أحدث المشاركات
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 11 إلى 19 من 19

الموضوع: النص الكامل للمجموعة القصصية " سنوات الجنون الأبدية " لسامح عبد البديع الشبة

  1. #11
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر - بلطيم
    العمر : 49
    المشاركات : 285
    المواضيع : 38
    الردود : 285
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    ( 11 ) قصة قصيرة :- شروق جديد
    *********************

    " انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "

    مد السائق ساعده من نافذة السيارة ... تساقطت قطرات من المطر عليه ... سحبه داخل السيارة ... غرس أصابعه بين كتلة شعره الصلب المجعد المتراكم عليه ذرات من التراب ... نظر فى المرآة الأمامية وجده ككتلة حجرية قِدَمَ الزمان ... ضحك ... سخر من نفسه :-
    - مثل الرأس الفرعونى الذى شاهدته فى المتحف التاريخى !

    " انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "

    كل السائقون أمامه منهمكون فى أعمالهم ... من يحتسى فنجان القهون ... من يحتسى كوب الشاى الساخن ... من يتناول وجبة إفطاره ... ومن يسخن موتور سيارته ... فهم يقومون بهذه الأعمال استعداداً للرحيل لمدنٍ وبلاد قد ملوا الرحيل إليها يومياً ... صباحاً ومساءً .

    " انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "

    النهار فى بدايته طويل ... رغم أننا فى اليوم السادس من طوبة ... والسماء ملبدة بالغيوم وبالسحب المتراكمة المتزاحمة الشديدة السواد ... فشيئاً ما فى هذا الفضاء يوحى بأن هذا اليوم مبرق ومرعد وممطر ... هكذا استنتج السائق ما سيحدث فى هذا النهار ... وما سيلاقيه فى سفره من متاعب وأهوال فى الطريق .

    " انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "

    ذهب السائق تجاه النافذة ... قرب منها ... ألقى رأسه خارج العربة جهة الشرق ... فاصطدمت عيناه بعين الشمس المولودة حديثاً بطريقةٍ قيصرية من رحم السماء .
    " انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "

    بدأ السائق يحدث نفسه وهو ناظر إلى قرص الشمس التى تحاول السطوع متحديةً كل الظروف السيئة المحيطة بها :-
    - النهار طويل ... الطريق طويل ... والمسافرون كثيرون ... وساعات اليوم كثيرة على سائق مثلى تخطى عشرين عاماً فى مجال القيادة .
    تعود السائق فى الساعات الأولى من صباح كل يوم أن يغفو قليلاً على كرسى القيادة منتظراً ميعاد رحيله .
    " انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "

    فكل سيارة لها ميعاد محدد للرحيل عن هذه البلدة ... فقد تم عقد اتفاق أو ما جرى عليه العرف فى محطة السفر على من يأتى مبكراً عليه أن يحمل حمولته وركابه ويسافر ويليه الثانى ثم الثالث ... إلى أن ترحل آخر سيارة ... كل إلى بلاد ومدن مختلفة تمام الاختلاف عن تلك البلدة الجميلة الهادئة .

    " انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "

    أغلق السائق النافذة اليسرى لشعوره بالبرد داخل السيارة ... ود أن يفعل أى شئ داخل السيارة ... أدار المذياع ... خفض من صوته ... أغلقه ... نظر أمامه ... نظر للخلف .
    جاءه من الخلف أصوات متداخلة مزعجة ... أصابته بالصداع ... حاول أن يصغى أذنيه من النافذة ليعرف سبب هذه الضجة ... فتبين له أنها مشادة كلامية بين سائق وآخر ... وهناك على جانبى الرصيف شخصان يسبان بعضهما و ...
    فتناول مسرعاً قطعة القطن الملقية على الكرسى المجاور له وشطرها نصفين ... وسد بها أذنيه ... أحس بالهدوء ... فغلبه النوم ... فنام .
    " انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "

    استيقظ السائق من سباته ... اعتدل فى جلسته ... ابتسم ... تحولت ابتسامته إلى قهقه عالية صارخة مدوية فى أركان السيارة ... لم يسمع شيئاً قط ... حاول أن يستوعب ما حدث له ... وسرعان ما تذكر ... لمس صدره ... عاد السائق إلى الدنيا مرة أخرى ... أحس أنه بحاجة إلى مادة تنعشه أكثر وأكثر ... فتح باب السيارة ... نزل منها على مكثٍ ... وقف أمام الباب يحدث السائقين والمارة ... فلم يحدث أى تغير يذكر فى هذا المكان ... كل شئ على حاله ... السيارات لم ترحل بعد - لم ترحل عن المدينة - وسيارته مازالت على حالها ووضعها ... كما كانت فى الصباح ... لم يفتح أحد الركاب أبوابها ... أيمكن أن يحدث هذا ؟!
    أيمكن أن تبقى كل الأشياء فى مكانها لا يصيبها أى تغير منذ الثامنة صباحاً حتى آذان العصر ؟!
    أيعقل أن أستيقظ بعد كل هذا الوقت وأجد جميع السائقين فى أماكنهم كما تركتهم فى الصباح ؟!

    " انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "

    يسير السائق ذاهباً وآيباً أمام صف السيارات المنتظم ... يبادل زملائه السائقين التحية ... وعلى ثغره ابتسامة باهتة ... لا معنى لها ... فرجع إلى سيارته ... فأغلق باب السيارة ... فهيئ جسده للنوم فغفى وسؤال مازال يلح عليه :-
    - لماذا تغيرت الوجوه هكذا ؟!
    لم تمض فترة من الوقت حتى فتح السائق عينيه ولاحظ أن جميع السيارات قد رحلت ... فنظر مندهشاً إلى المكان عبر نافذته :-
    - إننى متعب هذا المساء ... ولا أستطيع الرحيل فى هذا الوقت المتأخر .

    " انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "

    وجد السائق لسانه يكرر وهو على كرسى القيادة :-
    - إننى متعب هذا المساء ... ولا أستطيع الرحيل فى هذا الوقت المتأخر .
    هرول السائق نحو الباب ... وما كاد ينفذ منه حتى خيل له أن الأرض تميد تحت قدميه ... ووجد نفسه يضحك ويرقص ... فدار حول السيارة مخاطباً نافذتها :-
    - سأرجع إلى البيت الآن ... فى الحال .

    " انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "

    تريث السائق فى الكلام وقال :-
    - لا ... لن أعود إلى البيت الآن .
    أحس السائق قدميه تكادان أن تتعثرا فى العجلة الجانبية من السيارة ... فوقع على الأرض ... يحبس فى صدره ميلاً شديداً للعودة إلى البيت ... ثم رفع بصره للسماء وقال :-
    - فات الوقت ... وتأخرت على زوجتى !

    " انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "

    استعاد السائق توازنه وقال :-
    - لن تقترب من هذا المكان أية سيارة ... إن اقتربت لأقتلن سائقها ... حتى أحمل حمولتى وركابى وأرحل بهم بعيداً عن هذه المدينة الجميلة الهادئة ... الساكنة الحركة ... المملة ... ودون رجعة .
    ( تمت )

    سامح عبد البديع الشبة
    sameh_ss_center@yahoo.com

  2. #12
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر - بلطيم
    العمر : 49
    المشاركات : 285
    المواضيع : 38
    الردود : 285
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    ( 12 ) قصة قصيرة :- هو يعزف " دو " هى تعزف " سو " هما يعزفان " سى "
    ***********************************************

    قد دنا اللقاء بيننا ولا مفر ... ذلك اليوم الذى كنت أخشاه ... قد حان ... وقد حانت اللحظة التى تجمعنى بها ... لكم كنت أشتاق لرؤية هذا الوجه الرومانسى الجذاب ... إننى سأعبق صدرى بأريجها ... وسأشبع ناظرى بجلالها ... يا لها من لحظة انفصال عن هذا العالم الخارجى الذى يحيط بنا ... ويا لها من لحظة اتصال عنيف ... لا أقوى على احتماله ... ارتعاش جسدى يجذبنى إلى منطقة اللاوعى ... يجذبنى ويشدنى إلى عالم آخر ... يتملكنى الخوف الآن منها ... وأخشى ما أخشاه أن تصيبنى بأزمةٍ قلبية ... او تقذفنى بأشعةٍ لا مرئية تقودنى إلى الهلاك ... يا لها من امرأة لديها القدرة على احتلال كل الرجال .
    القلب يبكى والعين تدمع ... والشفتان ترددان اسمها وتناديها :-
    - أتسمعيننى .
    فيأتينى الجواب :-
    - لا أسمعك .
    لا أصدق ... فصوتى كاد يخترق هذا الحيز الكونى .
    ***

    أيخيل إلى أنها تحدثنى وتدعونى للحياة :-
    - " تعالى ... تعالى ... إننى أنتظرك منذ الأزل " .
    - " أنا " !
    - " نعم أنت " .
    إنى الآن كقطعة حديد تجذبنى إليها بقوةٍ مغناطيسية شديدة ... أهكذا بكل يسر أنقاد وراءك أيتها السجانة .
    إلى أين ترحلين بى ؟!
    إلى بلاد خضراء ؟!
    أم إلى بلاد تشتاق لقطرة حنان لتروى صغارها .
    بالأمس كنت حراً ... طليقاً ... لا تكبلنى القيود ... ولا تحيط بى الأساور ... ولا أحمل للأيامِ عبئاً ... وهكذا أصبحت أتخبط فى كل الأشياء ...تغيرت كثيراً عن الأمس ... هى تحب قراءة القصائد البطولية ... وأنا كرهت كتابة هذا الفن ... هى تعشق ركوب القطار ... وأنا كرهت كل محطات السكك الحديدية .
    أدركت شيئاً واحداً لا يمكن لعاقلٍ من العقلاء أن يغفل عنه ... أننا ولابد من أن نفترق ونرحل وبأسرع ما يمكننا .. وألا نعد الساعات والدقائق والثوانى للحظة الفراق والرحيل ... وألا نقيم لذلك مأتماً قلبياً ... تتمزق فيه الجوارح والأحاسيس ... وليحتفظ كل منا بخيالاته ... وليبنى كل على حده مدينته المفضلة وليؤسسها على الذكريات أو على حب جديد من نوعٍ جديد ... أو كما يحلو له .
    أما أنتِ فلن تكونى أبداً ... أبداً ... لى .
    فالأفضل أن نبقى متباعدين ... أنتِ فى مكان ... وأنا فى آخر ... هيا ... ارحلى من هنا ... من نقطة تكوينى بأسرع ما تستطيعي ... ولا تغرينى بكِ ... فقد تغيرت اللحظات ... وتبدلت الأحوال ... فأنا الذى يوجهكِ ... ويقودكِ ... يجذبكِ ... أنا أنشودة العتق ... أنا الذى يتغنى بأشعاره من جديد ... ويتنغم بنغماته ... عليكِ أن تفهمى ... أنه عصرى أنا ... عصر كل الرجال ... عصر ... الرجال فيه لا تهمها النساء .
    عليكِ أن تبحثى عن ذاتك ... عن الطين ... وعن الماء ... وعن النعيم ... وعن الشقاء .
    وأن تكونى دائماً حادة البصر فى الأشياءِ كما هى عليها ... لا كما تريدين ... وأعزفى على آخر أوتار عودى لحناً عربياً بدايةً للانتهاء .
    ( تمت )

