مذكرات البنات.. أسرار وحكايات وانطباعات..
أ. ولاء الشملول
مذكرات البنات.. أسرار وحكايات وانطباعات
مذكرات البنات... موضوع يستدعي في الذهن الأسرار والغموض والأمور غير المعتادة أو التقليدية.. فالإنسان يلجأ في الغالب لكتابة مذكراته حين يريد تسجيل لحظات مهمة من حياته أو أن يدون أسراراً لا يريد أن يطلع عليها أحد، أو لو كان هاوياً أو محترفاً للكتابة وينوي إصدار كتاب في المستقبل..
ونحن في هذا التحقيق نتساءل: ماذا تكتب البنات في مذكراتها؟ ولماذا تكتبها؟ أسئلة أخرى نجيب عنها لكم:
حتى لا أنسى
في البداية تقول أماني 20 سنة: ألجأ أحياناً لكتابة مذكراتي لأن هناك مواقف أمر بها لا أستطيع أن أحكيها لأحد، فهي إما محرجة أو لا أريد إطلاع أحد عليها فأكتبها.. لأنني أحب أن أخرج كل ما بداخلي وأعبر عن نفسي، وحين لا أستطيع الحديث مع أحد فأخرج ما أريد من خلال الكتابة، أحب إخراج كل ما بداخلي، كما أن هناك مواقف معينة في حياتي أكتبها حتى لا أنساها.
المذكرات فضفضة
أما هبة 27 سنة فتقول إنها تكتب مذكراتها حين أحتاج أن أتحدث مع شخص أثق به ولا أجد من أتحدث معه، والكتابة في هذه الحالة تعطيني راحة نفسية كبيرة لأنها تقوم بدور الفضفضة.
وعن محتويات المذكرات تقول هبة: طبعاً تحتوي مذكراتي على بعض أسراري، ولكن يمكنني أن أجعل شخصاً أثق به يطلع عليها طالما أثق به.
الكتابة متعة بلا حواجز
في حين تقول نسرين 29: الكتابة عامة لدى متعة كبيرة، وأحياناً تقف الكلمات في قلبي وعقلي، ولا أجد لها سبيلاً إلا الورق، فالورق والقلم أصدقائي من مدة طويلة ربما وأنا طفلة صغيرة، كما أن هناك لحظات تأتي على أريد فيها أن أتحدث بلا حواجز وبلا قيود فطبيعي أن ألجأ للكتابة وقتها فهناك أسرار كثيرة أريد أن احتفظ بها لنفسي والكتابة تساعدني على هذا كثيراً.
حوار هادئ وسلام داخلي
وتتفق معها ص.أ 31 سنة التي تقول: المذكرات هي وسيلتي لحوار هادئ رفيق مع نفسي، أحتضن به ألمها وأملها، وأعيد التفكير في مواقف أربكتني فرحا أو جرحا، أسجل فيها قوتي وضعفي، وسبل الارتقاء بنفسي.
وعن تقبلها لإطلاع أحد على ما تكتبه في مذكراتها تقول ص.أ: لا أحب أن يطلع على مذكراتي أحد عادة إلا صديقة مقربة أثق في حكمتها، وأنها لي أفضل من نفسي لنفسي، كما أن مذكراتي تحوي أسرارا لي، بل إن الكتابة هي التي تعينني على الاحتفاظ بأسراري بشكل إيجابي، بدون أن تؤذيني أشواك آلامها أذى يمنعني عن تذوق جمال الحياة.
وعن الفائدة التي تحققها تقول: أعظم فائدة تحققها لي كتابة المذكرات أنها تجعلني أعرف نفسي أكثر، مما يساعدني على الاقتراب منها أكثر، ومعرفة ميزاتها وعيوبها، مما يمكنني من حسن التعامل معها بشكل يوفر لي سلاما داخليا وهدوءاً نفسياً، علاوة على ما سبق فهي تحوي أسراري وتعينني على الاحتفاظ بها فعلاً كأسرار.
أرى نفسي
وتقول فاطمة 24 سنة: أكتب مذكراتي لأكثر من سبب فالكتابة تعتبر أسلوباً للتخلص من الهموم والضغوط التي أواجهها طول اليوم، كما تجعلني أري نفسي وكيف تصرفت في مواقف مختلفة فأقيم سلوكي بشكل مناسب، وكيف يتطور سلوكي بشكل إيجابي، وهل أتصرف بشكل سلبي أم إيجابي، وهذا مهم جداً، فأشعر أنها تشبه عملية التطهر، وعما إذا كانت تكتب أسراراً في مذكراتها تقول فاطمة: بالتأكيد..الآن هناك أسرار كثيرة أكتبها بمذكراتي.
