أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: سعيد و رشا - قصة قصيرة - نزار ب. الزين

  1. #1
    الصورة الرمزية نزار ب. الزين أديب
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    الدولة : Anaheim,California,USA
    العمر : 92
    المشاركات : 1,930
    المواضيع : 270
    الردود : 1930
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي سعيد و رشا - قصة قصيرة - نزار ب. الزين

    سعيد و رشا

    قصة قصيرة
    نزار ب. الزين

    كان سعيد بطبعه أبعد ما يكون عن العواطف المشحونة بالخيال ، إنه عملي و عملي جدا ؛ فجفاف تنشئته و افتقار مناخ أسرته إلى الدفء بوفاة والدته المبكر ، جعلاه واقعيا و أقرب ما يكون إلى ما يتخيله كناب قصص الخيال العلمي عن الإنسان
    ( البيوني ) أي الإنسان نصف الآلي .
    و جاء سفره إلى أوربا لإتمام دراساته العليا ، جاء معمقا لخطوط الصورة ؛ فهناك كل شيء واقعي جدا ، و الرومنسية التي نشأت هناك دفنوها مع ملايينهم الأربعين التي التهمتها حرب السنوات الست العالمية .
    و تمتع سعيد بواقعية أوربا ، إلا أنه كان من الذكاء بحيث استثمر كافة جوانبها بما في ذلك الجدية وقت الجد و النظام حيثما يتوجب النظام ، و التخطيط البعيد حتى في الأمور العاطفية التي نظر إليها – مثلهم – كحاجة بيولوجية حتى أنه لم يسمح لنفسه أن بستقر في علاقة ما أكثر من أيام أو أشهر خشية التعلق أو الإرتباط ، فلما عاد إلى البلاد عاد خاليا من أية مسؤوليات عاطفية و لكن بذكريات عذبة تكفي لملء أوقات فراغه حتى آخر العمر .
    أما رشا فقد أصابت من الحب الوالدي ما جعلها تشعر بالإشباع ، أما رصيدها من الجمال فقد أتخمها بدوره بعبارات الثناء و الإعجاب و الغزل ، بحيث لم تعد بحاجة إلى أكثر مما نالته ، فامتنعت عن الخطاب و أيدها والداها من طرف خفي ؛أما والدها فقد عاف الطب تحت إغراء السياسة ففشل في كليهما معا ، و والدتها المحامية التي أصابت نجاحا في مطلع حياتها العملية بدفعة قوية من نفوذ شقيقها السياسي و الصحافي المعروف ، و لكن تحت تأثير الهزات السياسية التي تعرض لها البلد ، خبا نجمها بنفس السرعة التي تألق بها ؛ و هكذا تحول فشلهما المأسوي إلى مجموعة من الأنماط التعويضية ، أولها توهم الفوقية و آخرها إجترار ذكريات الأمجاد و حكايات المؤامرات التي حيكت ضدهما ، و ظلا كذلك حتى نفّرا الناس منهما ، فتقوقعا و ضما من ثم ابنتهما إلى قوقعتهما.
    *****
    عاد سعيد إلى بلده بنية طيبة ليقدم إليه ما اكتسبه من علم و معرفة ، فجابهته دوائر يحكمها التخلف ، و مديرون يخشون العقول المتفتحة ، فبدأت حماسته تخبو ونواياه الطيبة تختنق ،و إن هو لم يعد إلى جامعته في أوربا التي قدم إليه أساتذتها كل إغراء ممكن لإبقائه في كنفهم فقد هم ؛ و بينما هو في أوج أزمته تعرف عليها .
    كان قد أعد برنامجا لإحياء صلاته بأقاربه و كانت زيارة القوقعة في ذيل القائمة ،و هناك رآها لؤلؤة فريدة بهرته و أنوثة طاغية صعقته ، و الأغرب أنه بهرها بدوره و صعقها ، و على الطريقة الأوربية طلب منها مرافقته في جولة و تجاوزا لانطوائيتها العتادة وافقته، و من خلال دهشة والدتها و ذهول والدها تسللا خارج القوقعة .
    أسلمت يدها ليده دونما تحفظ و حدثته عن نفسها و كأنها تعرفه منذ سنين و حدثها عن نفسه كمن يتحدث إلى نفسه ، و في آخر المشوار قال لها بواقعية فاقت كل رومنسية : " أحببتك يا رشا " فردت عليه دون إبطاء أو تردد أو شعور بالحرج : " و أنا أحببتك يا سعيد " .
    و في اليوم التالي ، ذهبت إحدى قريبات الطرفين لتجس النبض – و هم يفعلون ذلك في الشرق العربي تجنبا للمواقف المحرجة – و من وراء أنفه الشامخ و ركام عقده النفسية ، أجابها ببرود : " أنا لا أزوج ابنتي إلا لمن كان أبوه طبيبا و أمه محامية !!!!! "
    صدمه الرد و جرحه ، إلا أنه بعقليته الواقعية تمكن من لعق جرحه و امتصاص صدمته ، فلم تقتله كما فعلت بروميو و لم تفقده رشده كما فعلت بقيس و لكنها دفعته إلى الغربة من جديد ، فقد لاحت له فرصة عمل جيدة في إحدى دول الخليج فسعى إليها بدون إبطاء .