    سامح عبد البديع الشبة
    sameh_ss_center@yahoo.com

  3. #13
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر - بلطيم
    العمر : 49
    المشاركات : 285
    المواضيع : 38
    الردود : 285
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    ( 13 ) قصة قصيرة :- داخل ... خارج
    ***********************

    كعادة عم حسين العربجى ممتطياً حماره الأعرج متجهاً لأرضه الزراعية ، وفى طريقه توقف قليلاً ، فقد لفت نظره وانتباهه شيئاً ما على الطريق ، تجاهله وعاود السير بحماره إلى مصدر رزقه ... لم يكف عن التفكير فيما رآه منذ قليل .
    أوقف الحمار ... هبط إلى الأرض ، وجه الحمار إلى الطريق المضاد للرزق .
    مشى على قدميه ساحباً حماره وراءه ... يتبعه فى استسلام دون أى اعتراض ، فهذه هى المرة الأولى فى حياة هذا العربجى الذى بدأ فى تغيير إتجاه سير هذا الحمار ، وهذه المرة إلى اتجاه مخالف لما عاهده معه ، فلم يعهد الحمار من قبل هذا الطريق إلا عند الرجوع إلى البيت فقط .
    سار خلفه إلى أن أوقفه سيده وربطه فى نخلة تتوسط الطريق وتركه ومشى .
    تعثرت قدم حسين العربجى حين لامست شيئاً وسط هذا الكم الهائل من التراب الملوث بروث البهائم ... بعثر ذرات الرمال ... غربلها بين كفيه عسى أن يعثر على قطعة نقود ... عربية كانت أم أجنبية ... أياً كانت تقدر .
    " ربما تفتح لك الدنيا ذراعيها وأحضانها وتعثر على كنز دفين فى باطن هذه الأرض ... ربما تكون معك عملات العالم جميعها ... ولتتزوج إمرأة جميلة وترزق منها بالولد الذى تتمناه " .
    - آهٍ لو رزقنى الله بالولد ... آه .
    " يستحيل على أى إنسان أن يعيش مرة ثانية ، ولكن من الصعب البقاء فى حياة أدنى من حياة " .
    قد كان نهيق الحمار إنذاراً وتنبيهاً له بأن شيئاً هاماً يستحق النظر إليه ... إلى أسفل!
    هكذا تتم عملية التفاهم ، وفى كثير من الأحيان التخاطب والغناء أيضاً .
    - ما هذا أيها الحمار الأعرج .. ما كل هذا النهيق ، كأنك تصرخ بأعلى صوت لتسمع العالم على ما رأيت ، أخفض صوتك ، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ، كل هذا من أجل علبة ! ، يا لك من حيوان تثير الفزع لى وللآخرين ، وفى النهاية لا شئ ، أخلقت لتشاركنى المأكل والمشرب ، يا لك من حمار أعرج لا تحمل هم الملبس والمسكن !
    يزداد نهيق الحمار ، كأنه أراد غيظه وإشعال نيران الغضب فى صدر حسين العربجى ، فهو السيد هذه المرة ... فالكل أسياد ، والكل عبيد ... والكل يعمل ، والكل يأكل ... والكل يشرب ، والكل يلبس ... والكل ينام ، والكل سواء .
    - إمشى يا أعرج !
    عاد حسين العربجى وبيده تلك العلبة :-
    - صغيرة جداً
    أخرج زفيراً حاراً وبعد طول تفكير :-
    - أأعرف ما بداخلها أم لا ؟
    " ربما تكون أحدث ما وصل إليه العلم الحديث من أشكال المتفجرات صغيرة الحجم " .
    جاءه نهيق الحمار من بعيد ... نظر إليه ... وجد أن لجام الحمار قد انحل من مكانه ، واتجه الحمار إلى حقل سيده ... ترك سيده وحده - لا تركه مع العلبة - وللعلم هذه أول تجربة للحمار ... فهل سينجح ويصل للحقل بمفرده ؟!
    وما لبث حسين العربجى واستقر على أن يكشف حقيقة العلبة .....
    - ماذا ... لقد فتحت لك طاقة السماء ... يا لها من قطعة آثار صغيرة الحجم كحبة القمح ... الآن أصبحت مخازن القمح فى العالم ملكى ... فلن يجوع بعد اليوم أحد ... إنها تقدر بملايين الدولارات .. بل هى التاريخ كله ... التاريخ كله !!!
    ( تمت )

