أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: قصة قصيرة بعنوان " صمت الكاهن" للأديب موسى نجيب موسى

  1. #1
    الصورة الرمزية موسى نجيب موسى قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    المشاركات : 72
    المواضيع : 33
    الردود : 72
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي قصة قصيرة بعنوان " صمت الكاهن" للأديب موسى نجيب موسى

    صمـت الكاهــن
    سرب من الحمام الأبيض يخرج من بين فخذيه صوب السماء مباشرة.. يتابع بناظريه طيران السرب بشكله المنتظم لكن تتملكه الدهشة حين يجد حمامة سوداء تنشق عن مسار السرب ثم تتجه نحو الشمس مباشرة تثقبها وتخرج من الناحية الأخرى ثم تهوى في مياه المحيط في حين يظل السرب يطير في مساره المعتاد.. يخشى أن يبوح بالسر لأحد وخاصة أب اعترافه فيكون مصيره "الشلح" وترك الكهنوت الذي عشقه منذ أن رُشم شماساً في السادسة من عمره على يد المطران الذي يخشى الآن أن يرسل له سؤالاً عن كيفية الخروج من الورطة التي سقط فيها لأنه يعلم تماماً أن المطران سوف يعرفه ويعرف حجم مأساته. في كل اجتماع للمطران مع كهنة المطرانية يحاول أن يبث في نفسه بعض الشجاعة لكنه يتراجع وهو يرى شفتي المطران وهي تنفتح وتنضم لكي تتلو قرار "شلح" جاء لتوه من البطريرك.. فضل السكوت وأثر الانسحاب من ذلك الضجيج الصاخب الذي يعتمل داخل صدره وعقله.. حاول أن ينس الأمر برمته فالعريس قد تزوج وانجب ومات أيضاً وهو بنفسه قاد صلاة الموتى عليه.. في الصباح سمع طرقات متتابعة وشديدة على الباب ظن أنها البُشرى التي يحملها له "معلم" الكنيسة لموافقة المطران على حصوله على رتبه "القمص" بدلاً من "القس" تلك الرتبة التي ظلت تلازمه منذ أن بدأ الخدمة في الكهنوت المقدس.. تبخر حلمه الطويل على سخونة كلمات ابنته الكبيرة التي هجرت منزل زوجها ولا تريد أن تعود إليه مرة أخرى فهذه ليست المرة الأولى التي يبعثر فيها زوجها كرامتها على أرضية الشارع الذي تسكن فيه وليست هذه المرة الأولى التي يعود فيها إلى المنزل تاركاً وعيه وقلبه وعقله مشتتين في الشوارع الكبيرة والصغيرة على حد سواء.. حقائبها الكثيرة.. أولادها الخمسة...أدخلت إليه إحساساً بأن هذه هي المرة الأخيرة التي تأتي فيها إلى منزل أبيها وأنها لن تعود إلى منزلها مرة أخرى، حتى هو نفسه سأم من كثرة توجيهاته وعظاته الخاصة التي كان يقولها لزوج ابنته في كل مرة غضب بينه وبينها. ترك ابنته في المنزل وذهب لكي يقود صلاة القداس فالدور اليوم عليه ويجب أن يكون في الكنيسة قبل أن يشق نور الصبح قلب الليل.. وصل إلى الكنيسة.. سجد أمام الهيكل ولبس "الفراجية" البيضاء التي يعشقها وبدأ صلاة القداس..... (أشليل)(1).. يرد الشعب القليل المتناثر في صحن الكنيسة الواسع.. يواصل صلاته.. (إيرينى باسى)(2).. صورة أبنه لم تغب عن عينيه لحظة واحدة.. العلاج المكثف وشعره الذي كان يخرج في يده كلما مسح رأسه بحنان وأبوه قبضات فولاذيةتهوى على سطح ذاكرتهبلا رحمة.. الخميس الأخير من كل شهر موعد جلسة العلاج الكيماوي مع الطبيب المشهور بعلاج مثل هذه الحالات في القاهرة في آخر مرة نظر إليه الطبيب في يأس وقال له:-

    المرض تمكن من الجسد تماماً.

