المرفأ
لاأعلم ماذا دهاك هذه المرة أيضا..؟لما تغيرت وبدأت تقسو علي من جديد..؟أرجوك قل لي وكفاك سخرية بي..اعلم بأنك كلما أيقنت بعمق حبي لك تبدأ رحلة أخرى معي كلها قسوة وسخرية..!
لكن أرجوك..أرجوك أن تراجع أعماقك هذه المرة وان تكف عن سخريتك بي فانا لاأغالي إن اعترفت ألف مرة بأني قبل أن أراك وقبل أن تعتكف عيناي في محراب عينيك قد عشت معك كل لحظاتك، كل ثوانيك بل لم تكن حياتي قبلك إلا رحلة للقاءك..وما أن عرفتك حتى امتزجت أنفاسي ببوتقة أججت في احساسا بدأت بعدها استكشف أسرارك المكتومة مع كل نظرة،مع كل لهفة..مع نبرات الحزن التي كنت تهمس بها كلما نطقت او كلما قررت في أعماقك أن تسلم علي او كلما اضطررت لرد تحية قد ألقيتها عليك..هكذا بدأت مع الحياة تصهرني وتأسرني وظل حبي لك ينمو وينمو متحديا جمرات القسوة التي كنت تقذفها علي كلما لبستك تلك الروح الغائمة الأخرى..الروح المتمردة المتناقضة الكارهة لكل ماهو بشري…وكلما جرفك تيارها الى عمق اليأس وهاوية الأحزان والعزلة...(روح الهجر)..فتحزم حقيبتك وتحملها على ظهرك وكأن ريح الجنوب الرطبة قد نادتك...؟
كنت في أعماقي المنصهرة اشعر بسطوة لامبالاتك..وكنت أدرك بأنك قد بدأت تتغير كلما شعرت بأنك لم تعد تجد في انتظاري لذة،وانك قد عزفت عن الكتابة وكلما كانت صيحات السخرية من كل شيء تنطلق من عينيك..!
وهذا ماكان يعذبني ويثير التساؤل في كيف تتغير بهذه السرعة حتى أني لم اعد أرى في ملامحك ما اعتدت على الاستزادة منه لأقاوم واحيا..؟ وكيف طاوعتك نفسك أن تهاجر شاطئ حبي الذي كاد ينفجر من غيظه..؟
وها أنا شاطئك اليوم أثور عليك لماذا سلمت نفسك التي أنا شهيقها وزفيرها والتي أنا بها أعيش لليأس..وللحزن وللمخاوف دفعة واحدة..؟ أين اختفت ذكرياتنا التي حفرناها على جبين الأيام..أيامنا..؟ أين مضت ابتساماتنا..نظراتنا..لهفاتن ا..دمعاتنا..؟
كلها استحالت ركاما من أوراق عفى عليها الزمن في نظرك..هكذا تود أن تكون النهاية..إذا واجهني إن أصبحت أنا جزأ من هذا الركام.
كنا قبل..لا نتهاون في اللجوء إلى بعضنا كلما هبت علينا مسحة حزن وألم،كنا نجمع أحزاننا إن كثرت ونلوذ بعمق حبنا لنبدأ كل لحظة من جديد.... لكنك يا طفلي لذت اليوم بأحزانك وحدك مرفأ آخرا منعزلا على شاطئ بعيد وكأنك تسخر من كل أحلامنا المحفورة في وجداننا..أعلم بان الروح الغائمة الأخرى اللحظة قد لبستك واستسلمت لها..لكني يا طفلي لن أيأس...فأنا يا وحيدي كنت وسأظل وحدي ..وحدي المرفأ..!
بغداد / 14-10-1998