحسرة على الفرصة الضائعة أو تتخذ من أيامك فرصة جديدة لعلك تدرك بعض ما فاتك .. وإياك .. إياك أن تجلس تعض الأنامل وتبكي فلا الدنيا تصالح الكسالى الخامدين ولا الأيام تعطى الضعفاء المستسلمين ..
    أفاق من غفوته وأخذ يتلفت حوله ويصيح وجدتها .. وجدتها فالدنيا مليئة بالفرص ولا يحق لنا أن نضيعها جميعاً في الحسرة والندامة على أمل لن يأتي من جديد بل لا بد أن نخلق كل يوم لنا فرصة وأملا وحلماً جديداً نحيا به وله حتى يصير لأيامنا جدوى ونشق لأحلامنا سبيلاً ..

    قصة : أيمن شمس الدين محمد

  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    ايمن..............

    انتفضت الصورة القديمة من ذاكرته .. وأخذت تنفض الغبار عن نفسها..

    اعجبتني قصتك جدا....بل بساطة كلماتها ...وترابطها...جعلتني لااتوقف عن قراتها للنهاية...

    اهنئك على هذا السرد الجميل...

    تقديري واحترامي
    جوتيار

  3. #3
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 4,790
    المواضيع : 82
    الردود : 4790
    المعدل اليومي : 1.10

    افتراضي

    جميلة فكرة القصة واسلوبك فيها
    كم هي الفرص الضائعة التي لم يستغلها الإنسان ويتندم على فواتها !
    شكرا لك

المواضيع المتشابهه

  1. فرصة العمر ............قصة بقلم بوفاتح سبقاق
    بواسطة بوفاتح سبقاق في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 20-10-2015, 05:22 PM
  2. وبقيت يا زمني
    بواسطة خالد الجريوي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 02-04-2014, 11:40 AM
  3. والله فرصة ياعرب والله فرصة
    بواسطة علاء عيسى في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 24-11-2009, 09:39 AM
  4. انتثر جمالك, وبقيت وحيدا أجمع فيه
    بواسطة د.إيهاب النجدي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 36
    آخر مشاركة: 12-05-2008, 12:26 PM
  5. المهرجان فرصة للذود عن رسول الله شعراً ونثراً
    بواسطة إكرامي قورة في المنتدى مهْرَجَانُ رَابِطَةِ الوَاحَةِ الأَدَبِي الأَوَّلِ 2006
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 19-05-2006, 04:45 PM