وعن الفائدة التي تحققها فاطمة من خلال المذكرات تقول إنها تخفف عن نفسها الهموم، وتعلمها التركيز، وتحليل المشكلات التي تواجهها وتساعدها على حلها.
مذكرات على الإنترنت
والتقينا برحاب سيد عبدالله 30 سنة طبيبة وتكتب يومياتها على موقع مجانين www.maganin.com
فتقول إنها اعتادت أن تكتب مذكراتها من فترة، تدون فيها الأحداث التي تمر عليها في يومها، من خلال عبارات مختصرة أو كلمات تذكرها بأحداث تراها مهمة وعميقة مما مر بها ولكن ليس من خلال الحكي ولكن من خلال عناوين كما ذكرت، ولو لم يحدث شيئاً يستحق الكتابة عنه تترك الصفحة بيضاء. وعن كتابتها على الإنترنت تقول لنا رحاب: ثم شجعني مؤسسو موقع مجانين على الكتابة، فبدأت في نقل ما أراه يمكن أن يفيد الآخرين.
استقراء الواقع
ومن زاوية مختلفة تحدثنا عن سبب كتابتها لمذكراتها: أحب أن أقف عند اللحظة التي تمر علي لا أجعلها تمر والسلام بدون عبرة أو تأمل واستقراء لما وراءها.
وحين سألتها عن المضامين التي تحويها يومياتها قالت إنها تكتب فيها ما يصلح أن يُقرأ على الملأ بمعنى ألا تحوى أسرارا، مشتملة على رسالة هادفة للقراء سواء أن يعود الناس لمساعدة بعضهم البعض أو التعاطف مع بعضهم البعض من جديد، مستقرئة وقائع شاهدتها بعيني، فكتبت يومية بعنوان "ذهبت سعاد" أتحدث فيها عن ظروف قاسية وضعت فيها طفلة صغيرة في طريق الفاحشة بعد تعرضها للاغتصاب، وتتساءل هل يمكن أن ننقذ البنات قبل السقوط في هذا الطريق الآثم! وأخرى بعنوان في المترو أرصد فيها حالات ركاب المترو وكيف أن هذا يتشابه مع مواقفنا في الحياة ككل.
التجارب الفاشلة أيضاً
وتهدف رحاب إلى لفت الانتباه للأحداث المهمة في حياتها التي تحقق إفادة عامة تتعلق بالمجتمع. وتضيف رحاب أنها تكتب عن العلاقة بين الرجل والمرأة.
وعن الفائدة التي تحققها من كتابة مذكراتها تقول رحاب سيد: الحمد لله كثيرة التجارب مقارنة بعمري، علاوة على قراءة سيرة ومذكرات العظماء والمشاهير فهذا جعل لدي الكثير الذي يمكنني أن أنقله للآخرين كي يستفيدوا منه، كما أنني عشت تجارب الآخرين الفاشلة، فأسعى لتعميم الفائدة التي حصلت عليها للآخرين من القراء.
البنات تحب "الحكي"
ويكتب في نفس الموقع مذكراته تحت عنوان (على باب الله) الدكتور أحمد عبدالله الباحث والطبيب النفسي ومدرس الطب النفسي المساعد بكلية الطب بجامعة الزقازيق، الذي قال لموقع "لها أون لاين": البنات بصفة عامة لديهن رغبة في التعبير عن أنفسهن و"الحكي"، فكل البنات فيهن الرغبة في الحكي بشكل عام، فالكلام لديهن مهم للغاية، فالبنات تلجأ لكتابة مذكراتهن لأنها أكثر تعبيراً عن أنفسهن عن الرجل فهذا طبيعة وفطرة نفسية واجتماعية.
أما الدافع الثاني الذي يجعل البنات يكتبن مذكراتهن أنهن في الغالب في مجتمعاتنا العربية، حيث فرص تعبير الفتاة عن نفسها قليلة، فلا توجد فرصة للفتاة أن يسمعها أحد، علاوة على أنه ليس كل شيء يُقال للصديقات، إضافة إلى تراجع قيمة الصداقة نفسها في أواسط البنات خاصة والجنسين عامة.