    سامح عبد البديع الشبة
    sameh_ss_center@yahoo.com

  4. #14
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر - بلطيم
    العمر : 49
    المشاركات : 285
    المواضيع : 38
    الردود : 285
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    ( 14 ) قصة قصيرة :- أنا ... وطائرى
    **********************

    يوقظنى من منامى ألم يفتك أمعائى ... تنتابنى رغبة فى الغثيان . ماذا تناولت فى العشاء . تذكرت . وبعد هذه الوجبة بساعتين غلبنى النوم ... وزارنى طائر ... لم أنتبه لألوان ريش جناحيه ... ولا حتى لون منقاره ... ولكنه طائر أليف ... أحببته ... حط على رأسى ومكث غير بعيد وطار محلقاً فى فضاء مكان فسيح ... لم أكن لأحلم فى يوم من الأيام أن أشاهده وأرى كل هذا النخيل ... وكل هذا الجمال ... ولكننى شاهدت فى هذا المكان من على بعد تمثال لفتاة فى غاية الجمال والأنوثة ... دون ثوبٍ يسترها ... وبدا لى أن روح جديدة قد لبستنى ..ز سبحت فى بحورٍ من السعادة ... فأى وجه رأيت ... وأى عينين رأيت ... هنا انسكبت جميع الأشعة الكونية من شموسٍ ونجومٍ وكواكب على جبينها ... هنا وجه السلام .
    الشئ الغريب أن هذه الحسناء كانت تنادينى باسمى الثلاثى ... وتدعونى أن أخلصها من هذا السياج الحديدى الدائرى المحيط بها ... كأنها تحفة يخاف عليها ربها أن يفقدها ... أو أن يخطفها فارس على حصانه الأبيض ويرحل بها بعيداً ... بعيدا .
    وما أن بدأت أخطو أولى خطواتى ... حتى عاد من جديد هذا الطائر الأليف ... وحط على قدمى برفق وثبات ... فأوقفنى ... فنظرت بناظرى إليه ... فتبينت ملامحه وشكله ... الريش المنسق ... المرتب ... الرائع بألوانه الخلابة للناظرين ... الأحمر ... يليه الأبيض ... يليه الأسود ... ثلاثة ألوان تصنع كل هذا الجمال البديع الرائع .
    مازلت أحدق فى الطائر الثابت بمنقاره على حذائى بحنو ... أشير إليه بيدى أن نمضى معاً جنباً إلى جنب حتى نصل لقيود هذه الفتاه ونحررها .
    بين الحين والآخر أسمعها تصرخ باسمى وتلح على أن آتى ... استنجدت به يرافقنى الطريق إلى هذه الفتاة المستغيثة ... فاستجاب لى ومضينا ... وفى طريقنا صرنا طائرين ... شاعرين أن المسافة بيننا وبينها قد ذابت وتلاشت ... ووصلنا .
    - الحمد لله .
    كان بودى أن أكمل لكم ما حدث بعد ذلك ... لكن اطمئنوا فقد سترتها بريش الطائر الودود الطيب ... وطوقتها بطوق من الزيتون ... وقررت ألا أتركها أبداً ... أبداً ... مهما حدث بيننا من خلاف .
    وراح ما كنت أعانى منه فى الصباح وتناولنا فى مساء هذا اليوم عشاءً خفيفاً .... ونمنا .

    ( تمت )
    سامح عبد البديع الشبة
    sameh_ss_center@yahoo.com

  5. #15
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر - بلطيم
    العمر : 49
    المشاركات : 285
    المواضيع : 38
    الردود : 285
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    ( 15 ) قصة قصيرة :- أبيض فاقع ... أسود فاتح
    *************************

    " وبعد الغيم يجينا النور ....
    وبعد الغيم ربيع وزهور "