    *****
    و دارت عجلة الزمن خمس دورات و نصف الدورة ، حقق فيها سعيد نجاحا مرموقا و رصيدا ماليا جيدا ، و ذات يوم دخل إلى أحد البنوك لمتابعة إحدى معاملاته و عندما لم يجد مدير البنك قادته السكرتيرة إلى نائبته ، و خلف مكتبها الفخم رآها ، اللؤلؤة الباهرة نفسها و الأنوثة الطاغية ذاتها . شد على يدها هامسا و قد باغتته المفاجأة : رشا ؟؟!! فردت عليه بابتسامة أذابت معها كل فتنتها ، و من خلال زفرة حارة خرجت من شفتين ملتهبتين نطقت باسمه : سعيد ؟؟!!! و تعانقت من ثم العيون ؛ و من خلال دهشتها أدركت السكرتيرة أنها أمام موقف فوق العادة فآثرت الإنسحاب.
    نظرت إلى خاتمه بضيق ثم سألته بنغمة مزجت العتاب بالأسف :
    - تزوجت ؟
    - في بلد لا يصلح للعزاب لا بد من الزواج .
    - جميلة ؟
    - لم يعنني الجمال كنت أطلب زوجة و حسب .
    - أهي من عائلة أعرفها ؟
    - بالتأكيد ليست من مستواكم ، فأمها ليست محامية و أبوها ليس طبيبا !!!!
    فضحكت كما لم تضحك من قبل و هي تجيبه متسائلة :
    - ما زلت تعاني من العبارة ؟
    - ما زلت أشعر بالغثيان !
    - أهذا ما أبعدك إلى الخليج ؟
    - أتسخرين ؟ و أنت ماذا أبعدك ؟
    - تعرّف والدي إلى سفير هذا البلد فرجاه ...
    - رجاه و توسل إليه أن يتواضع فيقبل العمل في بلاده !
    فضحكت ثانية ثم سألته :
    - أناقم عليه إلى هذا الحد ؟
    - ............................
    - كنت أتوقع منك بعض نضال ...
    - كان الرد موحلا بحيث بحيث شل حركتي ، و أنت هل ناضلت ؟
    - فعلت و تمكنت من إقناعهما بعد لأي ، و لكنك كنت قد فررت بعيدا!
    - رشا ، اعذريني ، كانت الصدمة أكبر مما أحتمل .
    صمتا بعض الوقت ثم قالت و هي تغالب دموعها :
    - دعك من حادث طوته السنون ، ثم سألته بغتة:
    - تحبها ؟
    - اعتدت عليها !
    - سعيد معها ؟
    - بل تعيس ، قدمت لها كل ما تريده و لم تقدم لي و لطفليّ غير النكد ، تذمرها لا يتوقف و جشعها بلا حدود ، و قد تنكرت بلؤمها لكل الناس بما فيهم هؤلاء الذين عرّفوني بها ، فأصبح حالي – إجتماعيا - كحال عائلة أرستقراطية أعرفها الزوج فيها طبيب و الزوجة محامية !
    - سعيد أرجوك توقف عن التنديد بهما فهما والدي .
    - و أنت؟ ألم تتزوجي ؟
    - صعب علي أن أتركهما فقد تقدمت بهما السن ؟
    - عاجزان ؟
    - كلا و لكنهما طفلان كبيران و أنا أمهما الحانية ؟
    - ألم يحن وقت فطامهما ؟
    - سعيد ، لعلك تنتقم منا بكلامك الجارح هذا ، ألن تكف ؟.
    - رشا ، اعذريني فقد طعنت و الجرح لما يندمل .
    - سلامتك !
    قالتها برقة أججت جمر الهوى المكبوت فاشتعل و أنار المتواريات كافة بما فيها تلميحاتها الخجلة ، و ما لبثت شرارة مجنونة أن افلتت من عينيه فنقلت إليها النار .
    و صمتا من ثم لفترة يحاولان إخماد اللهيب و لكن دون جدوى .
    دعاها لتناول طعام الغذاء في أحد الفنادق فقبلت بلا تردد ثم ما لبثا أن أكملا المشوار !