ويرى الدكتور أحمد أن مضمون مذكرات البنات يختلف من فتاة لأخرى وهل هذه المذكرات لها صفة الأمان أم لا.. بمعنى هل يطلع عليها أحد غير كاتبتها أم لا، لكن في كل الأحوال - والكلام على لسان الدكتور أحمد- فمذكرات البنات تحتوي على حكايات وتأملات وانطباعات وتعبير فهي وسيلة تعبر بها عن مشاعرها، كما قد تحتوي على أقوال مأثورة وحكم، ولا ننسي أن جزءاً من هدف المذكرات لدى البنات الفضفضة، وإدارة حوار ذاتي مع نفسها.
وعن الفائدة التي تتحقق من كتابة المذكرات يقول الدكتور أحمد عبدالله: المذكرات تقوم بتوثيق لخبرات مرت بها الفتاة كي تعود لها وتتعلم منها فيما بعد، علاوة على أن كتابة المذكرات تعتبر البديل الجزئي عن الصديقة، وبشكل عام فإن الكتابة مفيدة لأنها تعني أن تقرأ أولاً قبل أن تستطيع الكتابة، علاوة على أن الكتابة تساعد على تطوير التعبير والتفكير ولكن بشرط الانتظام في الكتابة ومحاولة نشر هذه الكتابات حتى لو من خلال المدونات على الإنترنت – ولو بساماء مستعارة - لأنها تعطي إمكانية تلقي ردود الأفعال على المذكرات، فهنا تتحول المذكرات من كتابة شخصية إلى حوار مفتوح فتزيد الفائدة، فتتحول الكتابة هنا من فعل فردي إلى حوار ونقاش وتفاعل تفيد.
أما الأستاذة نجلاء محفوظ الكاتبة الاجتماعية في شئون المرأة والرئيس المناوب بالقسم الأدبي بجريدة الأهرام المصرية اليومية فتشجع لدرجة كبيرة كتابة البنات مذكراتها فتقول: كتابة المذكرات نعمة كبيرة جداً ولها فوائد نفسية كبيرة للغاية، وتخرج الفتاة من خلالها شحنات مكبوتة بداخلها، ومن خلالها تستطيع الفتاة أن تكتب أسراها بدون تحفظات، وهذا يحفظ لها هذه الأسرار فلا تقولها لأي شخص، وتلجأ الفتاة لكتابة مذكراتها حيت تكون هناك أمور مُلِحة تريد كتابتها وتسجيلها.
وتقترح الأستاذة نجلاء أن الأفيد للفتاة بعد تسجيل مذكراتها لو كانت مشكلة مثلاً أو تعبيراً عن ألم أصابها، أن تقرأ ما كتب بصوت عالٍ بحيث يساعدها هذا على إخراج الشحنة التي بداخلها، مؤكدة أن القراءة بصوت مسموع تجعل الفتاة ترى الصورة بشكل أشمل، وهذا أفضل من التفكير في الذهن بجون كتابة الذي يجعل الشخص يدور في دائرة مغلقة على حد قولها، وبخاصة أنه ليس صائباً أن نقول كل ما لدينا للآخرين، ولذا من المهم أن تحتفظ الفتاة بأجندة مذكراتها في مكان أمين لا تصل إليه يد أحد حتى لا يقرأها، ثم تعود لما كتبت من أجل أن ترى كيف مرت المرحلة السابقة من حياتها، وكيف تجاوزت الخبرات الماضية وما الدروس المستفادة منها، وتسعد بنفسها حيت تتذكر مواقف نجاح لها فهذا يشجعها ويدفعها للأمام.
وعن مضمون المذكرات تقول الأستاذة نجلاء محفوظ إن هذا يختلف من فتاة لأخرى فهناك بنات طبيعتهن رومانسية فتكتب مشاعرها وتفرغها على الورق ولكنها تحذر من التمادي في هذا لأن الفتاة في غفل منها يمكن أن تتعامل مع هذا باعتباره حقيقة وهذا خطأ.
وقد تشتمل مذكرات البنات على الشكوى والتعبير عن الغضب من شخص ما، وهذا مطلوب ولكنه حوار سلبي والأفضل أن تكتب الإيجابيات في المواقف التي تغضبها، فالرسول حذر من الشكوى المستمرة للمرأة بقوله (يكفرن العشير) بمعنى كثرة الشكوى من الزوج وتقول إنها لو ترَ منه خيراً قط، وتضيف: ولهذا أحذر نفسي وبنات جنسي من الشكوى.
ومن هنا فعلى الرغم من أن الشائع أن كتابة المذكرات في الغالب يهتم بها المشاهير فإن البنات بشكل عام لهن الكثير من الحكايات والأسرار التي تُسكب على الورق وتحقق العديد من الفوائد، فأسرعوا يا بنات بكتابة المذكرات!