    - تعالوا نعلن الشجاعة والجرأة على تحدى أسياد هذه الحارة !
    التهبت أكف أهل الحارة وشبابها من فرط التصفيق . تصايحوا كالديكة إعجاباً وانبهاراً بأستاذهم فتحى الأديب ... الذى يحثهم ببذل ما فى وسعهم لرفع البؤس عن الحارة .
    - واحد شاى وخمسة سحلب .. لو سمحت .
    فى إصغاءٍ شديد استمع عم صابر لهذه الندوة ... وحاول أن يفهم ما يقصده الأستاذ فتحى الأديب ... استمع للمرة الثانية ... للمرة الثالثة .... أعاد الانتباه واستحضر عقله .... كل هذه المقدمات بلا نتائج ... أو حتى نتيجة واحدة ... فما عليه إلا أن ينتهز الفرصة لزيادة إيراد هذا المقهى وإعداد المشروبات للزبائن .
    - حجر معسل وحسنه واتنين شاى يا عم صابر .
    - واحد شاى سكر خفيف .
    - اتنين شاى براد .
    - أربعة حلبة وواحد كركاديه .
    - قهوة سادة يا حاج صابر .
    - أهلاً سيد حضرت فى الميعاد بالضبط ... تحب تشرب إيه ؟
    - شاى ثقيل يا محمود .
    التفت سيد حوله كمن يخشى أن يراه أحد داخل المقهى ... فضحك محمود وتعالت ضحكته الصفراء وهز رأسه باستهزاء :-
    - خايف لتشوفك أمك هنا ؟!
    ارتبك سيد وازداد التفاته وارتعشت كلماته :-
    - أخاف من إيه ... دى أمى ؟!
    - استأذنت منها قبل ما تيجى هنا ؟!
    سيد منفعلاً غاضباً صارخاً :-
    - ملهاش شأن بخروجى ودخولى ... أنا باخرج زى ما أنا عايز وفى الوقت اللى يعجبنى .
    محمود ساخراً :-
    - أيوه ... أيوه ... تخرج فى الوقت اللى يعجبك ويناسبها هى الأول ... هى اتأخرت كدا ليه .... هاتفوتها الجلسة الأدبية بتاعة الأستاذ فتحى الأديب .
    سيد بحدة :-
    - محمود ... اسكت ولا أقوم على فتحى ده بالضرب وأخليه ما يساوى صرصار حوالين الحشرات اللى حواليه دول .
    مازال محمود ساخراً :-
    - طبعاً ... طبعاً ... تقدر تضربه لحد ما تموته وهو يستاهل ... دا أنت سيد والأجر على الله ... بس قولى ليه عايز تضربه ... عشان بيمدح فى أمك فى روايته الجديدة .
    سيد بغيظ :-
    - مش كده .
    محمود بصوتٍ منخفض مائلاً إلى أذنه :-
    - آه ... آه ... عرفت السبب ، عشان كتب قصة أمك الحقيقية وعلاقتها بابن العمدة وهروبه ليلة الدخلة ... ولا إيه رأيك يا سيد ؟!
    سيد بصوت مرتفع مرتعش مهدداً :-
    - ما تتعداش حدودك يا محمود .
    محمود بتحدٍ :-
    - اتكلم زى ما أنا عايز يا جدع وف الوقت اللى أنا عايزه .
    سيد بتحذير :-
    - كدا يا محمود .
    محمود بإصرار :-
    - أيوه يا سيد .
    ضج ضجيج رهيب داخل المقهى ... وجرى بعض الفتيان وراء سيد ... والأستاذ فتحى الأديب مع رجال الحارة يداوون نزيف حاد أصاب رأس محمود .
    حملوه على أكتافهم مسرعين به إلى أقرب وحدة إسعاف ... أوقف أحدهم عربة أجرة ... نزل السائق ... فتح الباب ... توقفت أنفاس محمود على أكتافهم ... طرحوه أرضاً ... إذا به جثةً هامدة ... لا حِراك ... لا أنفاس ... لا نبض ... وجدوه ساكناً كالسكون الذى أصابهم ...
    توقفوا عن الحركة ... توقف المارة عن السير ... توقف الأستاذ فتحى الأديب عن الكلام ... سكن الليل ... سكن عم صابر فى مقهاه ... تسمر الجميع ... اختفى القمر ... استقرت النجوم فى فضائها ... مر السحاب الأبيض ... حلت سحابة مسودة سودت الحارة ... أسقطت المطر وأطفأت كهرباء الحارة ... اشتدت الظلمة واشتد المطر ... غسل جثة محمود ... غسل أسياد الحارة ... غسل أديب الحارة ... غسل مقهى عم صابر .. غسل أم سيد ... رعدت السماء ... برقت الدنيا ببريقِ مختلف ... زلزلت الحارة ... اهتزوا ... ارتجفوا ... خافوا أن يخطف البرق أبصارهم ... أسرعوا جميعاً داخل المقهى ... تاركين الجثة فى قلب الحارة وحدها .
    قامت عاصفة من مرقدها ... أثارت التراب فى أجواء الحارة ... أغلقت الحارة أبوابها .
    لم يعد يرى عم صابر أحد فى الحارة .
    - كثيف جداً هذا الضباب ... لا أرى حتى نفسى .
    - ولا أنا أيضاً يا عم صابر ... أين أنت ... أين صورتك ... أسمع صوتك فقط .
    صاح عم صابر :-
    - أين جثة محمود .... أين جثة محمود ؟!
    أشار الفتى بيده :-
    - هنا يا عم صابر !
    - أين يا حسان ؟
    - هنا ... ألا تراها ؟
    - لا يا حسان !
    - إنها داخل المقهى بجانب الشيش !
    عم صابر متعجباً :-
    - بجانب الشيش !
    ازداد الضباب ... اشتد لونه ... ارتدى عم صابر والأستاذ فتحى الأديب وأهل الحارة لون الضباب .