    سقطت دمعة ساخنة بللت قربان "الحمل" الذي يعده ليمثل جسد المسيح الذي يتناول منه المصلون فتغفر خطاياهم.. تناول الكأس وسكب فيها من عصير الكرمة بمقدار ثم أخذ يكمل صلاته.. أعداد المصلين تتزايد في الخارج و(خورس) الشمامسة أكتمل والكل تهيئ لسماع عظته التي ينتظرها الكثيرون. بعد أن انتهى من عظته التي كانت تتكلم عن مراحم الله ومدي تسامحه مع خطايا البشر الكثيرة دخل إلى الهيكل وبينما هو يرفع قلبه مصلياً بحرارة لم يسبق أن صلى بمثلها من قبل فج نور عظيم عمر الهيكل فأنبلج النور عن ملاك عظيم أخذ يرفرف على يمين المذبح فما أن رآه الكاهن أضطرب ووقع في قلبه خوف عظيم شعر به الملاك فبادره:-

    لا تخف.. لا تخف إن الله سمع صوت تضرعك وإن الأمر سوف يحل قربياً ويكون لك فرح وابتهاج وسيفرح بك ولك كثيرون.

    وكيف أعلم هذا وأنا شيخ وأخشى الموت قبل أن أنال الصفح والغفران فذنبي أعظم من أن يغتفر

    غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله.

    ذنبي عظيم فأنا لم أقم بربط العروسين ولم اتل عليهما الصلاة الروحية لحلول الروح القدس لذا فالزواج باطل.

    أنا (ميخائيل) المسبح في حضرة الله العظيم وقد أرسلني لك لأبشرك بهذا وها أنت تكون أبكم وأعمى حتى يكون اليوم الذي يكون لك فيه هذا.

    صوته انقطع.. تأخر في الرد على الخورس.. تعجب الشعب ومعهم الشمامسة ومعلم الكنيسة الذي لم يجد مخرجاً من هذا المأزق سوى أن يرفع صوته ببعض الإلحان التي يحفظها.. طالت غيبة الكاهن داخل الهيكل،وأفلس "المعلم" بعد أن فرغ من جميع الألحان التي كان يحفظها. ران الصمت على الكنيسة كلها.. لكن الشعب خلع رداء الدهشة التي كست وجهة لفترة ليست بالقليلة بعد أن رأى الكاهن يخرج من الهيكل متثاقلاً.. يرفع قدم عن الأخرى بصعوبة شديدة حتى وصل إلى اقرب أريكة وألقى بجسده الضخم عليها.. أنقذ الموقف أحد الكهنة الضيوف الذي جاء قاصداً "أبونا" في خدمة شخصية له وأكمل صلاة القداس بدلاً منه.. بعد القداس علم الجميع ما حدث مع "أبونا" وأنه أصيب بالعمي والبكم حتى يأذن الله بأمر كان مفعولا.ً حمله معلم الكنيسة والكاهن الضيف وبعض الشمامسة الذين تبرعوا بتوصيل "أبونا" إلى منزله وبعد أن وصلوا إلى المنزل وضعوه على سريره ثم تركوه يستريح قليلاً. بمجرد أن تمدد على السرير عاد سرب الحمام الأبيض يخرج من بين فخذيه صوب السماء مباشرة –ورغم ضياع نور عينيه مازال يتابع بناظريه طيران السرب بشكله المنتظم ومازالت الدهشة تتملكه عندما يجد حمامة سوداء تنشق عن مسار السرب ثم تتجه نحو الشمس تثقبها وتخرج من الناحية الأخرى ثم تهوى في مياه المحيط.في ظهيرة أحد الأيام وبينما هو يجلس كعادته منذ أن زاره الملاك على الأريكة -المغطاة بسجادة قديمة – التي تملأ فم الباب الخارجي لمنزله بضخامة جسدها دخل عليه ابنه الأوسط الذي لم يشأ أن يخبر والده بخبر رسوبه للعام الثالث على التوالي في الثانوية العامة حتى لا يزيد كربه ويدخله في محنة أخرى إلى جانب محنه الكثيرة.. غير من عادات جلوسه فأصبح لا يبرح حجرته مطلقاً واعتزل العالم والناس ولا يخرج منها مطلقاً إلا لقضاء حاجته فقط حتى الطعام والدواء الذي كتبه له أحد أطباء القلب مؤخراً كانت تدخل بهما إليه زوجته في أوقات محددة وغير ذلك لم يكن يفعل شيئاً. في مساء أحد الأيام وبينما هو نائم إذا بملاك الرب يأتيه مرة أخرى بنوره العظيم فهب فزعاً حيث بادره الملاك:-

