جائزة الملك


في يوم من الأيام الحارة التي تجعل الحياة لا تطاق في الغابة الكبيرة خرج الملك / الأسد من عرينه قلقاً ومتوتراً وحزيناً فلا جديد في حياته فقد سأم الحكم وسأم المُلك وحتى الصيد سأم منه هو الآخر، وفي سابقة تاريخية لم تحدث من قبل أسند مهمة الصيد للثعلب المكار الذي أعجب بحيله الملك كثيراً …… فكر الملك في شئ يتسلى به من ناحية وأيضا ليعرف من خلاله مدي حُب سكان الغابة له ولحُكمه من ناحية أخرى ، فقرر أن يقوم بعمل مسابقة بين جميع حيوانات الغابة يكون موضوعها قيام الحيوانات بعمل فيه بطولة أو تضحية من أجل الآخرين على أن تستمر المسابقة لمدة ثلاثين يوماً كاملة ، وقد حدد الملك جائزة ثمينة للغاية لمن يفوز بالمسابقة تتمثل في أن يعتق الفائز من أوامر الملك لمدة ثلاثة أيام … قام الملك بجمع كل حيوانات الغابة وأعلن لهم عن مسابقته وشروطها وكذلك أعلن عن جائزتها الثمينة … فرحت جميع الحيوانات بهذه المسابقة النادرة والتي أدهشتهم وأسعدتهم في نفس الوقت حتى أن الفأر قال في سره :- ـ ليت الملك يعتبر تخليصي له من شباك الصياد عمل بطولي أو عمل فيه تضحية مني له . وكأن السنجاب يسمعه فعاجله بقوله :- ـ انتبهوا أيها الحيوانات يجب أن تسجلوا أي عمل تقومون به وتشعرون أن فيه بطولة أو تضحية ما من الآن وحتى انتهاء الشهر مدة المسابقة عند الثعلب المكار . حزن الفأر جداً وتمني لو أن حادثته الشهيرة مع الملك تتكرر مرة أخرى خلال هذا الشهر ، انصرفت جميع الحيوانات وكل واحد منها يمني نفسه بالحصول على الجائزة الثمينة … مر الشهر سريعاً وجاء يوم إعلان النتيجة فاحتشدت جميع الحيوانات أمام عرين الملك وكل منها يود أن ينادي عليه الثعلب المكار لكي يدخل على الملك فيقص عليه ما قام من عمل بطولي أو به تضحية حتى يفوز بالجائزة ، وكلما دخل أحد الحيوانات للملك خرج حزيناً باكياً لأن عمله لم يعجب الملك وبالتالي لم يحصل على الجائزة … الثعلب المكار يواصل النداء على باقي الحيوانات الذين سجلوا أسماءهم لديه ولا يفوته أن يسجل تلك الحالة التي تبدو على وجوه الحيوانات بعد خروجها من العرين … حتى جاء دور الفأر الذي دخل على الملك فلم يجد شيئا يقوله للملك سوي حادثته الشهيرة معه تلك التي خلص فيها الفأر الملك من براثن شباك الصياد اللعينة … شعر الملك بالمهانة واعتقد أن الفأر يريد أن يقلل من شأنه وشأن مُلكه فأمر بقتل هذا الفأر الملعون فوراً … تم التنفيذ في الحال … بعد ذلك جاء دور الأرنب الذي ما أن نادي عليه الثعلب المكار حتى وجده يدخل إلى عرين الملك بثقة وهدوء فألقى على الملك السلام قائلا :- ـ السلام لملك السلام وملك الغابة العظيم . رد الملك باندهاش:- ـ السلام لك أيها الأرنب الذكي . قال الأرنب بنفس ثقته :- ـ شكراً لك يا مولاي على هذه المجاملة الرائعة . قال الملك بتبرم :- ـ قل ما عندك ما هو عملك ؟ رد الأرنب بعد أن اعترته حاله ارتباك مؤقتة :- ـ الحقيقة يا مولاي أنا لم أقم بأي عمل خلال الأيام الماضية فيه بطولة أو فيه حتى تضحية ولكن طوال شهر المسابقة ظللت أفكر في موضوع غريب جداً حيرني كثيراً . قال له الملك :- ـ ما هذا الموضوع الغريب الذي يحيرك أيها الأرنب ؟ تكلم !! وقبل أن ينطق الأرنب بكلمة عاجله الملك بقوله :- ـ قبل أن نقول لي على الموضوع الغريب قل لي أولاً لماذا سجلت اسمك عند الثعلب المكار ؟ ولماذا جئت اليوم طالما أنك لم تقم بأي عمل سواء فيه بطولة أو تضحية من أجل الآخرين ؟ قال الأرنب بعد أن عادت إليه ثقته وهدوئه :- ـ مولاي أنا أعرف أن وقتكم ثمين ولكن أسمح لي أن أشرح لكم الموضـ …………… قاطعه الملك بغضب واضح :- ـ تشرح ماذا أيها الأرنب ؟ أتريد أن تجرب ذكاءك عليَّ ؟! رد الأرنب في سرعة ولهفة :- ـ حاشا يا مولاي العظيم أن أتجرأ وأفعل ما تفكر فيه . الملك بعد نفاذ صبره :- ـ وماذا تريد أن تشرح لي قل وإلا فعلت بك كما فعلت بذلك الفأر الأحمق. هاجمت الرعشة جسد الأرنب الضئيل الذي رغم محاولاته الكثيرة لكي يتماسك إلا أن الكلمات خرجت بصعوبة من بين شفتيه المرتعشتين :- ـ سى …… سيدي الملك إن الموضوع الغريب الذي ظل يشغلني طيلة الشهر الماضي هو كيف لي أن أعيش بعيداً عن مولاي وسيدي الملك ؟ !! وكيف لي أن أعيش بعيداً عن أوامره ؟ طارت ابتسامة واسعة وحطت على فم الملك الذي قال بفرح غامر :- ـ هه وماذا أيضا ………………… رد الأرنب بعد أن شعر بفرحة الملك وعاد إليه تماسكه :- ـ سيدي الملك صدقني إن الحياة في كنفك لها لذة خاصة وإن الفرح العظيم والجائزة الثمينة هي أن أحصل على رضائك وعفوك . زادت فرحة الملك وزادت معها ابتسامته اتساعاً وقال :- ـ وماذا أيضًا ؟ قال الأرنب بعد أن هربت منه ابتسامة خفيفة رقصت على شفتيه :- ـ لا شئ أخر يا سيدي الملك فنتيجة طبيعية لإيماني هذا لم أرهق نفسي مثل بقية الحيوانات ولم أسع وراء بطولة ما أو تضحية ما وذلك ليس جبناً منى أو ضعفاً ولكن لا أرغب في مثل تلك الجائزة التي أعلنت عنها يا مولاي ؛ فأنا كما قلت لكم يكفي سعادتي أنني بجواركم وراحتي تكمن في تنفيذ طلباتكم وأوامركم . تحولت ابتسامة الملك إلي ضحكة عالية هزت أرجاء المملكة بأسرها ، واستدعي الثعلب المكار من الخارج الذي فور دخوله العرين أبلغ الملك بالتقرير الذي كتبه عن حالة الحيوانات التي فشلت في الحصول على الجائزة الثمينة … بعدها خرج الملك والثعلب المكار وبينهما الأرنب الذكي وصاح الملك بقوة في جميع الحيوانات وقال وهو يمسك بتقرير الثعلب المكار :- ـ أيها الأغبياء إلي هذه الدرجة لا تحبون ملككم … فكل واحد منكم كان يخترع لي حكاية ما أو موقف يتمني أن يكون فيه بطولة أو تضحية لكي يفوز بالجائزة ويهرب من حكمي وأوامري . واستطرد وهو يلوح بتقرير الثعلب المكار قائلاً :- ـ هذا فضلا عن الحالة الحزينة والباكية التي كنتم تبدون عليها عند خروجكم من عندي وخسارتكم للجائزة ؛ فيجب أن تعلموا أن الحب يجب أن يشملنا جميعاً وأن على المحكوم أن يطيع أوامر الحاكم حتى نستطيع أن ننهض بمملكتنا ونتقدم بحياتنا إلي الأمام ، وأما هذا الأرنب فقد عينته وزيراً لي لأنه الأصلح لتنفيذ أوامري ، ومن اليوم عليكم جميعاً إطاعة أوامري وأوامر وزيركم الجديد .