    ( تمت )
    سامح عبد البديع الشبة
    sameh_ss_center@yahoo.com

  6. #16
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر - بلطيم
    العمر : 49
    المشاركات : 285
    المواضيع : 38
    الردود : 285
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    ( 16 ) أقصوصة :- استعداد للرحيل
    *******************

    هذا الطفل الأسمر فى عمره الأصغر ... عد أيامه ... على أصابع كفه ... فأدرك عوده الأخضر ... الذى ... انكسر .
    ***

    هذا الطفل الأسمر ... نام على طريقته ... متوسداً حجارته ... وسط مدينته ... فى مكانه المحدد ... و .... تمدد .
    ***

    هذا الطفل الأسمر ... يأكل بعضاً من ورق ... يشرب شيئاً من أرق ... يسبح دوماً فى بحورٍ من غرق ... يبحث دوماً عن عمرٍ قد سَرق .
    ***

    هذا الطفل الأسمر ... فى زمنًٍ متحول ... عد عمره ... فى شهادة زفافه ... فأدرك ابنه الذى كبر .
    ***

    هذا الطفل الأسمر ... نام بطريقته ... متوسداً ذراعه ... وسط غرفته ... فى مكانه المحدد ... و ... تجرد .
    ***

    هذا الطفل الأسمر ... تأمل ونظر ... ثم تأنى وقرر ... ترك البيت ... واستعد للسفر .
    ***

    هذا الطفل الأسمر ... يفعل ما يشاء ... يكتب ألف ... يقرأه ياء ... يفرح فرحاً ... ينقلب إلى بكاء .
    ( تمت )

    سامح عبد البديع الشبة
    sameh_ss_center@yahoo.com

  7. #17
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر - بلطيم
    العمر : 49
    المشاركات : 285
    المواضيع : 38
    الردود : 285
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    ( 17 ) قصة قصيرة :- ما بين الضغط ... وشد الحبل
    ***************************

    خطر فى ذهنه الذهاب إلى غرفة نومه ... فذهب وأغلق الباب وراءه ... ومكث ساعةً على سريره مستيقظاً ... ثم خرج ... كانت ترنو إليه من خلف جريدة الصباح التى تتصفحها بنظرةٍ منكسرة .
    وقف ثابتاً محدقاً إليها ... هى ترفع رأسها قليلاً لتبصره يمارس تمريناته الرياضية فى هذا الصباح .... قضى أوقاتاً طويلة فى تمريناتٍ أجهدته ... وأرخت عضلاته المفتولة .
    - " مؤلمة حقاً تلك التمرينات " .
    ودت أن تشاركه ... هى بملبسها الرياضى ... فرضت عليه أن يدربها على تمرينٍ بسيط ... تمددت وأفرددت طولها وعرضها على مكانٍ محدد أعد خصيصاً لمزاولة هذا التدريب .
    - " اضغطى " .
    وجد باب شقته موارباً .
    - " ربما نسيت أن تغلقه عند إلقاءها تحية الصباح على جارتنا " .
    فأغلقته .
    باب الحمام مفتوح ... وضوء ما ينفذ من خلف زجاج نافذته فيشع المكان نورا .
    ما بين الحين والآخر تتحسس وجهها وشفتيها وصدرها وبطنها ... حاولت أن تكمل باقى هذا التدريب ... ولكنها لم تستطع ... تحسست بيدها الأرض ... فشعرت ببرودة ... فأحست بالتعب .
    - " اضغطى ... واحد اثنين ... " .
    فى نفس اللحظة ... الذى بدأ فيها العد ... عادت لطبيعتها واعتدلت ... ازدادت منه قرباً ... فازداد منها بعداً ... خطت عدة خطوات متجهةً إلى الحمام ... غالقةً وراءها بابه .
    دخل غرفة نومه وأغلق الباب خلفه ... وقصد دولابه وأخرج قطعة حبل غسيل ... ثم اندفع به خارج الغرفة ... فوجدها أمامه ... وجهاً لوجه ... وخيم الصمت عليهما ... فلم يستطع أن يتحرك ... ولم تستطع أن تتحرك ... ماذا ألم بهما ؟ ... ولما كل هذا السكون التام ؟!
    سقط الحبل ... أمسك به عنوة ... أمسكت به بقوة ... أخذ يشده ... أخذت تشده ... ظهره إلى باب الشقة ... ظهرها إلى باب غرفة النوم ... هو ينظر إليها ... هى تنظر إليه ... وطال النظر ... وطالت مدة الشد والجذب العنيف ... هو يشد وهى تجذب ... هى تشد .. وهو يجذب ... إلى أن دق جرس التليفون ... فتركا كل منهما الحبل فى وقتٍ واحد ... فوقعا ... مرتطماً هو بباب الشقة ... مرتميةً هى على سرير نومها .
    ( تمت )
    سامح عبد البديع الشبة
    sameh_ss_center@yahoo.com

  8. #18
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر - بلطيم
    العمر : 49
    المشاركات : 285
    المواضيع : 38
    الردود : 285
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    ( 18 ) قصة قصيرة :- نغمة واحدة
    *****************

    نصب الحاج دوارة قامته وقال بصوتٍ جهورى :-

    - من أراد تناول الافطار عليه بالنظام ... النظام وحده يكفى لسير حياتنا .

