كلما ألاحظ الصراعات الفكرية في أغلب الأماكن التي أحل فيها، والتي تقسِّم أبناء هذه الأمة… وألاحظ أفكارهم المرتبطة ارتباطا واضحا باتجاهاتهم الأيديولوجية وبميولهم ودوافعهم الشخصية، وبمعتقداتهم الدينية والطائفية إلى درجة أشعر معها أنهم قد نسوا انتمائهم الحقيقي والأصلي والذي يجب أن لا ترقى عليه أو حتى إليه أي انتماءات أخرى!
حسنا… أخي… كن ما تشاء… وابق على ما تشاء… مسلما أو مسيحيا أو علمانيا أو أصوليا أو شيوعيا أو مستقلا …أو.. و.. أو …..على أن لا تنسى أنك بالأصل عربي!
هذا أصلك شئت أم أبيت … هذا هو هويتك وبدونه أنت بلا هوية… وكرامتك وبدونه أنت بلا كرامة… ووجودك وأنت بدونه بلا وجود يُذكر على أنك إنسان حر ومن ثم محترم بين الأمم…
دعنا نرى ونكتسب لنتعلم، كيف يحب الناس أوطانهم، وكيف يكون حبهم وانتماءهم لأممهم… دعنا نرى مثالا لا حصرا…ذلك الرجل الذي يأبى أن يفارق ذاكرتي، وإن كنت لا أذكر بالضبط هويته، هل هي فلبينية أو صينية أو فيتنامية، فكلما أذكر عنه، أنه ذو عينان صغيرتان منتفختان، ووجه اسمر مستدير، يشير إلى أنه من أولئك الناس الذين يُدعَونَ بالأقوام الصفر!!
الذي جاء ذات مرة، في مهمة عمل هنا، ولم يكن يريد شيئا سوى أن يدور يومه كله حول العمل والعلم. يكتب… ويحاور… ولا يلتفت يمينا ولا يسارا… وكأنه مدرك أن الالتفات سيأخذ من وقته ويعيق مهمته التي جاء من اجلها …كان دؤوبا إلى درجة تعد شاذة في مجتمعٍ يقضي معظم وقته ضحكا وبحثا عن الطعام والمتعة! كان ملفتا لانتباه الخيرين فيعجبوا به، ولانتباه المتخلفين فيسخروا منه… نعم…هو كذلك… إذ قام فعلا أحدهم -من الفئة الثانية- إلى استفزازه؛ أجل… استفزازه!! …
ماذا قال له؟؟؟؟ كيف أثاره؟ ما هو ذلك الشيء الرهيب الذي جعل ذلك الرجل …يبكي؟؟؟ نعم يبكي!!!
"أنتم أخذتم العلم والفكر من أميركا وتنفذون فقط… أنتم تأخذون الأفكار جاهزة" …!!!
لعل أحد سيقول أهذا كل ما قيل للرجل؟؟؟؟
وربما آخر سيضحك على أن ذلك الرجل غبي ... وقد يقول كم هو ساذج؟؟؟!!! وقد يضيف؛ أنا أبكي؟ أنا رجل… أبكي؟؟!! مستحيل … وعلى ماذا؟؟ على كلام ... مجرد كلام ...ثم أن هذا الكلام لا يسيء إليه شخصيا... ولم يؤذه شخصيا؟ إنما كان عن أمته وحسب؟؟؟!!
وقد يقول آخر لا أصدق فهذه مبالغة…!
نعم… هذا الكلام هراء… وهذا الكلام مضحك… وهذه مبالغة … ولكن ليس لمن يدرك معنى الأمة … ومعنى الانتماء للأمة … ويعرف معنى الكرامة الحقيقية …. الحقيقية ! وبالمعايير التي يعرفها كل الأحرار في العالم …وليست الكرامة التي يفهمها من يتخذ شعارا له؛
"أميركا تفكر… إذن أنا موجود" …..!
والكرامة التي يفهمها ذلك الذي قام باستفزاز -وعن قصد- ذلك الرجل الحقيقي … الرجل الشريف… !!!… لانه يعلم مسبقا ما هو الشيء الذي يستفزه! ربما من طريقة التفافه المفرط حول العلم والعمل، وغض النظر عن دونهما من المغريات… أو من موقف سابق مماثل حصل مع ذلك الرجل وأراد أن يعيده ليُضحك الموجودين بهذه الاستفزازية لينتشي، وهو مفعم بالفخر!!! … ولكي يقول عنه أولئك الذين ضحكوا معه، أنه ذكي يعرف كيف يستفز الآخرين … فيشعر بدوره بالاعتداد والغرور!
تباً له …. تباً لفكره المتخلف… تبا للذين ضحكوا معه فهم لا يقلون عنه غباء … تبا لكل من يقتدي بهذا الأنموذج الذي يمثل الكثير من العرب وللأسف القاتل …تبا لمن يضحك ويسخر من محبي أوطانهم وأممهم…
وتباً…تباً… لمن يبخس بأمته العربية… ويرفع من شأن الأمم الأخرى وهو معتد وكأنها أمته!… وما يقتلني أكثر عندما تكون الأمة التي يتباهى بالدفاع عنها هي سبب شقاء أمته… وبالتالي شقاءه هو، والسبب في جعله مريضا ومتخلفا إلى هذا الحد الذي لا يميز به ما بين ما يفخر به الرجال وما هو عار عليهم؟ تباً لمن لا يعمل شيئا في حياته سوى أن يحارب بكلماته المحتقنة بكل معاني الرذيلة كل شريف يريد تغيير أمته نحو الأفضل، من يريد تغيير كل ما يراه منكرا يسئ بأمته وبدافع الحب والغيرة… ويريد دفع كل ما يأتي بالهوان عن هذه الأمة حتى لو كان ذلك بوسائل هي أضعف الإيمان ….!
هل يعلم ذاك العميل بفكره -هذا إذا افترضنا أن لديه نعمة الفكر أصلا- … ذاك الذي يتباهى بأساليبه المستفزة وبمجادلة الأحرار…هل يعلم أنه واحد من الأسباب التي أدت إلى شقاء هذه الأمة وشقاءه هو وتخلفه إلى درجة أنه لا يدرك ماذا يفعل عندما يفعل شيئا، ولا يدرك معنى ما يقول عندما يتحدث! آه لو يعرف ذاك الذي يسخر ممن لا يضيّع وقته محبة برفع رأس أمته، علاوة على حبه لها ودفاعه عن كرامتها إلى حد البكاء… لو يعرف معنى ما يقوم به … ويعرف حجم العار الذي يؤتي به على نفسه وعلى أمته … وبأنه واحد من ألعن الأسباب في دمارها وتأخيرها …. لتَمَنّى عيشة القبور على عيشة التي تخلوا من أي عمل فيه خير لامته…