لازالت تلك التلة في مكانها، وذلك البيت العتيق في مكانه، وتلك الصخرة في مكانها لم تؤثر فيها عواصف الدهر، ولا زالت شجرة الجميزة العتيقة في مكانها شامخة.
هذا ما تأملت به وأنا في طريق عودتي من هجرتي، إذا كان كل ذلك على حاله، فأظن أن الناس كما تركتهم أصحاب قلوب طيبة رحيمة، هذا ما كنت أتوقعه.
دلفت إلى قريتي، لها نفس ملامح ما قبل ثلاثين سنة من الآن، إلا أنها اليوم بلغة عصرية، فأنا أرى بعض الشوراع الكبيرة مضاءة بمصابيح، وأسلاك الكهرباء قد غزت القرية، وهناك بعض الدور قد أعتلت على صويحباتها، لكن السمة العامة هي هي ، كما تركتها منذ زمن.
عندما دلفت إلى القرية وأنا أحمل حقيبتي ، التي لازمتني طويلاً ، جعلت أنظر في وجوه الناس، لماذا لا يعيرني أحدهم أهتماماً ، ألا يتذكرونني ؟
هل تغيرت لهذه الدرجة ؟ هل أثرت في السنون ؟
ذلك المعلم رياض ، صاحب القهوة وسط القرية، هو هو كما كنت أراه، لم يتغير فيه شي إلا شيب قد كسى شعره،لطالما سامرته على طاولته، ولعبت معه الشطرنج، وقاسمته كأس الشاي
تقدمت عليه مسلماً ، فنظر إلي قائلاًَ : أهلاً يا أستاذ ، ماذا تريد؟
قلت له : يا معلم رياض ، هل نسيتني ، حاول أن تتذكر
نظر إلى المعلم رياض نظرة متفحصة دامت ثوان أحسست أنها أيام، ثم أطلق تنهيدته المعهودة ، قائلاً : لم أعرفك من أنت ؟
قلت :أنا أحمد ، أحمد الناجي، عاود المعلم رياض النظر المتفحص إلى وجهي ، ثم قال : لا أعرف أحداً بهذا الإسم.
تركته مذهولاً ، منطلقاً إلى بيتي القديم، وهنا كانت المفاجأة الثانية، فجزء كبير منه قد تهدم.
حينها علمت أن كثيراً من الأمور قد تغيرت