    فهمس حينئذ واحد فى أذن رفيقه :-

    - أجئنا لشراء الفول أم ليعلمنا آداب السلوك ؟!

    - أما رأيت الأستاذ جبلاوى فى التليفاز الأسبوع الماضى يتحدث عن النظام فى المأكل والمشرب والملبس ... كأن الدنيا أصبحت فوضى !!

    فقال آخرمشاركهم الحديث :-

    - يتحدث عن النظام ويترك الحديث عن النزاهة ... إذن فالنتحدث نحن عنها !

    قال الطرف الأول فى الحديث بصوتٍ خافتٍ متقطع :-

    - نتحدث نحن عن النزاهة ... اصمت وإلا حدث لك ما حدث لأبو شامة !

    قال الطرف الثانى فى الحديث بنفس صوت الطرف الأول :-

    - وماذا حدث لأبو شامة يا أبو العريف ؟!

    أبو العريف :-

    - اعتقلوه ... ولا تعلم زوجته ولا أولاده مكانه بعد .

    قال الطرف الثالث الذى يشاركهم الحديث :-

    - يقولون أنه حاول أن يشاركهم فى الحكم .

    أبو العريف :-

    - يشارك من يا جاهل ؟!!

    جاهل :-

    - يشارك جده الأكبر فى الشركة الكبرى التى ورثها عن أجداده !

    أبو العريف :-

    - فالنصمت إذن ... نحن الضعفاء .

    جاهل :-

    - لا تقل ضعفاء .

    أبو العريف :-

    - ضعفاء ... ولما لا نكون ضعفاء ... وكل الشواهد تثبت ذلك .

    جاهل :-

    - لا تعم الضعف ... فأنا لست ضعيفاً مثلكم !

    أبو العريف :-

    - لا أقصد هذا النوع من الضعف يا جاهل !

    جاهل :-

    - ماذا تقصد ؟!

    أبو العريف :-

    - ألا ترون ما يحدث على ساحل بحيرتنا ... هل تشجعتم وتصديتم لـ " ملك البحيرة " !

    جاهل :-

    - سأنصرف الآن ... فلا داع للفول .

    سخر كل الحاضرين فى هذا الطابور المتعرج من تصرف الحاج دوارة ... حين شاهدوه فى حالته المألوفة لديهم ... الذى اعتاد أن يفعل هذا التصرف كل يوم ... فالحاج دوارة كاد أن يدفن رأسه فى بطن " قدرة الفول " ... فالسبب معروف لدى الجميع ... أنه يقوم بغسلها بالماءِ والصابون .

    - إلى هذا الحد وصلت درجة النظافة عندك يا دوارة ؟!

    أعلن الحاج دوارة بإصرار :-
    - النظام .
    نقص الطابور واحد ... تلاه الآخر ... ولم ينقص ... فالأعداد تتزايد ... ومهما نقص واحد أو أكثر ... فتبقى الأعداد كما كانت ... لا تنقص ولا تختل .
    ( تمت )

    سامح عبد البديع الشبة
    sameh_ss_center@yahoo.com

  9. #19
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر - بلطيم
    العمر : 49
    المشاركات : 285
    المواضيع : 38
    الردود : 285
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    ( 19 ) قصة قصيرة :- ود ممدود
    *******************