    - حان الوقت... الآن.

    قالها ورحل عنه تاركاً إياه في بحر الحيرة الذي أخذ يلقيه من موجة إلى موجة،عندما فتحت عليه زوجته الباب لتدخل له طعام العشاء والدواء المفروض أن يتناوله بعد الطعام.. رآها.. فقد انفتحت عينيه مرة أخرى على الدنيا وسمعها أيضاً وهي تحثه على ضرورة أن يأكل جيداً حتى يؤدى الدواء الغرض المرجو منه في تحسن صحته.. فرحت زوجته كثيراً وقامت بالنداء على جميع الأولاد حتى يفرحوا معها بهذا الخبر الجميل، هرول جميع الأبناء وكانت في مقدمتهم الابنة الكبرى بأولادها الخمسة والتفوا جميعاً حول السرير وأخذ يسلم عليهم واحداً واحداً ثم قال لهم:-

    قد أكُمل..

    قالها ثم أسبل عينيه التي ذهب نورها للمرة الثانية والأخيرة، فلم يعد سرب الحمام الأبيض يخرج من بين فخذيه ولم يعد يتابعه بناظريه ولم يعد يرى تلك الحمامة السوداء التي كانت تنشق عن مسار السرب ثم تتجه صوب الشمس مباشرة تثقبها ثم تهوى في مياه المحيط.

    (1) (أشليل) كلمة قبطية تعني : صلّ.

    (2) (أيريني باسى) كلمة قبطية تعني : السلام للكل.

  2. #2
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 4,790
    المواضيع : 82
    الردود : 4790
    المعدل اليومي : 1.10

    افتراضي

    صمت الكاهن ..
    قصة جيدة تتحدث أظنها عن عادات ومعتقدات الصليبيين , أنيهتُ القصة ولم أعي مالهدف منها بالضبط , إلا أن أردت أن تبين كيفية معتقداتهم وتفنيدها فهذا شئ جميل يُحسب لك
    تحياتي

المواضيع المتشابهه

  1. قصة قصيرة بعنوان "قال العراف" للأديب موسى نجيب موسى
    بواسطة موسى نجيب موسى في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 23-06-2006, 11:25 PM
  2. قصة قصيرة للأطفال بعنوان " شجرة التوت" للأديب موسى نجيب موسى
    بواسطة موسى نجيب موسى في المنتدى أَدَبُ الطِّفْلِ (لأطفالنا نحكي)
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 15-06-2006, 08:15 PM
  3. قصة قصيرة بعنوان " ليل أبدى" للأديب موسى نجيب موسى
    بواسطة موسى نجيب موسى في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 12-06-2006, 02:07 PM
  4. قصة قصيرة للأطفال بعنوان " النحلة الكسول" للأديب موسى نجيب موسى
    بواسطة موسى نجيب موسى في المنتدى أَدَبُ الطِّفْلِ (لأطفالنا نحكي)
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-06-2006, 11:05 PM