    *****
    في المساء هتفت رشا إلى والدتها هامسة و لكن حاسمة : " ماما .. آن الأوان لأبتعد عن حضانتك التي طالت إلى الثلاثين و أعتقد أنني من النضوج بحيث أملك اختياري ، قبلي والدي و قولي له أن شروطه أهدرت ست سنوات من عمري ، و لكن تأكدا أنني أحبكما . "
    و هتف سعيد إلى زوجته : " سيتصل بك محاميّ غدا ، ليناقشك حول حقوقك و حول مصير الطفلين تفاهمي معه بهدوء رجاء "
    -------------------------------------
    * نزار بهاء الدين الزين
    سوري مغترب
    عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب

  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    الاستاذ الكبير نزار...
    سعيد...رشا...
    اعذرني اذا قلت بانها خيالية اكثر من اللازم..
    عذرا...لست اعيب..عليها...
    لاني اعلم بان الواقعية هي المصدر الاساسي لهذا النص ..بل الواقع نفسه الذي هو في الاصل حقيقي وفني..لانك اجدت في استغلالهما معا داخل النص.
    فمن خلال السرد لاحظت بانك اجدت بالفعل في خلق ابداعي لواقع لايشترط ان يكون حقيقيا بحذافيره..لكن خلقت شخوصك ورسمت ملامح بيئتهما بطريقة فنية عالية في الدقة..
    وما الفكر الذي ينسكب من النص..كالمقارنة بين انماط الاجتماع السائدة في الشرق والغرب.. الا دليل على هذه الحنكة في توظيف الواقع كمادة اصلية لقصة مستقاة من الواقع نفسه.
    لكني قلت بانها خيالية..بل اشبه..بقصص الرومانسية..لانها في شرقنا التعيس..لن تعدوا الا حالة استثنائية..هذا ان وجدناها اصلا.
    فالاعراف لم تزل تحكم العلاقات الاجتماعية…
    الانساب لم تزل تفرق…
    الاختلافات..ومشاكل الثأر..ووووو…مازلت تملك رصيدا قويا في كيفيو ونوعية العلاقات…
    وانت ابن من..؟…وماذا تملك…؟وماذا يمكنك ان تعطي….؟وووووووو…؟
    لم يزل السلطة في تحديد العلاقات…..
    لااحد يقول..ماذا تحمل من فكر…؟
    شهادتك….دراستك….قيمتك الانسانية….
    انها امور غير منطيقية..لاتعترف بها الاعراف القبلية…
    حتى الارستقراطية الشرقية…
    لم تزل تعاني ذلك…
    فهي لاتبحث عن قيمة الفرد…سواء من الناحية العلمية..والعملية…بقدر ما تبحث عن قيمته من حيث اصوله العرقية..
    سعيد ورشا…
    بل رشا…
    هي نموذج حي..لحقيقة التفكير..العرفي…والتقليدي. .في الاجتماع..
    وتمردها الاخير…حالة…قد لاتتكرر…
    وهذا مايجعلني دائما اردد هذا السؤال…
    متى يكون للانسان عندنا قيمة…؟؟؟
    الاستاذ الكبير…
    عذرا…
    فواقعية النص كفكر…جعلني اثور على الاعراف..
    لذا ظننتها مجرد خيال…
    تقبل خالص احترامي
    جوتيار

  3. #3
    الصورة الرمزية نزار ب. الزين أديب
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    الدولة : Anaheim,California,USA
    العمر : 92
    المشاركات : 1,930
    المواضيع : 270
    الردود : 1930
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جوتيار تمر
    الاستاذ الكبير نزار...
    سعيد...رشا...
    اعذرني اذا قلت بانها خيالية اكثر من اللازم..

    عذرا...لست اعيب..عليها...لاني اعلم بان الواقعية هي المصدر الاساسي لهذا النص ..بل الواقع نفسه الذي هو في الاصل حقيقي وفني..لانك اجدت في استغلالهما معا داخل النص.

    فواقعية النص كفكر…جعلني اثور على الاعراف..
    لذا ظننتها مجرد خيال…

    تقبل خالص احترامي
    جوتيار
    =====================
    أخي الكريم جوتيار
    تسعدني تعليقاتك و تسرني مناقشتك لنصوصي
    ليس في القصة أية مبالغة أو خيال فهي قصة واقعية ، و قد عقد سعيد و رشا قرانهما شرعيا و كان الشهود من مرؤوسي رشا في العمل ، و قد تعمدت إغفال بعض أحداث القصة تحاشيا للإطالة ، و لكي أترك للقارئ استنتاج ما يمكن استنتاجه .
    تحيتي و تقديري
    نزار ب. الزين

المواضيع المتشابهه

  1. أنا آسف - قصة قصيرة - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 18-02-2014, 11:53 PM
  2. هوس أم جنون - قصة قصيرة واقعية - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 04-01-2007, 02:14 AM
  3. صبحة - قصة قصيرة - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 28-12-2006, 06:46 AM
  4. فرسان الليل - قصة قصيرة - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 04-11-2006, 08:01 PM
  5. هدية الى الاخت رشا والاخ محمد سعيد
    بواسطة ميرفت شرقاوي في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 31-01-2005, 08:06 PM