    تمشى ... تتقدم خطوة وتتأخر خطوة ... تقدم وتحجم عدة مرات ... تنظر يميناً ويساراً ... تركت ساقيها العاريتان الحافيتان تقوداها حيث تشاء .. لم تستسلم قط ... كان يساورها إحساس أنها ستجده أمامها سالماً معافاً من أى سوء ... ربما تجده بعد قليل ... وربما بعد أن تجهد نفسها وتلف حول بيوت جيرانها ... قررت أن تستأنف رحلة البحث عن ولدها التائه .
    أحست فى قرارة نفسها أنها لو رجعت للبيت لوجدته جالساً على عتبتها ... نائماً وقت القيلولة ... كانت واثقة أنها فى نهاية المطاف أنها ستجده لتأخذه بين أحضانها ... ترفرف عليه بجناح المودة والرحمة ... كانت تشعر أن صفارة بدء رحلتها الشاقة قد انطلقت منذ أن كانت فى السادسة من عمرها ... وأنها ستنزل الحلبة وأمامها هدف واحد لا غيره وهو ... الانتصار !
    فى طريقها للبيت سرح خياله ... هى مع أولادها وأحفادها داخل هذا البيت ... هم بجوارها ... لا يبرحون المكان أبداً .. فرحين ... يلهون بالألعاب الطفولية الممتعة .
    تهدهد أحد أحفادها لينام ... تحنو على الآخر بنظرة عطفٍ وحنان ... تخرج من تحت " إشاربها " الأسود خمسة قروش تعطيها لآخر ليكتم بكائه ... ويضحك كما تضحك هى والأطفل دون العاشرة .
    تمادت فى الحلم ... رأت أحدهم مقبل عليها ... يقبل جبينها ... ينحنى على كفيها ... تأخذه فى أحضانها ... يبكى ... تهدهده لينام ... وهو لم يتخط بعد الخامسة والعشرون !
    أفاقت على ضجيجٍ مفتعل من طفلٍ يلهو مع رفيقه فى الشارع ... مرت على بيوتٍ قديمة مثل عمرها ... دارت حول بيتٍ قديم .. وقفت تتأمل نوافذه المغلقة ... وهذا الباب الخشبى الموصد ... أرادت أن تنفذ فكرةً قد طرأت على بالها ... أن تفتح هذا الباب ... قبل أن تتقدم نحو الباب أدامت النظر إلى تلك النوافذ المتهالكة النخرة ... استدارت ... تراجعت ... صممت أن تفتح هذا الباب ... وبكل ما أوتيت من قوةٍ فتته ... ثم أغلقته خلفها .
    وجدت سلم داخل هذا البيت ... جالت بنظرها على المكان ... وبنظرةٍ دائرية ثاقبة ... رأت الكثير من خيوط العنكبوت المتكاثرة فى كل ركن من أركان هذا البيت .
    الدرجات السلمية الخشبية تئن تحت وقع قدميها .
    ارتجفت ... أحست بالخطر يحاصرها من كل اتجاه ... يكاد السلم ينخفض بها تدريجياً ... وأخيراً صعدت بسلام .
    وصلت لمكانٍ لم تتبين معالمه فى العتمة .
    عند ركن الدرابزين الشمالى يأتيها ضوء خافت فيضئ جزء من المكان ... فيكشف عن غرفٍ أمامها ... أصرت أن تمضى مجتازة هذه الظلمة بكل ما سوف يواجهها من مصاعب وكوارث .
    يأتيها صوت من داخل إحدى الغرف المغلقة... صوت قوى يخترق المكان ... وينفذ إلى أذنها :-
    - حذارى يا ريم ... ولا تصدقى !
    فزعت من السكون الذى ساد المكان ... وعلى أى حال ... فكل ما بداخل هذا البيت مليئ بالدهشة والرعب .
    قررت الهروب من الحصار الذى فرض عليها ... ارتدت درع الرعب ... انطلقت عبر درجات السلم ... اعترضها قط أبيض رافضاً استسلامها وهروبها ... ركلته بقدميها ... فسقط صريعاً وسقطت جواره على أرضية البيت الرملية .
    فاتت ساعة أو ساعتان ... فريم .. لا تدرى كم مضت من الوقت فى هذا البيت ... جلست القرفصاء ... دقات قلبها تتزايد ... تتصاعد أنفاسها ثانيةً بعد الأخرى ... أدركت أنها النهاية ... وأنه الموت الذى يدنو منها .
    أيعقل هذا ... أتموت ريم هنا ... لكم تمنت أن تعيش هنا .
    ولها صوت كأنه أمر واجب التنفيذ :-
    - اصعدى مرة أخرى إلى أعلى !
    قاومت ... نصبت قامتها ... ارتجفت ... فقدت الاتزان ... حاولت الوثوب ... لم تفلح ... حاولت مراتٍ ومرات ... كتمت نشيجها ... ثم اندفعت خارج البيت لتوالى رحلة البحث عن ولدها .
    حل الظلام ... جاءها هاتف :-
    - ريم ... إننا نعيش حياتنا فى تناقص ... كل يومٍ تغيب فيه شمس يغيب معها يوم من أيامنا ... فلا تنسى أبناءك لحظةً واحدة ... فراعيهم وكونى لهم الخادمة المطيعة .
    فى اتجاهها للبيت أسرعت خطاها ... أسرع إليها طفل يرتدى سروالاً أبيض وقميصاً من نفس اللون ... ووجهه يشع أشعةً وأنواراً قمرية ... كأنه ولد فى أحضان القمر وتشبه به .
    قال لها وابتسامة تعلو ثغره :-
    - أم صالح ... سيد رجع الدار .

    ( تمت )
    ( انتهت المجموعة )
    صادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة
    إقليم شرق الدلتا الثقافى
    ثقافة كفر الشيخ
    اشراقات
    5
    الطبعة الأولى / 2003م


    سامح عبد البديع الشبة
    sameh_ss_center@yahoo.com

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

المواضيع المتشابهه

  1. الشعرُ ضلّ وتاهت الأقلامُ (البحر الكامل والمحيط الكامل)
    بواسطة ربيع جرارعة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 24-03-2016, 04:20 AM
  2. النص الكامل " مراسيم شعرية "
    بواسطة محمد عبد المجيد الصاوي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 20
    آخر مشاركة: 06-04-2014, 12:19 AM
  3. كاتب يصدر مجموعته القصصية الأولى وعمره ( 9) سنوات
    بواسطة محمد سامي البوهي في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08-07-2007, 08:01 AM
  4. دراسة نقدية :- حول المجموعة القصصية الأولى " سنوات الجنون الأبدية "للقاص/سامح الشبة
    بواسطة سامح عبد البديع الشبة في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-11-2006, 01:39 PM
  5. القاص/ سامح عبد البديع الشبة
    بواسطة سامح عبد البديع الشبة في المنتدى تَرَاجِمُ أُدَبَاءِ الوَاحَةِ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 15-03-2006, 07:28 PM